محتوى مترجم
المصدر
Aeon
التاريخ
2017/03/30
الكاتب
ساندرا نيومان
ففي التخريب والسرقة والتزوير، نعلم جميعنا أن العقاب يعمل باعتباره رادعًا وليس مجرد عقاب… وهذا نفسه ما يجب أن نقوم بتطبيقه مع الاغتصاب الآن.

هذه هي النيجة التي وصلت إليها ساندرا نيومان في مقالتها التي قامت فيها باستعراض جهود الباحثين النفسيين في تحديد أسباب قيام الرجالبجريمة الاغتصاب.ففي البداية تتحدث عن الافتراض الذي ظل مهيمنًا على أوساط الباحثين حتى منتصف القرن العشرين، والذي يقضي بأن الأمر بسيط: طالما أن الرجال لديهم ميل جنسي، إما نتيجة الحرمان أو باعتبارهم أكثر شبقًا نتيجة تركيبهم نفسه؛ سيكون من الطبيعي أن يفقد الرجل السيطرة على نفسه في حضور أي امرأة خالية. فكما يشير ريتشارد فون كرافيتبينج (1886م)، «إذا كان الضغط كبيرًا، أو كان الوعاء [الرجل] ضعيفًا، فإن جريمة مروعة ستنفجر».

تم التعامل مع الاغتصاب باعتباره تمظهرًا عاديًا للرغبة الذكورية والذي فتح الباب للوم الضحية على الجريمة

واستمر الأمر كذلك في بدايات القرن العشرين، حيث تم التعامل مع الاغتصاب باعتباره تمظهرًا عاديًا للرغبة الذكورية. سَمَت نيومان هذا التفسير بالتفسير الهيدروليكي، والذي فتح الباب للوم الضحية على الجريمة. فإذا كانت الرغبة الجنسية هي التي تدفع إلى الاغتصاب، فإن امرأة مثيرة قد تدفع برجلٍ جيد إلى فعل كهذا، وأصبحت المرأة هي الآثمة، حيث الرجل لا حول له ولا قوة عندما أمسك بها، ووضعها على الأرض، وقام باغتصابها!انتقل هذا التفسير إلى مدرسة فرويد في منتصف القرن العشرين، حيث ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما أشاروا إلى احتمالية كون المرأة تشتاق سرًا إلى الاغتصاب. فالغريزة الجنسية لدى الأنثى مازوخية [تتلذذ بالتعذيب] بالأساس. ويمتد اللوم أيضًا إلى كل امرأة، وليس فقط الضحية/المجرمة. إذ يجادل الباحث النفسي دافيد أبرهامسن (1960م) أن المُغتصب تشكل نتيجة أمه التي «تقوم بالإغواء وتتمنع»، وزوجته ذات الميول الذكورية التنافسية!واستمر الأمر كذلك، كما تقول نيومان، حتى أصدرت سوزان براونميلر عملها النَسوي الرائع عن الاغتصاب عام 1975م بعنوان «ضد رغبتنا»، والذي صدّرته بقولها إن:

الاغتصاب ما هو إلا عملية واعية من الإرهاب يستخدمها كل الرجال من أجل وضع كل النساء في حالة خوف دائمة

وقامت بقطيعة تامة مع الفكرة القائلة بأن الاغتصاب نتيجة للرغبة الجنسية، وما هو إلا جريمة سياسية مثلها مثل إعدام السود من عصابات البيض، ومهما كانت فهي جريمة مُحركها الأساسي السلطة وليس الجنس. تشير نيومان إلى كون النظرية سببًا في إثارة الجدل وقت صدوره، وانقسم الرأي العام إلى فريقين متضادين.عام 1975م، كانت الأموال المرهونة للأبحاث أكثر من أي وقت مضى، وكان حقل علم النفس يتمتع باحترام كبير، ولذلك امتلأت الساحة بالعديد من الدراسات عن دوافع المُغتصبين. كان أول هذه الأبحاث وأكثرها تأثيرًا في رأي ساندرا هي دراسة نيكولاس جروث في كتابه «الرجال المُغتصبون» (1979م)، والذي خرج فيه بنتيجة مفادها أن كل المُغتصبين تتراوح دوافعهم بين السادية والغضب والرغبة في السيطرة، وأن الاغتصاب عرَض لخلل نفسي، مؤقت أو مزمن. إلا أن دراسة جروث افتقدت لإثبات ما وصل إليه، حيث لم يشر إلى كيفية القيام ببحثه، ولا الأسئلة التي سألها لمبحوثيه، وكيف قام بتصنيفاته. وفي نفس الوقت، كان يحاول بعض الباحثين تأييد التفسير الهيدروليكي إلا أنهم فشلوا. فقد وجدوا أن مستوى التيستوستيرون (هرمون الذكورة) طبيعي لدى المغتصبين، ولا يترافق دائمًا الحرمان الجنسي مع الاغتصاب، إذ إن العديد من الإحصاءات أثبتت أن المغتصبين المتزوجين كانت لهم حياة جنسية نشطة مع أزواجهم. ومع الوقت، أصبحت النظرية القائلة بأنه لا يوجد أي دافع جنسي وراء الاغتصاب تحتاج إلى مراجعة، حيث إن كل الدراسات التي قامت داعمة لها بحثت في المغتصبين المحبوسين والذين استخدموا عنفًا واضحًا. إلا أنه، وكما تشير نيومان، بدأت من منتصف الثمانينيات موجة جديدة من الدراسات تركز على ما سمته المغتصبين «غير المكتشفين»، وهم الرجال الذين لم يتم القبض عليهم أبدًا، واستخدموا عنفًا أقل أو لم يستخدموه أبدًا، وإنما اعتدوا على نساء عاجزات نتيجة الكحوليات. وعندما يستخدمون العنف يكون بعد الفشل في الحصول على جنس بالتراضي، أو ما يُدعى «الاغتصاب في إطار المواعدة».

