انتهى موسم دراما رمضان وسط زحام من الأعمال على مختلف القنوات الفضائية، واحتل دور رجل الشرطة مركز الصدارة في عدد الأعمال التي ظهر فيها كبطل العمل الأول أو كأحد الأدوار المؤثرة في سير الأحداث، ونحن في هذا المقال نحاول الإجابة على سؤال «هل ارتبطت الدراما بالواقع؟»، وذلك من خلال استطلاع أحداث بعض أعمال رمضان التي لاقت متابعة ومشاهدة مرتفعة من الجمهور المصري.

إذا تحدثنا عن جهاز الشرطة في مصر فنحن نتحدث عن جهاز أمني قامت بسبب ممارسته ثورة في مصر منذ خمس سنوات لا زلنا في توابعها حتى الآن، ولأن المجال العام عمومًا في مصر والفن والدراما خصوصًا يتأثران بشكل مباشر بالوضع السياسي، وتبعًا لما حدث في الفترة التي تلت 30 يونيو 2013، تحركت الدولة بشكل واضح في محاولة تحسين صورة جهاز الشرطة في الأعمال الفنية والدرامية. وتجدر الإشارة هنا إلى منع عرض آخر مسلسل للمؤلف بلال فضل تحججًا بأنه يقدم صورة سيئة لضابط الشرطة. هذا السياق بكل تأثيراته كان حاضرًا فى متابعتنا لدراما رمضان هذا العام وحضور «الشرطة» فيها.


أعمال النماذج الفردية

ما زالت الصورة السلبية حاضرة من خلال وجود نماذج كثيرة لرجال شرطة فاسدين ومرتشين، ونخص بالذكر دور ضابط الشرطة في مسلسل «الأسطورة» والذي تخطى الفساد الوظيفى فأصبح شريكًا لتجار السلاح ومتورطًا في جرائم أخلاقية طوال أحداث المسلسل، كما نذكر دور اللواء الفاسد في مسلسل «هي ودافنشي» والذي أدى دوره الفنان «بيومي فؤاد» والذي قام بدور رئيسي في تطور أحداث المسلسل كونه الشخصية الشريرة الأولى التي لا تتردد في ارتكاب أى جريمة بدءًا بالحبس وانتهاءً بالقتل مرورًا بالتعذيب و تلفيق التهم.

في حين ظهرت الصورة الإيجابية التي تقابل النماذج السلبية في أعمال أخرى كمسلسل «سبع أرواح» الذي يؤدى فيه دور البطولة الفنان «خالد النبوي»، والذي يتمرد على فساد بعض الشخصيات في جهاز الشرطة، وظهر نموذج مشابه لذلك أيضًا فى مسلسل «شهادة ميلاد» والذي أدى فيه دور البطولة الفنان «طارق لطفي» حيث جسد دور ضابط شرطة مصاب بمرض خطير ولكنه يستمر في أداء عمله حتى يصبح مع تصاعد الأحداث البطل الذي يطالب بحق زملائه من رجال الشرطة الذين يقتلون في مواجهات مع المجرمين والإرهابيين «كما وصفهم المسلسل»، في حين أن الوزارة تقرر أن تغلق هذا الملف رغبةً منها في عدم إثارة الرأي العام.


أعمال الملائكية الدعائية

اختارت أعمال أخرى أن تُظهر صورة ملائكية خيالية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون معبرة عن حقيقة جهاز الشرطة في مصر في ظل تقارير تضع انتهاكات حقوق الإنسان داخل السجون المصرية في خانة الأسوأ في كافة أنحاء العالم، ونخص بالذكر هنا عملين على وجه التحديد وهما أولاً مسلسل «القيصر» الذي يبدو واضحًا أن أحد الأجهزة الأمنية قد تدخلت في صنع رؤيته للأحداث إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، أو أن مؤلف العمل والقائمين عليه قد قرروا نسخ الرواية الأمنية الخاصة بجهاز الشرطة بشكل متطابق تطوعًا منهم في تحسين صورته.

الدراما الرمضانية أظهرت رجال الشرطة بصورة ملائكية لا تقع في الخطأ إلا سهوًا وبنية حسنة.

ولا يسعنا هنا ذكر كافة المشاهد التي ندلل بها على ذلك ولذا يمكننا الاكتفاء بوصف المسلسل لسجن من المفترض أنه شديد الحراسة وسيئ الظروف ويظهر من خلال العمل أن السجن خالٍ تمامًا تقريبًا من أى إهانات أو تعذيب، كما يظهر اللواء المسئول عن إدارته في صورة الرجل الخلوق المستقيم، وإذا وقع سهوًا في أى انتهاك بسيط فإن ذلك يحدث في أضيق الحدود وفي سبيل إنقاذ مصر.

كما يمكننا أن نذكر أيضًا أداء الممثل «خالد زكي» لدور اللواء الخاص بجهاز الأمن الوطني والذى يمثل الشخصية الأكثر كاريزمية ووطنية إذا قُدّر لك أن تراها في خيال المذيع أحمد موسى، هذا اللواء يتحدث بنبرة صوت رخيمة طوال المسلسل، كل كلماته هامة وتشعر أنها تقطر بحب الوطن، حتى أننا نرى هذا اللواء في إحدى المشاهد ينظر لشخصية الإرهابي الذى جنده للعمل مع جهاز الأمن المصري، ينظر في عينيه لمدة طويلة ثم يربت على كتفه ويقول «أنا براهن على الإنسان اللي جواك، أنا براهن على الإنسان اللي جواك»، هكذا كرر الجملة مرتين بنفس النبرة و الأداء حتى أنني شككت في البداية أن هناك خطأً في المونتاج!.

