ما بين الفتور أحياناً، والمواجهة أحياناً أخرى، ارتسمت علاقات مصر بحماس على مدار ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبًا، منذ تنحية الإخوان المسلمين عن حكم مصر في يوليو/تموز 2013.

ولكن، مصر التي دأبت خلال السنوات الماضية على تكريس الحصار الاقتصادي والسياسي والأمني على سكان قطاع غزة، استقبلت سابقًا القيادي موسى أبو مرزوق، ونهاية الشهر الماضي – يناير/كانون الثاني – رحبت بزيارة إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وبعد أسبوعٍ فقط التقى وفد أمني رفيع المستوى من غزة – قيل إن بينهم قائد في كتائب عز الدين القسام – المخابرات المصرية.

هذه التطورات وصفها قياديو حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في قطاع غزة بأنها أسست لصفحة جديدة وحقيقية في ملف العلاقات الثُنائية التي تدهورت وتشابكت حلقاتها منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي.

وبالاتجاه إلى التحليل الميداني للسعي المصري للتقارب مع حماس فإنّه لا يُمكن أن يُفهم بعيدًا عن سياق محاولة القيادة المصرية الضغط على السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بخلافها مع النائب المفصول «محمد دحلان»، عبر تقديم تسهيلات وتحسينات على واقع الحياة الإنسانية في قطاع غزة تُنسب إليه وتخدمه في صراعه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

ناهيك عن محاولة الاستفادة من حماس في تأمين الحدود وإفشال أي محاولة لتسلل الجهاديين من قطاع غزة إلى ما يُعرف بولاية سيناء مقابل منح سكان القطاع بعض التسهيلات التي تُخفف واقع الحصار المأساوي، وكذلك رغبة مصر في بقاء دورها المركزي في إدارة وتوجيه المفاوضات بين إسرائيل وحماس فيما يتعلق بإبرام صفقة تبادل جديدة، وهو ما سيؤثر إيجابًا على علاقتها – أي مصر – بتل أبيب وواشنطن.

هذا ما أكّد عليه عدد من القيادات السياسية في حركة المقاومة الإسلامية، إذ أجمعوا أن التقارب بين حركتهم ومصر يحمل منفعة متبادلة بين الطرفين، آملين أن يستمر أبدًا دونما أي مُعيقات سواء من الاحتلال أو السلطة الفلسطينية التي ترفض حتى الآن الاعتراف بحماس كهيئة رسمية وصلت إلى سدة الحكم عبر صندوق الاقتراع عام 2006.


لماذا تغيرت السياسة المصرية تجاه غزة؟

في حديثه لـ«إضاءات» يُجيب القيادي «يحيى موسى» عن هذا التساؤل بالقول: «إن اللقاءات المباشرة والمتوالية بالإضافة إلى عمق العلاقة التاريخية بين مصر وقطاع غزة سبب أولي في تغير السياسة المصرية تجاه غزة»، مؤكدًا أنها أثمرت عددًا من التفاهمات على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي سيُشرع بتنفيذها تواليًا، وسيلمس المواطن المصري في سيناء والمواطن الفلسطيني في قطاع غزة نتائجها على الأرض، وكشف موسى عن دور مركزي لمصر في بعض القضايا المركزية كرأب الصدع القائم بن حركتي فتح وحماس في الأراضي الفلسطينية والعمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية.

إن ما يجري من تعزيز لقوات الأمن الفلسطيني على الحدود المصرية تطبيق عملي لما تم الاتفاق عليه قبل عام

وفيما يتعلق بترميم علاقة الحركة مع مصر وماهية ما جرى خلال اللقاءات المتوالية لأفراد من الحركة لمستويات سياسية مصرية رفيعة المستوى، أكد لنا موسى على أن الملف الأمني الخطوة الأولى في إعادة بناء الثقة بين الجانبين، وشدد على أن تخوفات الجانب المصري من محاولات تسلل جهاديين من قطاع غزة للانضمام إلى ما يُعرف بـ«ولاية سيناء» لا أساس له على أرض الواقع، خاصة في الإجراءات المُشددة لوزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة على الحدود والتي تشي بتأكيد موقف حماس الثابت بعدم التدخل في الشأن المصري وإبعاد قطاع غزة عن أي خلاف مصري داخلي.

وقال: «إن ما يجري من تعزيز لقوات الأمن الفلسطيني على الحدود المصرية تطبيق عملي لما تم الاتفاق عليه قبل عام، والذي يقضى بزيادة انتشارهم على الحدود، مع ضمان سلامتهم من الجانب المصري عبر عدم إطلاق النار عليهم واستهدافهم من قبل الجنود المصريين على الجانب الآخر من الحدود».

ومنذ عام 2006 سعت وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة إلى تعزيز حالة الاستقرار والأمن في قطاع غزة عبر ضبط الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر، إلا أن ذلك كان يُقابل باتهام صريح من مصر بأنها تُشكل نقطة عمليات ضد الجانب المصري، دون أن تملك دليلًا واضحًا على ذلك، غير أن الأمر بدا بالاختلاف الآن، ويُؤمل أن يستمر على وتيرة التوافق لتشكيل لجان مشتركة للتعاون في مختلف القضايا والملفات الأمنية، بما يُحقق مصلحة كبرى للجانبين الفلسطيني والمصري على حد سواء.


ما أهم القضايا التي ناقشتها اللقاءات المباشرة بين حماس والقاهرة؟

أجابنا على هذا السؤال «عبد اللطيف القانوع» القيادي في حركة حماس، وذكر أنها شملت المصالحة وفتح معبر رفح وبحث آفاق التعاون الاقتصادي بما يضمن تخفيف الحصار عن القطاع، بالإضافة إلى بحث وتعزيز الدور المصري في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وبحث الوضع الدولي والإقليمي للقطاع.

