مَن سَنّ فكرة الـ 100 يوم الأولى للرئيس؟

عام 1933 كان العديدُ من المشاكل في انتظار الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ما دفعَه إلى وضع برامجَ سريعةً للإصلاح، ووعد أنّه سيُحققها في الـ 100 يوم الأولى من حكمه، ومن هنا صارت الـ 100 يوم الأولى من الحكم بندًا كاملًا في برامج المُرشحين الرئاسيين؛ فيجب على كل مُرشح أن يوضح ما سيفعل فيها؟ وأصبحت كذلك كابوسًا لمن يصل منهم إلى الحكم؛ فبمجرد انتهائها تنتظره عواصف من استطلاعات الرأي، وشماتة المُعارضين، وتساؤلات المُؤيدين.

وتُعد تلك الأيام المائة هى الأصعب؛ نظرًا لحجم المهام الوظيفيّة التي يجب على الرئيس القيام بها من أجل تدعيم ركائز فريقه ومستشاريه، وذلك جنبًا إلى جنب مع المُحاولات المُستميتة لتنفيذ وعوده بخصوص الماْئة الأولى، ولذلك قبلَ أن نَخْلُصَ إلى ما أنجزه ترامب وما فشل فيه، يجب أن نُلقى نظرةً على المهام الثابتة التي يجب أن يقوم بها أيّ رئيس أمريكيّ خلال الأشهر القليلة الأولى من حُكمه.

يبدأ الرئيس باختيار وزراء الحكومة، بجانب تعيين حوالي 4000 مسئولٍ سياسيٍ في جهاتٍ مُختلفة، ويجب أن يحصل 1100 منهم على موافقة الكونجرس، الأمر الذي يجعل المُهمة أكبر من مُجرد تسمية الموظفين، ويجب على الرئيس كذلك أن يُقدم بعد الشهر الأول «الموازنة الفيدرالية»، وهى موازنةٌ يُقدم فيها الرئيس الخطوط العريضة للميزانية المالية للعام المالي، والذي يبدأ من أكتوبر/تشرين الأول، وقد تصل إلى آلاف الصفحات.

ووفقًا لديفيد إيغلز – مدير مركز الانتقال الرئاسي في منظمة شراكة الخدمة العامة – تمثل خطة الـ 100 يوم ضغطًا لأنّه إذا أرادت الحكومة الجدية العمل على إنجازها سريعًا؛ فيجب عليها العمل على أن يكون جميع موظفي البيت الأبيض قد تولوا مناصبهم بحلول 20 يناير/كانون الثاني، يوم تنصيب الرئيس، وأن تكون أسماء الـ 150 مسئولا الذين سيشغلون المناصب الأرفع في البيت الأبيض قد تحددت سلفًا؛ لكي تحظى بموافقة الكونجرس في أغسطس/آب.

أما عن خطة ترامب للمائة الأولى، فقد أعلن عن الخطوط العريضة لبرنامجه عبر مقطعفيديو على موقع يوتيوب في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، وقد تناولناها في وقت سابق على منصتنا.


«كنت أظن الأمر أسهل من هذا»

أنا أحب حياتي السابقة، كان لدي الكثير من الأمور لأفعلها، ولكنّها لم تكن بتلك الصعوبة، هنا عملٌ أكثر مما اعتدتُ عليه في حياتي السابقة، كنت أظن أن الأمر أسهل من هذا.

تصريحٌ لترامب لوكالة رويترز، في معرض حديثهم عن اقتراب موعد الـ 100 يوم، ولعل هذا هو أفضل تمهيدٍ للحديث عن إنجازات وإخفاقات ترامب؛ الرجل الذي تميّز بتغريداته الكثيرة، ووعوده وتوعدّاته الأكثر، منها تصريحه في 14 أبريل/نيسان قال فيه: «أعتقد أن مسألة أول 100 يوم هى عائقٌ اصطناعيٌّ ليس له مغزى حقيقي، وأعتقدُ أنّي أسست علاقات رائعة يمكن استخدامُها خلال الأربع أو الثماني السنوات مهما كانت المدة التي سأقضيها هنا كرئيس». فماذا حقق؟ وفيما أخفق؟ ولا يُمكننا هنا الفصل بين الإنجاز والإخفاق كما سنرى.

1. المَحكمة العُليا

قبل أن يرحل أوباما بعامٍ تُوفيّ أنطوانين سكاليا، تاسعُ تسعةٍ في المحكمة العليا، فقدّم أوباما بديلًا له ميريك جارلاند، إلا أنّ الجمهوريين رفضوا الحديث مع جارلاند أو استجوابه، ورأوا أنّ تلك المهمة يجب أن تكون من صالح خليفة أوباما، الأمر الذي عارضه الديمقراطيون بشدة. إلا أن ترامب قد نجح في الوفاء بوعده بتعيين القاضي نيل غورسيتش، ليصبح لترامب يد ماضية في المحكمة العليا أعلى سلطةٍ قضائية في البلاد.

