هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ ** بِالأُفْقِ بَانَ فَلا تَكُنْ بِالوَانِي وَافَاكَ ضَيْفًا فَالتَزِمْ تَعْظِيمَهُ ** وَاجْعَلْ قِرَاهُ قِرَاءَةَ القُرْآنِ
الشاعر الأندلسي ابن الصَّبَّاغ الجُذامِي

استقبال رمضان

يتمتع شهر رمضان المبارك بمنزلة عظمية في نفوس المسملين، فهم يستقبلونه كضيف عزيز فرحين به متهللين، ويودعونه عند رحيله متحسرين ملتاعين. واليوم بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، أصطحبكم أيها القراء الكرام في رحلة مع الشعراء ننظر كيف كان وقع رمضان في نفوسهم. لنرى كيف أن منهم من ابتهج وتهلل لمقدمه، وطرب لرؤية الهلال، وسعد بالكنافة والقطايف فأفرد لها الأشعار، ومنهم من كانت حاله عكس هذه الحال فرأى في الشهر طولا وثقلا وحرمانا من الملذات!

الفرحون بمقدم الشهر

فأما الذين تهللوا لقدوم الشهر ورحبوا به وراحوا يعددون فضائله فهم كثر، ومنهم البحتري إذ يقول:

بَنِي الإسْلامِ هذا خَيْرُ ضيفٍ ** إذا غَشِيَ الكَريمُ ذُرَا الكِرَامِ يَلُمُّكُمُ على خَيْرِ السَّجَايَا ** وَيَجْمَعُكُمْ على الهِمَمِ العِظَامِ فَشُدُّوا فيه أيدِيَكُمْ بِعَزْمٍ ** كَمَا شَدَّ الكَمِيُّ عَلَى الحُسَامِ

ويقول الشاعر الأندلسي ابن الصَّبَّاغ الجُذامِي، احتفالًا بمقدم هلال رمضان [1]:

هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ ** بِالأُفْقِ بَانَ فَلا تَكُنْ بِالوَانِي وَافَاكَ ضَيْفًا فَالتَزِمْ تَعْظِيمَهُ ** وَاجْعَلْ قِرَاهُ قِرَاءَةَ القُرْآنِ صُمْهُ وَصُنْهُ وَاغْتَنِمْ أَيَّامَهُ ** وَاجْبُرْ ذَمَا الضُّعَفَاءِ بِالإِحْسَانِ

ويصور محمود حسن إسماعيل الشهر الكريم في صورة ضيف عزيزٍ حلَّ وارْتَحَلَ، فيقول [2]:

أَضَيْفٌ أَنْتَ حَلَّ عَلَى الأَنَامِ ** وَأَقْسَمَ أَنْ يُحَيَّا بِالصِّيَامِ قَطَعْتَ الدَّهْرَ جَوَّابًا وَفِيًّا ** يَعُودُ مَزَارُهُ فِي كُلِّ عَامِ تُخَيِّمُ .. لا يَحُدُّ حِمَاكَ رُكْنٌ ** فَكُلُّ الأَرْضِ مَهْدٌ لِلْخِيَامِ وَرُحْتَ تَسُنُّ لِلأَجْوَاءِ شَرْعًا ** مِنَ الإِحْسَانِ عُلْوِيَّ النِّظَامِ بِأَنَّ الجُوعَ حِرْمَانٌ وَزُهْدٌ ** أَعَزُّ مِنَ الشَّرَابِ أَوِ الطَّعَامِ
ويقول كذلك محمد التهامي في قصيدته «إلى الصيام»[3]:
دَعْنِي أبُلُّ لَدَى الصِّيامِ مَواجِعِي ** وأُرِيحُ خَفْقَ الرُّوحِ تَحْتَ أَضَالِعِي سَأَصُومُ عَنْ زَيْفِ الحَيَاةِ وَمُرِّهَا ** وَضَرَاوَةٍ تَطْوِي الحَيَاةَ وَلا تَعِي يَا رب هذا الصَّوْمُ وَاحَةُ رِحْلَتِي ** وَالْغَوْثُ للعَطْشَانِ أَو للجَائِعِ

وكان الشعراء قديما يُدَبِّجُونَ القصائد في تهنئةِ الملوك والخلفاء بقدوم شهر الصوم، حتى غَدَتِ التهنئة برمضان غَرَضًا من أغراض الشعر، شاع في الأندلس وعند الفاطميين والعباسيين، ومن ذلك قول الشريف الرضي يهنئ الخليفة الطائع العباسي:

تَهَنَّ قُدومَ صَوْمِكَ يا إِمامًا ** يَصُومُ مَدَى الزَّمانِ عَنِ الأَثامِ إذا مَا المَرْءُ صَامَ عَنِ الدَّنَايَا ** فَكُلُّ شُهُورِهِ شَهْرُ الصِّيَامِ

الشكوى من رمضان!

