أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمرًا ملكيًا صباح اليوم، 21 يونيو، بإعفاء محمد بن نايف من ولاية العهد وتعيين محمد بن سلمان بدلاً منه مع استمراره في وزارة الدفاع وشغل منصب رئيس مجلس الوزراء، جاء ذلك بعدما ا ختار ت هيئة البيعة في السعودية بن سلمان وليًا للعهد (31 عضوًا من أصل 34) لتكون آخر حلقة في سلسلة صراع بن سلمان الناعم على السلطة بدعم من والده الملك.

أقرأ أيضًا: محمد بن سلمان والصراع على السلطة في السعودية


1. كيف مهد الملك طريق ابنه إلى السلطة؟

بينما صدر السبت الماضي قرار بتحويل هيئة الادعاء والتحقيق إلى النيابة العامة وسحب اختصاصاتها من وزارة الداخلية، كنوع من تقليص صلاحيات محمد بن نايف،يصدر الملك سلمان بن عبد العزيز اليوم أمرًا ملكيًا بسحب جميع صلاحيات محمد بن نايف كولي للعهد، وعزله من منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزارة الداخلية وتعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره كوزير للدفاع.

وبذلك يكون الانقلاب الذي بدأه الملك سلمان في أبريل 2015 بعد وفاة الملك عبد الله قد اكتمل، بعد سلسلة ممن القرارات والإجراءات التي مهدت لابنه الطريق للوصول لسدة الحكم، غير مبالية بهيئة البيعة التي بايعت الأمير محمد بن نايف كولي للعهد من قبل. وبهذا يتأكد أن هيئة البيعة هيئة سياسية تخضع لسلطة وتوجيه الملك مما يشكك في نزاهتها، ويعبر عن انحيازها الواضح للسلطة الملكية، وتعتبر شكوك العائلة الملكية في محلها من كون الهيئة «مجلسًا صوريًا».

كما عدل الملك سلمان المادة الخامسة من نظام الحكم الأساسي، لتكون:

يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملك وولي للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس.

وبذلك يكون المشهد السياسي في الشرق الأوسط أكثر حدية وسيشاهده العالم على صفيح ساخن، فطموح الشاب الثلاثيني قاده للحكم مستخدمًا رداء والده الملك الذي أوشك على الزوال، وسلاح الإعلام الذي مهد له الطريق وسط الحشود السعودية المبايعة بناء على مبايعة (هيئة البيعة).

أقرأ أيضًا: النيابة العامة: ابن سلمان يتقدم في الصراع على حكم السعودية


2. حرب الخليج الباردة

برز دور محمد بن سلمان في الأزمة الخليجية الأخيرة والحصار ضد قطر بعد زيارة دونالد ترامب للسعودية وعقد القمة العربية بالرياض، وبما أنه أصبح الآن وليًا للعهد؛ فإن المسار الخلافي مع قطر سيأخذ منحنى أكثر خطورة وسيشهد الخليج انقسامًا شاسعًا، خصوصًا أن السعودية تعتبر قطر «جارًا مثيرًا للمشاكل» وأنها محتلة دورًا إقليميًا يتجاوز حجمها.

وبينما ترى السعودية أن قطر تدعم الإرهاب الذي اعتبرته متمثلاً في (حماس والإخوان المسلمين) والذي صرح به الجبير وزير خارجية السعودية بأن:

تلك النبرة التي بدأت في الظهور ناحية قطر وحماس منذ أن ظهر محمد بن سلمان في المشهد السياسي، وإدارته للتحالفات السياسية الخارجية، مما ينذر عن شكل السياسات القادمة للمملكة تجاه حماس والقضية الفلسطينية وكل من يخالف سياساتها عمومًا.

وبهذا تكون خريطة الخليج متمثلة في محمد بن سلمان وليًا للعهد في السعودية، بينما يتولى زمام الأمور في الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، ويتولى حكم قطر تميم بن حمد آل ثاني.

وبذلك فإن الحرب الباردة ستظل مشتعلة علي غرار الأزمة الخليجية القطرية التي اندلعت الفترة السابقة، و «صفقة القرن» التي يسعى الكل لأخذ دوره في تنفيذها.


3. ماذا عن ردود الأفعال؟

جاءت ردود الأفعال في المملكة موافقة لذلك التوجه الذي يُجهز له الملك سلمان منذ فترة، فمنذ إعلان تولي الملك سلمان وليًا للعهد جاءت المبايعات والاحتفاءات بالملك سلمان وكان أول من بايعوا ولي العهد الجديد بعض رموز الدين والإعلام المحسوبين على سلطة المملكة.

