أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، الأربعاء 10 مايو الجاري، أنه أوكل إلى المؤسسة العسكرية في البلاد حماية الثروات الطاقية والمتمثلة في المنشآت النفطية وحقول الغاز وشركة الفسفاط، وذلك على خلفية اعتصام مفتوح ينفذه عدد من شباب مدينة تطاوين الواقعة في جنوب البلاد.

ويطالب المحتجون في منطقة الكامور من محافظة تطاوين في اعتصام يحمل شعار «لا تراجع»، بتوظيف أبناء المنطقة في الشركات البترولية المنتصبة في البلاد، وإنشاء صندوق لتنمية الجهة يتم تمويله من العائدات النفطية.


خطاب لم يرقَ لمستوى التطلعات

يعتبر إعلان السبسي عن عسكرة الموارد الطاقية إقحامًا للجيش في مواجهة غير واضحة المعالم مع الأهالي والسكان الغاضبين، وربما تكرار لما حدث في الحوض المنجمي عام 2008، حين أقحم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الجيش في مواجهة مع سكان محافظة قفصة في جنوب غربي البلاد.

أخذ الخطاب حيزًا مهمًا من القراءات والتأويلات خاصة وأن أحد مستشاري الرئيس أفاد قبل إلقاء السبسي خطابه بأنه خطاب تاريخي، وأن تونس بعد 10 مايو تختلف عن تونس ما قبله. ولكن بخلاف مطالبة الجيش بوضع حد للاحتجاجات الشعبية التي تميزت بالسلمية، لم يرق خطاب الرئيس إلى مستوى الخطاب التاريخي ولا إلى تطلعات الشباب المحتجين في المناطق المهمشة في البلاد.

وقال السبسي إن «مسيرة الديمقراطية في تونس مهددة بشكل جدي»، وانتقد الأحزاب المعارضة التي تطالب بإسقاط حكومة يوسف الشاهد رغم عجزها على تجاوز الأزمات المستفحلة في البلاد، وأقصى ما قام به رئيس الحكومة من إصلاحات هو السير في طريق الإقالات، حيث أقال ثلاثة وزراء هم: عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية، ناجي جلول وزير التربية، ولمياء الزريبي وزيرة المالية.

كما انتقد السبسي رد فعل الأحزاب السياسية والمنظمات الرافضة لمشروع قانون المصالحة الذي اقترحته مؤسسة الرئاسة على مجلس نواب الشعب. ويتضمن قانون المصالحة العفو عن حوالي 400 رجل أعمال متهمين بالاستفادة من الأموال العمومية في زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إلى جانب العفو عن الآلاف من موظفي الدولة المتهمين بالفساد المالي والإداري قبيل الثورة.


قانون المصالحة يثير الجدل

يؤكد القائمون على حملة «مانيش مسامح» الرافضة لقانون المصالحة أن مقترح رئاسة الجمهورية فيه ضرب للهيئات الدستورية، مثل هيئة الحقيقة والكرامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ولمبدأ التحكيم والمصالحة، معتبرين أن مقترح الرئاسة لا يعدو أن يكون مسارًا موازيًا لمسار العدالة الانتقالية.

كما أثّر قانون المصالحة على العلاقة بين حركة النهضة من جهة، ومؤسسة الرئاسة وحركة نداء تونس من جهة أخرى؛ مما أدى إلى ظهور اضطراب في العلاقة بين الرئيس التونسي والنهضة، على خلفية إصدار مجلس شورى النهضة لبيان أعلن من خلاله عن رفض مشروع قانون المصالحة بصيغته الحالية.

وتستعد أحزاب تونسية منها الحزب الجمهوري، وحركة الشعب، وحزب التيار الديمقراطي، وحزب التكتل، وحزب التحالف الديمقراطي، والجبهة الشعبية، ومنظمات من المجتمع المدني إلى تكوين ائتلاف مدني سياسي رافض للمصالحة.


استقالة صرصار تلقي بظلالها على خطاب السبسي

تتصاعد وتيرة الأحداث في تونس نتيجة لارتفاع حدة الجدل السياسي والقانوني، مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية (انتخابات السلطة المحلية) القادمة. فهذه أول مرة في التاريخ يقبل فيها التونسيون على ديمقراطية تشاركية تمنح السلطات المحلية صلاحيات واسعة في تسيير مؤسسات الحكم.