وفي الوقت الذي نجد فيه أغلب الشعراء يَتَحَلَّوْنَ بهذه الروح الطيبة المرحِّبَة بقدوم الشهر الكريم، نجد فريقا آخر منهم يَشْكُون من رمضان مُر الشكوى، يغضبون لقدومه ويتذمرون ويعلنون عليه الحرب لما يعانون فيه من الحرمان. ولعل أول من أعلن هذه الحرب الظالمة على رمضان هو ذلك الأعرابي «أبو عمرو» الذي روى ابن قتيبهة قصته في «عيون الأخبار»، وذلك أنه قَدِمَ على ابن عم له بالحَضَر، فأدركه شهر رمضان فقيل له: أبا عمرو لقد أتاكَ شهر رمضان! قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطَّعام! قال: أبالليل أم بالنهار؟ قالوا: بل بالنهار؛ قال: أفترضون بدلا من الشهر؟ قالوا: لا؛ قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تُضْرَبُ وتُحبَس! فصام أيامًا، فلم يصبر فارتحل عنهم إلى غيرهم وجعل يقول:[4]

يَقُولُ بَنُو عَمِّي وَقَدْ زُرْتُ مِصْرَهُم ** تَهَيَّأْ أبا عمرٍو لشَهْرِ صِيامِ فقلتُ لهم: هاتوا جِرابِي ومِزْوَدي ** سلامٌ عَلَيْكُم فاذْهَبوا بِسلامِ فبادَرْتُ أَرْضًا ليس فيها مُسَيْطِرٌ ** عليَّ، ولا منَّاعُ أَكْلِ طَعامِ

وقد تفاوتت قوة هذه الحملة على رمضان بحسب طبائع الشعراء، فبينما نجدها تظهر على استحياء على لسان البحتري (ت. 284هـ) في قوله:

فَتَرَوَّ من شَعْبانَ إن وَرَاءَهُ ** شَهْرًا سيمنُعَكَ الرَّحيقَ السَّلْسَلا

نجد أن الصيام كان عِبْئًا ثقيلا على الشعراء المتحللين من تعاليم الإسلام، كابن الرومي وأبي نواس وبشار بن برد. فابن الرومي (ت 282هـ) يقول:

إذا بَرَّكْتَ في صَوْمٍ لِقَوْمٍ ** دَعَوْتَ لَهُم بَتَطْوِيلِ العَذَابِ وما التبريكُ في شهرٍ طَويلٍ ** يُطاوِلُ يَوْمُهُ يَوْمَ الحِسابِ فَلَيْتَ الشَّهْرَ فيه كانَ يومًا ** وَمَرَّ نَهَارُهُ مَرَّ السَّحَابِ فَلا أَهْلاً بِمَانِع كُلِّ خَيْرٍ ** وأَهْلًا بالطَّعَامِ وبِالشَّرَابِ

وقد يكون ابن الرومي عانى الصيام وقد اشتدت حرارة الجو، فنراه يحب شهر رمضان ما لم يكن في الصيف، فيقول:

شهرُ الصِّيَام مباركٌ ** مَا لَمْ يَكُنْ في شَهْرِ آب خِفْتُ العَذابَ فَصُمْتُهُ ** فَوَقَعْتُ في نَفْسِ العَذاب

وقد بلغ ابن الرومي حَدًّا من الحقد على رمضان جعله يهجوه هجاء صريحا، يقول:

شَهْرُ الصِّيامِ -وإنْ عَظَّمْتُ حُرْمَتَهُ** شَهْرٌ طَويلٌ ثَقِيلُ الظِّلِّ والحَرَكَهْ أَذُمُّهُ غَيْرَ وَقْتٍ فِيهِ أَحْمَدُهُ ** مُنْذُ العِشَاءِ إِلَى أَنْ تَصْدَحَ الدِّيَكَهْ شَهْرٌ كَأَنَّ وُقُوعِي فِيهِ -مِنْ قَلَقِي ** وَسُوءِ حَالِي
وُقُوعَ الحُوتِ فِي الشَّبَكَه