عدد الرجال الذي اعترفوا بالاغتصاب أو بمحاولة فعله في عشر دراسات مختلفة بين عامي 1985 و1998 يتراوح بين 6% و14.9% من طلاب الجامعات

وتشير ساندرا إلى أن أكثر الحقائق الصادمة التي نتجت عن هذه الدراسات هو كون بعض الرجال غير المسجونين مستعدين للاعتراف بأنهم مغتصبون. فما دام السؤال لا يحتوي على كلمة مغتصب فإن الرجل يمكنه الإجابة بأريحية بالإيجاب على أسئلة من نوعية:هل قمت بأي علاقة حميمية مع أحد نتيجة استخدامك أو تهديدك باستخدام القوة الجسدية؟ومن الحقائق الصادمة كذلك كون عدد الرجال الذي اعترفوا بالاغتصاب أو بمحاولة فعله في عشر دراسات مختلفة بين عامي 1985 و1998 يتراوح بين 6% و14.9% من طلاب الجامعات، وأن نصف هذا العدد تقريبًا قام بتكرار الأمر أكثر من مرة! واكتشفت هذه الدراسات كذلك أن ما يختلف فيه هؤلاء عن الرجال الطبيعيين هي أمور طفيفة، وأن مستويات قليلة من الأنانية والقسوة قد تحوّل رجلًا عاديًا إلى مغتصب. ومن الحقائق الصادمة كذلك كم التبريرات التي يقوم بها المغتصبون لجريمتهم. وأبرزها أنهم لن يعاقبوا أبدًا. وهنا تتوقف ساندرا لتتأمل في هذا التبرير بعمق. فتقول إن المغتصب يجب أن يكون شخصًا انطوائيًا إلى حد ما، فلا يشعر بأي شفقة على ضحيته. وهي حالة تعد مهيأة لاستقبال أي جريمة أخرى تتضمن وجود ضحية، وبالفعل تتطابق الصفات الشخصية للمغتصبين مع مجرمين آخرين كاللصوص.إلا أن المغتصب لا يقوم بجريمته إلا مع اعتقاده بأنه سيهرب بفعلته، وأنه لن يعاقب. فمعظم طلبة الجامعات المبحوثين لم يكونوا خائفين من العقوبة وغير مبالين بأن ما فعلوه مُجرمٌ أصلًا. وبالتالي، استنتجت إحدى الدراسات أن معظم المغتصبين هم نتاج «ثقافة اغتصابية» تقول للرجال إن اغتصاب النساء هو التصرف الطبيعي وأنه آمنٌ تمامًا.

إذا كانت القيادة ترفض الاغتصاب نرى عدم وجود أي حالة اغتصاب على يد العصابات الثورية اليسارية في السلفادور طوال مدة 12 عامًا من الحرب الأهلية

وبالفعل، تختلف تلك الثقافة الاغتصابية من بلد لآخر باختلاف عقوبة الاغتصاب. ففي الولايات المتحدة نرى نسبة الرجال الذين يعرّفون أنفسهم باعتبارهم مغتصبين من 6% إلى 14.9% كما أسلفنا، و23% في الصين، و60.7% في بابوا غينيا الجديدة.وكذلك، كما تؤكد ساندارا، تختلف نسبة الاعتداءات الجنسية في صفوف جنود الجيش من جيش إلى آخر تبعًا لمدى عقاب القيادة عليه، فإذا كانت القيادة هي الآمرة بالاغتصاب نرى ما حدث في مذبحة نانجينج من قبل اليابانيين في حق 20 ألف امرأة صينية، وإذا كانت القيادة ترفض ذلك الأمر وتصد عنه نرى عدم وجود أي حالة اغتصاب واحدة على يد العصابات الثورية اليسارية في السلفادور طوال مدة 12 عامًا من الحرب الأهلية. ويكون الاستنتاج المنطقي، كما ترى ساندرا، أن الاغتصاب كأي جريمة يمكن منعها بفعالية من خلال الردع. ويبدو هذا واضحًا، مما يجعل محاولات تجنب هذا التفكير أمرًا ملفتًا للنظر. فتاريخ البحث في أسباب الاغتصاب هو تاريخ محاولة دفع الأمر إلى كونه يحتاج علاجًا طبيًا أو سياسيًا، أو أي شيء إلا كونه جريمة تستحق العقاب. وينشأ هذا التحيز عن عدم الرغبة في الاعتراف بأن ألم الضحايا من النساء كافٍ من أجل إيقاع العقاب بالمجرمين من الرجال. ففي التخريب والسرقة والتزوير، كما تقول ساندرا، نعلم جميعنا أن العقاب يعمل باعتباره رادعًا وليس مجرد عقاب، فنحن نعلم أن اللصوص أو القتلة أو متعاطي المخدرات إن لم يتم عقابهم لن يرتدع غيرهم وسيزداد عدد المجرمين في المجتمع، وهذا نفسه ما يجب أن نقوم بتطبيقه مع الاغتصاب الآن. فالأمر ليس لغزًا، وليس من الضروري تفسيره من خلال تعقد نفسي عميق. إن الاغتصاب سهل بالنسبة للمغتصبين، ويجب إيقافهم!