أطفال ألفا يرتدون الرمادي. ويعملون أكثر بكثير مما نفعل، فهم أذكياء على نحو مخيف. أنا مسرور للغاية لكوني بيتا، لأنني لا أعمل بكد، كذلك نحن أفضل بكثير من أطفال جاما ودلتا. فجاما أغبياء، يرتدون جميعًا الأخضر، فيما يرتدي أطفال دلتا اللون الكاكي. أوه لا، أنا لا أريد أن ألعب مع أطفال دلتا. وأطفال إبسيلونس هم الأسوأ. إنهم أغبياء للغاية؛ فلا يستطيعون حتى القراءة أو الكتابة. إلى جانب أنهم يرتدون الأسود، هذا اللون الموحش. أنا سعيد جدًا أنني بيتا

تحدثنا رواية عالم جديد شجاع لألدوس هكسلي عن عالم يصنف فيه البشر، وفقًا لفئات من أجل مجتمع أكثر تنظيمًا وانضباطًا. وهو ما يتم في الواقع بطريقة أو بأخرى.

فنحو 60% من العاملين يخضع لاختبارات تقييمية، وتستخدمها المؤسسات عادة لقياس التطوير المهني، واختيار المرشحين للوظائف، وهي تجارة عالمية تقدر بنحو 500 مليون دولار سنويًا، بحجم نمو بلغ 10% في السنوات الأخيرة، وفقًا لإحصائية أجريت عام 2014. وهنا نتناول أمثلة من بعض هذه الاختبارات وأشهرها.


مايرز بريجز.. الأكثر شهرة والأقل علمية كذلك!

MPTI الاختبارات الشخصية
أنواع الشخصيات طبعا لاختبار MPTI

يعد نموذج مايرز بريغز Myers-Briggs أو MPTI، الأكثر شهرة، ويخضع له نحو 3.5 مليون شخص سنويًا، وتستخدمه 89 من أصل 100 شركة بقائمة مجلة فورتشن لأفضل الشركات، وهو صناعة تبلغ حجمها نحو 20 مليون دولار.

ويعتمد على توصيف شخصية المرء وفق 16 شخصية، لكن ما يثير الدهشة أن واضعي هذا الاختبار هما كاثرين بريغز، ربة منزل، وابنتها إيزابيل مايرز، كاتبة روايات، وهما ليسا علماء اجتماع، لكنهما وضعا الاختبار بناء على اهتمامهما بأعمال كارل يونغ قبل مائة سنة. إلا أنهما واجها نقدًا بعدم فهمهما لأبحاث يونغ على الإطلاق، الذي خلصت أبحاثه إلى أن الأشخاص لا يمكن تصنيفهم تحت فئة ما، فكل فرد هو استثناء من القاعدة، مثلما يقول مالكوم جلادويل في صحيفة النيويوركر، وهو صحفي ومؤلف.

لكن لا يصلح هذا الاختبار كذلك لاستخدامه في التوظيف؛ فوفقًا لناشر الاختبار: «يتفوق عديد من الناس مختلفي الشخصيات بالوظيفة نفسها ولأسباب مختلفة»، «ولا ينبغي إقصاء الأفراد على أساس تفضيلاتهم الشخصية»، وفقًا لموقع الاختبار.

بجانب أن اعتقاد الشخص بوقوعه تحت تصنيف ما، يحصر قدراته وفقًا لسمات هذه الفئة، ويجعله متحيزًا لهذا التصنيف، ويتصرف تبعًا له دون أن يدري، ثم يصبح بعد قليل علامة للهوية، وفرصة للانفصال عن الآخرين، والتحجج بألا أحد يفهمه من أصحاب الفئات الأخرى.

لا يوجد أي دليل على وجود علاقة إيجابية بين اختبار MPTI والنجاح الوظيفي.. ولا أي بيانات تشير إلى أن هناك فئات معينة أكثر ارتياحًا في مهن محددة من الفئات الأخرى.

