آسف، هذا خطأ فاحش، أنا متأكد أن ثلاجتكم فيها أكثر من الماء فخامة الرئيس
إياد مدني، في حضور الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي

كانت هذه كلمات الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي (السابق) إياد مدني، موجهًا حديثه للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بعد أن أخطأ في ذكره اسمه مستبدلًا السبسي بالسيسي. والتي اعتبرت سخريةً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على خلفية تصريحات مماثلة له بشأن التقشف، وجاءت هذه الكلمات لتصب المزيد من التوتر بين السعودية ومصر، وسط تخوف خليجي من تصاعده. ولهذا فثمة مبادرات خليجية لرأب الصدع، وإن اختلفت الآليات..


السياسة فوق كل شيء

يلاحظ على العلاقات المصرية-السعودية أن الشق السياسي يتحكم فيها أكثر من الاقتصادي، فملف الورقة الاقتصادية لا يوظف كثيرًا، لأن العلاقات التجارية بينهما ليست بالقدر الضخم، وخاصةً من قبل السعودية، مقارنةً بعلاقاتها بدول أخرى. فكلا البلدين يحتاج كل منهما الآخر في مواجهة تحديات تهدد نظامه السياسي؛ السعودية تخشى النفوذ الإيراني المتزايد في ظل التراجع الأمريكي، والرئيس السيسي لا يزال يعاني اقتصاديًا وسياسيًا.

ويوضح ذلك حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي بلغ في 2015 حوالي 6.3 مليار دولار مقابل 6.2 مليار دولار في 2014، رغم ارتفاع حجم العمالة المصرية في المملكة، والتي تقدر بمليون و800 ألف عامل، ولهذا ليس هناك تخوف كبير من انقطاع العلاقات التجارية فهي ليست مؤثرة بالشكل الكافي وإن كانت القاهرة المتضرر الأكبر.

ومما يؤكد أيضًا على وقوف المصالح السياسية وراء العلاقات المصرية-السعودية هو ارتباط الدعم السعودي لمصر بطبيعة النظام السياسي في البلدين، فبسبب عداء المملكة لجماعة الإخوان المسلمين لم تقدم إلا دعمًا ضئيلًا لمصر إبان حكم الرئيس السابق محمد مرسي، مقارنة بالدعم اللا محدود لنظام الرئيس السيسي، والذي حصل على مساعدات تتخطى حتى الآن عشرين مليار دولار. ومع تجدد الخلافات مؤخرًا بين البلدين، بدأت السعودية تراجع دعمها المقدم إلى مصر.

ويعتبر موقف القاهرة من الأزمة السورية أحد القضايا المؤثرة على علاقات البلدين، وآخرها تأييد مصر في سبتمبر/أيلول الماضي لمشروعين متناقضين في مجلس الأمن بخصوص سوريا، وهو ما انتقدته السعودية. والتي اعتبرت تأييد مصر لمشروع القرار الروسي أمر مؤسف ومؤلم، ولكن الخلاف أكبر من ذلك فموقف مصر معروف من الأزمة السورية ومختلف عن نظيره السعودي، والذي تعلمه جيدًا منذ البداية، وهو ما يطرح التساؤل حول إثارة الرياض لهذا التصويت في هذا الوقت تحديدًا!


تحالفات فرضت نفسها

دفعت الكثير من الأسباب دول الخليج، ـ بخلاف قطرـ، وخاصة السعودية لدعم مصر بعد يوليو/تموز 2013، فثمة متغيرات أكدت على ضرورة مثل هذا التحالف الذي لا يملك الجانبان رفاهية ابتزاز الآخر، لأن ما يجري الآن يهدد أنظمتهما السياسية بشكل كبير.

وقد مثل العداء المشترك لجماعة الإخوان المسلمين بداية هذا التعاون، ولعبت السعودية دورًا كبيرًا في دعم النظام المصري ماديًا و سياسيًا، توالت بعد ذلك الأزمات، وأهمها انقلاب الحوثيين في اليمن بدعم إيراني، والذي دفع المملكة لقيادة تحالف عسكري شاركت فيه مصر وإن لم يكن بالقدر المطلوب. تلاه اتفاق الغرب مع إيران على برنامجها النووي، وهو ما اعتبر موافقة على التوسع الإيراني في المنطقة، ولهذا أرادت المملكة عقد المزيد من التحالفات وإن كانت مرحلية لمواجهة هذه الأخطار.

وبدوره استغل النظام المصري الأوضاع في الحصول على مزيد من الدعم الخليجي، والذي تناقص مؤخرًا، متأثرًا بتراجع الموقف المصري تجاه أشقاء الخليج رغم تأكيد الأول على أن أمن الخليج من أمن بلاده، إلا أن السعودية شعرت بخلاف ذلك، وهو ما جعلها تر اجع دعمها.

لمعرفة المزيد:هل حرفت القاهرة بوصلتها السياسية تجاه إيران؟

وتمثّل ذلك في وقف شحنات الوقود السعودي لمصر عن شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وذلك ضمن اتفاق وقعه الجانبان في أبريل/نيسان الماضي، يقضي بتقديم شحنات من الوقود إلى مصر بتسهيلات كبيرة، تساعد القاهرة في مواجهة هذه الأزمة، خاصة مع أزمة الدولار وتراجع الاحتياطي النقدي المصري.

ورغم ذلك فإن السعودية لن تصعد كثيرًا مع مصر فهي في حاجة إلى جهدها العسكري، لأنها تشهد توترًا متصاعدًا في الأوضاع على حدودها، مع استمرار الأزمة اليمنية، إلى جانب السيطرة الشيعية على العراق واقتراب الحشد الشعبي من الحدود العراقية السعودية بدعم إيراني. كل هذا سيجعلها تهادن بقدر كبير مصر حاليًا.

