في يوم جمعة من صيف العام 2014 في مدينة معان جنوب الأردن، في وضح النهار، وفي مشهد غير مألوف، لاسيما في بلد عربي هادئ ومستقر سياسياً كالأردن، خرجت لأول مرة مسيرة تأييد معلنة لتنظيم الدولة في العالم العربي، رفعت خلالها الحشود أعلام التنظيم السوداء وأطلقت هتافات نادت بإزالة حدود سايكس بيكو.

بعد ما يقرب من ثلاثة أعوام على ذلك المشهد المليء بالمفارقات، أصدرت ولاية الفرات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية -داعش- مطلع الشهر الجاري، إصدارا جديداً تحت عنوان «فأبشروا بما يسوؤكم»، تحدث خلاله عناصر من التنظيم تنتمي إلي أكبر العشائر الأردنية كعشائر الدعجة والمجالي وعربيات، وغيرها، هاجم خلاله المتحدثون عشائر الأردن، التي اتهموها بالتخلي عن أبنائها الذين التحقوا بالتنظيم والتبرؤ منهم.

خلال تلك الأعوام التي مرت بين كلا الحدثين، رأينا كثيراً كيف استخدم تنظيم الدولة الورقة الطائفية في العديد من البلدان العربية كالعراق و وسوريا، وأخيراً في مصر التي لعب خلالها على الوتر الطائفي مؤخراً من خلال استهدافه للكنائس القبطية، لترسيخ وجوده وتمدده، فهل يستخدم التنظيم الآن الورقة العشائرية في الأردن، كي يوجد لنفسه موطئ قدم في الساحة الأردنية؟


«فأبشروا بما يسوؤكم»

1

خلال شريط بثته ولاية الفرات في الخامس من أبريل/نيسان الماضي، وجه تنظيم الدولة الإسلامية، تهديداً هو الأعنف في لهجته للأردن، عبر رسالة مصورة معمّدة بالدم، تحتوي على مشاهد دموية لنحر التنظيم لـ4 جنود سوريين يتهم التنظيم الأردن بتدريبهم للقتال ضده.

خلال الشريط تحدث التنظيم عن العملية الأخيرة في مدينة الكرك، التي أسفرت عن مقتل 10 أشخاص، بينهم 7 رجال أمن وسائحة كندية، إلى جانب إصابة 34 شخصاً آخرين، كما عرض مقاطع فيديو للسلطات الأمنية الأردنية، إلى جانب تصريحات لمسؤولين أردنيين، تهدف لاستعراض مسار الهجوم.

كما نعي التنظيم خلال الإصدار نفسه عمر مهدي زيدان، أحد أبرز العناصر الأردنية لديه، بعد تواتر أنباء مقتله في الأسابيع الماضية.

خلال الإصدار انتقد متحدث من عناصر التنظيم بقوة ما يوصف بمنظري الجهادي الذين ينتقدون التنظيم كأبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وغيرهما، حيث وصفهما بأنهما «حمير العلم» و«يهود الجهاد».

في نهاية الإصدار تناول التنظيم الإعدامات الأخيرة التي نفذتها السلطات في الأردن، لمدانين ينتمون للتنظيم لهم علاقة بما عرف بـقضية خلية إربد، وعرض مقاطع فيديو للقوات الأردنية وتصريحات لمسؤولين أردنيين، تهدف لاستعراض مسار الهجوم، وحذر في الأخير الحكومة الأردنية أن ذلك لن يضمن الاستقرار والأمن في الداخل الأردني كما تريد.


كيف يستخدم تنظيم الدولة الآن الورقة العشائرية في الأردن؟

يعتبر الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية د.مروان شحادة في معرض تحليل ذلك الأصدار، أن تنظيم الدولة لجأ لأول مرة إلى إظهار مقاتلين أردنيين بأسمائهم الحقيقية متعمداً، في وقت اعتاد فيه في السابق على استخدام ألقاب وكنى، كي يظهر للناس أن أشخاصا من عشائر مختلفة وبقع جغرافية مختلفة – شمال جنوب وسط الزرقاء – تؤيد التنظيم.

بينت في هذا السياق دراسة للباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية،مراد بطل الشيشاني، تعود إلى عام 2014، أماكن توزع وانتشار العناصر الجهادية في الأردن، بناء على عينة من 85 جهاديا.

وجاءت على النحو التالي: عمان الشرقية -اسم شعبي يطلق على مناطق عمان الفقيرة – احتلت النسبة الأكبر 32% بينما احتلت عمان الغربية – اسم شعبي يطلق على مناطق عمان الغنية – نسبة 27%، أما بالنسبة لمدينة الزرقاء -شرق العاصمة- وهي مدينة أبي مصعب الزرقاوي جاءت نسبة تواجد المجاهدين فيها 18%، تلاها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بنسبة 16%، وأخيرا باقي المحافظات بنسبة 7%.

يشير كذلك تقرير دائرة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي 2017، إلى دخول مدن أردنية بقوة على ساحة التجنيد خصوصا في الشمال والوسط وأبرزها إربد والسلط، مفسرا ذلك بما تعيشه المملكة من مشاكل طويّلة الأمد من بينها الفقر والفساد وبطء النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات البطالة .

كما تشير إحصاءات أخرى إلى أن أعداد «السلفيين الجهاديين» في الأردن تترواح بين 4 و5 آلاف ناشط، ويتركزون في مدينة الزرقاء في الدرجة الأولى، ثم في عمان والسلط وإربد ومعان.

