السؤال الذي يراودنا دائمًا مع متابعة ذلك الحرص الكبير من قبل المسؤلين عن المهرجانات المصرية على استضافة وتكريم أكبر عدد من «النجوم»بترتيب أهميتهم بالنسبة لأي مهرجان (ممثلين–مخرجين-أحيانًا كتاب) هو:

لماذا تقتصر رغبة المهرجانات على الاستفادة من النجوم إعلاميًا وإعلانيًا دون أن تحاول الاستفادة منهم فنيًا؟.

إن أغلب المهرجانات المصرية -إن لم يكن كلها- تشكو دومًا من أزمات مالية تخص تذاكر الطيران، وفرص الإقامة الجيدة المتاحة للضيوف، ورغم أن تلك الشكوى غالبًا ما تتمحور حول تذاكر الطيران الدولي لصناع الأفلام المشاركة في الفعاليات، إلا أننا لا نستشعر أن ثمة أزمة فيما يخص استضافة النجوم المصريين، خاصة في المهرجانات المقامة خارج العاصمة مثل الأقصر الأفريقي، وشرم الشيخ الأوروبي، وأسوان لأفلام المرأة، بل وحتى شرم الشيخ لمسرح الشباب، وغالبًا ما تبرر المهرجانات تنافسها في استضافة النجوم في أن هذا العنصر الأساسى من الدعاية، ونوع الجذب للرعاة والهيئات الرسمية وغير الرسمية التي ترمي المهرجانات إلى الحصول على دعمها بأشكاله المختلفة.

هذا أمر لا غبار عليه من الناحية المادية التي تعتبر العمود الفقري بالنسبة لأي مهرجان، لكن الأزمة الحقيقية من وراء مسألة التنافس على استضافة النجوم هو غياب الإجابات على الأسئلة الفنية في مقابل الاكتفاء بالشق المادي والدعائي.

فعلى سبيل المثال: من هم نجوم المرحلة الحالية التي يحرص المهرجان على دعوتهم من باب الدعاية وخلق بريق إعلامي؟، هل هم ممثلو الأفلام السينمائية الهزيلة التي تعرض كميًا في دور العرض وليس لديها تراكم كيفي من أي نوع، أم هم ممثلو الدراما التليفزيونية التي تعتبر هي الوسيط الأكثر طغيانًا في البريق خلال الفترة الحالية التي تقارب الخمس سنوات؟.

هل هناك مراعاة جيلية لطبيعة النجوم المدعوين إلى المهرجانات؟؛ بمعنى هل تحرص أي إدارة على أن يمثل ضيوفها أجيالاً وشرائح مختلفة من النجوم، أم يتم الاكتفاء بعدد من الأسماء من باب الصداقة والود والفراغ المهني؟.

إن المتابع للمهرجانات الثلاثة المتوالية (أسوان، وشرم الشيخ، والأقصر) سوف يجد وجوهًا بعينها تتكرر خلالها، وجوهًا محببة لكن تكرارها ليس له أي معنى، وجوهًا ليس لديها مشاريع فنية مميزة ولا حضور براق على الساحة السينمائية الآن، وجوهًا تنتمي إلى جيل واحد تقريبًا (جيل الكبار).

يأتي النجوم المصريون إلى المهرجانات التي تعاني من ضعف الميزانيات لكي يسيروا على السجادة الحمراء والخضراء والشفافة، يجلسون في الصفوف الأولى ويثيرون زوبعة صحفية وإعلامية حولهم دون تنسيق عاقل، يصعدون إلى خشبة المسرح في الافتتاحات بغرض الحصول على صور تذكارية (تشعل مواقع التواصل الاجتماعي)، وفي اليوم التالي ومع بدء الفعاليات تبدأ الجولات السياحية والتصوير في المناطق المميزة من كل مدينة، ويبدأ كل معلن أو جهة من الرعاة في إقامة حفلات الغداء أو العشاء على شرف النجمة الفلانية والنجم العلاني.

لو اعتبرنا أن هذا هو الشق المادي الإعلامي في حضور النجوم فلا يمكن أن نلومهم أو نلوم المهرجان الذي دعاهم لكي يصنعوا له الواجهة البراقة المطلوبة من أجل استمرار المشروع بدعم وتمويل الرعاة والجهات.

ولكن أن يصبح هذا هو جل المشاركة المهرجانية للنجوم في المهرجانات فهذا ما يمكن أن نعتبره واحدة من أزمات المهرجانات المصرية بلا استثناء.