وفي المقابل تدين مصر للسعودية ومن ورائها دول الخليج بالكثير، سواءً القروض أو الودائع، إضافةً إلى المساعدات الأخرى. ودورها في التضييق على الجماعات الإسلامية المناوئة لها، ولهذا لن يستطيع النظام المصري تحمل تكلفة ضياع كل هذا في الوقت الحالي لذا سيضطر إلى المهادنة أيضًا.


الوساطة الخليجية لرأب الصدع

تخوفت كل من الإمارات والكويت من تنامي الشقاق بين مصر والسعودية، فهؤلاء استثمروا في دعم النظام المصري، وهذا الخلاف سيهدد كل هذا. كما أنه قد يجعلهم في مأزق مع المملكة الغاضبة، ويتزامن هذا مع المتغيرات الإقليمية والدولية التي تحتم التعاون بينهم بغض النظر عن تطابق مواقفهم.

ولهذا أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد زيارة إلى مصر في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والتقى خلالها السيسي لأجل حل الخلافات مع السعودية والتوسط بينهما، وهو ما ظهر في بيان الخارجية المصرية، والتي أكدت أن الزيارة جاءت للمّ الصف العربي وتوحيد المواقف، وتبع ذلك اتصال هاتفي من أمير الكويت جابر الصباح بالسيسي لبحث ذات المسألة.

وأكد ولي عهد أبوظبي خلال الزيارة على توحيد الصف العربي، والانتباه إلى محاولات الشقاق بين دوله لزعزعة الاستقرار بالمنطقة. واعتبر العلاقات المصرية الخليجية ركيزة أساسية للحفاظ على هذا الاستقرار. وهذا في إطار مساعيه للحد من تدهور علاقات الرياض والقاهرة لأنهما سيعمقان من حالة الاستقطاب بشكل كبير.

وفي محاولة من الكويت لتهدئة الأزمة عرضت تزويد مصر بمليوني برميل نفط خام شهريًا بدءًا من يناير/كانون الثاني المقبل، ولكن بالأسعار العالمية مع فترة سماح تصل إلى تسعة أشهر. كما عقدت مصر صفقات أخرى مع العراق والإمارات وتتجه لعقد صفقات مع روسيا من أجل سد احتياجاتها، فهي لا تستطيع الارتكان إلى الصفقة السعودية والتي اتضح فيها عامل الابتزاز.

ويأتي سعي دولتي الإمارات والكويت لحل الخلافات بين الرياض والقاهرة لمواجهة التحديات التي تحيط بدول المجلس وخاصة التدخلات الإيرانية المتزايدة والمرشحة للتصعيد، بالتزامن مع تخلي الحليف الأمريكي عن الخليج مع وصول ترامب للرئاسة، وهذا التخلي أو تخفيف الالتزام الأمريكي بدأته إدراة أوباما، بإقرار قانون «جاستا».

لذا فدول الخليج في حاجة إلى الجهد العسكري المصري مستقبلًا لمواجهة التحديات، ومصر أيضًا في حاجة إلى الدعم الخليجي في ظل الظروف القاسية التي تواجهها، ومهما اختلفت المواقف فالموائمة أفضل لكلاهما. لأن تعميق الخلاف سيؤدي إلى إتاحة الفرصة للمزيد من التدخلات الدولية والإقليمية في المنطقة، فتخلي مصر عن الخليج سيجعلهم يميلون إلى تركيا وهذا تهديدٌ لها، وكذلك تخلي الخليج عن مصر سيضعف موقفهم في مواجهة إيران ووكلائها.


مستقبل لمّ الشمل العربي

رغم جهود الوساطة التي تقودها الإمارات والكويت إلا أنه ليست هناك بوادر جدية ترجح عودة الأمور إلى سابق عهدها، فعلى الرغم من استقالة إياد مدني واعتذاره وترحيب مصر بمرشح المملكة الجديد لأمانة منظمة التعاون الإسلامي إلا أن الأمور تمر بمرحلة من البرود.

وفي ذات الصدد،كشف موقع ميدل إيست مونيتور أن الرئيس السيسي يشترط اعتذار الملك سلمان للمصالحة، وذلك خلال لقاءه أحد المسؤولين الإماراتيين، ورغم أن الخبر الصحفي لم يتم تأكيده أو نفيه من أي من الأطراف، إلا أنه مستبعد الحدوث وإن تم سيكون بشكل سري. فالسعودية تعاملت بحنكة حينما سحبت إياد مدني من التعاون الإسلامي وجعلته يعتذر، لكنها لم تعتذر بنفسها وإنما مدني باعتباره أمين عام المنظمة وليس بصفته ممثلا للملكة.

ووسط سيل الأخبار والمعلومات حول عقد لقاء مصري سعودي لتحقيق إجراءات المصالحة نفي السفير السعودي في مصر أحمد قطان (16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري) مثل هذه التحركات، والتي سبقتها أيضًا وساطة من قبل أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط خلال زيارته الرياض ولقاءه بالملك سلمان لبحث جهود لم الشمل العربي.

وتشير هذه التحركات أن المصالحة إن لم تحدث قريبًا، فإن الأمور لن تسوء لأكثر مما هي عليه، فموقف مصر من سوريا معروف، وسوريا الآن أصبحت بيد موسكو وواشنطن، أما اليمن فمصر ليست على خلاف كبير بشأنها، فهي تخص دول الخليج والتي تسعى الآن لإنهائها، وبهذا يتبقى الملف الإيراني الذي يقلق دول الخليج أولًا ولهذا فالسعودية بحاجة إلى مصر في هذه المواجهة.