في عام 1947 أنُشئت منظمة الكومنفورم، وهي جهاز شعبوي من ضمن الأجهزة والمنظمات التي أطلقها الاتحاد السوفيتي، إبان الحرب العالمية الثانية، بهدف توحيد الشيوعية العالمية للوقوف كحائط صد ضد الحرب الأيديولوجية الشعواء، التي شنتها الولايات المتحدة على المد الشيوعي في أوروبا؛ خشية أن تستغل الدولة السوفيتية الفراغ السياسي الحاصل في كثير من الدول الأوروبية نتيجة السقوط السياسي للعديد من الأنظمة الحاكمة والداعمة لدول الحلفاء التي تم سحقها واجتثاث جذورها بعد أن وضعت الحرب أوزارها.

فكانت هذه بيئة خصبة ومُمهدة للتدخل السوفيتي، ونشر الفكر الشيوعي بسلاسة شديدة في هذه المجتمعات المتعطشة لأي دعم ينتشلها من وحل وويلات الحرب التي قضت على ثورة التحديث الثانية في أوروبا والتي قد بدأت منذ مطلع القرن العشرين.

ولكن لم تترك الولايات المتحدة الفرصة سانحة لغريمتها الشيوعية لترسيخ نفوذها في هذه المنطقة الاستراتيجية والتي يُطلق عليها «قلب العالم»، فسرعان ما أعلن الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية، والذي تولى حقيبة الخارجية بعد انتهاء الحرب، عن مشروع لإعادة إعمار أوروبا وتشغيل المصانع المتضررة التي أُغلقت بسبب الحرب العالمية الثانية.

وبالفعل دخل المشروع حيز التنفيذ في أبريل 1948، وقدمت الولايات المتحدة الدعم المادي السخي آنذاك لعدد كبير من الدول الأوروبية، فأصبح هذا المشروع نواة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي أصبحت تتكون من 34 عضواً كامل العضوية و15 عضوًا ملحقًا من قارات ومواقع جغرافية مختلفة من جميع أنحاء العالم.

في عام 1947 أنُشئت منظمة الكومنفورم وهي جهاز شعبوي أطلقه الاتحاد السوفيتي لتوحيد الشيوعية العالمية لتقف كحائط صد ضد الحرب الأيديولوجية الشعواء

وبالفعل قد أسهمت هذه الأموال في إنعاش الاقتصادي الأوروبي المتهالك، فتحولت استراتيجية الاتحاد السوفيتي من الهجوم إلى الدفاع، واستطاعت الدول الليبرالية بزعامة الولايات المتحدة توجيه ضربة قاصمة للنفوذ السوفيتي الشيوعي في مجالها الحيوي، والقضاء على الأيديولوجية الشيوعية العالمية المتنامية، واستطاعوا محاصرتها أوروبياً.

وأصبح مشروع مارشال إيذانًا رسميًا ببدء الحرب الباردة، والتي استمرت لما يقرب من أربعة عقود بدءاً من الانتفاضة المجرية عام 1956 وربيع براغ عام 1967، مروراً بأحداث نقابة التضامن في بولندا في ثمانينات القرن الماضي، حتى استطاعت القوى الليبرالية الإجهاز على الدب السوفيتي في النهاية بعد صراع طويل مرير بين المعسكرين ترك آثاراً جسيمة على النسق الدولى وعانت منه دول العالم أجمع والذي لم تنج منه حتى الأطراف المحايدة التي حاولت أن تتكتل في تيار ثالث مثل دول عدم الانحياز.

فلم يستطع الكومنفورم أن يسوق للشيوعية إعلامياً كما كان مخططًا له كهدف لنشأته، ولم يستطع أيضًا أن يصمد كثيراً أمام أمواج التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية، بل لم ينجح حتى في أن يحافظ على وحدة الصف الشيوعي – وهو أضعف الإيمان – وانقسمت الشيوعية العالمية على نفسها وتفتت الشيوعيون بين شيوعية «ماو تسي تونج» وشيوعية «خوروشوف» حيث اختلف كل منهما في تفسير الشيوعية الماركسية واللينينية وتبادلا الاتهامات بالتنازل عن المبادئ الشيوعية التراثية.

