جلست بحيرتها تفكر في أمرها الذي طال لسنوات بعد زواجها بسبب عدم الإنجاب، على الرغم من دوامتها في سبيل البحث عن طبيب يعالجها حتى تشبع رغبة الأمومة التي تمكنت منها، وأثناء مشاهدتها للتلفاز لاحظت مفاجأة إحدى الشركات الداعية بمناسبة عيد الأم والتي تبشر بأن الأمر أصبح ممكنًا وأن هناك من كان يحلم مثلها واستطاع تحقيق حلمه، بعدما توجه إلى أحد المراكز الطبيبة التي تعلن عن نفسها بأنها تساعد على الشفاء من العقم وتحقيق حلم الأمومة.

على الفور بشرت زوجها بأن الطب أصبح غير عاجز أمام تلك الأمور وأن كل ما عليهما الآن هو البحث عن أحد المراكز والتوجه إليه، فما كان من الزوج إلا أنه اقترح عليها ضرورة بدء التحرك في الأمر ومعرفة التكاليف المستحقة والتي تكون في حدود الإمكانية المالية، ذلك الزوج الذي يعمل عاملًا بإحدى الشركات الخاصة وراتبه الشهري لا يتعدى 2000 جنيه شهريًا.


المرأة التي لا تنجب في المجتمعات العربية

ذلك الحلم الذي كبر معها لحظة بلحظة منذ أن بدأت تلعب بعروستها الصغيرة وترعاها كما ترعاها والدتها، تلك الأمنية التي تنامت معها وتعلمت منها أن دورها المستقبلي كفتاة يتمركز حول أن تصبح زوجة وأم، وبالتالي شعرت في عدم إنجابها باليأس وفي نظرات زوجها باللوم.

فغريزة الأمومة الربانية بهذه القوة كان الحرمان منها شديد القسوة عليها، فهي تشعر أنها حرمت من أهم خصائصها كامرأة، وخصوصًا في مجتمع عربي يبخس من حقوق المرأة العاقر وينظر لها بأنها تفتقر لأهم شيء يجعلها مرأة كاملة في عيون المجتمع، ففي الوقت الذي ترفض فيه المرأة الطلاق من الرجل العقيم يسرع هو للانفصال عنها إذا اكتشف أنها لم تستطيع أن تحقق حلمه بإثبات وجوده بالمجتمع وتسلسل نسبه.

في الوقت الذي كانت فيه تدور كل هذه الأفكار في ذهنها، جلس زوجها في الغرفة المجاورة شارد الذهن يفكر في نفس الأمر تتوارد أفكار في عقله أنه يعيش بمجتمع شرقي يقدس الحياة الأسرية النمطية، تنفصل فيه علاقات كانت ناجحة جدًا لمجرد تعثر المرأة في الإنجاب، فالأسرة الناجحة هي التي تتكون من أب وأم وأولاد.

في نفس الوقت ذهب فكره إلى أبعد من تلك المجتمعات، فوجد أن هناك المجتمع الغربي البنون فيه ليسوا في الأولوية لكن التراحم والحياة الهادئة بين الزوج والزوجة هو الأهم، لكن سرعان ما عاد إلى فكره القديم ولكلمة والدته التي تتردد في أذنه «نفسي أشوف ابنك اللي يشيل اسمك في المستقبل»، أفاق الزوج من هذا الشرود وعاد إلى الواقع الذي يعيش فيه مستندًا إلى الآية القرآنية التي تؤكد على أن« المال والبنون زينة الحياة الدنيا» ليثبت لنفسه أن تفكيره في الإنجاب أمر مفرغ منه وأن لا وجود لأسرة سعيدة بالمجتمع الشرقي دون أطفال.


رحلة البحث عن الأمومة

«رحلة الكعب الدائر» كانت من نصيب الزوجة التي رفضت أن تستسلم لكل المشككين في شفائها، بدأت بالذهاب إلى أطباء بعياداتهم لم تجد أمامهم سوى مجموعة من الأدوية المكلفة جدًا بالمقارنة لقدراتهم المادية البسيطة، لكن الزوج والزوجة كانا يفعلان كل ما بوسعهم من أجل تحقيق حلم استمر يراودهما لمدة 5 سنوات.