2. حظر دخول المُسلمين

لا يخفى على عامة المُتابعين تصريحات ترامب المُتتابعة عن كرهه وكره بلاده للمُسلمين، ورغبته في حظر دخولهم إلى الولايات المُتحدة، الأمر الذي أوفى به ترامب، وإن لم يكن بشكلٍ صريحٍ، إلا أنّه أصدر قرارًا يحظر دخول مواطني سبع دول : (العراق، سوريا، السودان، اليمن، الصومال، إيران، وليبيا).

إلا أن الأمر لم يدم طويلًا؛ حيث قام مكتب الادعاء في ولايّتي مينيسوتا وواشنطن بالتصدي له، ما دفع المحكمة الفيدراليّة في واشنطن لإصدار قرارٍ يُفيد بإيقاف ذلك الحظر إلى أجلٍ غير مُسمى. وأصدر ترامب قرارًا جديدًا، فتم إيقافه أيضًا، ولكن جاء الرد من ولاية أوهايو هذه المرة.

3. الجدار الفاصل مع المكسيك

كان ترامب قد وعد بإنشاء جدار فاصل مع المكسيك، في محاولةٍ لوقف الهجرة غير الشرعية، وتجارة المُخدرات، ومحاولة الاتجار بالبشر. وهدد بأنّه سيتبع ذلك طردٌ لأكثر من 11 مليون لاجئ ليمنح الأمريكيين العاطلين فرصةً في دخلٍ أفضل، وتوعدّ الدول التي تُساعد اللاجئين غير الشرعيين بقطع المُساعدات الفيدراليّة عنهم.

وقد نجح بالفعل في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني في إصدار أمر تنفيذيّ مُباشر لبدء العمل في بناء الجدار، ليُحقق بذلك الوعد الثاني في برنامجه، إلا أنّ الأمر تعرقل برفض المكسيك دفع تكاليف الجدار؛ إذ وعد ترامب بأنّه سيُجبرهم على ذلك.

4. التجارة الخارجية

كان ترامب قد وعد بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحُرة عبر المُحيط الهادئ والتي تضم اثنتي عشرة دولة؛ هي الولايات المتحدة، أستراليا، كندا، بروناي، تشيلي، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، وفيتنام، ولّوح بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحُرة في أمريكا الشمالية (المعروفة اختصارًا بـ نافتا)، وهدّد بفرض قيودٍ على تجارة الصين المُتلاعبة بقيمة العملة – كما وصفها – وذلك مصطلحٌ يُطلق على الدول التي تُنفق 2% من إنتاجها المحلي السنوي على شراء الدولار لرفع سعره.

نجح في الانسحاب من الأولى بعد دخوله البيت الأبيض بثلاثة أيام فقط، ولكنّه أجل الانسحاب من «نافتا» لحين التفاوض مع نظرائه المكسيكيّ والكنديّ؛ في محاولةٍ للوصول إلى ما أسماه ترامب «صفقةً عادلةً» لبلاده، وإذا لم يصل إليها، فسوف ينسحب منها هي الأخرى. أما بخصوص الصين، فقد تراجع عن تلك التصريحات قائلًا في تصريحاتٍ أخرى في 16 أبريل/نيسان الجاري: «لماذا عليّ أن أصف الصين بالتلاعب بالعملة في الوقت الذي يعملون معنا فيه على مشكلة كوريا الشمالية؟».

5. نظام الرعايّة الصحيّة ذي التكلفة المقبولة «أوباما كير»

شغل ذلك الموضوع جانبًا كبيرًا من تصريحات ترامب، ووعد مرارًا وتكرارًا بنسفه من الوجود، وخلْق برنامجٍ أفضل. يُعد ذلك القانون مُعضلةً كبرى منذ تمريره في عهد أوباما، وقد حاول الجمهوريون إلغاءه مراتٍ عدة، إلا أنّ حق الفيتو الذي كان يمتلكه أوباما حال دون ذلك.

قدّم ترامب قانونًا آخر باسم «قانون الرعايّة الصحيّة الأمريكية» الذي يُخفض من تكاليف الرعاية الصحيّة على الدولة لاستبداله بأوباما كير، فوجد مُعارضة كبيرةً ليست من الديمقراطيين فقط، بل من الجمهوريين المُتشددين كذلك، حيث عارضه مجموعةُ تُسمي نفسها «تجمع الحريّة»؛ إذ يرون فيه «النسخة الثانية من أوباما كير»؛ إلا أن ترامب هددهم بالوقوف ضدّهم في الانتخابات التشريعيّة فوعدوا بالموافقة، إذا تم عرض المشروع مرةً أخرى.

