أعتقد أن البنك المركزي ووزير المالية المصري مدركين تمامًا خطورة التضخم ويأملان في علاج مشاكله التي تثقل كاهل المواطن
كريستين لاجارد

استقبلت مصر بعثة صندوق النقد والتي استمرت من يوم الأحد الموافق 30 أبريل إلى الاثنين 11 مايو لمراجعة اتفاقية القرض البالغ 12 مليار دولار، ومن المتوقع أن يدور النقاش بشكل رئيسي حول أفضل السبل لمواجهة التضخم وفقًا لتصريحات كريستين لاجارد مدير عام صندوق النقد الدولي. فهل حقًا يمثل سعر الفائدة الأداة الصحيحة لترويض التضخم؟

كانت البداية مع اتخاذ الحكومة المصرية عددًا من الإجراءات الإصلاحية على المستوى الاقتصادي الكلي، بعض هذه الإصلاحات تمثل فى استخدام أدوات السياسة المالية للسيطرة على عجز الموازنة المصرية، مثل رفع أسعار الطاقة، وتطبيق قانون القيمة المضافة لتوسيع القاعدة الضريبية ومن ثم زيادة حصيلة الدولة من الضرائب، واعتماد قانون الخدمة المدنية الجديد الذي يقتضي تخفيض الرواتب كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وبعضها الآخر تمثل فى استخدام أدوات السياسة النقدية كتحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي ورفع أسعار الفائدة بنسبة 3%لتصل إلى 14.75% و15.75% للإيداع والإقراض على التوالي.

هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت نيران التضخم في مصر الذي وصل إلى 33.1% في فبراير الماضي وهو أعلى معدل له منذ منتصف الثمانينات، فتخفيض دعم المحروقات أدى إلى رفع جميع أسعار السلع والخدمات التي يدخل السولار في أي مرحلة من مراحل إنتاجها، كما أسهمت التعاريف والحواجز الجمركية التي تفرضها الحكومة المصرية على المستوردين في تزكية نيران التضخم، حتى كان تحرير سعرف الصرف بمثابة الصخرة التي قسمت ظهر المواطن المصري وأفقدته قوته الشرائية في ظل ثبات معدلات الدخول النقدية.


التضخم: المشكلة والحل

لا شك أن التضخم من أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع المصري في الوقت الحالي، كونه يمس حياة المواطن بشكل مباشر، فالمواطن البسيط قد لا يعبأ بالدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد لا يهتم بما يعنيه عجز ميزان المدفوعات، وقد لا يلقي بالاً للمناقشات التي يجريها صندوق النقد الدولي مع مصر بشأن الحصول على الدفعة الثانية من القرض، إلا أنه دون شك يهتم بالمستوى العام للأسعار، فكلما ارتفعت أسعار السلع والخدمات في أي اقتصاد مع ثبات الدخل النقدي للمواطن انخفض الدخل الحقيقي لذلك المواطن معبرًا عنه بكمية السلع والخدمات التي يمكنه الحصول عليها بمرتبه الشهري.

إذن لا بد من إيجاد حل لهذا السرطان الذي ينهش في جسد المجتمع المصري، ويرى صندوق النقد أن رفع سعر الفائدة هو خير وسيلة لمواجهة التضخم في مصر، وأن هذا الحل يجري مناقشته الآن مع الحكومة المصرية كما جاء على لسان جهاد عزور مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد.

يبدو أن الحل الذي طرحه صندوق النقد لمواجهة التضخم منطقيًا وبسيطًا للوهلة الأولى، فالهدف من رفع سعر الفائدة هو سحب السيولة من الشارع المصري حيث يتجه المواطنون لإيداع أموالهم بالبنوك للاستفادة من العائد المرتفع على تلك الودائع، تلك السيولة هي المحرك الأساسي للطلب وبسحبها ينخفض الطلب وبالتالي تبدأ معدلات التضخم فى الانخفاض تدريجيًا. هذا الحل رغم منطقيته وبساطته من الناحية النظرية فإنه لن يُجدي نفعًا فيما يتعلق بالحالة المصرية، لماذا؟

للإجابة على هذا السؤال يجب التفرقة بين النوعين التاليين من التضخم:

  1. التضخم المدفوع بالطلب: وهي الزيادة في الأسعار الناتجة عن زيادة الطلب على السلع والخدمات عن المعروض من تلك السلع والخدمات، فإذا كان المطلوب من السلعة يفوق المعروض منها حتمًا سيتجه سعر هذه السلعة نحو الارتفاع.
  2. التضخم المدفوع بالعرض: ويقصد به التضخم الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج الأمر الذي يجعل المنتج يمرر هذه الزيادة في التكاليف إلى المستهلك في شكل زيادة في الأسعار.

فإن رفع سعر الفائدة يمثل آلية فعالة في حالة ما إذا كان التضخم مدفوعا بالطلب الناتج عن زيادة السيولة في الشارع المصري، إلا أن حالة التضخم التي يعاني منها الاقتصاد مدفوعة بالأساس بارتفاع تكاليف الإنتاج الناتجة عن تحرير سعر الصرف وارتفاع فاتورة الواردات وتخفيض دعم الطاقة بالإضافة إلى تطبيق قانون القيمة المضافة كما ذكرنا أعلاه، إذن فالتضخم المصري مدفوعًا بالعرض ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مدفوعًا بالطلب حيث يقع أكثر من 30% من الشعب المصري تحت خط الفقر. ومن ثم فإن رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم لن يجدي نفعًا.

