أثارت الضربة الأمريكية للنظام السوري، على الرغم من أنها ظلت متوقعة منذ اندلاع الثورة السورية وشروع النظام في القمع الدموي لها، العديد من التساؤلات. نحاول هنا أن نتناولها ببساطة في شكل سؤال وإجابة، كمدخل للتفكير فيما يحدث وفهم أبعاده المختلفة.

1. ما الدافع إلى تلك الضربة الأمريكية للنظام السوري؟

2. ألم يسبق وأن سلّم النظام السوري أسلحته الكيماوية؟

3. ماذا كان موقف الإدارة الأمريكية السابقة من التدخل في سوريا؟

4. ماذا كان موقف ترامب من توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري؟

5. ما الذي حدث بالأمس؟

6. ما هي صواريخ التوماهوك؟ وما هي المدمرة USS Porter التي أطلقتها؟

7. هل نسّقت أمريكا ضربتها مع روسيا؟

8. ما هو حجم الضربة؟

9. لماذا أقدم النظام السوري على تلك الخطوة الاستفزازية؟

10. لماذا غيّر ترامب موقفه في سوريا؟

11. ما هو أثر الضربة على العلاقات الأمريكية الروسية؟

12. ما هي السيناريوهات المتوقعة لتلك الضربة؟


1. ما الدافع إلى تلك الضربة الأمريكية للنظام السوري؟

الدافع المعلن هو «مجزرة خان شيخون»، ففي الثلاثاء، الرابع من أبريل/نيسان، قام سلاح الجو التابع للنظام السوري بقصف مدينة خان شيخون، بريف إدلب، غربي سوريا، والخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة، بغاز السارين السام بحسب مديرية صحة إدلب، ما أدى إلى ارتقاء 100 قتيل، و400 جريح. استنكرت العديد من الدول، منها الدول الثلاث الكبرى: أمريكا وإنجلترا وفرنسا، تلك المجزرة؛ بينما رد وليد المعلم، وزير خارجية النظام، بأن القصف سبق الغارات التي قام بها النظام السوري، و ردت الخارجية الروسية بأن التسمم كان نتيجة قصف معمل به مواد سامة.

اقرأ:أنظمة الكيمياوي: إبادة الشعب كحل في الخيال السياسي لحكام العرب


2. ألم يسبق وأن سلّم النظام السوري أسلحته الكيماوية؟

في الحادي والعشرين من أغسطس/آب 2013، قام النظام السوري بهجوم كيماوي بغاز الأعصاب على سكان الغوطة الشرقية، ما أدى إلى ارتقاء نحو ألف وأربعمائة قتيل من سكان المنطقة بحسب تقرير المخابرات الأمريكية. كان الرئيس الأمريكي أوباما قد علّق تدخل بلاده عسكريًا في سوريا باستخدام النظام للكيماوي، معتبرًا ذلك هو الخط الأحمر؛ إلا أنه لم يفعل. وقد تدخلت روسيا بمبادرة في القمة العشرين لحظر الأسلحة الكيميائية، تقضي بوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية، وهو ما وافق عليه النظام في التاسع من سبتمبر/أيلول 2013.

وفي التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2013، صدر قرار مجلس الأمن 2118 الذي «يرحب بإطار عمل للتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية بتاريخ 14 سبتمبر 2013، في جنيف، بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية S-2013 – 565، بهدف ضمان تدمير برنامج الأسلحة الكيماوية في الجمهورية العربية السورية في أقرب وقت ممكن وبطريقة أكثر أمانًا…» و«يرحب بقرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية من 27 أيلول 2013 الذي حدد إجراءات خاصة للتدمير العاجل لبرنامج الأسلحة الكيماوية في الجمهورية العربية السورية والتحقق الصارم منه».


3. ماذا كان موقف الإدارة الأمريكية السابقة من التدخل في سوريا؟

كان أوباما كما أوضحنا قد صرّح بأن استخدام الكيماوي هو الخط الأحمر الذي ستقوم أمريكا حال تجاوزه بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري؛ إلا أن موقف أوباما عقب الهجوم الكيماوي أظهر تردده في اتخاذ هذا القرار، حيث فضّل الرجوع فيه إلى الكونجرس وعدم اتخاذ القرار منفردًا رغم توفر الصلاحية لديه. ولكن الكونجرس لم يحسم قراره في الموضوع، حتى تمت مبادرة الكيماوي.

ويبدو أن حرص أوباما المفرط على التراجع عن سياسات المحافظين الجدد التدخلية ضد الأنظمة غير الديمقراطية التي أدت إلى عداء جذري في العالم الإسلامي للولايات المتحدة، وعدم ثقته في البدائل المتاحة للأنظمة القائمة – يبدو أن ذلك قد حمل أوباما على اتخاذ موقف انسحابي وسلبي تجاه الأزمات والثورات العربية.