دافيد بيتنجر، عالم نفس

وما يقوض مدى اعتمادية نتيجة الاختبار، هو أنه بحسب روماني كرناريك، الفيلسوف، إذا أعاد المتقدم الخضوع إليه مرة أخرى بعد خمسة أسابيع وحسب، فمن المتوقع أن يقع تحت فئة أخرى تمامًا بنحو 50%؛ ما يخرق شرطًا من شروط الأساس العلمي بأن يثبت الاختبار موثوقيته ودقته إذا أعيد ثانية، وهو سبب من عدة أسباب كشفت أن فئة الشخصيات التي يحددها الاختبار تفتقر لأي أساس علمي على الإطلاق، فكانت مثارًا لانتقاد علماء النفس خلال الثلاثة عقود الماضية، ولا توجد سوى قليل من النماذج التي تتسق مع هذه الفئات والفاعلية الإدارية.


اختبارات شخصية متحيزة يجرمها القانون

هل تشعر بالسعادة دومًا أم غالبًا أم بعض الوقت أم لا شيء على الإطلاق؟ قد لا تتوقع أن هذا أحد الأسئلة التي يتعين عليك إجابتها، وربما كانت سببًا في رفض أصحاب الأعمال لك.

إنه أحد الأسئلة التي تجد مثلها في نموذج العوامل الخمسة «five factor model»، وهو من أكثر التقييمات المستخدمة، ويحلل شخصية المرء بناء على عوامل خمسة؛ الانفتاح على الأفكار، والضمير، والانبساطية، والقبولية، والعصابية.

إلا أنه يمكن أن توجد عواقب قانونية لهذا الاختبار. ففي أتلانتا،رفع رولاند بهم، المحامي، دعوى وجه خلالها اتهامات لسبع شركات، تستخدم الاختبار ذاته، بالتمييز ضد الأفراد الذين يعانون من الأمراض العقلية، وذلك بعدما رفضت هذه الشركات توظيف كايل ابنه؛ لإصابته باضطراب ثنائي القطب، بناء على التقييم الذي أداه للتقديم للعمل، ووصفه كايل بأنه مثل الاختبارات الطبية التي سبق أن خضع إليها.

ومن المتوقع إذا ما حكم في هذه الدعوى لصالح كايل، واعتبر التقييم الذي اعتمدته هذه الشركات نوعًا من الفحص الطبي، بما يخالف قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة؛ فسيواجه كثيرًا من أرباب الأعمال مسئولية بالغة أمام الخاضعين لمثل هذه الاختبارات، ولا يقتصر الأمر على أصحاب الأمراض العقلية.


تزيف بسهولة وتتغير مع الوقت

اختبار الصدق التنبؤي الاختبارات الشخصية والمهنية
اختبار الصدق التنبؤي

تستخدم كذلك الاختبارات الرباعية لتحديد الشخصية «Four Quadrant 4-Q»، وتعتمد على اختيار الشخص لما تمثله بعض الكلمات لديه، لكن ثبت أنها اختبارات غير صالحة في عمليات التوظيف؛ فهي خاضعة للتغير بناء على حالة الشخص ومزاجه والبيئة، كذلك يمكن التلاعب في النتائج، فيمكن للمتقدم بسهولة اختيار الإجابة التي يريدها صاحب العمل،بحسب ويتني مارتن، خبيرة استراتيجية بالقياس في بروأكتيف كونسلتينغ.

توضح ويتني أن مثل هذا الاختبار يصلح لاكتشاف الذات وفي العمل الجماعي والتواصل وغيرها، إلا أنه لا يتنبأ بالأداء المهني المتوقع، أو يضمن صحة النتائج ودقتها عند خضوع المتقدم للاختبار مرة أخرى، وغيرها من الأسباب التي تجعله غير فعال في عملية اختيار المتقدمين، إلا أن استخدام هذا الاختبار يتزايد بين أرباب الأعمال.

إلا أن عملية الاختيار من إجابات متعددة قد تكون محدودة، لذا تعتمد لجنة تكافؤ فرص العمل في الولايات المتحدة اختبار الصدق التنبؤي Predictive Index؛ لأنه «أداة الاختيار الحر»، وهو أحد اختبارات التقييم الذاتي، فيكتب خلالها الشخص الكلمات التي تصفه على النحو الأمثل.