استخدمت القوى الليبرالية الغربية هذا الخلاف والتناقض في المعسكر الشرقي، واستطاعت أن تضرب الأيديولوجية الشيوعية في مقتل، وقامت الولايات المتحدة باتخاذ عدة إجراءات من شأنها تقليم أظافر الشيوعية العالمية عن طريق سياسة جديدة هدفها احتواء الصين وتعميق الخلاف السوفيتي – الصيني وتحويله إلى اختلافات.

وذلك عندما قام هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك بزيارة سرية للصين في أول اتصال رسمي بين البلدين – بعد قطيعة دبلوماسية دامت لسنوات طويلة منذ الثورة الشيوعية في الصين عام 1949 والخلاف حول مستقبل تايوان – والتي بدورها مهدت لزيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون للصين عام 1971.

ومنذ ذلك الحين، اتبعت الولايات المتحدة مبدأ «صين واحدة وإدراتين مختلفتين»، وهنا كانت تقصد أن الإدراة الأمريكية تعترف بصين واحدة ونظام حكمين، أي إدارة جمهورية الصين الشعبية وإدراة دولة تايوان.

لم يستطع الكومنفورم أن يسوق للشيوعية إعلاميا ولا أن يصمد أمام أمواج التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية ولم ينجح في الحفاظ على وحدة الصف الشيوعى

واتخذت الولايات المتحدة عدة خطوات من أجل احتواء الصين وادماجها في المجتمع الدولي الغربي، وذلك للتخفيف من القلق الأمريكي من المد الشيوعي المتزايد في شرق آسيا؛ وذلك تمهيداً لانسحاب الولايات المتحدة من فيتنام بما يحفظ ماء وجهها بعد أن تكون قد استطاعت إحداث خلل عميق في الجسد الشيوعي عن طريق الدبلوماسية وليس عن طريق حرب استنزاف كثيفة الخسائر قليلة النتائج.

فالغرض النهائي هو تحقق الهدف المرجو دون النظر لأسلوب تحققه، وهو ما عُرف بالبراجماتية الأمريكية الآسيوية أو بخطة الانسحاب من الشطر الآسيوي، والذي لم تعد إليه مطلقاً إلا مؤخرًا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

وبهذا تكون الولايات المتحدة، قد أعادت رسم توازنات القوى الدولية الكبرى أثناء الحرب الباردة والذي أدى في النهاية إلى زيادة الضغط على الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى انهياره في النهاية وتفكيكه إلى 16 دولة، سرعان ما انضم عدد ليس بالقليل منهم إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وهي التجمعات الليبرالية الأم.

ومرت السنون وتوالت الأحداث وتسارعت مجريات الأمور في أوروبا الشرقية، خاصة منذ بداية التسعينيات حتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، بداية من حرب البوسنة والهرسك، وأزمة كوسوفو، وصولاً إلى الثورة البرتقالية في أوكرنيا 2004، واتسمت الفترة من العام 2005 حتى 2014 بالهدوء النسبي والحذر المرن وخلال هذه الفترة حاولت روسيا الاتحادية، وريثة التركة السوفيتية، إعادة ترتيب أوراقها ولملمة جراحها واستعادة جزء من كبريائها.

أثناء ذلك، تجددت الأحداث في أوكرانيا مرة أخرى، ومثلما كانت محطة الهدنة النسبية للصراع بين المعسكر الشرقي والغربي على تعظيم وتوسيع نفوذهما في أوروبا الشرقية، عادت القضية الأوكرانية وفرضت نفسها بقوة على أجندة السياسة الأوروبية، عندما قام نفر غير قليل من الأوكرانيين بالتظاهر والاحتجاج ضد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش المُدعم روسياً رداً على إلغائه التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وعليه تطورت الأمور واندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن الأوكرانية والمحتجين وفي خضم تصاعد حملات العنف في الشوارع قام مجلس النواب الأوكراني بعزل الرئيس يانوكوفيتش، فتدخلت روسيا بقوات عسكرية في إقليم شبه جزيرة القرم الأوكرانية من أجل حماية مصالحها الاستراتيجية والعسكرية في هذه المنطقة، وتم إجراء استفتاء على انفصال الأقليم تحت إشراف روسي وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الإنفصال والانضمام لكومنولث الدول الروسية بنسبة ساحقة تخطت نسبتها 95%.

