سيرحل عباس عاجلًا أم آجلًا.

هكذا صرح أحد المفاوضين الفلسطينيين السابقين في تعليق له على رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس»، الذي فقد شرعيته كرئيس لسلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود منذ عام 2009، أي منذ انتهاء فترة رئاسته، ولكن عباس جدّد لنفسه فترات رئاسية غير شرعية، ما زالت مستمرة إلى وقتنا هذا، ولكن من الواضح أنها لن تستمر لفترات أطول.

فعباس الذي بلغ من العمر ما بلغ، وجد نفسه مُحاصرًا بعدد من الأزمات، خلّفتها القرارات والمواقف التي اتخذها في الآونة الأخيرة، والتي شكلت خطرًا على مستقبله السياسي، وكانت بمثابة ناقوس إنذار دق لينبه الشعب الفلسطيني أن الوقت قد حان لرحيل الرجل الثمانيني، فاحتدم الجدال مؤخرًا حول من سيتولى دفة القيادة من بعده، لا سيما أن كل من أراد هذا المنصب قد شمَّر ساعديه، استعدادًا لخوض المعركة، وفي هذا التقرير المُقسم لجزأين سنحاول أن نستعرض أبرز الشخصيات المحتملة لوراثة عرش عباس.


1. محمد دحلان: الصراع بين النفوذ وإرادة الشعب

هو من يتربع على قائمة المرشحين المحتملين لرئاسة السلطة الفلسطينية، فهو السياسي الفلسطيني البارز ورئيس جهاز الأمن الوقائي سابقًا.

ولد دحلان في 21 سبتمبر/أيلول 1961 بمدينة خان يونس في قطاع غزة لأسرة نازحة من قرية حمامة فلسطين بعد نكبة 48، وقد التحق دحلان بمصر لدراسة التربية الرياضية أواخر السبعينيات، ثم عاد إلى غزة وحصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الإسلامية.

رغم مساعي دحلان للوصول للسلطة، فإن ذلك لا ينفي الحديث عن ضعفه كزعيم فلسطيني، وتواضع شعبيته داخل فلسطين.

في عام 1981 اعتقلت قوات الاحتلال دحلان ليقضي خمس سنوات في السجون الإسرائيلية قبل ترحيله إلى الأردن عام 1988، وبعد خروج المقاومة من بيروت عام 1982 شارك في إنشاء حركة الشبيبة – الذراع الطلابية لحركة فتح – في الأراضي المحتلة. وبعد إبعاده إلى الأردن انتقل دحلان إلى جانب القيادة الفلسطينية في تونس ليصبح فيما بعد عضوًا في لجنة العلاقات بمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتُخب عضوًا في المجلس الثوري لحركة فتح، وهو هيئة وسيطة بين المؤتمر العام للحركة واللجنة المركزية لها.

وبعد توقيع اتفاق أوسلو بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، وانتقال القيادة إلى الداخل الفلسطيني عام 1994، كان دحلان واحدًا من أهم الشخصيات التي عادت إلى قطاع غزة، وهناك تسلّم قيادة جهاز الأمن الوقائي الذي شُكّل بالأساس لمنع عمليات المقاومة ضد إسرائيل وفقًا لاتفاق أوسلو.

وأصبح دحلان بعد ذلك عضوًا دائمًا في فريق التفاوض على القضايا الأمنية المتعلقة بإعادة الانتشار الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وساعد في تعزيز مكانته في المفاوضات أنه كان يتحدث العبرية بطلاقة.

وعلى أثر خلافات حادة بين عباس ودحلان تم فصل الأخير من حركة فتح في يونيو/حزيران 2011، حيث صرّحت مركزية فتح أن دحلان فُصل بشكل نهائي وبقرار من الأطراف المخولة بسبب تجاوزات مالية خالفت النظم واللوائح.

يعلم دحلان جيدًا أن أحد أهم معايير نجاح أي قيادي فلسطيني هو امتلاكه لشبكة علاقات إقليمية ودولية تساعده للوصول للسلطة، لذلك فإن دحلان يقوم بنشاط إقليمي ودولي في حل بعض النزاعات الإقليمية، فهو يتمتع بعلاقات واسعة على الصعيد الإقليمي والدولي، كما يتم تكليفه بمهام من قادة في الشرق الأوسط، مثل تكليفه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بملف مفاوضات سد النهضة.

ويمكن الإشارة إلى أن أهم الدول التي منحت دحلان هذه الشبكة من الاتصالات الإقليمية والدولية، هي الإمارات ومصر، حيث يتمتع بنفوذ لا يخفى على أحد، باعتباره المستشار الأمني لولي عهد الإمارات الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، مما منحه نفوذًا كبيرًا ربما لا يتمتع به الكثير من المسئولين الإماراتيين في الدولة. كما يمتلك دحلان موطئ قدم كبير في مصر، عبر علاقته المباشرة بالرئيس «عبد الفتاح السيسي»، مما جعله يحظى بتأثير كبير في الإعلام المصري، إلى جانب جهوده بشراء بعض المواقع الإخبارية في الأردن.