6. جماعات الضغط

أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يمنع فيه مسئولي الكونجرس والبيت الأبيض من العمل ضمن جماعات الضغط التابعة للمؤسسات التجارية الخاصة بعد مغادرتهم مناصبهم بخمس سنوات، ومنع مسئولي البيت الأبيض مدى الحياة من الترويج لحكومات أجنبية، بجانب منع جماعات الضغط الأجنية من جمع التبرعات لصالح الانتخابات الأمريكية.

الأمر الذي يبدو جيدًا من الناحية السياسيّة، إلا أنّه قام بالعكس، إذ تحتوي إدارته على عددٍ كبيرٍ من العاملين بمؤسسة «جولدساكس»، التي تُعتبر الإمبراطورية الأكبر ماليًا، والتي يُمكن القول إنّها تحكم العالم.

7. استقالة «مايكل فلين»

أثار تعيين فلين مستشارًا للأمن القومي، وهو الرجل العسكريّ المشهورُ بآرائه شديدة الحدة ضد المُسلمين، غضبًا واسعًا ضد ترامب، وعلى غير المُتوقع كانت استقالته التي دُفع إليها بعد أن ضلل نائب الرئيس الأمريكيّ بخصوص اجتماعاتٍ عقدها مع السفير الروسيّ في واشنطن، سببًا في إثارة مزيدٍ من السُخط ضد ترامب؛ إذ رأى المُعارضون ذلك دليلًا واضحًا على أن العديدين من إدارة ترامب لم يخضعوا لفحصٍ كافٍ.

8. الوظائف الشاغرة

كما ذكرنا أنّه يجب على الإدارة الجديدة أن تحصل على موافقة مجلس الشيوخ على 1100 وظيفةٍ، ومن بينها 553 وظيفةً تُعتبر حيويةً، فإن إدارة ترامب قد رشحت حتى الآن 24 شخصًا، أجاز مجلس الشيوخ منهم 22 فقط؛ مما أسفر عن مأزقٍ كارثيّ التبعات في جميع أنحاء الوكالات الفيدراليّة.

9. الضربات الصاروخيّة في سوريا

كانت تلك الضربات هى السببُ في ارتفاعٍ طفيفٍ في نسبة تأييد ترامب، وذلك وفقًا لما جاء في استطلاع «جالوب»، الذي أكدّ في نفس الوقت أن نسبة تأييد ترامب رغم ارتفاعها بعد الضربات الصاروخية، تظل مُنخفضةً رغم أنّ تلك الفترة من المُفترض أن تكون «شهر العسل» للإدارة الجديدة.


ترامب أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المُتحدة

وفقًا لواشنطن بوست فإن الـ 100 يوم الأولى لترامب تُعد الأسوأ من بين رؤساء الولايات المُتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. كما أظهر الاستطلاع الذي أجرته شركة «لانجر ريسرش» لصالح شبكة «إي.بي.س» و «واشنطن بوست» أنّ 42% فقط من الأمريكيين يرون القرارات والخطوات التي اتخذها ترامب خلال هذه الفترة بمنظورٍ إيجابيّ، بينما أعرب 53% من المستطلعين رفضهم لسياسات الرئيس الحالية. وامتنع 5% عن إعطاء تقييمٍ لهذه الفترة من رئاسة ترامب. ولكنّ الجانب الأكبر الذي يحظى بدعم الأمريكيين من برنامج ترامب هو خلق فرص عمل للأمريكيين وحصل على قبول 73% من المُستطلَعين.

لكي نعرف مدى سوء تلك الأرقام، تجدر الإشارة إلى أنّ أوباما قد حصل خلال الأيام الـ 100 الأولى من رئاسته على دعم 69% من الأمريكيين،بما يفوق تأييد ترامب بـ27 نقطةً مئوية. وحتى برنامج العمل رغم ارتفاع نسبة تأييده فإنّه أقل من أوباما الذي حاز على 77% آنذاك. وأظهر التصويت كذلك أن 2% من الذين اختاروا ترامب صاروا نادمين على ذلك حاليًا، بعد مرور 100 يومٍ فقط.


عائلة سمبسون

كما ظهر في بداية ترشح ترامب للرئاسة مقطعُالفيديو الشهير للمسلسل الكرتونيّ «عائلة سمبسون»، الذي يصور على سبيل السخرية ترامب مرشحًا رئاسيًا، فلم يفت القائمين على المُسلسل الاحتفالُ بمرور 100 يوم على ترامب، ولكن بطريقتهم الخاصة. حيث نشروا مقطع فيديو يظهر فيه ترامب جالسًا على سريره، يشاهد نبأ تعيين ابنته إيفانكا عضوًا في المحكمة العليا، إشارةً إلى ما سلف ذكرُه من تعيين القاضي نيل غورسيتش، ثم يبدأ ترامب في سرد إنجازاته، ومنها: زيادة عدد المُتابعين على تويتر، وقانون يسمح باصطياد الدببة خلال موسم البيات الشتويّ.