وكان لهذا الإجراء الأحادي من قبل روسيا هزات عنيفة على استقرار السياسة الدولية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية الروسية – الأمريكية والروسية – الأوروبية، فما كان أمام الولايات المتحدة وشركائها الأوربيين إلا أن يلجأوا إلى فرض عقوبات اقتصادية وتعليق التنسيق العسكري بين الأطراف كرد فعل على التجرؤ الروسي وتهديده للاستقرار الأمني في أوروبا.

كانت لهذه العقوبات تداعيات وخيمة على الاقتصاد الروسي الذي تأثر بشدة بسبب جماعية العقوبات وتنوعها التي ضربت عصب الاقتصاد الروسي الذي يعد اقتصادًا ريعيًا بالأساس وغير مرن، وعلى عكس الضغط الغربي الذي تم عليها مسبقاً خلال سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم في أوج الحرب الباردة، فلم تتراجع روسيا، وأصرت على المقاومة.

والجدير بالذكر أنها لم تنكمش وتنحصر وتتقوقع على نفسها داخلياً وتنشغل بتداعيات العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بل تعلمت من أخطاء الماضي ولم تتخذ أسلوبًا دفاعىًا يحميها ويقيها من أوجاع العقوبات، بل لجأت إلى مجاراة الخصوم واعتمدت مبدأ الاستنزاف في سياستها لإدراة هذة الأزمة، لنتفاجأ في خضم تلك التداعيات بمناورة روسية جديدة وإعلانها عن انخراطها في الحرب الأهلية السورية، وتطوير دعمها لنظام الأسد في سوريا من دعم سياسي ولوجيستي إلى دعم عسكري استراتيجي شامل

الكومنفورم الجديد هو مخطط سياسي قاعدته الجديدة تختلف عن قاعدته القديمة وتتفق معها فى الأهداف بالاعتماد على الشعبوية كأداة لضرب الليبراليين الجدد

وبناء عليه قامت روسيا بإرسال قوات مقاتلة إلى سوريا لتبدأ حملة عسكرية ثنائية الأهداف، فهدفها المُعلن هو الحرب على الإرهاب والتطرف، والهدف الثاني غير المعلن هو تحدي الرغبة الغربية في إسقاط الأسد وسحب الاهتمام وتحويل الأنظار من القضية الأوكرانية وأزمة القرم إلى الحرب الأهلية في سوريا.

لم تكن هذه الحملة الوحيدة التي تشنها روسيا على خصومها الغربيين عن طريق استهداف حلفائها في الأقليم وإسقاط مخططاتهم والسيناريوهات التي قد أعدوها مسبقاً.

بل كانت الحملة الأولى التي تبعتها هزات أكثر تأثيراً على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، فأعادت روسيا إحياء نظريات وسياسات قديمة، وأعادت استخدامها من جديد بل أعادت تطويرها لكىيتتناسب مع طبيعة الأوضاع الجيوسياسية الجديدية التي طرأت على النسق الدولي بعد انهيار الكتلة الشرقية وهيمنة دول الناتو على السياسة الدولية.

وهنا ظهر مفهوم الكومنفورم من جديد، ولكن بثوب مختلف وفي شكل مغاير لما كان متبعًا عليه في خمسينيات القرن العشرين، فالكومنفورم الجديد ليس بمنظمة ولا بمؤسسة عابرة للحدود، ولا يتخذ الأيديولوجية قاعدة انطلاق وتجميع وحشد الأنصار والحلفاء، لكن نتحدث هنا عن مخطط سياسي قاعدته الجديدة تختلف كثيراً عن قاعدته القديمة، ولكن تتفق معها فى الأهداف وآليات التنفيذ وهي الاعتماد على الشعبوية كأداة لضرب الليبراليين الجدد أو النيو ليبراليين.

ولا نتحدث عن شعبوية تقليدية بل شعبوية عصرية ملائمة للأفكار السائدة في هذا الوقت، فلم تتحاش روسيا أو تحاول أن تخفي دعمها لليمين المتطرف ذات النفوذ المتصاعد سواء في الولايات المتحدة أم في جيرانها الأوروبيين.