مدمن أو لص.. فقط من خطك

الاختبارات الشخصية الكتابة اليدوية علم الخطوط
علم الخطوط هو فن معرفة الشخصية من خلال الكتابة اليدوية

من المعتاد الاستعانة بخبراء علم الخطوط Graphology، لكشف عمليات الاحتيال والتزوير، لكن ذهب بعضهم إلى إمكانية معرفة شخصية المرء بناء على خط يديه. وفي الحقيقة، تستعين بعض الشركات بخبراء الخطوط لإجراء اختبارات قبل التوظيف، واكتشاف مدى إمكانية أن يصبح موظفوهم لصوصًا، أو مدمنين، أو جواسيس لدى الشركات الأخرى، أو كشف المؤسسات المالية لمدى مصداقية المقترضين، مرورًا باختيار شريك الحياة.

أعلى بعضهم الرهان،فكشفت تسريبات صحفية عن استعانة إحدى عضوات مكتب إطلاق السراح المشروط في كندا بشقيقتها المختصة بالخطوط؛ لمساعدتها في اختيار السجناء الآمن إطلاق سراحهم، فيما حكم قاضٍ في دنفر-كلورادو على أحد المدانين بالعلاج بخط اليد Graphotherapy.

يعد جيفري دين، أكثر عالم بحث في جدوى هذا الأمر بتحليله نحو 200 دراسة، يلخص باري بيرشتاين في كتابه The Write Stuff نتائج دين فيقول: «أثبت دين أن علماء الخطوط قد فشلوا بشكل لا لبس به في إثبات صحة تخصصهم أو موثوقيته للتنبؤ بأداء العمل، أو القدرات، أو الشخصية. وبذلك فشلت الجرافولوجيا، وفقًا لمعايير علم النفس، التي يجب اجتيازها، قبل السماح، من الناحية الأخلاقية، للجمهور باستخدامها».


شخصيتك من بقعة حبر

اختبار بقع الحبر رورشاخ الاختبارات الشخصية
بقعة حبر لاختبار رورشاخ

اختبار بقعة الحبر، أو رورشاخ Rorschach، هي اختبارات تعتمد على رؤية الشخص للأشكال التي تمثلها بقعة الحبر؛ ومن ثم استنباط عدد من السمات الشخصية بناء على هذا التحليل. يمكن لهذا الاختبار أن يكون مؤشرًا للكشف عن الإصابة بالفصام والاضطراب ثنائي القطب، تمهيدًا لمزيد من الاختبارات التشخيصية، لكنه وحده ليس شاملًا أو موثوقًا ولا يستخدم في اختبارات التوظيف كذلك؛ فالعوامل التي تحدد تحليل رؤية المرء لهذه البقع لا تحكمها معايير واضحة، وخاضعة بشكل كبير لتأويل علماء النفس.


جمجمتك تحدد شخصيتك

مخطط لأنماط فراسة الدماغ

هل تخيلت أن تحلل شخصيتك بناء على حجم مقدمة جمجمتك؟ إنه علم فراسة الدماغ phrenology، الذي شاع في القرن التاسع عشر. لم تلقِ النظرية رواجًا في أوروبا، لكنها وجدت طريقها في أمريكا، فأطلق رالف والدو إيمرسون على مروجها، يوهان كاسبر سبيرزايم، أحد أعظم العقول في العالم، ثم خمد وهج النظرية تدريجيًا؛ عندما توسعت لتحديد أقسام في الدماغ تقول إن صاحبها لديه ميل إلى القتل مثلًا.


ألعاب بدلًا من اختبارات الوظائف

ظهر جيل جديد من هذه الاختبارات يستخدم التكنولوجيا حليفًا لها. فيمكن عبر الألعاب تقييم نحو 50 سمة معرفية وعاطفية، وتحديد وجود المهارات المطلوبة مع احتياجات أصحاب الوظائف. ومن هذه الشركات، بيمتركس Pymetrics و ناك Knack، التي تستخدم ألعاب الدماغ، ووفقًا لتحليل طريقة لعب الأفراد لها، يمكن استنباط نتائج أكثر دقة عن ميول الأشخاص، وتحديد طريقة تفكيرهم وعملهم، لكن تنتظر هذه الوسائل مزيدًا من البحث لإثبات مدى نجاحها في إعطاء مؤشر عن الأداء الوظيفي.