ففي مقابل هذا الحضور المكلف جدًا والذي يمتد مع الكثير من النجوم إلى كامل أيام المهرجان سوف نجد غيابًا كاملاً لتواجدهم في قاعات العروض، اللهم باستثناء الأفلام المصرية المشاركة في المسابقات الرسمية أو التكريمات، وغالبًا ما يكون حضورهم أقرب للمجاملة منه للتفاعل الحقيقي من خلال المشاهدة والتحاور مع صناع الفيلم، حتى ولو من باب التشجيع والدعم المعنوي والدعاية المجانية لصناع سينما أغلبهم من الشباب، أو التواجد أمام صناع الأفلام الأجنبية الذين لا يعلمون شيئًا عن السينما المصرية.

ويكفي أن نضرب مثلاً بما حدث أثناء عرض فيلم أخضر يابس إخراج محمد حماد في أولى تجاربه الطويلة، وهو واحد من أهم الافلام المصرية في السنوات الأخيرة، وشهد مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة عرضه المصري والأفريقي الأول، حيث دخل مجموعة من النجوم في زوبعة من الكاميرات، ثم جلسوا لمشاهدة الفيلم وقبل أن تضاء القاعة غادروا مسرعين في الظلام قبيل بدء النقاش مع المخرج الشاب وبطلة الفيلم. وفي الحقيقة كانت تلك هي المرة الوحيدة التي شاهدناهم فيها داخل قاعة العرض باستثناء حفلتي الافتتاح والختام بالطبع واللتين أقيمتا في نفس القاعة.

وهنا نجد الأسئلة تفور مرة أخرى: فلماذا لا يتم الاتفاق بشكل واضح وصريح مع النجوم من ضيوف المهرجان على حضور العروض كلها، على اعتبار أن هذا هو جزء أساسي من نشاط أي مهرجان سينمائي؟، على أن يتم منحهم نصيبهم من الرحلات والفسح في غير أوقات العروض والفعاليات المهمة التي يجب أن يتواجدوا فيها بصفتهم الفنية والمهنية على حد سواء!.

لماذا لا يتم الاستفادة من أجيال النجوم الكبار (سنًا وخبرة ومكانة) في إعطاء (دروس السينما) لجمهور المدينة ورواد المهرجان من الشغوفين بمثل هذه النشاطات؟.

هل يعقل أن نستضيف مخرجًا بحجم «عبد الرحمن سيساكو» في فعالية تكريم له خلال الدورة الأخيرة من مهرجان الأقصر، ولا يتم تنظيم درس للسينما بعدد ساعات مُعتبر يقدم من خلاله هذا المخرج الكبير خلاصة خبرته المهنية والإبداعية في مجال صناعة الأفلام؟!.

هل من المنطقي أو التكريمي أو الشرفي أن يتم تنظيم مؤتمر صحفي في الصباح الباكر عقب حفل الافتتاح –الذي امتد لساعتين ونصف- لكل من سيساكو، ويسري نصر الله (المكرمين) مجتمعين وليسا منفردين على أقل تقدير، ومع غياب كامل لفكرة درس السينما الذي كان من الممكن أن يأتي إليه محبو السينما ودارسوها من القاهرة خصيصًا لحضوره مع سيساكو؟!.

لا أحد ضد إقامة مؤتمر صحفي لأي ضيف أو نجم، ولكن في بلد يعاني من أمية سينمائية ودرامية وفنية عالية الجودة، ويحتوي على المئات بل وربما الآلاف من محبي السينما والشغوفين بصناعة الأفلام، يجب أن تتوازى الصورة الإعلامية والصحفية، مع المحتوى الفني وانتقال الخبرات من جيل لجيل؛ لأن الفن والسينما أفق لا نهائي وممارسة غريزية مستمرة بلا توقف.

إن وجود النجوم داخل قاعات العرض هو في حد ذاته عنصر جذب جماهيري ومجاني واسع التأثير، في سياق حث جمهور المدينة المفتقد على الحضور ولو من باب (الفرجة على الممثلين) وبالتالي استدراجهم لمشاهدة الأفلام التي قد يروقهم بعضها، وبالتالي يبدأون في التسرب إلى القاعات وربط متعة الحدث بمتعة المشاهدة.

ثم إن ازدحام أي مهرجان بعدد من دروس السينما للممثلين والمخرجين والمنتجين الحاضرين وذلك بإدارة النقاد المتواجدين هو مكسب ثقافي وفني هائل لا يمكن تصور حجم خسارته السنوية التي تتراكم من دورة لدورة، خاصة مع عملية تخفيض الميزانيات وارتفاع تكاليف المهرجانات بما يهدد استمرار بعضها بالفعل.

دعونا أيضًا نُذكر بكيفية تعامل المهرجانات المصرية مع الضيوف الأجانب في مقابل مساحة الضوء والبريق الإعلامي التي تنصب على النجوم المصريين، فأغلب المهرجانات تركز بشكل كبير على حضور النجوم المصريين دون منح الاعتبار اللازم والكافي للممثلين وصناع السينما الأجانب.