بدليل أن لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري قامت برفع سعر الفائدة على الودائع والقروض البنكية بالجنيه المصري بنسبة 1% فى يونيو 2016 ثم قامت برفعه مرة أخرى بنسبة 3% في نوفمبر من نفس العام إلا أن ذلك لم يحل دون ارتفاع معدلات التضخم في فبراير الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ ثلاثين عاما.

كما أن البنوك المركزية الأوروبية لم تواجه ارتفاع معدلات التضخم الناتجة عن ارتفاع أسعار البترول خلال العقدين الماضيين برفع سعر الفائدة، لإدراكها أن التضخم الناتج عن زيادة تكاليف الإنتاج والذي ينعكس فى زيادة الأسعار لا تتم مواجهته بأي حال من الأحوال برفع أسعار الفائدة، وإنما تتم مواجهته بانتهاج السياسات التي من شأنها تخفيض نفقة الإنتاج كاستخدام تكنولوجيا قليلة استهلاك الوقود على سبيل المثال لا الحصر.


رفع سعر الفائدة: الرابحون والخاسرون

1. ارتفاع تكلفة الدين العام

مع ارتفاع سعر الفائدة سترتفع تكلفة الدين العام، فقد قدرت الحكومة أن التزاماتها من الفوائد خلال العام المالي 2016-2017 تقدر بحوالي 292.5 مليار جنيه أي حوالي 30% من المصروفات التي قدرت بـ949.7 مليار جنيه فى ذلك الوقت. ومما لا شك فيه أن هذا العبء سيزداد كلما ارتفع سعر الفائدة وهو ما يمثل خصمًا من مخصصات التعليم والصحة في الموازنة العامة للدولة.

يشير عمر الشنيطي فى مقال له إلى أن كل زيادة بنسبة 1% في معدلات الفائدة تعني ببساطة زيادة قدرها 20 مليار جنيه في تكلفة الدين الحكومي، وبالتالي فإن عجز الموازنة قد زاد بأكثر من 60 مليار جنيه مع ارتفاع أسعار الفائدة بنسبة 3% في نوفمبر 2016.

2. تراجع معدلات الاستثمار

ارتفاع سعر الفائدة على القروض يعني ارتفاع تكلفة الاستثمارات المحلية والأجنبية، مؤديًا ذلك إلى تراجع كبير في معدلات الاستثمار وهو ما يهدد بحالة من الركود الاقتصادي. وفي حالة ما إذا قرر المستثمرون المغامرة وقبول ارتفاع تكلفة الاستثمار، فإن ذلك حتمًا سينعكس في شكل ارتفاع أسعار مخرجات هذه الاستثمارات وبالتالي مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم.

3. انكماش البورصة المصرية

لن تسلم البورصة المصرية هي الأخرى من بعض الآثار السلبية، فأسعار الفائدة المرتفعة ستدفع أصحاب رءوس الأموال إلى سحب أموالهم من البورصة، حيث المخاطر المرتفعة وإيداعها في البنوك حيث المخاطر المنخفضة والعائد المرتفع. فارتفاع أسعار الفائدة يحقق المعادلة المستحيلة في الاقتصاد وهي تحويل العلاقة الطردية بين المخاطرة والعائد إلى علاقة عكسية، على الدوام كان ارتفاع العائد يعني ارتفاع المخاطرة، فإذا ما أراد صاحب رأس المال الحصول على عائد مرتفع عليه أن يتقبل درجات أعلى من المخاطرة، إلا أنه في حالة ارتفاع أسعار الفائدة بشكل ملحوظ كما في الحالة المصرية، فإن البنوك تكون المكان الوحيد الذي يحقق معدلات فائدة مرتفعة ومخاطرة منخفضة في الوقت نفسه، وهو ما سيؤدي إلى انكماش البورصة المصرية في النهاية.

4. المستثمر الأجنبي في أدوات الدين الحكومية هو المستفيد الوحيد

تمثل أذون الخزانة الحكومية استثمارًا جيدًا بالنسبة للمستثمرين الأجانب الساعين إلى تحقيق أرباح سريعة ومضمونة، مستفيدين من معدلات الفائدة المرتفعة التي تقدمها وزارة المالية خاصة بعد تحرير سعر الصرف.

إذن يمكننا القول إن رفع سعر الفائدة يصب بشكل أساسي في مصلحة المستثمر الأجنبي وأن الغرض من نصائح الصندوق برفع سعر الفائدة ليس محاربة التضخم، ولكن تعويض المستثمرين عن التضخم. حيث يتحدد سعر الفائدة الحقيقي بسعر الفائدة الاسمي مطروحًا منه معدلات التضخم.

الخلاصة أن رفع سعر الفائدة لن يؤدي إلى تخفيض معدلات التضخم في مصر كون التضخم مدفوعا بشكل أساسي بالعرض وليس الطلب، وأن رفع سعر الفائدة سيزيد من عجز الموازنة العامة المصرية، وانخفاض معدلات الاستثمار وهروب رءوس الأموال من البورصة إلى البنوك.