وقال: «إن العلاقة مع مصر الآن تسير باتجاه جيد». وفيما يتعلق بظهور بعض النتائج على الأرض، أكد أن فتح معبر رفح استثنائيًا ولثلاثة أيام متتالية بعد أقل من عشرة أيام على إغلاقه، إحدى العلامات المهمة لتطبيق التفاهمات التي اتفق عليها، وأضاف بالقول: «إن مصر بذلك تبدو حريصة على تفكيك الحصار عن قطاع غزة»، آملًا أن تستمر في تعاونها المشترك مع القطاع في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية لتطبيق كافة القضايا التي تمت مناقشتها عمليًا.


هل ترعى مصر صفقة تبادل جديدة للأسرى؟

لم يستبعد القانوع – القيادي في حماس – أن تؤدي مصر دورًا مركزيًا في تقريب وجهات النظر بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل لإنجاز صفقة تبادل جديدة تُفرج بموجبها المقاومة عن أسرى إسرائيليين لديها وقعوا في قبضتها خلال عدوان 2014 مقابل أسرى فلسطينيين.

لكنه يُؤكد أن أي جهد جديد سواء من مصر أو من أي طرف دولي آخر لا بد وأن يقوم على أساس إلزام إسرائيل أولًا باحترام الصفقة السابقة، والإفراج بدايةً عن كافة المُحررين الذين أعادت أسرهم بعد أشهر قليلة من الصفقة لذرائع واهية، وقال: «في ظل التعنت الإسرائيلي، والإخلال الصريح من قبلها ببنود الصفقة الأولى، لا يُمكن التعاطي مع أي مبادرات يُقدمها أي وسيط، يجب أن تحترم إسرائيل ما أبرمته سابقًا معنا».


هل دحلان سبب التقارب بين مصر وقطاع غزة؟

محليًا يجري الحديث عن دور لـلنائب محمد دحلان المفصول من حركة فتح، فيما يقع من تقارب مصري –حمساوي مستثمرًا بذلك فتور العلاقات السياسية بين القاهرة والسلطة الفلسطينية.

ويُمكن القول هنا إن مصر تُحاول الاستفادة من ذلك أيضًا باستعادة دورها في الملف الفلسطيني، من خلال عقد مؤتمر العين السخنة – الذي قيل إن دحلان وقف وراء انعقاده – وذلك في إطار الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أملًا في أن يُغير نظرته لقطاع غزة، ويرضخ لتنفيذ التوافقات القديمة بالمصالحة والوحدة الوطنية.

لكن؛ «القانوع» يرفض هذه النظرية مؤكدًا أن التقارب بين حركته والقاهرة يأتي في إطار استعادة العمق العربي عبر مصر الشقيقة ودورها التاريخي في القضية الفلسطينية، وقال لنا: «دور مصر بالقضية الفلسطينية تاريخي وكبير ولا يرتبط بتوجيهات شخص من هنا أو هناك، ولا أعتقد أن هناك أي تدخل لدحلان في توجيه مصر لحل أزمات القطاع، وذلك نابع من الإطار الطبيعي لدور مصر تجاه قطاع غزة».

وشدد على ضرورة عدم إقحام دحلان في طبيعة العلاقات بين حماس والقيادة المصرية، لافتًا أن الصورة الواضحة تُشير إلى محاولة مصر توحيد الصف الفلسطيني لما له من تأثير قوي على القضية الفلسطينية والموقف المصري.

فيما تُشير تقديرات مصرية إلى أن استمرار التآلف المصري مع حركة حماس مرهون بتنفيذ الأخيرة مطالب مصر بتسليم مطلوبين للسلطات الأمنية موجودين في قطاع غزة، بالإضافة إلى قدرتها على منع انتقال العناصر الإرهابية والأسلحة من غزة إلى سيناء وتقويض انتشار تنظيم الدولة والجماعات الجهادية السلفية.

ويبدو أن هذا الأمر مصلحة لحماس أيضًا التي تحرص على هدوء القطاع من الناحية الأمنية وتفويت الفرصة على السلطة الفلسطينية بأنها تُغذي الإرهاب هناك، وذلك وفق ما أشار إليه سابقًا القيادي «يحيى موسى»، في أن مصلحة البلدين تكمن في حفظ النظام على الحدود وتقويض الإرهاب.


كيف ستُساهم مصر في حل مشاكل وأزمات القطاع؟ وهل التقارب الأخير قائم على أساس المصلحة الاقتصادية؟

في ظل التعنت الإسرائيلي، لا يُمكن التعاطي مع أي مبادرات يُقدمها أي وسيط، يجب أن تحترم إسرائيل ما أبرمته سابقًا من اتفاقات.

تبدو الإجابة أكثر وضوحًا على لسان الدكتور «عاطف عدوان» رئيس اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي عن حركة حماس الذي قال: «إن السعي المصري لتحسين العلاقات مع قطاع غزة لا يخلو من هدف اقتصادي أيضًا عبر فتح أسواق جديدة فيه تعود بالمنفعة العظيمة على الخزينة المصرية التي تواجه أزمة حقيقية بوتيرة متصاعدة».

فيما أكد على ذلك «صلاح البردويل» بصورة مقتضبة وبيّن أن مصر ستعمل على زيادة عدد مرات فتح معبر رفح، وستؤسس لعلاقات تبادل تجاري مع غزة، بالإضافة إلى العمل على الحد من أزمة الكهرباء عبر إصلاح الخطوط المصرية التي تُزود بعض مناطق القطاع بالكهرباء، أو إنشاء محطة توليد جديدة من شأنها أن تُساهم بشكل فعلي في إنهاء الأزمة المتفاقمة.