دحلان مرحب به إقليميًا ودوليًا، كما أن إسرائيل تنظر له بعين الرضا وطالما أن الانتخابات ليست المعيار الوحيد في الساحة الفلسطينية، في ظل الضغوط الإقليمية والدولية، فربما يزيد ذلك من فرص دحلان لخلافة عباس في رئاسة السلطة، وفضلًا عن ذلك فدحلان يمتلك علاقات قوية مع رموز فلسطينية مثل سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية السابق، وأعضاء في اللجنة المركزية لفتح.

ويعمل دحلان بكل طاقته لكسب أكبر قاعدة من المؤيدين، فينفق دحلان الكثير من الأموال على مريديه ومناصريه في مختلف الأقطار العربية، وبشكل خاص داخل الأراضي الفلسطينية وبين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، من خلال المشاريع الخيرية بهدف كسب نفوذ له بين الفلسطينيين.

وعلى الرغم من كل المساعي التي يبذلها دحلان للوصول للسلطة، فإن ذلك لا ينفي الحديث عن ضعف دحلان كزعيم فلسطيني، بسبب اتهاماته بالفساد، وعلاقاته مع المخابرات الإسرائيلية، وعدم امتلاكه شعبية في أوساط الفلسطينيين. فوفقًا لاستطلاع للرأي قام به المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة ما بين 17-19 سبتمبر/أيلول لعام 2015، تبين أن محمد دحلان لم يحصل إلا على 6% من نوايا التصويت. وحسب هذا الاستطلاع فإن إمكانية وصول دحلان إلى الحكم تبقى ضئيلة، وكل مجهوداته في الأعمال الخيرية تبقى غير كافية لإغراء الفلسطينيين.


2. صائب عريقات: كبير المفاوضين الفلسطينيين

يأتي كبير المفاوضين الفلسطينيين وأمين سر اللجنة التنفيذية ليندرج هو الآخر ضمن المرشحين المحتملين لرئاسة السلطة وخلافة عباس.

ولد عريقات في 28 أبريل/نيسان 1955 في بلدة أبو ديس بالقدس عندما كانت تحت الإدارة الأردنية آنذاك، سافر وهو في سن السابعة عشرة إلى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، وحصل على الشهادة الجامعية من جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية، ثم درجة الدكتوراه في دراسات السلام من جامعة برادفورد البريطانية. وبعد نيله درجة الدكتوراه حصل على الجنسية الأمريكية، ثم عمل محاضرًا للعلوم السياسية في نابلس.

وقد كان عريقات نائب لرئيس الوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد عام 1991، وما تلاه من مباحثات في واشنطن خلال عامي 1992 و1993، وعُين رئيسًا للوفد الفلسطيني المفاوض عام 1994. إلى أن أصبح كبير المفاوضين الفلسطينيين عام 1995.

ويأتي تعيين عريقات في 4 يوليو/تموز 2015، أمين سر اللجنة التنفيذية في إشارة إلى أن عباس يريد أن يصنع خليفته على عينه، فإبعاد ياسر عبد ربه من هذا المنصب، على خلفية خلافات بينه وبين عباس، واختيار عريقات بديلًا له، دون مناقشة الأمر داخل اللجنة المركزية، يعني أن عباسًا يريد أن يؤهل عريقات لخلافته، فهذا الموقع الذي يشغله عريقات الآن هو الذي أهَّل عباس في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات لخلافته فور وفاته.

وعلى الرغم من أن عريقات قد صرح أنه غير معني بخلافة محمود عباس، وأن من وجه نظره أن مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح المحكوم عليه بالسجن المؤبد في السجون الإسرائيلية هو المرشح الذي يستحق منصب رئيس السلطة الفلسطينية القادم. إلا أن المصادر الاستخبارية الأمريكية تعتبر تصريح صائب عريقات بأنه نوع من المناورة السياسية.

ولم يعد سرًا أن هناك اعتراض من أعضاء في اللجنة المركزية لفتح على تولي زميلهم في اللجنة صائب عريقات مهام أمين سر اللجنة التنفيذية، كونهم يرون أن المنصب الجديد هذا يؤهله لقيادة السلطة الفلسطينية والمنظمة بعد أبو مازن.