لكن بعدما استقرت على أحد الأطباء المعالجين عرضت عليه الأمر الذي رأته على إحدى قنوات التلفاز، فقد قررت أن تخضع لإجراء عملية الحقن المجهري بعدما عجزت كل الأدوية عن شفائها، لكن الطبيب الذي كان يعلم جيدًا بحالة الزوجة المادية أبلغها بأن تلك العمليات تتكلف الكثير من الأموال ما بين التحاليل وإجراء الجراحة نفسها.

بعد رحلة بحث طويلة تأكدت من خلالها أن استكمال العلاج لتحقيق حلم الإنجاب على نفقتها سيرهقها وسيكلفها الكثير من الأعباء هي وزوجها، لجأت للسؤال والبحث عن طريق العلاج على نفقة الدولة.


الدولة لا تنفق على حلم الأمومة

ومع البحث علمت بأن هناك شروطًا محددة لمستحقي العلاج على نفقة الدولة، والتي تتمثل في أن يكون المواطن مصري الجنسية، ولا يتمتع بمظلة تأمينية (ليس لديه تأمين صحي)، وأن يكون غير قادر على تكاليف العلاج، ولديه أصل تقرير لجنة ثلاثية معتمد ومختوم من إحدى مستشفيات تقديم الخدمة وتقرير طبي وأبحاث وتقارير حديثة عن حالته.

لم تدم فرحتها طويلاً بتلك الشروط التي تبدو في كلماتها البسيطة أنها تنطبق عليها كمواطنة مصرية تعاني من إحدى حالات العقم وتريد العلاج منه حتى تستطيع الإنجاب، بعدما علمت وتأكدت أن تلك الشروط تستلزم أن يكون المريض يعاني من أحد الأمراض المزمنة مثل أمراض العظام والسكر والقلب والأورام، لكن أمراض العقم لم تكن في الحسبان فهي بالنسبة للدولة رفاهية على من يريد أن يتمتع بها أن يتحمل تكاليفها.

وفي الوقت الذي تناست مصر وبعض الدول العربية الأخرى أن علاج النساء ومساعدتها على الإنجاب -خصوصًا مع تزايد الحالات بشكل ملحوظ- أمر لا بد منه وجعلت كل التكاليف المادية على كاهل الأسرة التي تريد تحقيق حلم عمرها في الحصول على طفل، كانت هناك بعض الدول الأخرى وضعها أقل بؤسًا لوجود بعض الخدمات التي تحد من تلك الأزمة.

ففي عام 2004 وقّعت دولة البحرين اتفاقًا بموجبه يتم علاج حالات العقم في البحرين، هذا الاتفاق سيساهم في خفض تكاليف العلاج بنسبة 60% وذلك بدلاً من إرسالها إلى الخارج، حيث سيقوم المستشفى بتوفير العلاج عن طريق تقنية أطفال الأنابيب. أما في عام 2008 قام «فيرست ناشيونال بنك» اللبناني بتقديم قروضه لتشمل علاج أمراض الخصوبة، وفي عام 2013 وافقت هيئة الصحة في دبي على إطلاق عقار جديد لعلاج العقم، يساعد على تحسين الخدمات العلاجية للمرضى المترددين على عيادات الإنجاب.


«الحقن المجهري وطفل الأنابيب»: أحلام ضائعة وسط التكاليف الباهظة

على الرغم من أن ميزانية العلاج على نفقة الدولة وصلت إلى ما يقرب من 4.2 مليار جنيه، إلا أن مريضي تأخر الإنجاب ليسوا في قائمة المستحقين من هذه الميزانية، بالرغم أيضًا من أن هناك إحصائية رسمية في 2015 كشفت بأن هناك 2 مليون حالة عقم في مصر، كما كشفت الأبحاث التي تمت بالقصر العيني أن هناك عدة أسباب لزيادة العقم لدى الزوجين، منها:

علمت بأن هناك ما يسمى بالحقن المجهري إلى جانب طفل الأنابيب لكنها لم تكن تعلم ما هو الفرق بينهما، فتوجهت إلى طبيبها الخاص مرة أخرى لتسأل عن الفرق بينهما حتى تهيئ نفسها لما ستنفقه من أموال باهظة حيث إن كلاً من تلك الاختيارات له تكاليفه.

