محمد شعيب

“الأمر الوحيد الذي قد يجرُّ مصر إلى الحرب مرة أخرى هو المياه The only matter that could take Egypt to war again is water”
الرئيس المصري محمد أنور السادات – 1979

وسط الأزمات المتتالية التي يعيشها الوطن العربي المنكوب بحكامه وأهله، يغفل الناس عن حقائق الجغرافيا والتاريخ التي لا يمكن أن يهربوا منها أو أن يحيوا بمعزل عنها.. من بين تلك الحقائق وضع المياه في وطننا العربي الذي نتناوله هنا. وسنبدأ المقال باستعراض مجموعة من الحقائق المبدئية عنه:

الحقيقة الأولى: تعيش المنطقة العربية فيما يسمي بحزام العطش داخل المنطقة الجافة وشبه الجافة التي تمتد من موريتانيا غربا إلى ساحل عمان والخليج شرقا، ومن حدود تركيا شمالا الي وسط السودان جنوبا. يتعرض الناس في تلك المنطقة إلى فترات طويلة من الجفاف وقلة المياه المتساقطة.

الحقيقة الثانية: تقع مصادر المياه في أيادي غير عربية بعضها عدائي بالجملة، والآخر نواجه معه تحديات كبيرة نظرا لضعف الديبلوماسية وفقدان الإرادة الفاعلة. فعلي سبيل المثال: يخرج النيل من هضبة الحبشة في أثيوبيا وهضبة البحيرات في أوغندا. أما نهر الأردن فتقع أجزاء كبيرة منه تحت سيطرة اسرائيل التي تعتمد في توفير 70% من مياهها علي موارد الأنهار، ومنها نهر الأردن والليطاني واليرموك، وكذلك المياه الجوفية في مرتفعات الجولان المحتلة والضفة الغربية.. أما نهرا دجلة والفرات فينبعان من الأراضي التركية؛ هذا يعني صعوبة التحكم في المياه وضمان حصة الفرد منها، كما يعني زيادة الأطماع في الثروات المائية المتناقصة.

يغفل الناس عن حقائق الجغرافيا والتاريخ التي لا يمكن أن يهربوا منها أو أن يحيوا بمعزل عنها، من بين تلك الحقائق وضع المياه في وطننا العربي

الحقيقة الثالثة: علي الرغم من الأهمية المتزايدة للمياة لا توجد اتفاقية واحدة حازت على رضا دول المنبع والمصب، وهذا يشمل أنهار (النيل ودجلة والفرات والأردن وروافده).

الحقيقة الرابعة: تأخذ إسرائيل مسألة المياه على محمل الجد.. يقول حاييم وايزمان – الرئيس الأول للكيان الصهيوني: “إن مستقبل فلسطين الاقتصادي كله يَعتمد على موارد مياهها للري والكهرباء. وتستمدّ موارد المياه بصفة رئيسية من مُنحدرات جبل الشيخ، ومن نَهْرَيِ الأردن والليطاني، ونرى من الضروري أن يضم حد فلسطين الشمالي وادي الليطان”.

كانت إسرائيل قد مهَّدت لحرب يونيو 1967م بغارات استهدفت نهر الحاصباني؛ لمنع تحويل قسم من مياهه إلى مَجرَى نهر اللّيطاني. كذلك ليس سرًّا أن أحد الأهداف الرئيسية لحرب 1967م كان تدمير المنشآت العربية على المجرى الأعلى لنهر الأردن، وسدِّ خالد بن الوليد على نهر اليرموك. وفي هذا السياق، يُجمِع المحللون على أن احتلالَ إسرائيل لهضبة الجولان السورية إنما كان لأسباب عسكرية تنبع من موقعها الاستراتيجي المطلِّ على إسرائيل، وأيضًا لأسباب مائية ظهرت فيما بعد كما سبق وذكرنا. كما أنَّ استيلاء إسرائيل على الجنوب اللُّبْناني في 1978م ثم 1982م، قد ضَمِنَ لها التحكُّمَ في مِياه نهري اللّيطاني والوزاني.