للمزيد عن موقف أوباما من الثورة السورية، اقرأ:«عقدة» أوباما في سوريا


4. ماذا كان موقف ترامب من توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري؟صرّح ترامب مرارًا أثناء حملته الانتخابية بأنه لا يحبذ توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري، موضِّحًا أن أولوياته هي مقاتلة تنظيم الدولة، وأنه رغم أنه لا يحب الأسد، إلا أن الأخير يقاتل تنظيم الدولة. وقد بدت ميول ترامب إلى انعزال أمريكا عن التورط في مشكلات الشرق الأوسط وغيرها من المشكلات حول العالم، وكذلك إلى تكوين علاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واضحة جدا آنذاك؛ إلا أنه صرّح أيضًا بأن «روسيا خرقت اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، ولم تحترم القادة الأمريكيين» في سبتمبر/أيلول العام الماضي.
5. ما الذي حدث بالأمس؟

لم تنتظر أمريكا صدور قرار من مجلس الأمن بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، حيث أصدر ترامب أوامره بتوجيه ضربة صاروخية للنظام السوري. وفي تمام الرابعة وأربعين دقيقة صباحًا بتوقيت دمشق، فجر اليوم، الجمعة، السابع من أبريل/نيسان، أطلقت المدمرة الأمريكية الحاملة للصواريخ الموجهة (USS Porter) والمتمركزة في البحر المتوسط، 59 صاروخ من طراز توماهوك، على مطار الشعيرات العسكري في حمص السورية، مستهدفة تخريب ممراته ومخازن الوقود واللوجستيات فيه، والرادارات، مما يعيق عمله.

وقد أسفر الهجوم، بحسب الجيش السوري، عن سقوط 6 قتلى من عناصر النظام، وعدد من الجرحى. كما أسفر عن تدمير 9 مقاتلات وخمس حظائر بها طائرات ومعدات حربية.

الخبر على موقع البناتجون:Trump Orders Missile Attack in Retaliation for Syrian Chemical Strikes


6. ما هي صواريخ التوماهوك؟ وما هي المدمرة USS Porter التي أطلقتها؟

صواريخ توماهوك Tomahok هي صواريخ أرض، تطير على ارتفاعات منخفضة دون سرعة الصوت، تطلَق من سفن السطح التابعة للأسطول الأمريكي، كما من الغواصات، وقد كان الاستخدام التشغيلي الأول لها عام 1991 في عملية عاصفة الصحراء – وكأنها مصنعة خصيصًا للعالم العربي! – قبل أن تبيعها البحرية الأمريكية للبحرية البريطانية عام 1995، حيث تستخدمها الغواصات البريطانية حاليا.

أما المدمرة USS Porter فهي سفينة سطح تابعة للأسطول الأمريكي، مسمَاة باسمها تكريما للقائد التاريخي في البحرية الأمريكية ديفيد بورتر وابنه ديفيد ديكسون بورتر، وقد شاركت في العمليات العسكرية في غزو العراق 2003، وفي مكافحة القرصنة في الصومال.


7. هل نسّقت أمريكا ضربتها مع روسيا؟

وفقًا لتصريحات جيف دافيز، المتحدث باسم البنتاجون، فإن الولايات المتحدة قد أعلمت القوات الروسية بالهجمة الصاروخية على المطار. وقد حرص المخطِّطون الأمريكيون كذلك وفقا لتصريحات دافيز، على تجنب سقوط إصابات بشرية بين الأفراد الروس والسوريين.

إلا أن سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، قد صرّح اليوم الجمعة، السابع من أبريل/نيسان، بأن الهجمة الصاروخية هي عمل عدواني بلا أساس يستهدف الإطاحة بنظام الأسد وتقويض العملية السياسية، قائلا أنه يذكرنا بحرب العراق 2003، في إشارة إلى تحرك أمريكا دون تفويض من مجلس الأمن يمنح هجومها الشرعية الدولية.


8. ما هو حجم الضربة؟

يبدو حتى الآن أن الضربة هي ضربة محدودة، وربما محدودة جدا، إذ أن أمريكا عزفت حتى عن استخدام القصف الجوي ذي الأثر الأكبر من الناحية العسكرية، خلافًا لما قامت به في ليبيا ضد نظام القذافي، وكان له كبير الأثر في تقدم قوات الثورة على الأرض. وأوضحت على لسان المتحدث باسم البنتاجون، كما سبقت الإشارة، إلى أنها حريصة على عدم سقوط عناصر بشرية من القوات الروسية، أو حتى السورية.


9. لماذا أقدم النظام السوري على تلك الخطوة الاستفزازية؟

يشعر النظام السوري بالأمان في ظل الوجود الروسي في سوريا، ما يجعل أي تحرك ضده تحركًا ضد روسيا التي لا تحبذ أي من الدول الكبرى الدخول في صدام معها. ويحاول النظام بالتالي حرق المراحل وتعويض ما خسره عبر سنوات من ثقة في قدرته على إعادة السيطرة على أكبر مساحة من الأرض، وتدمير قوى المعارضة؛ وببساطة، استعادة الثقة به كحاكم فعلي في سوريا.


