“العلاقات الوطيدة بالدول الشرق أوسطية تسمح لروسيا بإثناء دول الصفوة الإقليمية عن الانضمام للمعسكر المناهض للكرملين..فعلى سبيل المثال، حظيت محاولات مصر الهادفة لتنويع بوصلة اتجاهها السياسي بعيدا عن الولايات المتحدة بترحيب دافئ من موسكو”.

جاء ذلك في سياق مقال للباحث نيكولاي كوزانوف نشره المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، يكشف فيه الطبيعة الانتهازية الواقعية التي تتسم بها سياسات الكرملين تجاه منطقة الشرق الأوسط.

وإلى نص المقال

يستخدم الكرملين حضوره بالشرق الأوسط كأداة نفوذ تمكن روسيا من التعامل مع مشكلاتها الأكبر مع الغرب، لكن ذلك لا يمنع تكوينها لشراكات مفيدة إذا كان الاقتراب حذرا.

الهدف الأساسي لروسيا من خلال ارتباطها بالشرق الأوسط يتمثل في تحقيق النفوذ على الغرب، لأن الدعم الروسي قد يلعب دورا حاسما في تسوية قضايا رئيسية مثل المشكلة النووية الإيرانية، والصراع السوري، واستقرار أفغانستان، بالإضافة إلى مشكلة الجماعات الجهادية العنيفة.

كما أن ضلوع موسكو في الشرق الأوسط يعتبر جزءا من إستراتيجية تستهدف تجنب العزلة الدولية في أعقاب العقوبات التي فرضت عليها إثر الأزمة الأوكرانية.

ما زالت روسيا تستطيع المساعدة في المنطقة، ولكن ذلك يحدث فقط عندما تتماشى مصالحها مع الأهداف الدولية.

كيف تعمل؟

تمكنت روسيا من إقناع المجتمع الدولي بأنها لا يمكن الاستغناء عنها في التعامل مع قضايا شرق أوسطية رئيسية.

مشاركة موسكو في المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 حول برنامج طهران النووي جزء يدعم ذلك السرد، بالإضافة إلى اجتماعها العالمي مع أعضاء من المعارضة السورية وممثلين عن نظام الأسد في مايو الماضي، ودعمها الدوري لحل الدولتين في الصراع بين إسرائيل وفلسطين، حيث تصبو روسيا إلى النفوذ كهدف أساسي وراء كل ذلك.

وحتى النتائج المتواضعة لتلك الجهود غالبا ما يتم تصويرها على أنها إنجازات جوهرية حققها الوسطاء الروس.

الارتباط الروسي بالشرق الأوسط ليس ضارا بالضرورة، ففي مارس الجاري، قال ستافان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة في سوريا إن روسيا يمكنها تقديم دور مساعد، معتبرا أن موسكو وطهران فحسب هما من تستطيعان التحدث مباشرة إلى بشار الأسد، كما تحدث بشكل إيجابي عن جهود روسية لترتيب الحوار المذكور في موسكو.

وعلاوة على ذلك، يرى بعض كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي الكرملين لاعبا هاما في “اللجنة الرباعية” المهتمة بالقضية الفلسطينية.

لكن لا يتوقع حلحلة أي من تلك الصراعات قريبا، وهو ما يمثل جزءا من مشكلة الارتباط الروسي، حيث أن موسكو لا تهتم في الغالب بالوصول إلى نهاية للعبة، كونها تستغل أجندة الشرق الأوسط من أجل تحقيق غايات شخصية.

وفي القضية الفلسطينية، فإن ما يهم الكرملين على نحو متزايد خلق ضجة حول دبلوماسيتها، أكثر من رغبتها في تسوية الصراع.

تأثير روسيا ومصادرها الاقتصادية ليسا كافيين لإقناع الأطراف المعنية للوصول إلى اتفاق، لكن الكرملين يستفيد من مجرد المشاركة، بينما يعني الوصول لحل أن هناك عدم حاجة إلى موسكو مجددا.