كما تمتلك اسرائيل الكثير من الخطط لتحويل مجرى مياه نهري الأردن والليطاني، منها ما نفذ بالفعل، لتستحوذ إسرائيل على أكبر نسبة ممكنة من المياه العربية. وفيما يلي بيان بما تستهلكه إسرائيل من المياه العربية في السنة (المصدر: د. بسَّام النصر: الصراع على مياه وأراضي مناطق الحكم الذاتي، ص 537):

المصدر كمية المياه (بالمليون م3)
نهر الأردن 800
هضبة الجولان 35
نهر الليطاني 400
نهر اليرموك 85
الضفة الغربية 600
قطاع غزة 35
المجموع 1.955

ورغم هذا؛ ما يزال نصيب الفرد الاسرائيلي يقع تحت خط الفقر المائي؛ لذا نترقب مزيدا من الطمع الاسرائيلي في المياه..

ما هو الأمن القومي؟!

الأمن القومي هو نظرية تهدف للحفاظ على بقاء الدولة من خلال استخدام القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وممارسة الدبلوماسية، ويشمل الأمن القومي مفاهيم مثل الأمن الغذائي وأمن المياه والطاقة..

والسؤال الآن.. هل تمتلك الدول العربية استراتيجية موحدة للتعامل مع المياه بما يحفظ حياة الدول واستقلالها؟ والحقيقة المخجلة أن الدول العربية تتخبط بدون استراتيجية موحدة وانما تتعامل وفقا لسياسة الأزمات للخروج بأقل قدر من الخسائر الممكنة.

الأمن القومي هو نظرية تهدف للحفاظ على بقاء الدولة من خلال استخدام القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وممارسة الدبلوماسية

وفي الآونة الأخيرة، تحديدا عام 2011، أعلنت أثيوبيا عن نيتها بناء سد لتوليد الطاقة الكهربائية وزيادة حصتها من مياه النيل..

وقبل أن نخوض في الحديث عن السد وأثره علي المياه، يجب أن نستذكر أولا تاريخ الاتفاقيات التي حكمت توزيع مياه النهر.. فبين عامي 1902 – 1925 وُقعت اتفاقية أديس أبابا وبعض مذكرات التفاهم بين بريطانيا وإيطاليا (نيابة عن أثيوبيا)، اعترفت فيها ايطاليا بالحقوق “المكتسبة” لمصر والسودان في مياه النيل وتعهدت بعدم إقامة مشروعات تضر بالمياه المتدفقة إلى المصب. وفي عام 1929 وقعت مصر مع بريطانيا (نيابة عن السودان وكينيا وأوغندا وتنجانيقا) اتفاقية أعطت لمصر حق الرقابة على طول مجرى النهر إلى مصبه.

وفي عام 1959 وقعت مصر اتفاقية مع السودان لتقاسم مياه النيل. وإلى الآن لم توقع، أي مصر، اتفاقية بشكل مباشر مع دول المنبع بعد حصول هذه الدول علي استقلالها..

ما هي وجهة النظر الأثيوبية؟

تري أثيوبيا أن الاتفاقيات التي وقعت لتقسيم مياه النيل بين مصر وانجلترا وإيطاليا غير ملزمة لها؛ وذلك لأنها وقعت في فترة كانت أثيوبيا فيها تحت الاستعمار الأجنبي. كما أن أثيوبيا تستهلك من مياه النيل سنويا ما يقارب ال1% فقط، وهذه نسبة قليلة اذا ما قورنت بالإهدار المصري في أنظمة الري المتهالكة، وكمية المياه التي تهدر في البحر الأبيض المتوسط.

أين إذا الدور المصري؟!