كما تم اعتبار تصريحات عريقات في حركة فتح بشكل خاص تحديًا واضحًا ضد جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لفتح، الذي يعتبر نفسه مرشحًا قويًا في الحركة لخلافة عباس. ولا يخفى على أحد أن الرجوب يقود علنًا، بالتعاون مع توفيق الطيراوي، صراعًا في اللجنة التنفيذية لفتح ضد نية عباس لإعداد عريقات للخلافة، حتى أنه في مقابلة تلفزيونية مع القناة الرسمية للسلطة الفلسطينية وجه انتقادًا لعباس لهذا السبب.

وعلى الرغم أن عريقات واحد من أكثر السياسيين ولاءً لعباس، لكنه لا يتمتع بدعم كبير في حركة فتح التي انتمى إليها متأخرًا. فيقول العديد من قادة فتح الأقوياء أنهم يعارضون وبقوة ترشيح عريقات لخلافة عباس، وأن مغادرة الرئيس حلبة السلطة تعني مغادرة فريقه وفي مقدمتهم عريقات.


3. ناصر القدوة: القيادة الجماعية

يبدو أن نية محمود عباس تتجه إلى إعداد صائب عريقات لخلافته في رئاسة السلطة الفلسطينية.

يأتي ناصر القدوة ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات ليُدرج هو الآخر ضمن قائمة المرشحين لخلافة عباس، ولكن عن طريق قيادة جماعية.

يُعرف عن القدوة أنه دبلوماسيا محنك، وأنه في مكانة أمير، كونه ابن شقيقة عرفات. ويتميز بكلامه الموزون سياسيًا.

ولد القدوة في غزة في 16 أبريل/نيسان 1953، ثم انتقل إلى ليبيا مع أسرته، ثم إلى مصر، وحصل على شهادة في طب الأسنان من جامعة القاهرة عام 1979. عُين وزيرًا للخارجية الفلسطينية منذ أبريل/نيسان 2003 وحتى 2005 في حكومة «أحمد قريع». انضم إلى حركة فتح عام 1969، واُنتخب عضوًا في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1981 وحتى عام 1986.

أعدت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا عن الأسماء المحتملة لخلافة عباس، فثمة إشارة في التقرير تفيد بأن هناك نقاشًا الآن بشأن قيادة أكثر جماعية، ربما بقيادة ناصر القدوة، إلى جانب ماجد فرج، رئيس المخابرات الحالي، وسلام فياض رئيس الوزراء السابق.

يُعرف عن القدوة في الأساس أنه دبلوماسيًا محنك، وأنه في مكانة أمير، كونه ابن شقيقة عرفات. ويتميز بكلامه الموزون سياسيًا، فلا غبار على تصريحاته، كما أن لديه مصداقية، ويعتبره الكثيرون امتدادًا لياسر عرفات، ليس لأنه ابن شقيقته وحسب، بل كونه أقرب المقربين له في أيامه الأخيرة.

وقد كان أول من أثار ضجة دولية باتهامه لإسرائيل وأمريكا بالتخلص من عرفات عن طريق «السم»، ونُشرت تصريحات له بأنه يمتلك تسجيلًا لمكالمات بين شارون وبوش تؤكد تلك الاتهامات. كما أن لديه خبرة في الأمم المتحدة، عندما كان ممثلًا للسلطة هناك.

ولكن ربما ما يعيق وصول القدرة إلى السلطة، هو أنه عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية، وقع خلاف بينه وبين عباس، وأثار حفيظة العديد من قيادات حركة فتح، وأقيل من منصبه كنائب للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، وبالطبع لا يتمتع بدعم إسرائيلي، بعدما فتح عليها النار، واتهمها بشكل مباشر بقتل الرئيس الراحل ياسر عرفات.

المراجع
  1. بلال ياسين، "نيويورك تايمز: هل سيرحل عباس قريبًا ومن سيخلفه؟"، موقع عربي21، 29 فبراير 2016.
  2. محمد يونس، "بدء معركة خلافة عباس ودخان التنافس يرتفع تدريجيًا"، موقع الحياة، 10 يناير 2016.
  3. "تقرير اسرائيلي مترجم: من يخلف الرئيس عباس؟"، وكالة معا الإخبارية، 5 يوليو 2014.
  4. علي واكد، "اللواء ماجد فرج: هل نتحدث عن وريث عباس؟"، موقع المصدر، 30 مايو 2015.
  5. عدنان أبو عامر، "دحلان: الخيار الإقليميّ في الساحة الفلسطينيّة"، موقع المونيتور، 3 أبريل 2016.
  6. "خليفة عباس حديث الصحافة الغربية، و7 شخصيات مرشّحة تشعل صراعًا داخليًا في السلطة"، موقع هافينغتون بوست عربي، 28 فبراير 2016.
  7. "اليوم الأول الذي يلي رحيل عباس: اجتهادات وسيناريوهات إسرائيلية"، موقع جريدة النهار، 8 يونيو 2016.