وفي ذات الأثناء، لا ترغب السلطات الروسية في التضحية بعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، حيث بلغ حجم التعاون الثنائي بينهما زهاء 4.6 مليار دولار عام 2014.

الصناعات الروسية كذلك تبدي اهتماما ببعض التكنولوجيات التي يمكن أن تقدمها إسرائيل، وهذا يفسر حياد الأخيرة في مسألة التدخل الروسي بأوكرانيا، ويضع تفسيرا كذلك لممانعة تل أببيب الانضمام للعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا.

وقد يؤدي أي تكثيف للجهود الروسية تجاه استقلال فلسطين إلى إعادة إسرائيل النظر في علاقاتها مع موسكو.

العلاقات الوطيدة بالدول الشرق أوسطية تسمح لروسيا بإثناء دول الصفوة الإقليمية عن الانضمام للمعسكر المناهض للكرملين.

فعلى سبيل المثال، حظيت محاولات مصر الهادفة لتنويع بوصلة اتجاهها السياسي بعيدا عن الولايات المتحدة بترحيب دافئ من موسكو. ودعم ذلك زيارة فلاديمير بوتين القاهرة في فبراير الماضي.

ونجحت موسكو في تلقي بعض الدعم، حيث عارضت مصر وإسرائيل وتركيا العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

هل ما زالت مفيدة؟

دوافع السياسة الخارجية الروسية بالشرق الأوسط لا تمنع بالضرورة إمكانية التعاون مع موسكو بشأن بعض القضايا الإقليمية، فقد أثبت الروس بالفعل على الأقل ما يمكن أن يشبه النجاح في التعامل مع بعض الأزمات، مثل التعاون مع المجتمع الدولي حول الملف النووي الإيراني على سبيل المثال.

ومهد اقتراح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عام 2012 الطريق للجولة الحالية من المفاوضات.

ومنذ ذلك الحين، تعمل روسيا لتأمين حوار فعال بين طهران والغرب. بل أن بعض المحللين المهتمين بالشأن الروسي نظروا إلى بناء وحدات طاقة نووية في مفاعل بوشهر بقيادة موسكو باعتباره تطورا إيجابيا ساعد، ولو بشكل مؤقت في تهدئة التوتر بشأن المطالبات الإيرانية لتكنولوجيات لإنتاج وقودها النووي الخاص.

ووفقا لبعض الخبراء الروس، فإن الاتفاق بين موسكو وطهران مهد الطريق أيضا لنقل مادة سادس فلوريد اليوانيوم ، المستخدمة في عملية التخصيب، خارج إيران.

مفتاح النجاح في هذه القضية يتمثل في أن موسكو تهتم بنتائج جهودها، وليس فقط في بذلها، لأن امتلاك إيران قنبلة نووية ليس أحد الخيارات الروسية، إذ أن ذلك سيغير ميزان القوة بالمنطقة، ويشجع أنظمة أخرى، حتى لو كانت أقل استقرارا، على الانضمام للنادي النووي.

ونظرا لذلك، فإن المنطق يتطلب من الغرب الحرص في اختيار قضايا التعاون مع موسكو، والتي يكون للكرملين اهتماما حقيقيا بتسويتها.

فعلى سبيل المثال، يمكن إيجاد أرضية لذلك التفاعل في قضايا تتعلق باحتواء خطر تنظيم “الدولة الإسلامية”، والعمل على استقرار الأوضاع في العراق وأفغانستان.

وكذلك الحال بالنسبة للقضية السورية، ولكن بدرجة أقل كثيرا، حيث قد تقدم موسكو فرصا للحوار الذي يهدف إلى الوصول لنتائج ملموسة.

المصدر

إقرأ المزيد

بعد اختفاءه المريب : هل يلقى بوتين مصير خروتشوف؟ ( مترجم ) روبرت فيسك يرصد أوجه الشبه بين بوتين والسيسي فوكس نيوز: السيسي أداة لتعزيز نفوذ بوتين اﻹقليمي

كل ما تحتاج أن تعرفه عن 10 أيام اختفى فيها بوتن