حلت في شهر مارس/آذار اثنتان من المناسبات المهمة للمرأة «يوم المرأة العالمي» و«عيد الأم»، حينها تعلو الأصوات في المنابر وعلى صفحات الجرائد والإعلام تبجيلاً للمرأة وكثيرًا ما يتم الثناء على دورها الإنجابي ودفعها بالرجل والنسل إلى الأمام، ومع ذلك نجد أنفسنا محاصرين داخل مجتمع مشوه وغير متناسق لا تعرف فيه المرأة دورها بالتحديد هل هي الأم فقط، أم شريكة الرجل أم أنها مكملة له وليست مساوية؟ في رأيي ما يحسم ذلك الصراع هو العودة لقراءة التاريخ، ليس لتمجيده ولا لتكفيره، وإنما لمعرفة أن من كانوا أعظم شعوب العالم حضارة ونهوضًا ببساطة لم يقتصر دور المرأة فيها على الزواج والإنجاب وتوفير راحة الرجل، فلا رجل صانع حضارة دون امرأة شريكة في تلك الحضارة بنفس الدور، وسأضرب مثالا من تاريخنا المصري القديم على نماذج شهيرة تقلدت مناصب وخلد اسمها جنبًا إلى جنب مع الرجال المصريين، غير أن دور المرأة الفعال لم يقتصر على نساء البيت الكبير، فهناك الفلاحة والطبيبة وأمينة المخازن والكاهنة، لم تكن هناك ربة منزل فقط، المرأة كانت تقرأ وتحافظ على ثقافة كيمت (مصر) فتمرر هذه الجينات الأصيلة إلى نسلها رجالا ونساء، فلا هي خاملة ولا هو متعب بأنانيته كباقي الشرقيين الآن.


فلاحة مصرية – كيمت

البداية بالطبع تكون من الأبسط، لأنه لا وصول للأعقد سوى بتحليل الأبسط، ومرادف البساطة في مصر هو الريف، حيث قامت كيمي بازدهار الزراعة على ضفاف النيل، وبذلك فإننا لن نفهم لماذا النساء في مصر القديمة أصبحن ملكات وطبيبات وجنرالات، سوى بفهم كيف تعامل المجتمع المصري القديم مع المرأة الريفية، والشواهد هنا كثيرة حينما نرى في النقوش والمنحوتات وقت الحصاد وحتى أيام غرس البذور في الأرض كانت المرأة تقف جنبًا إلى جنب مع الفلاح المصري فكما تشاركه الحياة الزوجية فقد شاركته وقبل كل شيء بناء الأرض، تزرع وتحصد، فلم تكن المواطنة المصرية العادية جاهلة لا تفهم الحكمة المصرية أو لا تتعلم في مدرسة بيت الحياة، فعلى العكس تمامًا قد تساوت مع الرجل في الثقافة والدور الاجتماعي وهذا ما أهلها إلى أدوار أكثر تعقيدًا كشؤون الحكم وغيرها من المناصب.


الملكة ميريت نيت – الأسرة الأولى

ميريت نيت هي أول امرأة تحكم في التاريخ، تزوجت الملك جيت وأصبحت أمًا للملك جير

ويرى المؤرخون أنها حكمت مصر بمفردها فترة من الزمن، حيث اكتشف اسمها على حجر باليرمو مع أسماء ملوك مصر، ووجد أنها الملكة الوحيدة التي امتلكت مقبرتين، واحدة في أبيدوس مكان دفنها والأخرى في سقارة، وهناك لوح من الرخام تم نقله إلى المتحف البريطاني يؤرخ لحياتها كاملة.


الملكة خنت كاوس I – الأسرة الرابعة

هي ابنة الملك «من كاو رع» وزوجة الملك «شب سس كاف» وهي بذلك تكون حاملة للدم الملكي والوريثة الشرعية للعرش، حكمت خنت كاوس مصر في أواخر الأسرة الرابعة ويرى المؤرخون أنها أسست الأسرة الخامسة وساعدت على تولية ابنها الحكم، كما أنها أول ملكة كتبت على هرمها لقب «ملكة مصر العليا والسفلى، والأم الملكية وابنة الإله» ويقع هرمها ومقبرتها في الجيزة.


سوبك نفرو – الأسرة الثانية عشرة

هي آخر ملوك الأسرة الثانية عشرة وبها قد تكون انتهى عصر الدولة الوسطى، حكمت سوبك نفرو مع أبيها الملك امنمحات الثالث ثم حكمت مع أخيها أمنمحات الرابع وبعد وفاته قد ورثت الحكم بمفردها، ومدة حكمها حوالي من ثلاث إلى أربع سنوات تقريبًا، في عهدها أصبحت بلاد النوبة جزءا من مصر، شيدت فيها عدة قلاع وحصون عسكرية لحماية البلاد من الجنوب، كما أن هذه الأرض أصبحت مصدرًا لجلب الذهب وريش النعام لمصر.


غنمت آمون حتشبسوت – الأسرة الثامنة عشرة

تعد الملكة حتشبسوت من أقوى الملوك الذين حكموا مصر وأكثرهم نفوذًا، هي خامس ملكات الأسرة الثامنة عشرة حيث كانت مصر آنذاك إمبراطورية كبيرة، اعتبرها الباحثون من أنجح ملوك الفراعنة، حتشبسوت هي الابنة الكبرى للملك تحتموس الأول، وحفيدة الملك العظيم أحمس الأول طارد الهكسوس، وبالطبع فهي سليلة المناضلة العظيمة «اياح حتب» أم الملك أحمس الأول التي حاربت معه لطرد الهكسوس ونالت أعلى وسام حربي وهو الذبابة الذهبية عن دورها في الحرب.