وكانت ردود الشعب السعودي حافلة بالموافقة والتهنئات عبر هاشتاج #محمد_بن_سلمان_وليًا_للعهد، بالإضافة إلى أن الموقف الدولي جاء مؤيدًا وداعمًا لتولية بن سلمان.

فجاءت التهاني من رؤساء وملوك العالم العربي الإسلامي كمصر والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية بقيادة عباس وعمان والبحرين، ولم ينتظر بن زايد كثيرًا حتى يعرب عن سروره بتولي بن سلمان ولاية العهد باعتباره حليفًا مهمًا له في المنطقة.

بينما رحبت منظمة التعاون الإسلامي بتولية محمد بن سلمان وليًا للعهد.

واعتبرت هاآرتس الإسرائيلية بأن التغيرات في السعودية وتولية محمد بن سلمان وليًا للعهد بشرى سارة لإسرائيل وأمريكا، مما يجعل فرص القوى السياسية والمعارضة وتيارات الثورة والربيع العربي ضئيلة جدًا في إحداث أي تغير، فالمنطقة تُحكم بالحديد والنار وعادت لما قبل الربيع العربي بكثير.


4. رجال بن سلمان في الحكم

بينما يسعى محمد بن سلمان لإدارة المنظومة السياسية داخليًا من خلال تصدير نفسه ذا الرؤية الاقتصادية المستقبلية بتقديمه رؤية 2030، وإظهار نفسه بأنه المقاتل حافظ أمن الملكة من العدوان الحوثي كما حدث في عاصفة الحزم.

يحاول أن ينشأ نظامًا سياسيًا داخليًأ وخارجيًأ يروج له بأذرع مختلفة، فبداية من سلمان الأنصاري المسوق لابن سلمان في وسائل الإعلام الأمريكية ورئيس اللوبي السعودي في أمريكا (سابراك)، والذي يصدر الأمير سلمان بأنه يريد هيكلة العلاقات الأمريكية السعودية، والتي تأتي بتصدير الرؤية الاقتصادية والرؤية الليبرالية لتخفيف القيود عن المرأة. ويعد أيضًا من رجال بن سلمان شقيقه خالد بن سلمان الذي عُين سفيرًا للمملكة السعودية في العاصمة الأمريكية.

وكما أنه فرض رؤيته الاقتصادية وشرع في تنفيذها، أيضًا كان ولابد أن يسيطر على وزارة الدفاع التي يرأسها، فكان المستشار أحمد العسيري هو المستشار العسكري لابن سلمان والذي سوّق بأنه قائد عسكري على غرار عاصفة الحزم. ولم يُغفل بن سلمان أهمية الذراع الإعلامي، فعيّن تركي الخيل مستشارًا ومديرًا للإمبراطورية الإعلامية التابعة لابن سلمان.


5. مستقبل السعودية تحت عباءة بن سلمان

على قطر أن توقف الدعم لحماس والإخوان المسلمين.

جاء تزايد مؤشر سوق الأسهم في السعودية بنسبة 5.5% وسط تداول 10 مليارات ريال بعد تولية محمد بن سلمان لولاية العهد، مما يبشر بأن العملية الاقتصادية تسير نحو ازدهار. وباعتبار محمد بن سلمان «عراب الاقتصاد» كما وصفته صحيفة الشرق الأوسط السعودي وصاحب الرؤية الاقتصادية 2030 والتي تعتمد في جوهرها على تجهيز السعودية لما بعد النفط.

بينما كان أول القرارات المتخذة بعد تولي ولي العهد والتي نشرها بدر العساكر، مدير المكتب الخاص لسمو ولي العهد: «إعادة جميع البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين التي تم إلغاؤها أو تعديلها أو إيقافها إلى ما كانت عليه».

ومن هنا يكون الطريق ممهدًا لابن سلمان كي ينفذ رؤيته الاقتصادية 2030 في المملكة، وبمنصبة في وزارة الدفاع يستطيع فرض رؤيته في إدارة الأزمة الخليجية مستخدمًا القوة تارة كالذي حدث في عاصفة الحزم، أو مستخدمًا الحصار والتطويق تارة أخرى كما حدث في حصار قطر.

وبتولي محمد بن سلمان ولاية العهد وعزل بن نايف وتجريده من صلاحياته، تبدأ منظومة حكم آل سعود في الانهيار ونشأة صراع داخلي بين أطراف العائلة بقيام الملك سلمان بهذا الانقلاب الملكي، وسقوط مصداقية هيئة البيعة وهيبتها، مع رعونة سياسات محمد بن سلمان التي تأتي بمزيد من الخسائر على المملكة وتزيد من الاضطرابات في المنطقة.

فصراع الطموح سيأتي بخسائر أكبر من المتوقع، وسيساعد في هدم منظومة قائمة على الاستبداد السياسي والديني وتوظيف المال السياسي.