فظهر هذا المخطط الجديد على الساحة عندما أعلنت وكالة الاستخبارات الأمريكية عن بدء تحقيق في مزاعم بأن روسيا قامت باختراق عدد ضخم من رسائل البريد الإلكتروني للمساعدة في ترجيح كفة ترامب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وعلى إثر ذلك قام الرئيس السابق باراك أوباما بطرد 35 دبلوماسياً روسياً من العاملين في السفارة في واشنطن والقنصلية في سان فرنسيسكو، وإغلاق مجمعات سكنية روسية كانت روسيا تستخدمها كسكن لبعض دبلوماسييها.

ومن ثم بدأ الأوروبيون تباعاً في إلقاء الاتهامات على روسيا وحذروها من تداعيات دعمها لليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا، فبدأت الاستراتيجية الروسية الجديدة لضرب الداخل الليبرالي تتجلى في الأفق، فأضحت روسيا لا تنفي هذه الاتهامات وكل الشواهد الحية تؤكد صحة المزاعم الغربية بأن روسيا تسعى جاهدة لتمكين الأحزاب اليمينية المتطرفة والمناهضة للمؤسسات الليبرالية العالمية على رأسهم الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

فاعتمدت روسيا في تحقيق ذلك على عدة أدوات، أهمها الإغراءات المادية مثل القروض، وتبني حملات إعلامية ودعائية لهم، وبعض الإغراءات السياسية مثل عروض التعاون والتنسيق الاستراتيجي خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية.

وتزايد هذا التنسيق الروسي – اليميني المتطرف في الفترة الأخيرة والذي بدأها بالانتخابات الأمريكية، وصولاً إلى المرحلة الراهنة التي تستعد فيه كثير من الأحزاب اليمينية الأوروبية لخوض عدد من المناسابات الانتخابية القادمة في العديد من الدول المحورية في الاتحاد الأوروبي.

فتشهد هولندا انتخابات تشريعية الشهر الحالي، تليها الانتخابات الفرنسية في الربيع، والانتخابات الألمانية في الخريف المقبل، بينما لا تزال الانتخابات الإيطالية في موعد لم يحدد بعد، لكنها سوف تشهد انتخابات في أقرب وقت ممكن، خاصة أنه من المتوقع أن الحكومة الانتقالية الحالية بقيادة باولو جنتيلوني لن تستمر كثيراً، فالجانب الروسي سوف يستفيد بالتأكيد من وصول أنصاره الشعبويين لسُدة الحكم في هذه الدول، فتولي اليمين المتطرف الحكم في هذه الدول يعني توجيه ضربة قاصمة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي التي لطالما كانت عدواً لدود لروسيا الاتحادية.

بينما يرى اليمين المتطرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشخصية مثابرة فريدة من نوعها، والذي استطاع أن يغرد خارج السرب الأوروبي ولم يخضع للابتزازات التي مُورست عليه من قبل الاتحاد الأوروبي، واستطاع أن ينجو بالقومية السوفيتية من التحديات التي واجهتها، واستطاع الحفاظ على مصالحهم في الداخل والخارج، والأزمة الأوكرانية خير دليل على ذلك.

يتفق اليمين المتطرف مع موقف روسيا من العديد من القضايا الاستراتيجية غير الموقف المناهض للاتحاد الأوربي مثل قضية الهجرة، ومكافحة الإرهاب الدولي

فبوتين بالنسبة لليمنيين بطل قومي وقدوة وشخصية سياسية جديرة بالاحترام يرغب الكثير من القيادات اليمينية في أن يحذو حذوه، فهذا ما أعلن عنه صراحة نايجل فاريج وهو واحد من أشهر السياسيين فى بريطانيا الذين تزعم حملة خروج بريطانيا من مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأثنى صراحة على موقف بوتين من ضم شبه جزيرة القرم خروجاً عن النسق الأوروبي المعادي لموقف روسيا.