وأدى الانقسام بين أحزاب جاهزة لخوض غمار الانتخابات مثل حركة النهضة الإسلامية وأحزاب تعترض على تاريخ إنجازها المقرر في أواخر العام الحالي، بسبب عدم جاهزيتها على غرار شريك الحكم حزب نداء تونس، إلى انقسام داخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أسفر عنه استقالة شفيق صرصار رئيس الهيئة وعضوين منها.

وقال شفيق صرصار: صونًا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتزامًا بالقسم الذي أديناه لما تولينا المسؤولية بأن نعمل على ضمان انتخابات حرة ونزيهة واحترام الدستور والقانون، فقد قررنا نحن محمد شفيق صرصار رئيس الهيئة، والقاضي مراد المولي نائب الرئيس، والقاضية لمياء الزرقوني عضو مجلس الهيئة، الاستقالة من مهامنا.

وتفيد الأنباء أن قرار صرصار بالاستقالة سببه ضغوطات تعرض إليها من مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تنوي فرض إجراء استفتاء شعبي على هيئته من أجل تمرير قانون المصالحة، وهو ما يعتبره المراقبون عرقلة لاستعدادات الهيئة لإجراء الانتخابات المحلية واستنزافًا لطاقتها.

وخرج التباين في توجهات أعضاء الهيئة بعد أن أعلن العضو نبيل بوفون عن استعدادهم لإجراء الاستفتاء في حال طلبت منهم مؤسسة الرئاسة ذلك، الأمر الذي اعتبره أعضاء آخرون تشتيتًا لجهود الهيئة.

ودفعت استقالة صرصار الرئيس التونسي إلى عدم الإعلان عن إجراء استفتاء على قانون المصالحة ليفوت الفرصة على الرافضين له، مؤكدًا أن تمرير القانون من عدمه لن يحسمه الشارع، وإنما يُحسم داخل المؤسسة الدستورية ذات القرار الفصل: البرلمان.

وأصدرت حركة النهضة بيانًا دعت فيه رئيس الهيئة وزميليه للتراجع عن استقالتهم، مؤكدة على تمسكها بإجراء الانتخابات المحلية في موعدها، في 17 ديسمبر 2017، حسب الرزنامة التي أقرتها الهيئة، وأعربت الحركة عن أسفها لهذا الإعلان المفاجئ، خصوصًا في مثل هذا التوقيت الذي دخلت فيه البلاد عمليًا في الإعداد لتنظيم الانتخابات المحلية.

ودعت صرصار وزميليه إلى تغليب مصلحة البلاد واستئناف عملهم لاستكمال إحدى أهم المراحل الانتخابية، من خلال نقل جزء مهم من السلطة من مؤسسات الحكم المركزي إلى حكم المحليات والجهات وفقًا للباب السابع من الدستور . كما دعت أيضًا حركة نداء تونس في بيان لها، أعضاء الهيئة، إلى تجاوز خلافاتهم الداخلية وتغليب الحكمة والمصلحة العليا للبلاد.


انتخابات محلية بين الرفض والقبول

أقر الدستور التونسي في بابه السابع مبدأ اعتماد السلطة المحلية من أجل تجسيد اللامركزية، والحد من الإفراط في المركزية عبر تشريك المواطن في إدارة الشأن المحلي من تخطيط للمشاريع التنمية ومتابعة سبل تنفيذها.

وأقر الفصل 139 من الدستور أن الجماعات المحلية تعتمد «آليات الديمقراطية التشاركية، ومبادئ الحوكمة المفتوحة، لضمان إسهام أوسع للمواطنين والمجتمع المدني في إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية، ومتابعة تنفيذها طبقًا لما يضبطه القانون».

ويرى مراقبون أن سبب الخلاف لا يقتصر على الموعد المحدد لإجراء الانتخابات البلدية فحسب، وإنما أيضًا على الشروط التي وضعتها الهيئة من أجل الحصول على التمويل العمومي والتي تتمثل في احتواء القائمة الانتخابية على شاب من بين الأسماء الثلاثة الأولى، ومعاق من بين الأسماء الستة الأولى إلى جانب مبدأ التناصف. وتعتبر هذه المقاييس غير قابلة للتطبيق ولا يمكن لأكبر الأحزاب في البلاد أن تلتزم بها في كل الدوائر الانتخابية المحلية.

ومر القانون الانتخابي بمرحلة من التجاذبات، حيث لم يصادق مجلس نواب الشعب على القانون الانتخابي إلا في غرة فبراير الماضي، بعد خلاف بين الكتل البرلمانية بشأن تصويت القوات الحاملة للسلاح من أمن وجيش في الانتخابات.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.