ويكفي ما حدث مع الممثلة الرومانية «كريستينا فلوتور» في مهرجان أسوان والتي تم إقصاؤها من أغلب الجولات السياحية للنجوم المصريين واضطررنا كمجموعة صغيرة من النقاد والمخرجين أن نضمها إلى جولاتنا المحدودة في المدينة، والتي كانت جولات مدفوعة الأجر، أجل كانت جولات الوفود المصرية والأجنبية، من غير مجموعة النجوم المصاحبة لرئيسة المهرجان الشرفية، جولات مدفوعة الأجر، في سابقة لم تحدث من قبل في أي مهرجان دولي أو محلي، أن يقوم الضيوف بدفع مقابل جولات الدعاية السياحية وزيارة الأماكن الأثرية في مدينة كأسوان (للمصريين 30 جنية والأجانب 50 يورو) والتي لا يمكن وصفها إلا بكلمة واحد «فضيحة».

ناهينا عن أنه لولا الشكوى من تجاهل الممثلة الحائزة على «سعفة كان» على المستويين الإعلامي والفني على حد سواء -باستثناء منحها تمثالاً خشبيًا أنيقًا في حفل الافتتاح- لما قامت إدارة المهرجان بتنظيم (مؤتمر صحفي) لها أداره كاتب هذه السطور محاولاً تحويله إلى درس من دروس السينما- المفتقد- للحديث عن خبراتها التمثيلية التي مكنتها من الحصول على السعفة في سن الثلاثين، ولكن لأنه لم يكن مجدولاً ضمن الفعاليات فقد أقيم على عجالة أثناء الجلسة الختامية لأعمال الورش الإبداعية التي نظمها المهرجان، وبالتالي كان الحضور شحيحًا بما لا يليق باسم صاحبة المؤتمر أو الندوة.

وبالمثل لا يُستثنى من ذلك ما فعله مهرجان الأقصر الأفريقي حين قام بدعوة 25 من صناع السينما المغربية في وفد رائع، ثم الاكتفاء بندوة عامة عن السينما المغربية أدارها أيضًا كاتب هذه السطور –الذي صرح له الضيوف المغاربة عقب الندوة أنهم لم يكونوا على علم بطبيعة الندوة وأنهم حضروا للمجاملة الإعلامية فقط أثناء تكريم الممثل المغربي «محمد مفتاح»، وإذا بهم يفاجأون أن التكريم ما هو إلا ندوة تتطلب المشاركة والإجابة عن أسئلة هامة حول المشهد الحالي للسينما المغربية!.

ألم يكن من الأفضل أن تتحول الندوة إلى مائدة مستديرة حول السينما المغربية؟،وهو بالمناسبة التصريح الذي أطلقه أحد المنتجين المغاربة المدعوين إلى (الندوة) بدلاً من الأسئلة العشوائية التي راحت تنطلق هنا وهناك بشكل أجبر كاتب هذه السطور على دعوة الصحفيين المصريين للاستفادة من وجود هذا الكم من صناع السينما المغربية في إجراء مقابلات معهم ليصبح لهذا الحضور الباذخ وغير المسبوق معنى حقيقي.

هل يعقل أن تنظم إدارة المهرجان تكريمًا للسينما المغربية فتقوم بدعوة مخرجين دون عرض أفلامهم (مثل «داود أولاد السيد» و«حسن بنجلون») ثم تقوم بعرض أفلام دون دعوة مخرجيها!، ناهيك عن الاختيار العشوائي لهذه الافلام التي لا يمثل بعضها السينما المغربية من الأساس مثل «روك القصبة»؟!.

كيف لا يتم إقامة دروس سينما يلقيها هؤلاء المخرجون والممثلون والمنتجون والنقاد المغاربة الحاضرون للحديث عن السينما المغربية والإنتاج المشترك وكيفية تفعيل بروتوكول التعاون بين مصر والمغرب والموقع من عام 1998.

هل غاب عن إدارة المهرجان أن هؤلاء المخرجين والمنتجين أبدوا استعدادهم لإهداء أفلامهم مجانًا إلى القنوات المصرية والأماكن الثقافية المعنية بعرض أفلام من خارج مصر، بل وترجمتها إلى العربية الفصحى؟ (في سابقة لم تحدث من قبل نظرًا لاعتداد المغاربة الشديد بلهجتهم)، بينما لم تكلف إدارة المهرجان نفسها عناء تنسيق لقاءات مع ممثلي القنوات التلفزيونية أو الموزعين أو مديري البرامج الثقافية في الجهات غير الرسمية.

هل كان العدد فقط هو المهم، أم محتوى الزيارة وفعالية وجود هذا الوفد الضخم؟،وهل يعلمون أن النشاط الأساسي للوفد المغربي خلال المهرجان هو شراء ملابس من القطن المصري الناعم الذي لا يوجد مثيله في المغرب؟.