ويتفق اليمين المتطرف مع موقف روسيا من العديد من القضايا الاستراتيجية المختلفة غير الموقف المناهض للاتحاد الأوربي مثل قضية الهجرة، ومكافحة الإرهاب الدولي والتعامل مع تيارات الإسلام السياسي.

ومن الأمثلة الجلية الأخرى على الدعم الروسي القاطع لليمين الأوروبي المتطرف، عندما شنت عدد من القنوات الروسية – حتى القنوات الخاصة منها – حملات تشويه وإساءة للمرشح الرئاسي في الانتخابات الفرنسية مانويل ماكرون وهو المرشح الأوفر حظاً للفوز بهذه الانتخابات والذي يعتبر المنافس الأكبر للمرشحة المفضلة لروسيا وهي ماري لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية ،والتي طالتها اتهامات في وقت سابق بحصولها على قروض ضخمة بقيمة 30 مليون يورو من أحد البنوك المدعومة روسياً من أجل تمويل حملاتها الانتخابية، وفي ديسمبر الماضي قام الحزب الحاكم في روسيا بتوقيع اتفاق تعاون لمدة خمس سنوات مع حزب الحرية المعادي للمهاجرين في النمسا.

وعلى أثر هذه الأحداث المتتابعة للتدخل الروسي في الشؤون الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي قامت ألمانيا بفتح تحقيقات حول مزاعم محاولة روسيا للتأثير على مجريات الانتخابات الألمانية القادمة، وبالفعل قد أدانت هذه التحقيقات عدد من المؤسسات الروسية.

وفي هولندا أعلن وزير الداخلية أن بلاده سوف تلغي نظام التصويت الإلكتروني في انتخابات 15 مارس، وسوف تكتفي بالتصويت المباشر عبر الأيدي فقط، وقد اتخذ هذا القرار من قبل البرلمان الهولندي بعد مخاطبة وزير الداخلية له بشأن رصده لعدة مؤشرات تدل على أن هناك نية روسية للتلاعب في نتيجة الانتخابات على غرار ما حدث في الانتخابات الأمريكية.

لتسود حالة من القلق والترقب الأوروبي بشأن المحافل الانتخابية الأوروبية القادمة، خوفاً من وصول الشعبويين الجدد للحكم، خاصة أن الأجواء السياسية مهيأة لاستقبالهم، وسعى الشعبويون حول العالم لمساندة ومناصرة بعضهم البعض، وهذا ما اتضح من ترحيب التيارات اليمينية حول العالم بوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسدة الحكم.

وبهذا تكون روسيا استطاعت أن تزلزل الأرض الرخوة تحت أقدام الليبراليين واعتمادها على البراجماتية في ضرب المجتمعات الليبرالية الغربية، مثلما اتبعتها الولايات المتحدة سابقاً في ضرب الكيانات الشيوعية عندما اعتمدت على البراجماتية الأيديولوجية في سياسيتها مع الصين واتخذت منهج الاحتواء معها، والذي جاء بنتائج مرضية فيما بعد، بنجاحها في تحييد الصين، وإدماجها في اقتصاد الأسواق المفتوحة، وتفكيك حلف موسكو- بكين الشيوعي.

اليوم نرى روسيا قد اتبعت نفس الاستراتيجية واستخدمت نفس الأدوات، ولكن فى حقبة زمنية مختلفة، فدعمها لليمنيين والشعبويين الجدد هو ضرب عضد المجتمعات الليبرالية إذا ما نجحوا في الوصول للحكم في الدول الغربية التي لطالما تناوب على حكمها الليبراليون والمحافظون المعتدلون، لينجح أخيراً الكومنفورم في تحقيق أهدافه بعد أن نجح فىيتوحيد الشعبويين من جديد من أجل ضرب الليبرالية الغربية، فهل يشهد القرن الحادي والعشرون نجاح هذه النظرية؟؟ فلننتظر ونرى.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. How Far Is Europe Swinging to the Right?
  2. European Politics Are Swinging to the Right
  3. The Zhdanov Doctrine and the Cominform
  4. COMINFORM Communist Information Bureau
  5. The Marshall Plan
  6. Nixon announces trip to China
  7. Getting To Beijing: Henry Kissinger's Secret 1971 Trip
  8. Rapprochement with China, 1972