على هذا النحو كان ابن الرومي يقف لرمضان بالمرصاد في كل عام، يستقبله أسوأ اسقبال، يهجوه ويشكو طول أيامه، لكنه كان يصبر على صومه، ولم يَدْعُ في شعره إلى الفِطْر قط، وهذا من محامده على كل حال. ولم يكن ابن الرومي وحده صاحب هذه النظرة الكارهة لرمضان وإنما سبقه أبو نواس (ت 198 هـ)، المعروف بمجاهرته ومجونه، فقد كان من أشد الشعراء جرأة في هجاء رمضان رغم أنه عاش قريبا من القرن الأول من الإٍسلام، يقول [5]:

لَوْ كَانَ لي سَكَنٌ في الرّاحِ يُسعِدُني ** لمَا انْتَظَرْتُ بشُرْبِ الرّاحِ إفْـطـارَا الــرّاحُ شيءٌ عجيـبٌ أنتَ شـارِبُه ** فاشْرَبْ، وإن حمـلتْك الـرَّاحُ أوْزَارَا يا مَـنْ يَلُـومُ على صَهْبَاءَ صَـافِيَـةٍ **‍‍‍ صِـرْ في الجـنانِ، ودعْني أسْكُنُ النَّارَا

وقد بلغ من كراهية أبي نواس لطول شهر رمضان أن حاك له صورا شعرية خبيثة طريفة، منها قوله في فتاة تَقَدَّمَ لخِطبتها:

ويدخل مع أبي نواس وابن الرومي حلبة الساخطين على رمضان شاعر آخر هو بشار بن بُرد (ت 167هـ) فهو سابق على صاحبيه في الزمن، وسابق عليهما في الجرأة والتهجم على شهر رمضان، وكثيرا ما كان يترقب طلوع هلال شوال ليتخلص من رمضان ومضايقاته، وما أظرفه وهو يقول [7]:

قُلْ لِشَهْرِ الصِّيَامِ أَنْحَلْتَ جِسْمِي ** فَمَتَى يَا تُرَى طُلوعُ الهِلالِ اجْهَدِ الآنَ كُلَّ جَهْدِكَ فِينَا ** سَتَرَى مَا يَكُونُ في شَوَّالِ

ومن الهَجَّائين لرمضان كذلك الشاعر أبو عيسى بن الرشيد، أخو الخليفة المأمون، الذي شهد معه ذات ليلة هلال رمضان، فسخط ودعا الله ألا يصوم رمضانا آخر بعد الذي كان فيه، فقال:

دَهَانِي شَهْرُ الصَّوْمِ لا كَانَ مِنْ شَهْرِ ** وَلَا صُمْتُ شَهْرًا بَعْدَهُ آخِرَ الدَّهْرِ فَلَوْ كَانَ يُعْدِينِي الإمَامُ بِقُدْرَةٍ ** عَلَى الشَّهْرِ لاسْتَعْدَيْتُ جُهْدِي على الشَّهْرِ

فأدركه شؤم دعائه، وناله بعقب هذا القول صَرَعٌ، فكان يُصْرَعُ في اليوم مرات إلى أن مات، ولم يعش إلى رمضان بعده [8].

ولما كان الصوم يحول دون التنعّم بالملذات والشهوات، فقد شكا منه بعض الشعراء واتهمه بالثقل والطول؛ لأنه يحول دون قضاء الوطر ودون الاجتماع بالمحبوب وشفاء النفس منه، وفي ذلك يقول أحد الشعراء الغَزِلِين:

ثَقَّلَ الصَّوْمُ عَلَيْنَا ** أَثْقَلَ الله عَلَيْهِ! زَارَنِي بِالأمْسِ بَدْرٌ ** كُنْتُ مُشْتَاقًا إِلَيْهِ فَمَضَى .. لَمْ أَقْضِ مِنْهُ ** حَاجَةً كَانَتْ لَدَيْهِ

وكان بعض الشعراء يصوم رمضان لا للعبادة ولكن لتحقيق أهداف له في نفسه، ومن ذلك ما يُروى عن ابن الراوندي وكان سمينًا بطينًا، فقالت له إحدى صواحبه: إن وراءك شهرًا ثقيلًا فصُمْهُ ليذهبَ عنك هذا السِّمَن فأطاعها تلبيةً لرغبتها لا امتثالًا لأمر ربه، فقال يعلن هذا على العامة والخاصة:

