أينما حل وظهر فهو دائمًا يثير الجدل بآرائه الشخصية عن الحياة والمرأة والسياسة، تطارده لعنة كونه ابنا لعاصي الرحباني وفيروز، ولأنه تخلص من إرث والده وقرر منذ أن كان مراهقًا الاستقلال فنيًا، بعيدًا عن تجربة الرحبانية. اختار الطريق الأصعب، وفضل أﻻ يمشي على نفس الدرب، وخرج بأغنياته عن أصول وقواعد الفن الرحباني، وخاض معركة فرض شخصيته وتجربته الذاتية علي فيروز نفسها، فانتزع منها البراءة والرومانسية الحالمة الممزوجة بالخيال، وأنزلها إلى الأرض بواقعيته الفظة الممزوجة بالألم والسخرية من الأوضاع الاجتماعية والسياسية.

وبسبب طبيعة شخصيته العنيدة العصية على الترويض، والتي كلفته اتهام البعض له بالغرور والتعالي، بالإضافة إلى حياته الشخصية التي امتلأت بالدراما المثيرة للجدل وللشفقة في بعض الأحيان، والتي كان لها نصيب كبير من فنه، فعلى الرغم من خسائره النفسية من تلك القصص، إﻻ أنه استغلها بشكل فني وصاغها بواقعيته وسخريته، مجسدًا واقعه كشخص مأزوم عاطفيًا، أو حتى ماديًا، ليخرج من هذه التجارب رابحًا. ماتت القصص، وذبلت الحكايات، وظلت الأغاني هي المرجع والأساس لكل حكاية من حكايات زياد، وإن نسيها مرغمًا.

ولعت كتير: قايلى بيت مش قايل تخشيبه

هذا التراك ببساطة هو شريط الصوت المصاحب لأدق تفاصيل علاقته بالممثلة اللبنانية «كارمن لبس» والتي امتدت عبر 15 عامًا انتهت بالانفصال. وعلى الرغم من كل تلك السنين إلا أن زياد كان متصالحًا جدًا مع نفسه وتوقع انهيار العلاقة، الأمر الذي جعله يقول بكل شفافية وصدق العاشق المهزوم؛ «كارمن كان لديها كل الحق لهجري، طوال الفترة التي عشتها مع كارمن، كنت أعدها بأن هذا الوضع، المكان الذي نعيش فيه، الحي، الشقة، الغموض والتشويش في حياتنا، كلها أشياء مؤقتة، وأني سأحاول إصلاح الوضع بأكمله»

إذا فكرك قوى .. يا فهلوى مانك بهالقوة .. ولا يوما راح بتصير

زياد فى هذا التراك كان يمارس بعضًا من جنونه على مستوى الكلمات ومستوى الموسيقى أيضًا، وأكبر مظاهر هذا الجنون في قصة الأغنية بالأساس والتي تسخر من الرجل، الذي لم يكن سوى زياد نفسه، ومن كونه لم يفلح في أن يجعل علاقته بأي امرأة مستقرة على الدوام، وتحدث على لسان فتاته التي ضاقت من مزاجيته وفوضويته ووعوده التي ﻻ تصدق، ومماطلته فى إصلاح الأحوال المعيشية بينهم، الأمر الذي كان واضحًا جدًا في طريقة صياغته والحكي بشكل مفصل أسباب فشل العلاقة والعراك اليومي المتكرر بينهم على أشياء تحدث في كل بيت عربي، بسخرية ممزوجة بالأسى والتذمر والهجوم على الرجل بشكل شرس فاضح تخطى مرحلة العتاب واللوم وأطلق العنان لكى يحررها من سيطرة الرجل المطلقة ومن بؤس العيش فى كنفه وحقها فى اختيار إنهاء العلاقة.

صدرت هذه الأغنية ضمن ألبوم «الموندوز»، أو «الجرعة الواحدة»، وهي التجربة التي اعتمد فيها زياد على مجموعة من الأغاني المتجانسة فنيًا، مع أداء تعبيري ساخر من مطربة العمل «سلمى مصفى» فى بساطة تامة خالية من التطريب، مع تدفق رائع وخلاب من موسيقى الجاز عبر كلمات زياد الساخرة من الرجل في محاولة منه لإعطاء المرأة حقها في التعبير بشكل أوضح عن مشكلتها الأبدية والأزلية في المجتمع الشرقي.

زعلى طول أنا وياك

زياد المعروف بأنه يقدم فنًا خارج الأطر الاستهلاكية التجارية، يحكي دون أي خجل عن إفلاسه ماديًا وقت اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، ولا يبرئ نفسه من تهمة التعاطي مع الفن بشكل تجاري بحت، كونه قرر الاشتراك وقتها في برنامج غنائي لتوفير مبلغ (8000 ليرة) سيساعده في أن يشترى سيارة كحلية اللون أعجبته.

كان عمه «إلياس الرحباني» يشرف على المحتوى الموسيقي لبرنامج غنائي بعنوان «ساعة وغنيه» سيقوم بإنتاجه تلفزيون الأردن وقت الحرب الأهلية اللبنانية، يتضمن البرنامج أكثر من 130 أغنية، يحصل الملحن علي مقابل 1000 ليرة في اللحن الواحد. سأله عمه بعد أن وافق، مرغمًا، على الاشتراك في كتابة ألحان البرنامج، كم أغنية تستطيع أن تلحن؟ فأجابه «ثمانية ألحان»، فعاد عليه عمه بالسؤال مستهجنًا؛ «ما السر في هذا الرقم المحدد، ثمانية؟»، فأجاب بأنه يريد أن يشتري سيارة. وعلى الرغم من سخرية عمه، إﻻ أنه وافق على إعطائه ثماني أغنيات، ووافق أيضًا على الإشارة في التترات عن اشتراكه في التلحين، دون كتابة اسمه على الأغاني التي قام بتلحينها.

