«إحنا هنجيب الحلو من هنا عالحلو من هنا ونعمل أحلى فخفخينة»، الفخفخينة جيدة على العموم ولكنك مهما اجتهدت في انتقاء الثمار الجيدة ستظل في النهاية فخفخينة، لن تتحول بقدرة قادر إلى كريم كراميل مثلاً، ولذلك فالفخفخينة مهما كانت جيدة فإن تكرارها سيصيبك بالملل حتماً في النهاية.

بالطبع نحن لا نتحدث هنا عن الفخفخينة الحقيقية، نحن نتحدث بشكل مجازي عن التوليفة التي يستسهلها الكثير من نجوم الدراما التليفزيونية والتي أصبحت كالعلامة التجارية، نفس الخلطة بنفس المكونات ونفس الفخفخينة تقدم للمشاهد في كل عام، توليفة جربها النجم مرة فحققت نجاحاً كبيراً، فقرر استنزاف هذا النجاح حتى الرمق الآخير.


دنيا سمير غانم نموذجاً

منذ لحظتها الأولى على الشاشة و«دنيا سمير غانم» موهبة لا يمكنك أن تتغاضى عنها، عفريتة حقيقية يمكنها أن تلبس كل الشخصيات التي تقدمها، وتنتزع الضحكات منك انتزاعاً بسهولة تامة، خفيفة الدم بشكل حقيقي غير مفتعل ولا سخيف، ومتعددة المواهب بوضوح شديد، ولكنها منذ أصبحت نجمة أولى وقعت في فخ التوليفة الآمنة التي تقيها شر المغامرات.

هذا العام هو الثالث على التوالي التي تقدم فيه «دنيا سمير غانم» مسلسل من بطولتها، وإذا استرجعنا بطولاتها في التليفزيون وحتى في السينما سنجد نفس التوليفة، الكاراكتر الذي يتحدث بطريقة غريبة رغم أنها متمكنة والتي تعتمد على الإضحاك الذي يقدمه هذا الاختلاف في طريقة الكلام، في «لهفة» كانت الفتاة الشعبية التي تطجن في الكلام، في «نيللي وشريهان» كانت الفتاة المدللة التي تتكلم من أنفها وتخطئ في نطق الكثير من الكلمات.

وأخيراً «في اللالا لاند» هي الفتاة الريفية التي تتحدث بالفلاحي، رغم أن مسلسلها الأخير هذا تحديداً لم يكن من الضروري أن تكون الشخصية ذات لكنة مختلفة وغريبة، فقد أقحمت هذه التفصيلة إقحاماً حتى تضمن نجاح الشخصية الذي جربته مرات من قبل وأصبح «الكومفورت زون» بالنسبة لها ولا يمكن أن تغامر بعيداً عنه.


كل البنات بتحبك.. كل البنات حلوين

لا يتذكر المشاهد المرة الأخيرة التي خرج فيها «مصطفى شعبان» علينا بمسلسل تشاركه فيه ممثلة واحدة فقط في دور الحبيبة/الزوجة/العشيقة، ولا نتذكر أيضاً آخر مسلسل لم يرتد فيه جلبابًا أبيض، فتوليفته الآمنة التي يستخدمها منذ عدد لا حصر له من المسلسلات هو أن يكون محطم قلوب العذارى وغير العذارى، وفتى الجلباب الأول.

لا يهم «مصطفى شعبان» أن يكون دوره طبيبا، أو معلما في حارة، أو تاجرا، المهم أن كل البنات في المسلسل يقعون في غرامه حتى لو لم يبادلهم هذا الغرام، حتى بوسترات المسلسلات واحدة، يقف وحده في مواجهة الكاميرا مبتسماً ابتسامة واسعة، فخوراً، آتياً بحركة ما، مرة ماسكاً سبحة ومسدس، ومرة ماسكاً رغيف خبز، لا أحد يظهر معه على البانر، ولا أحد يشاركه في البطولة، ولا أحد يحبه نساء المسلسل غيره.