كما لا يمكننا أن نغفل هذا المشهد الملحمي الذى يقتل فيه أحد رجال الشرطة أحد الإرهابيين المنتشرين في المسلسل ثم يقوم بالتقاط أحد الأطفال ليطبع قبلة حانية على جبينه، هذه المشاهد الدعائية تحمل طابعًا ثقيلا على نفس أي متلقٍّ لعمل فني من المفترض أنه يخاطب عقل جمهور واعيًا ولا يُملي عليه رؤية أو يضعه أمام نشرة شوفينية.

العمل الثاني الذي قدم الشرطة بشكل ملائكي لا يمكن أن يكون حقيقيًا حتى لو كنا في دولة النرويج هو مسلسل «مأمون وشركاه»، فى هذا المسلسل شاهدنا إحدى السجون المصرية وكأنها إحدى بيوت الشباب في إحدى المصايف التي يتعامل فيها الجميع بود ومحبة وإخاء. ظهر الجميع في غاية السعادة يشاركون في طهو الطعام سويًا ويعاملهم مأمور السجن وكأنه مدير أحد المدراس الابتدائية حتى أنه يعاتب شخصية “مأمون”، الذي يقوم بدوره الفنان عادل إمام، حينما يجد أنه يقل في توزيع الطعام على المساجين.

كل هذا في دولة تمتلك للأسف مجموعة من أسوأ سجون الدنيا ولا يُسمح فيها للمحتجزين بامتلاك مساحة تكفيهم للنوم في وضع مريح، يتكدس فيها خمسون رجلاً في خمسة أمتار دون منفذ للتهوية في كثير من الأحيان. وفي لقطة طريفة اختار صناع المسلسل أن يكون ممثل أمن الدولة في المسلسل هو «كمال أبو رية» أحد رموز الأبطال الطيبين فى جيل دراما التسعينات ليجسد دور رجل أمن الدولة، وبالطبع يتحرك هذا الرجل طوال حلقات المسلسل بشكل هادئ ودمث الخلق حتى أنك تنسى في بعض الأحيان أنه رجل شرطة وتشعر كأنه عالم سيكولوجي تطوع لحل مشاكل مأمون وعائلته!.


هل تعكس الدراما الواقع أم تحاول تغييره للأفضل؟

في مسلسل «مأمون وشركاه» ظهرت السجون المصرية خالية من أي تجاوزات، يتعامل فيها الجميع بود ومحبة وإخاء.

من الممكن أن تظل إجابة هذا السؤال مفتوحه إلى أبد الآبدين، لتظل الإجابة عالقة بين صناع المحتوى الفني وجمهوره، ولا يمكننا هنا غلق الحوار حول دور الدراما في المجتمع وهل من المفترض أصلاً أن تحمل الدراما دورًا توعويًا أو تحرريًا، أم أنها من الممكن أن تكون مجرد وسيلة للتسلية والترفيه؟. ولكن في كل الأحوال ولأننا لم يسعنا الحديث عن كافة جوانب الحياة التي شاهدناها في دراما رمضان وأحسسنا أنها غريبة عن حياتنا التي نحياها في مصر، ولأننا اختصصنا تجسيد جهاز الشرطة كممثل للسلطة في الأعمال الدرامية فوجب علينا هنا طرح سؤال آخر.

في تجسيدها لمختلف جوانب الحياة في المجتمع المصري، قدمت الدراما الرمضانية هذا العام صورة بعيدة كل البعد عن الواقع.

هل يُصدق من يشرف على صناعة هذه الأعمال أو إنتاجها أن جيلا قد أدمن السخرية من الجميع من الممكن أن يتلقى أعمالًا تخاطبه بهذا الشكل من التلقين الأمني، ويصدقها؟، وهل من غير المعقول أن ننتظر أعمالاً درامية تكسر تابوهات تم تحريم الحديث عنها في آخر عامين في كافة مساحات التعبير في القنوات المصرية؟، وأخيرا هل من الممكن أن تبدأ مرحلة جديدة للدراما المصرية تتخطى فيها خطوط التوجيه والرقابة وتصبح بحق مساحة حرة للتعبير، مساحة تتسع للجميع ولا تفرق بين المواطنين المصريين نتيجة اختياراتهم أو تصنفهم في صور نمطية تجعل من كل الملتحين إرهابيين أو كل اليساريين ملاحدة؟.

هل من الممكن أن نشاهد أعمالًا درامية مصرية تعبر حقًا عن المصريين بكل ما فيهم من بؤس وسوء، وكل ما فينا من تناقضات بين إحباطات متكررة وأمل في غد أفضل، أو قل أقل سوءًً؟. وأخيرًا، هل تنجح الدراما فيما فشل فيه الجميع وتتسبب في تغيير واقعنا للأفضل؟.