وقائلةٍ وقد جَلَسَتْ جِوارِي ** سَمِنْتَ وكُنْتَ قَبْلَئذٍ نَحِيفا وَرَاءَك في غَدٍ شَهْرٌ ثَقيلٌ ** فَصُمْهُ لكي تكون فَتًى خَفِيفَا لِوَجْهِكِ لا لِوَجْهِ اللهِ صَوْمِي ** ولَوَ أَنِّي لَقِيتُ بِهِ الحُتُوفا

شعراء الكنافة والقطايف

تكثر الأشعارُ عن الأحداث العظيمة في رمضان كليلة القَدْر وغزوة بدر، ونزول القرآن وصلاة التراويح، وتكثر الأشعار كذلك عن العادات والتقاليد كظاهرة المسحراتي والفوانيس وغيرها مما يطول بنا المقام لو رحنا نعدده ونقف على أقوال الشعراء فيه، لكن من أطرف الشعر ما قيل في حلوى رمضان من الكنافة والقطائف والمشمشية وغيرها. وقد اشتهر بها عدد كبير من الشعراء منهم ابن الرومي وأبو هلال العسكري وابن نباتة المصري، وأبو الحسن الجزار، والصفدي وأبوالفتح كجاشم، وغيرهم. وقد كتب السيوطي رسالة لطيفة في هذا الموضوع عنوانها «منهل اللطايف في الكنافة والقطايف». وقد كثر شعر الشعراء فيهما، ومن ذلك قول ابن هبة الله المصري:

وَأَتَى الصِّيَامُ فَوَافَتْنَا قَطَائِفُهُ ** كَمَا تَسَنَّمَتِ الكُثْبَانُ مِنْ كَثَبِ أَهْلًا بِشَهْرٍ غَدَا فِيهِ لَنَا خَلَفٌ ** أَكْلُ القَطَائِفِ عَنْ شُرْبِ ابْنَةِ العِنَبِ

والحق أن القطايف معروفة منذ العصر العباسي؛ وجاء ذكرها في شعر ابن الرومي وكشاجم وغيرهما، ومنهم من شبهها بحقاق من العاج، ومنهم من شبهها بوصائف قامت بجنب وصائف. ومنهم من شبهها وقد رصت في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام، استمع إلى أحدهم يقول [9]:

لله دَرُّ قَطَائِفٍ مَحْشُوَّةٍ ** مِنْ فُسْتُقٍ دَعَتِ النَّوَاظِرَ واليَدَا شَبَّهْتُهَا لمَّا بَدَتْ فِي صَحْنِهَا ** بِحِقَاقِ عَاجٍ قَدْ حُشِينَ زَبَرْجَدَا

أما الكنافة فيروى أن الشعراء المصريين كانوا أول من ذكرها في أشعارهم وأول من تغنى بها. ومن هؤلاء أبو الحسن الجزار المصري إذ يقول:

سَقَى اللهُ أكْنَافَ الكُنَافَةِ بالقَطْرِ ** وَجَادَ عَلَيْهَا سُكَّرٌ دَاِئمُ الدَّرِّ وَتَبًّا لأوْقَاتِ «المخلل» إنَّهَا ** تَمُرُّ بِلا نَفْعٍ وتُحْسَبُ مِنْ عُمْرِي[10]

وكان الشعراء يتغزلون في الكنافة ويصفون محاسنها وجمالها ويتمنون دوام وصالها ويتألمون لهجرها وفراقها ويشكون من صدها وإعراضها، ومن ذلك قول الجزار أيضا:

وَمَا لي أَرَى وَجْهَ الكُنَافَةِ مُغْضَبَا ** وَلَوْلَا رِضَاهَا لَمْ أَرِدْ رَمَضَانَها عَجِبْتُ لَهَا مِنْ رِقَّةٍ كَيْفَ أَظْهَرَتْ ** عَلَيَّ جَفًا قَدْ صَدَّ عَنِّي جِفَانَهَا تُرَى اتَّهَمَتْنِي بِالقَطَايِفِ فَاغْتَدَتْ ** تَصُدُّ اعْتِقَادًا أَنَّ قَلْبِيَ خَانَهَا

ومن الشعراء من وازن بين الكُنافة والقطايف وفضل الكنافة عليها. ومنهم من أظهر الكنافة بمظهر الساخر من القطايف المحتقر لها. ومثال ذلك قول ابن عينين [11]:

غَدَتِ الكُنَافَةُ بِالقَطَايِفِ تَسْخَرُ ** وَتَقُولُ إنِّي بالفَضِيلَةِ أَجْدَرُ طُوِيَتْ مَحَاسِنُها لِنَشْرِ مَحَاسِنِي ** كَمْ بَيْنَ مَا يُطْوَي وآخَرَ يُنْشَرُ فَحَلَاوَتِي تَبْدو وتِلْكَ خَفِيَّةٌ ** وَكَذَا الحَلَاوَةُ فِي البَوَادِي أَشْهَرُ

