رمضان كريم

لم يعد يدري الكثيرون ما تعنيه كلمة «رمضان كريم»، والكلّ يتعجّب من هذه الكلمة التي ترددها الألسنة ليل نهار في مصر، ورغم ذلك نكرر قولها وتعبّر عن لون من الود تجاه الآخر، لكننا حينما نُسأل عن معناها لا يمكننا أن نجيب بشيء من أفعالنا، فقديمًا كانت الكلمة تُقال للدلالة على الصبر والخشوع والروحانية في هذا الشهر الكريم، بعضهم يعمل فإذا ضجر نبّهه صاحبه قائلًا: (رمضان كريم). بعضهم يخشى الفقر وتدل حاله على ضيق وعنت فيربت على كتفه أحدهم قائلًا: (رمضان كريم). إذا تشاجر اثنان وعلا صوت أحدهما، يسمع (رمضان كريم) فيرتعد ويعود عن سلوكه السيئ! ويستغفر الله مما أصابه من غضب. لم تعد للكلمة روحانيتها السابقة التي كنّا نستشعرها حين سماعها، اللهم إلاّ في بقاع معينة، فمن يذهب إلى مقام السيدة زينب سيدرك معنى الكرم والعطاء، وبصورة خاصة حينما يجد فقراء وليس أغنياء يدعون بعضهم إلى الطعام، ويتقاسمون ما أنعم الله به بسيطًا أو عظيمًا، سيجد كرمًا أيضًا في فهم معنى الحرية وإن لم يتشدق البسطاء بمفاهيم حقوق الإنسان، تجد الصائم والمفطر إلى جوار بعضهم يتحدثون ويتعاملون معًا دون تأثيم أو إعلان براءة أو تشهير بمفطر أو محاولة حبسه في سجن الضالين المضلين، فرمضان عندهم كريم!


البنت المصرية

مثلها مثل غيرها من الإناث، ومثلها مثل الرجل تكتب وتقرأ وتلهو وتعمل وترقص وتمرح وتمارس كل الأنشطة التي تمارسها غيرها، فإذا تحدّث أحدهم اليوم مازحًا أو جادًّا حول كون الأنثى المصرية لم تعد تصلح للزواج أو العلاقة الطويلة الأمد، فهو حديث في مجمله خطأ، يقع في التعميم ويظلم نفسه ويظلم غيره، فلا تختلف الأنثى العربية أو تتمايز واحدة عن غيرها، بل حتى الأنثى الغربية بحكم مخالطتي وغيري لكثير من الأعجميات طيلة سنوات، كلهن نساء، والعبرة بتجربة الفرد وما يفعله في علاقته، ومما يحسن ذكره عن البنت المصرية أنها أكثر من غيرها تعرّضًا للظلم والقهر والعنف، سواء في البيت من الأب أو الأخ أو العم والخال وغيرهم، أو في الشارع من الغرباء، أو في العمل من الزملاء والإداريين، إنها تُنتهك حرفيًا في اليوم الواحد مرات عديدة حتى وإن كانت جالسة في بيتها، الكل يشارك في تدميرها إلا ندرة قليلة من الأهالي أو المعلمين الذين يحرصون عليها، وهؤلاء ليسو أصحاب صوتٍ مسموع، وبعضهم يصل كلامه إلى العامة محرّفًا ومشوّهًا، حتى يتحول من حفظ حقّ الأنثى المصرية ورعايتها إلى الدعوة إلى (تحريرها) بالمعنى السلبي الذي يرتبط دومًا بالجنس وبالمدنس من الأفعال. ولا عبرة بالنسبة لي هنا بما يقدّمه السلفيون أو غيرهم من خطاب يتحدث عن المرأة، فهم إما يستغلونها ويعتبرونها مطيّة وليست كائنًا، فقط خُلقت لتلبية رغباتهم، وعندما يزهدون فيها يستبدلون بها أخرى تمكّنهم من إشباع رغباتهم، أو يمارسون سلطتهم عليها إن كانت بنتًا أو أختًا لهم، وغيرهم يجعلون منها موضوعًا ولا يقل انتهاكهم لها عما يفعله أهل الدين!