يعود بعدها زيادة إلى بيروت حاملاً ثمانية آلاف ليرة، ليشتري السيارة، ويبقى في ذاكرته لحن من تلك الألحان الثمانية بعنوان «ورق الأصفر شهر أيلول»، كان يرى أنه لحن جيد ضاع وسط تلك الألحان الأخرى التي لم يكن راضيًا عنها. تستمع إلى اللحن السيدة فيروز، وتبدي اعتراضها على الكلمات، فيلجأ إلى الشاعر «جوزيف حرب»، وهو بالمناسبة صاحب الكلمات الأولى لنفس اللحن، فيعيد كتابة كلمات جديدة، لتخرج تلك التحفة الفنية في شكلها الجديد بعنوان «زعلي طول أنا وياك»، والتي صدرت في ألبوم «معرفتي فيك» في عام 1981. ومن الغريب أن الكلمات الأصلية التي سبق واعترضت عليها فيروز، ذهبت للملحن الراحل «فيلمون وهبة» لتغنيها فيروز ﻻحقًا في ألبوم «يا رايح» عام 1994.

مربي الدلال

يبدأ زياد تلك الأغنية بصوته، وبدون ترتيب منطقي للكلمات، فيقول:

بالعودة إلى العام 1975 المذكور في هذه المقدمة، يتضح أنه العام الذي شاهد فيه «دﻻل كرم» لأول مرة أثناء بروفات مسرحية السيدة فيروز «ميس الريم»، وقت ما كانت تعمل في فريق الدبكة اللبناني وانطلقت شرارة الحب بينهما، ثم الزواج في العام 1979.

كتب زياد هذه الأغنية بعد طلاقه الرسمي من دلال كرم في أوائل التسعينيات، وعلى خلفية تصريحات صحفية تتهمه بخيانتها، بالإضافة إلى إدمانه الكحوليات وهجرانه المتكرر لها، مفضلاً أن يقضي أغلب أوقاته في الأستوديو الخاص به ومع رفاقه الشيوعيين.

قرر زياد الرد على تلك التصريحات بأغنية تسخر من دلال مستخدمًا اسمها عنوانًا للأغنية، وشن هجومًا على والدها الطامع في زواجها من المحامي الذي سيدفع أكثر، وسخر من إمكانياته هو كرجل فقير يتقدم لخطبة فتاة وهو ﻻ يملك رأس مال سوى حبه، واستعان بصديقه المطرب الكبير «جوزيف صقر» الذي غنى الأغنية بشكل تعبيري فكاهي على خلفية ضحكات ساخرة من زياد.

صبحي الجيز: حجار وغبرة وصناديق

فقلد.. فيطيب لي بأن.. فأن هذه الواقعة وقعت.. فهي إذن واقعية وبالتالي فقد تم تلحين هذا اللحن بعد أن وقعت هذه الواقعة وكان ذلك في العام 1975.. حكما.. لذا أود لواقعيتها أن أغني مقطعًا منها في الأول ومقطعًا في الآخر.. شكرًا جدًا جزيلاً

كان لفن زياد وجه آخر هو السياسة، وتزامنت بداياته السياسية مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، حيث قدم مسرحيات اعتبرها البعض منشورات سياسية عبرت بغضب وانتقاد لاذع عن الواقع الطائفي اللبناني المعقد، ولم يخف زياد انتماءه الشيوعي وتمسكه بمبادئه الحزبية، وعبر عن ذلك فى حفل فى الذكرى الثانية والثمانين لانطلاق الحزب الشيوعي اللبناني قائلاً «الشيوعي لا يخرج من الحزب إلا إلى السجن أو البيت»

قام زياد الرحباني برثاء الكناس الشيوعي «صبحى الجيز» فى أغنية تحمل اسمه وأطلقها عبر صوت المطرب خالد الهبر في ألبومه «إلى حبيبتى على سبيل التطمين» عام 1976، وغنتها السيده فيروز ألبوم «ولاكيف» عام 2001.

لا يمكن الجزم بحقيقه وجود شخصيه تحمل هذا الاسم فالقصص متواترة عن كونه شخصية حقيقة أم محض خيال إبداعي من زياد، والأقرب للتداول أنه كان صديقًا للمطرب خالد الهبر وقتما كان يعمل عازفًا فى أحد كازينوهات بيروت.

لا يمكن الجزم بحقيقة وجود شخصية تحمل هذا الاسم فالقصص متواترة عن كونه شخصية حقيقة أم محض خيال إبداعي من زياد والأقرب للتداول أنه كان صديقًا للمطرب خالد الهبر وقتما كان يعمل عازفًا فى أحد كازينوهات بيروت.

وما بين واقعيتها أو جعلها مجرد محض خيال إلا أن (صبحى الجيز) هذا الكناس المعدم كان بمثابة أيقونة للنضال والثورة على الظلم والفساد دون شعارات زائفة وتأثر الشابان زياد والهبر بأفكاره الشيوعية وانتمائه للطبقة الكادحة التي تؤمن إيمانًا حقيقيًا بالعدل والمساواة عكس النخبة المثقفة التي تبنت خطابًا زائفًا عفنًا أدخل لبنان فى أتون حرب أهلية لا تهمنا طريقة موته والجدل المثار حوله سواء قتل من قبل النظام أم اقتلعه البرد والفقر والظلم من الحياة ظلت سيرة صبحى الجيز تترد على أسماع الناس بعد أن خلدها في أغنية حملت اسمه.