في وداع رمضان

نُبِّئْتُ أنَّ فَتَاةً جِئْتُ أَخْطُبُها ** عُرْقُوبُها مِثْل شَهْرِ الصَّوْمِ فِي الطُّولِ[6]

ينقضي شهر رمضان فيحزن الناس لفراقه، ويودون لو استبقوه ضيفا كريما طوال العام، ونجد في ذلك شعرا كثيرا لشعراء كثيرين في القديم وفي الحديث، ومنهم محمد التهامي في قصيدته (رمضان .. لا ترحل)[12]:

في مثلِ وَمْضَةِ طَيْفٍ هَزَّهُ القَلَقُ ** رمضانُ كَيْفَ تُخَلِّينَا وَتَنْطَلِقُ أتَيْتَنَا بِضِياءِ الصُّبْحِ أُمْنِيَةً ** وَفُتَّنَا وَعَلَيْنَا خَيَّمَ الغَسَقُ
ويقول محمد مصطفى حمام:
مَضَى رَمَضَانُ مَحْمُودًا كَرِيما ** وهلَّ العيدُ مُبتسما وَسيما كَذَا الإسلامُ خيرٌ بعدَ خيـرٍ ** ألا أكْرِمْ به دِينًا رَحيما
ويقول آخر:
أيُّ شَهْرٍ قد تَوَلَّى ** يا عِبادَ الله عَنَّا حُقَّ أن نَبْكي عَلَيْه ** بِدِماءٍ لو عَقَلْنا

لكن الشعراء لا يتحلون جميعا بهذه الروح المتعلقة برمضان عند ذهابه، فكما أن بعضهم فرح بقدومه وحزن آخرون، فإن الذين حزنوا الآن يفرحون، لينطلقوا إلى ملذاتهم وشهواتهم سعداء مسرورين بعد أن حرمهم منها الصيام زمنا، ومن ذلك قول ابن المعتز:

أَهْلًا بِفِطْرٍ قَدْ أَنَارَ هِلَالُهُ ** الآنَ فَاغْدُ عَلى المُدَامِ وَبَكِّرِ وانْظُرْ إِلَيْهِ كَزَوْرَقٍ مِنْ فِضَّةٍ** قَدْ أَثْقَلَتْهُ حُمُولَةٌ من عَنْبَرِ
ويقول أبو علي البصير:
أقُولُ لِصَاحِبَيَّ وقَدْ رَأَيْنَا ** هِلالَ الفِطْرِ مِنْ خَلَلِ الغَمامِ غَدًا نَغْدُو إلى ما قَدْ ظَمِئْنَا ** إِليهِ من المُدامَةِ والغُلامِ ونَسْكَرُ سَكْرَةً شَنْعَاءَ جَهْرًا ** ونَنَقْرُ في قَفَا شَهْرِ الصِّيَامِ

وقد انتشرت هذه الروح كذلك عند أبي نواس وغيرة من الشعراء حتى إن عدواها أصابت أمير الشعراء أحمد شوقي في العصر الحديث، فقال في وداع رمضان:

رَمَضَانُ وَلَّى هاتِها يا ساقي ** مُشتاقَةً تَسْعَى إلى مُشْتَاقِ

متحير أنت يا شهر الصيام في موكب الشعراء، بين فرحين بك متهللين، وساخطين عليك متجهمين، لكنك شهر الخير والبركة في كل حين!


[1] ديوان ابن الصباغ الجذامي، ص 53.[2] الأعمال الكاملة للشاعر محمود حسن إسماعيل، ج3، ص 341 – 342.[3] محمد التهامي، الأعمال الشعرية الكاملة، ص 613 – 614.[4] محمد رجب البيومي، رمضان عند الأدباء، مجلة الرسالة، ع 684، ص 885.[5] محمد عبد الغني حسن، الشعر في رمضان، الهلال، ع11، 1971، ص 21.[6] السابق، ص 24.[7] السابق، ص 21 – 22.[8] تجريد االأغاني، ص 1183.[9] محمد سيد كيلاني، شهر الكنافة والقطايف، مجلة الرسالة، ع 888، 1950، ص 771 – 773 [10] محمد عبد الغني حسن، ص 28.[11] محمد سيد كيلاني، ص 772.[12] محمد التهامي، ص 616 – 617.