سواء اتفقنا على حق أثيوبيا في بناء السد أو لا؛ فإن الحقيقة تقر أن حماية وتأمين منابع مياه النيل هي الدور الأهم لأي حاكم مصري منذ الفراعنة. فجغرافية مصر تفرض عليها ارتباطا لا ينفك بمنابع النيل في أثيوبيا تحديدا؛ مع هذا فقدت شهدت العلاقات المصرية الأثيوبية تراجعا في عهد مبارك مما سمح لإسرائيل بالالتفاف حول مصر عن طريق إقامة علاقات ثنائية قوية مع أثيوبيا.

هل ستؤدي مشكلة المياه الي صراع مسلح؟

تري أثيوبيا أن الاتفاقيات التي وقعت لتقسيم مياه النيل بين مصر وانجلترا وإيطاليا غير ملزمة لها؛ لأنها وقعت في فترة كانت أثيوبيا فيها تحت الاستعمار الأجنبي

ينبغي قبل الاجابة على هذا السؤال أن نقرر أولا أن المياه في حد ذاتها عنصر محايد؛ بمعني أنها قد تصبح مجالا لعلاقات نزاع وخلاف، بيد أنها بمفردها لا يمكن أن تؤدي الي حروب واسعة النطاق، ولكنها يمكن أن تكون أحد الأسباب الدافعة لنشوبها. فقد حسمت اسرائيل مبكرا هذا النزاع لصالحها بالقوة العسكرية. وبالنسبة لمصر لم يتم بعد استنفاد بقية الوسائل الديبلوماسية والتحكيم الدولي مع دول المنبع.

في الختام.. ليست المشكلة في أن يملك الآخرون خطة؛ لكن المشكلة أنه إلى اللحظة التي تم فيها الإعلان عن بناء السد، لم يكن النظام المصري يملك أدني فكرة عنه.

يكمن الخطر وراء سد النهضة الذي سيكتمل بناؤه في عام 2017 في أنه، وخلال أول عامين وريثما يكتمل امتلاء خزان السد بالمياه، سيؤثر تأثيرا حادا علي حصة دول المصب. كما وأنه على المدي البعيد سوف يقلل نصيب دول المصب من المياه ويفقدها سيادتها على أمنها الغذائي والمائي.

إن حقيقة أن مصر والسودان تواجهان خطرا وجوديا لا يعني بشكل أو بآخر عدم أحقية أثيوبيا في استغلال مياه النيل. لكن الحقيقة هي أن الخطأ يكم في عدم امتلاك تلك الشعوب استراتيجية واضحة لأمنها القومي، فتعادي الصديق وتصادق العدو، وتعيش على أمجاد الماضي، وتلقي بنفسها في التهلكة.

لن يكون الحل العسكري مجديا؛ فالأمر علي درجة عالية من الأهمية بالنسبة لأثيوبيا حيث أن لديها الحق هي أيضا في تنمية مستدامة. ولم يتبق أمام العرب من مصر إلى الأردن ولبنان إلا تبني استراتيجية واضحة للدفاع عن الأمن القومي، تبدأ بحماية الثروات المائية عن طريق تعظيم المنفعة المشتركة والتواجد الثقافي والدبلوماسي، ووضع أطر حقيقية تنظم مسألة المياه. فليس هناك من حديث عن أمن قومي قطري أو عربي لا يتناول مسألة المياه بشكل واضح.

المراجع
  1. 1- سياسة مصر العسكرية إزاء حروب الشرق الأوسط – لواء دكتور صلاح سالم.
  2. 2- الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية – بحث لأمل سليم الوزير.
  3. 3- حروب المياه: الصراعات القادمة في الشرق الأوسط – جون بولوك وعادل درويش.
  4. 4- الصراع على مياه وأراضي مناطق الحكم الذاتي – د.بسام درويش.
  5. 5- The water war between Egypt and Ethiopia – press Tv https://www.youtube.com/watch?v=KnMuhjHBZHM