أما أداؤه فبالطبع لا يستلزم التغيير، فالتيمة واحدة وإن اختلفت الخلفيات، فلماذا سيتخلى عن نظرته الرومانسية التي يقوم فيها بإمالة رأسه قليلاً لليمين، ولماذا سيكف عن فتح وغلق شفتيه دون أن ينطق بأي كلمة دليلاً على الهيام والحب؟ تلك عناصر ثابتة، توليفة حجزت له مكاناً بارزاً على الخريطة الرمضانية فانتفت الحاجة لتغييرها أو للمغامرة بموضوع آخر وتفاصيل مختلفة وأداء مغاير لا سمح الله.


على الدرب سائرون

يبدو أن مبدأ التوليفة استحث آخرين أيضاً على استخدامه، فالفخفخينة سهلة الإعداد، كل ما عليك هو أن تأتي بالحلو من هنا وتضعه على الحلو من هنا، هكذا بتلك البساطة، وإذا نجحت مرة يمكنك أن تنجح بنفس الخطوات عددا لا نهائي من المرات، ربما تنجح للأبد إذا أتقنت صنع التوليفة، وطالما أن هناك إعلانات إذن استمر، وسيري يا نورماندي.

مثلاً «أحمد فهمي وأكرم حسني»، نجحوا نجاحًا باهراً في سلسلة إعلانات «أورانج» رمضان الفائت، فقررا أن يصنعا مسلسلاً من بطولتهما معاً، يلعبان فيه دور صديقين كما فعلا في الإعلان بالضبط، وبغض النظر عن تقييم المسلسل فإن استثمار نجاح تيمة الفريق ليست سيئة، وإنما تنفيذها بشكل حرفي مطابق لعمل آخر حتى لو كانت سلسلة إعلانات قصيرة يعتبر ضيق خيال ووقوعا مبدئيا في فخ التوليفة التي يبدو أنه لا أحد ينجو منها.

توليفة أخرى ربما لم تستلفت نظر الكثيرين ربما لأنها لا تأخذ مساحتها في العمل وتمر كتفصيلة بسيطة لا يقوم عليها البناء الدرامي، هي أن «شيكو» غالباً ما يظهر في دور الشاب المحبوب من الفتيات، كما كان ذا شعبية كبيرة في فيلم «ورقة شفرة»، وكما كان ساحر الفتيات في فيلم «سمير وشهير وبهير» يأتي هذا العام في دور الشاب الوحيد في معسكر الفتيات في مسلسله «خلصانة بشياكة» الذي يلعب بطولته مع «هشام ماجد» و«أحمد مكي».

هذا بالإضافة إلى التوليفة الأكثر شهرة ونجاحاً، توليفة الزعيم «عادل إمام»، الذي يلعب كل عام بطولة مسلسل من تأليف «يوسف معاطي» والذي يقوم خلاله بنفس الحركات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد، نفس الإفيهات ونفس النظرات إذا ما كان رب أسرة، أو زعيم عصابة شريفة، أو أياً كان الدور، توليفته تلك تتضمن أيضاً عرضاً لإحدى القضايا القومية في إطار كوميدي، مع بعض الوعظ المباشر، فخفخينة تضمن له في كل عام عرضاً حصرياً على إحدى أقوى شبكات التليفزيون العربية والكثير جداً من الإعلانات.

بالطبع لن نتحدث عن توليفة «محمد رمضان»، من ناحية لأنه لم يقدم عملاً هذا العام، ومن ناحية أخرى لأن توليفته ناجحة سواء كتبنا أو لم نكتب، فمسلسله في العام الماضي كان ينافس بطولة كأس العالم لكرة القدم وتفوق عليه في نسب المشاهدة، ولا يبدو أن أحداً سيمل من مشاهدة الفتى الشعبي الذي ينتصر في النهاية، وستظل التوليفة آمنة حتى النهاية.

في العموم نحن هنا لا نتحدث عن نجاح التوليفة من عدمه، فالأرقام تقول بوضوح إنها ناجحة، نحن نتحدث عن الإبداع وعن صناعة الدراما، وعن الخيال الذي لا يجب أن يكون بهذا الضيق، نحن نتحدث هنا عن الاستسهال الذي يخنق العقول ويحصرها في منطقة واحدة لا يمكنها أن تتخطاها رغم توافر كل عناصر النجاح الأخرى في معظم الأحيان، نحن نتحدث من منطلق أننا نحب الفن ما استطعنا إليه سبيلاً.