هكذا ترعرعت حتشبسوت وقد تعلمت الكثير من العلوم مثل القراءة والكتابة والفلسفة وقواعد اللغة والإنشاد والحساب والطقوس الدينية وعلوم الأخلاق والسلوك الصحيح.

أنجبت حتشبسوت ثلاثة أطفال من زوجها تحتمس الثاني، طفلها الأول قد مات في الطفولة ولا يذكر له أثر بينما بقيت طفلتان سميت إحداهما بقلب أمها وهما «ميريت رع حتشبسوت» و«نفرو رع»، اتسم عهدها بالرخاء الاقتصادي والرفاهية، فقد أقامت حتشبسوت رحلات تجارية مع بلاد الجوار من أشهرها رحلتان إلى بلاد بونت وأسوان، كما اتسم عهدها أيضا بقوة الجيش حيث شنت حتشبسوت في أول حكمها حملات تأديبية على بلاد النوبة وفلسطين وسوريا، فقد أعادت فتح المحاجر والمناجم التي أهملت لفترة طويلة، وخاصة مناجم النحاس والملاكيت في شبه جزيرة سيناء، فقد كان قد توقف العمل في تلك المناجم في فترة حكم الهكسوس لمصر وما تلاه، وما زلنا نجد في سيناء لوحة عليها كتابة توثق هذا العمل، وتمجد ما فعلته.

وقد كان هناك قصة حب رائعة قد جمعت بين الملكة والمهندس سننموت، وهو المهندس المعماري لمعبدها بالدير البحري وكان مشرفًا على تربية ابنتها الصغرى «نفرو رع»، لقد أحبها سننموت ولم يخش منصبها فكان دائم التواجد في البلاط لدعمها ومباشرة عمله، وقد أحبت حتشبسوت فيه نبوغه وقوة شخصيته لدرجة أنها سمحت له ببناء مقبرته بجانبها، ومن عشقه لها قد بنى نفقا بين مقبرتيهما ليظلا على اتصال في العالم الآخر.

ورغم قوة وعظمة حتشبسوت ونفوذها الكبير فقد حملت أيضًا صفات الانثى الجميلة، فهي تملك وجهًا مستديرًا ولون بشرتها الخمري، وأنفًا معقوفًا قليلاً.

وبعد اكتشاف مومياء الملكة، قد وجد العلماء أنها توفيت لأسباب طبيعية على الأرجح أصيبت بالسرطان أو داء السكري، والملفت أنهم حينما نظروا لوجه المومياء وجدوها تبتسم في هدوء تام وكأنها تقول: حسنًا قد أديت دوري على أكمل وجه.


الملكة تا وسرت – الأسرة التاسعة عشرة

اتسمت نهاية الأسرة التاسعة عشرة بالفوضى والاضطراب بعد موت الملك مرنبتاح، وساد على مسرح الحكم أسماء مثل سيتى الثانى، والملكة تاوسرت.

وقد اختلف الباحثون حول هذه الملكة هل هي مجرد زوجة للملك أم انها تمكنت من الحكم لفترة ما؟ اكتشف الباحثون أنها كانت زوجة الملك مرنبتاح حيث أخذت لقب زوجة الملك ثم بعد وفاته تزوجت سيتي الثاني ثم انفردت بالحكم بعد ذلك لثماني سنوات كما لقبت بسيدة الأرضين.


أحمس نفرتاري – قائدة فرقة عسكرية الأسرة الثامنة عشرة

لعبت أحمس نفرتاري دورًا محوريًا في طرد الهكسوس، وكانت أول امرأة في التاريخ تتقلد منصب قائد فرقة عسكرية كاملة، وبالفعل قد قاتلت بقوة واستبسال أثناء طرد الغزاة من مصر.

ولحسن الحظ أنها زوجة الملك أحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة وطارد الهكسوس، فقد كانت شريكته في الحب والحرب، تقلدت أحمس نفرتاري وسام الذبابة الذهبية عن دورها في الحرب.


ميريت بتاح – طبيبة الأسرة الثالثة

أحد الأطباء الأوائل في العالم، عاشت في عهد الأسرة المصرية الثالثة، اشتهرت بكونها أول امرأة طبيبة يذكر اسمها وربما تكون أول امرأة في التاريخ تعمل في مجال العلوم، لها صورة في مقابر سقارة بالقرب من هرم سقارة، كما أن لها ابنا يعمل كاهنا وقد لقبها «برئيسة الأطباء».

والجدير بالذكر هو تكريم هذه السيدة من قبل علماء الغرب الحاليين حيث أطلق الاتحاد الفلكي الدولي اسم «مريت بتاح» على إحدى الفوهات الصدمية على كوكب الزهرة تمجيدًا لها، لاشتغالها بالعلم حيث تعتبر أول امرأة عالمة في التاريخ.


هذه ليست إلا مجرد نماذج لنساء برزن على الساحة المصرية وتم تدوين أدوارهن، ربما غيرهن وأكثر بكثير قد صنعن التاريخ العظيم ومازلنا نجهلهن، لكن ما أؤمن به هو أنه لا خطوة واحده نحو الأمام دون قراءة التاريخ لاستشراف المستقبل .

أتذكر الآن جملة قالتها جدتي الملكة حتشبسوت أثناء سيرها في معبد الدير البحري الآن يتردد قلبي بين هذا الطريق وذاك كلما فكرت فيما سيقوله الناس الذين سيشاهدون الآثار التي تركتها ويتحدثون عن أعمالي. سأهدي هذه الجملة إلى والدتي التي أسهمت في استكمال مسيرة المشاركة الفعالة للمرأة ولكل أنثى مصرية قادمة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.