لأرباب الأعمال: نصائح لا غنى عنها قبل استخدام هذه الاختبارات

فراسة الدماغ اختبارات شخصية
فراسة الدماغ اختبارات شخصية
الاختبارات الشخصية النفسية
الاختبارات الشخصية النفسية

تضع ويتني مارتن عددًا من المعايير الواجب توافرها في الاختبارات الشخصية المستخدمة، وتنصح مسئولي التوظيف والموارد البشرية بقياس مدى توافرها قبل تطبيقها. تتضمن المعايير؛ مؤشر الصراحة، بما يعكس شخصية الخاضع للاختبار بدقة، ويمكن الاعتماد على نتائجها، حتى بعد تكرار الشخص الاختبار نفسه، وأن تثبت نجاحها في إعطاء نتائج واضحة حول مستوى الأداء الوظيفي المتوقع.

ومن جانب، لا يستطيع سوى 14% من المنظمات تقديم أدلة توضح التأثير الإيجابي لخطة التقييم المتبعة لديهم، لذا ينصح مروجو هذه الاختبارات الشركات بتقييم هذه الاختبارات عن طريق الأهداف المحددة لكل مؤسسة، واختيار أداة التقييم المطلوبة، والقابلة لقياس هذه النتائج، وتحديد ما يقيسه كل اختبار، وجدواه للمنظمة، ومدى سهولته، وما إن كان يسمح بقياس المتطلبات السلوكية للعمل. بجانب قياس درجة موثوقيته وموضوعيته ودقته في استنباط المؤشرات المؤثرة في سلوكيات العمل ورضا العملاء، ومعدل دوران العمالة، مع سهولة تفسير هذه النتائج، وما إن كان الاختبار مطابقًا للشروط القانونية.

لذا يوجه المختصون نصائح لأرباب العمل أن يوضحوا سبب إقصائهم بعض المتقدمين إذا كان لإعاقة به تؤثر سلبًا في أداء المتقدم للعمل المطلوب، أو يشكل خطرًا يهدد الأمن والسلامة، وذلك بالتركيز على السمات الشخصية المرتبطة بالعمل المطلوب، وما إن كانت متوافرة بالمتقدم أم لا.

لا يعني اجتياز هذه الاختبارات بطبيعة الحال مناسبة المتقدم للعمل المطلوب، والعكس صحيح، لذا يخشى بعض أرباب الأعمال من أن رفضهم لبعض المتقدمين بناء على أدائهم في هذه الاختبارات قد ينتج عنه خسارة كفاءات جيدة؛ فبعض الشركات تجاهلت أداء المتقدمين وقاموا بتوظيفهم، بغض النظر عن نتائج هذا التقييم، وذلك عندما أبلوا جيدًا في الاختبارات الشخصية، وهو القرار الذي لو لم تتخذه هذه الشركات؛ لكانت قد خسرت كفاءات جيدة،بحسب ليندا كامنغز، استشارية الموارد البشرية في سان فرانسيسكو.

على الجانب الآخر، لا تقيس هذه الاختبارات قدرة الفرد على التعامل تحت الضغوط ومهارات التواصل مع الآخرين على سبيل المثال، لذا ينصح باختبار الفرد في بيئة تسمح باستكشاف هذه السمات.

وهي طريقة عبر عنها في قالب فني فيلم Exam البريطاني بحبكة درامية مليئة بالغموض؛ فمنح كل متقدم ورقة بيضاء فارغة في غرفة بها متقدمين من مختلف الأعراق، ووضعت عددًا من القواعد لا يجب عليهم مخالفتها، ومع حيرة الأفراد من الامتحان المجهول تظهر تصرفاتهم ما بين التوتر والقلق والاستفزاز والأنانية والتلاعب بالقواعد والتعصب ليظهر لنا في النهاية الشخص الذي نجح في اجتياز الامتحان، مشيرًا إلى أثر التفكير الحكيم والسمات العاطفية السلوكية في اتخاذ القرارات السليمة التي كانت من أهم المتطلبات للقبول في العمل.

مثل هذه التقييمات من أقل الوسائل فاعلية في التنبؤ بالأداء المهني، لكنها تعمل على نحو أفضل عند استخدام أدوات أخرى، مثل اختبارات القدرات المعرفية، واختبارات النزاهة وفقًا فرانك ل. شميدت الأستاذ الفخرى بالإدارة والمنظمات في جامعة أيوا.