10. لماذا غيّر ترامب موقفه في سوريا؟

1. يُقدِّم ترامب نموذجًا للسياسي الشعبوي، أي الذي يفكر بنفس منطق تفكير رجل الشارع، فيغضب لعدم احترام مكانة بلده، خاصة عندما يكون بلده هو الولايات المتحدة، ولا يحب أن يظهر بمظهر القائد الضعيف أمام روسيا أو غيرها. لذا على الرغم من ميله الشعبي إلى انسحاب أمريكا، فإن ميله لا يعبر عن مبدأ صلب، ويمكن أن يتغير في لحظات الاستفزاز.

ويظهر ذلك أيضًا في تصريح السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن، بأن عجز مجلس الأمن عن القيام بدوره (في إشارة إلى الفيتو الروسي المعطِّل)، لن يمنعها من القيام بدورها:

2. يعتبر استخدام الكيماوي، علاوة على كونه إحراجًا للإدارة الأمريكية ولحكومات الدول الغربية الكبرى، خطًا أحمر بالنسبة لإسرائيل التي لا تخفي خشيتها من امتلاك سوريا لأسلحة كيماوية لا تضمن أن يستخدمها النظام، أو المعارضة حال استيلائها عليها، ضد إسرائيل.

3. ثم عناصر داخل الإدارة الأمريكية الجديدة، وليس فقط داخل المؤسسات الأمريكية، تميل إلى التدخل الأمريكي وعدم الانسحاب، منهم مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، وجيمس ماتيس، وزير الدفاع في الإدارة الجديدة، فلماتيس قناعات واضحة حول دور عالمي للولايات المتحدة، ومخاوف من التمدد الروسي.

اقرأ: في إدارة ترامب: «الكلب المجنون» وزيرًا للدفاع

4. ربما تحاول الإدارة الأمريكية عبر تلك الضربة صرف الأنظار عن بعض الانتقادات الموجهة إليها مؤخرًا، سواء في علاقتها مع روسيا من جهة، أو في اضطرابها المستمر الذي أدى مؤخرًا إلى إقالة ستيف بانون، كبير مستشاري الرئيس وعضو مجلس الأمن القومي، ومدير حملة ترامب أثناء الانتخابات.

اقرأ:زلزال في البيت الأبيض: إقالة بانون وإعادة ضبط البوصلة

5. لا يطمئن ترامب للنفوذ الإيراني المتنامي، ولا يحظى الاتفاق النووي مع إيران بقبول واسع داخل المؤسسات الأمريكية. وربما تكون الضربة الأخيرة هي مقدمة لخطوات تتخذها أمريكا على الأرض للسيطرة على هذا النفوذ الإيراني وتقليصه.


11. ما هو أثر الضربة على العلاقات الأمريكية الروسية؟

من الواضح أن روسيا ليست راضية تمامًا عن الضربة الأمريكية، وإن كانت تدرك محدوديتها، فالضربة بمثابة إعلان أمريكي لروسيا بأن أمريكا ما زالت هي الفاعل الأقوى عالميًا، الذي يملك التحرك بمعزل عن مجلس الأمن الذي تملك فيه روسيا الفيتو. على روسيا أن تدرك، كما يفكّر الأمريكي التقليدي، أن تحركها الحر إنما يتم تحت رقابة أمريكية، لا بسبب عجز أمريكي عن التدخل.


12. ما هي السيناريوهات المتوقعة لتلك الضربة؟

الظاهر حتى الآن، أن الضربة الأمريكية كانت ضربة محدودة، وليس من الملاحظ أن القوات الأمريكية تتخذ أية إجراءات حاليًا لتطويرها. كما أن النظام السوري وروسيا، رغم استيائهما من الضربة إلا أنهما، لا يودان استثارة أمريكا، ويدركان أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على قلب الطاولة في وجهيهما. وبالتالي، يبقى الوضع في سوريا على ما هو عليه .. دون كيماوي!

لكن من جهة أخرى، لا ينبغي إغفال احتمال تطور الضربة وتوسعها، وتحولها إلى متغيّر فعلي في المعادلة السورية. ويرتبط ذلك بحدوث شيء مما يلي:

1. تكرار النظام السوري لإحدى جرائمه بما يظهر استهتاره بالضربة الأمريكية، ما قد يشكّل إحراجًا لا تقبل به الولايات المتحدة. ما يجعل هذا الاحتمال قائمًا رغم أنه لا يصب في صالح النظام، هو كل هذا النزق الذي تصرّف به النظام عبر عدة سنوات، وفقدان النظام المحتمَل للسيطرة الكاملة على كافة أدواته وجبهاته.

2. رغبة القيادة العسكرية الأمريكية في توسيع الضربة لفرض دور أمريكي أكبر في سوريا وتحجيم روسيا.

3. تحرك فصائل المعارضة ضد النظام بما يضعف الثقة في قدرة النظام على السيطرة والاستمرار، بما قد يشجع القوى الخارجية على تدخل أوسع للتخلص من النظام الذي لا يحظى بقبولها.