معظم هؤلاء كانوا في البداية من المؤيدين خلال الصراع السوري لـ « جبهة النصرة» – جبهة فتح الشام حالياً – بمرور الوقت أصبح «تنظيم الدولة الإسلامية» اليوم هو المتصدر في هذا الإطار، هذا بالرغم من أن شيوخ «السلفية الجهادية» في الأردن أقرب إلى «النصرة»، كما أن أمراء الجبهة في درعا وفي ريف دمشق معظمهم من الأردنيين.

ويلاحظ في هذا الإطار أن هناك ملامح جيلية في الصراع بين داعش و«النصرة»، حيث يميل الجيل الشاب في تيار السلفية الجهادية الأردني لتنظيم الدولة الإسلامية.


الحالة الجهادية الأردنية كحالة استثنائية في العالم العربي

http://gty.im/525197882

يشير الكاتب والباحث السوري أحمد أبازيد إلى أنه رغم الحالة السلمية الغالبة على للسلفية الجهادية في الأردن وتعايشها الطبيعي مع المجتمع الأردني، فيما عدا عدة حوادث معروفة، إلا أنها قدمت نفسها كمصدر قيادة وتنظيرا وتأثيرا لتنظيمات السلفية الجهادية في أكثر من بلد، من أهمها على سبيل المثال الجزائر ثم العراق ثم سوريا.

أخطر ما يميز الحالة السلفية الجهادية في الأردن بحسب أبازيد هو القاعدة الاجتماعية المعلنة للسلفية الجهادية في أكثر من مدينة أردنية، كالسلط ومعان والرصيفة والزرقاء ومخيم إربد، وهي الظاهرة التي لم تكن موجودة بحسبه على الإطلاق في سوريا ولا في أي بلد آخر، حيث للسلفية الجهادية اهتمامات أو ارتباطات شخصية معزولة وسرية غالباً.

يلاحظ في هذا السياق أن التعبئة و التجنيد للمشاركة في سوريا لتيار السلفية الجهادية تقدمت بسرعة ولاسيما في المناطق العشائرية بالأردن، حيث يعُد الآن الجهاديون الأردنيون أكبر رافد للمقاتلين للفصائل السورية المسلحة، حيث قدرت مصادر عددهم ما بين 2000 و2500 أردني يقاتل تحت راية تنظيمي الدولة والنصرة في العراق و سوريا.

وفي سوريا تحديداً يحتل الجهاديون الأردنيون المرتبة الثانية مباشرة بعد الجهاديين التونسيين. ويقدر معهد كارنيجي عددهم في هذا السياق بنحو 700 إلى 1000.

يشير حازم الأمين في جريدة الحياة اللندنية: إلى أن للجغرافيا أيضاً دوراً في حسم شبان أردنيين خيارهم في الهجرة إلى «داعش» بدل «النصرة» في الأشهر الأخيرة. فجنوب سوريا، حيث الحدود الأردنية، أحكمت الأجهزة الأمنية والجيش الأردني أخيراً إقفاله في وجه المتجهين إلى القتال من الأردنيين هناك.

وبحسب الأمين بما أن كثراً من «المهاجرين» عبر تركيا هم من «السلفيين الجدد» غير مراقبين وغير ملتحين، فإن سفرهم إلى تركيا حيث «داعش» تنتظرهم لن يكون محفوفاً باحتمالات الضبط الأمني. ويُلاحظ مراقب في عمان نقلاً عن الأمين أن معظم «المهاجرين» الجدد من الأردنيين يلتحقون بـ«داعش» وليس بـ«النصرة»، وأن أعداد هؤلاء اليوم تفوق الـ1200 مقاتل أكثر من ثلثيهم في تنظيم «الدولة»، وقتل منهم حتى الآن حوالى 350 شخصاً.


إنقاص الأرض من أطرافها

2
http://gty.im/175918597

لعله من الملاحظ أن تنظيم الدولة عندما يبدأ انتشاره في بلد ما، كما رأيناه يفعل خلال السنوات الماضي، فإنه يبدأ في الانتشار من الأطراف الرخوة أولا، وهنا الحالة المصرية ليست ببعيد، حيث نجد التنظيم ينتشر بكثافة في شبه جزيرة سيناء، وبين الحين والآخر يقوم ببعض العمليات في الدلتا أو القاهرة الكبرى.

و لذلك فإن أكثر ما يخشي أخيراً في الحالة الأردنية، في ظل انتشار القاعدة الاجتماعية للسلفية الجهادية في الأردن، في أكثر من مدينة هناك، وفي ظل الانهيار الأمني الذي تشهده البلدان المجاورة للأردن كالعراق وسوريا، أن يجد التنظيم لنفسه موطئ قدم في أطراف الجغرافيا الأردنية المحاطة ببؤر مشتعلة في الجوار السوري والعراقي، من خلال نجاحه في اللعب بورقة الانقسامات الطائفية والاجتماعية والعشائرية، التي اعتاد أن يستخدمها.

ويمكننا أن نلمس من خلال الإصدار الأخير الذي بثه التنظيم، شروعه في ذلك بالفعل، ولكن لا ندري بنهاية المطاف، هل تتحول الورقة العشائرية في الأردن لصالح التنظيم، أم إلى ضده؟ فهي ربما قد تكون نقطة ضعف من جهة، وربما نقطة قوة كذلك من جهة أخرى في التماسك الاجتماعي والسياسي للجبهة الداخلية الأردنية.

ولعل الاحتمال الأخير يبدو أقوى في ضوء الواقع الأردني،والتعددية السياسية النسبية التي يتمتع بها نظامه السياسي المستقر والهادئ، في قلب بحر الفوضى الذي يغرق فيه المشرق العربي من حوله.