إمامة المرأة

لا أنشغل بمبحث إمامة المرأة للمصلّين وجواز ذلك أو عدمه، فمنذ أن أمّت الدكتورة آمنة ودود المصلّين في صلاة الجمعة في أمريكا وانشغل الرأي العام بجواز هذا الفعل وعدمه أو بجرأته وكسره للتقليد الإسلامي المتعارف عليه في كون الرجل وحده هو إمام الصلاة، وتجاهلوا قراءة الوضع السياسي في أمريكا ورفض المصلّين خلف الدكتورة ودود لسياسة المساجد في أمريكا التي لا تسع النساء إلا قليلاً ويديرها -بحسب ما يقوله إمباى لوبشير- الأفرو أمريكيين مستخدمين المساجد كامتداد للواقع الاجتماعي لبلادهم الأصلية، ولا تعكس جوًا تتساوى فيه الرجال والنساء. لم ينشغل أحد بما تطرحه آمنة ودود من قراءة للإسلام والقرآن في كتابها: «إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي»، لذا ظلّت معرفتنا بالنسوية الإسلامية محصورة في نطاق ضيق، وتظهر الأحداث المتسارعة عدم مطالعة «المثقفين» لما يُكتب في هذا المضمار، فضلاً عن غيرهم ممن يساقون بكلماتهم. لذا صاحبت محاولة إلهام مانع اليمنية بإمامة المصلين وخطبة الجمعة الموجة التهكمية والإنكارية نفسها، ولم يتورّع المسلمون في مصر والدول العربية عن الإدلاء بآرائهم والتبرع بأحكامهم تجاه هذه القضية دون أدنى قراءة للواقع أو دراسة للقضية. وبطبيعة الحال تُطلق أحكام الإدانة بمبالغة شديدة!


أولياء أم أدعياء

بالمنطق نفسه الذي يخوّن به أتباع الإسلام الحركي جملة، ويُستبعدون من جملة المسلمين، ويوضعون في معسكر الإرهاب والعنف، يُتَحَدَّث عن الصوفية المحدثين، فهم لعبة في يد السلطة، تُنفّذ بهم الخطط، ويساندون السلطة في قمعها الغاشم للمواطنين بوصفهم من الحريصين على إقامة العدل في البلاد الإسلامية، بما يحملون من سلطة روحية على عدد غفير من البشر. ومن يخالف أمر السلطة فهو من الخوارج ويستحقّ العقاب الشديد! مَنْ يخوّن فريقًا بأكمله ويقطع معه تبعًا للأحداث الراهنة لا يختلف كثيرًا عمن خوّنه سابقًا، فكلاهما يقع في فخّ نفسه الإقصاء والتعميم، لا فرق بينهما، المصطلحات المستخدمة واحدة، والنتائج واحدة، وكلاهما مقهور مغيّب، لا يساهم في بناء، أو يعتبر من درس أو حدث، لذا فالناظر إلى هذه التيارات من خارج قد خطّ لنفسه طريقًا أسلم وأنجع في انتشال نفسه من هذا العبث الذي لا يؤدي إلى حياة أبدًا.

وأحبّ هنا أن أقول: لا يمكن أن يعوّل شخصٌ على الصوفية العرب في قليل أو كثير، ولا يمكن أن يحاكم التصوف من خلال تجارب هؤلاء، فأغلبهم لا إنتاج له، وبصورة خاصة أغلب ذائعي الصيت، لا علاقة لهم بالتصوف ولا يتمثّلون بأخلاقه، ولا يفهمون من التصوف إلاّ تكثير المريدين ولملمتهم حولهم، ولا يورثونهم إلاّ صورًا سطحية من التصوف الخالص، ويجرّونهم معهم لإحياء كلّ قديمٍ زائف، كالحديث عن اختلاف الاعتقاد بين (السلفيين والصوفية)، وما يصاحبه من مسائل عفا عليها الزمن، كالتوسل بالأولياء واستخدام السبحة وغيرها من أمور خاب وخسر من اهتم بها ونسي نفسه. أغلب هؤلاء عبيد الظهور، ومن المشهور أنهم طلاب سلطة، وما إن تدول الدولة لهم فسينتهجون النهج نفسه الذي يذمونه في إقصاء الآخرين. عند حكيم الصوفية ابن عطاء عبارة شهيرة تقول: (ادفن نفسك في أرض الخمول فما نبت مما لم يُدفن لا يتمّ نتاجه). لك أن تطلب من واحدٍ منهم أن يبتعد قليلًا عن الأضواء، لن يفعل! لك أن تخاطب أحدهم كأخ لك، لن يرضى إلا أن يكون فوقك! لك أن تدعو أحدهم إلى مجلسٍ بسيط، لن يحضر ما دام الإعلام لن يغطي ذلك! لك أن تطلب من أحدهم أن يصنع لك معروفًا دون مقابلٍ مادي، لن يفعل وهو الباذل نفسه في سبيل الله! إن حدّثتهم عن أخبار الصوفية القدامى تعللوا بألف علّة، هؤلاء عارٌ على الصوفية، ولا يمكن الحديث عن تصوف أو تربية باعتبارهم يمثّلون التصوف، أمثال هؤلاء ممثلون يستحقّون الأوسكار هم وصبيانهم الذي لا يتعلمون منهم إلا عبادة الوهم ونصب الأوثان.

على أن الخير كما تعلمنا ليس في هؤلاء، بل في أناس بسطاء جسّدوا بأفعالهم ما يمكن أن يعبر عن القيم الإنسانية الرفيعة، وثبّت الله قلوبهم على ذلك، وحالفهم التوفيق في حياتهم، ومن يبحث يجد، فالباحثون هم الواجدون كما يُقال!

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.