وقد أوضح لها طبيبها المعالج أن طفل الأنابيب يتم بوضع عدد كبير من الحيوانات المنوية الذكرية داخل أنبوب محاط ببيئة تشبه الرحم عند المرأة مع بويضة واحدة من المرأة، ثم تقوم الحيوانات المنوية بعملها كأنها بالرحم وتحاول الحيوانات المنوية اقتحام البويضة حتى يفوز أحدها بدخول البويضة ومن ثم يتم التلقيح والحقن داخل رحم المرأة حتى يكمل الحمل مراحله داخل رحم المرأة.

وأخبرها أيضًا بأن الحقن المجهري يعتبر أفضل وأكثر تطورًا من طفل الأنابيب؛ لأنه عبارة عن حقن حيوان منوي واحد داخل البويضة مباشرة داخل الرحم بواسطة تدخل طبي مباشر.

ولأنها كانت في منتصف العقد الثالث من عمرها أراد طبيبها أن يطمئنها من نسبة نجاح تجربة الحقن المهجري بعدما اختارت أن تخوضها بأن نسبة النساء اللاتي تترواح أعمارهن من 25 حتى 30 عامًا تعتبر نسبة النجاح بين 32% وحتى 35%، بينما نسبة النساء بين العمر 35 – 37 عامًا تترواح نسبة نجاح الحقن المجهرى بين 27% وحتى 29%.


حلول ليست للفقراء

ازدياد ملحوظ فى تعداد السكان وما يواكبه من تطورات قد تؤثر سلبًا على الصحة العامة، من ازدياد مصادر التلوث والضغط العصبي بالإضافة إلى ارتفاع معدل سن الزواج وغيرها.

وجدت إجابات لكل ما يدور بذهنها المشغول بالإنجاب وبعملية الحقن المجهري واطمأنت نسبيًا من حيث نسبة نجاح تلك العملية المذكورة.

لكن الأزمة التي لا زالت قائمة لديها وهي كيف ستجمع المبلغ المستحق لإجراء تلك العملية، بعدما علمت أيضًا بأن عمليات الحقن المجهري من الأساليب المرتفعة السعر؛ بسبب نتائجها التي تكون مضمونة في الأغلب عن غيرها من الأساليب.

فقد وجدت أن أسعار تلك العملية تتفاوت بحسب المركز ومكانه ومدى شهرته وسمعة الطبيب، لكنها علمت أيضًا أن مجمل الأسعار تكون بحوالي من 10000 جنيه مصري وحتى 25000 جنيه.

عادت لتخبر زوجها بنتائج رحلتها المريرة والتي كمنت في ضرورة إجراء عملية الحقن المجهري، لكن زوجها أخبرها أيضًا بأن تكاليف مثل هذه العمليات الجراحية فوق قدراته المالية، حيث إن راتبه الشهري لا يتعدى الــ 2000 جنيه وبالتالي بدء الطريق لتحقيق حلمها باستخدام الحقن المجهري فوق قدراته المالية.

انتهى الزوجان من حديثهما وعادت الزوجة مرة أخرى إلى أريكتها لتفكر ماذا تفعل أمام رغبتها التي وهبها الله إياها كامرأة بإنجاب طفل يملأ حياتها، وماذا عن نظرة المجتمع لها كامرأة لا تنجب ينال من مشاعرها في كل عيد أم ويذكرها بمعاناتها، وأمام كل التكاليف المالية المطالبة بها لتحقيق هذا الحلم غير المعترف به من الدولة ومؤسساتها الطبية.

المراجع
  1. شروط العلاج: الخروج من مظلة التأمين وعدم القدرة واللجنة الثلاثية
  2. ميزانية الدولة
  3. نجاح تجربة الحقن المهجري
  4. سيكولوجية الأمومة
  5. الأسرة العربية: زيادة الأولاد وقلة الموارد