محتوى مترجم
المصدر
wired
التاريخ
2016/01/26
الكاتب
دانيال إنجبير

في الجزئين الأول والثاني من المقال تحدثنا عن قصة كينيدي، لكن لم نكملها بعد، وسنختم الحكاية في هذا الجزء


وما زالت التجارب مستمرة

بعد أيام قليلة، وبحلول الفترة التي عاد فيها كينيدي إلى عيادته ليرى المرضى، تمثلت الآثار الأوضح المتبقية من تلك المغامرة بأمريكا الوسطى في بعض مشكلات النطق العالقة، ومظهر رأسه الحليق والمضمد، الذي أخفاه أحيانًا تحت قبعة بليزية متعددة الألوان. وخلال الأشهر التالية، استمر كينيدي في تعاطي الأدوية المضادة لتلك النوبات، بينما انتظر نمو خلاياه العصبية داخل الأقطاب المخروطية الثلاثة داخل جمجمته.

عاد كينيدي في شهر أكتوبر من نفس العام إلى بليز لإجراء جراحة ثانية، هذه المرة ليزرع لفائف طاقة وجهاز للإرسال والاستقبال متصلين بالأسلاك البارزة من دماغه. أجريت تلك العملية بنجاح، رغم أن بوتون وسرفانتس كانا فزعين بسبب العناصر التي أراد كينيدي زرعها تحت جمجمته. حيث قال بوتون: “لقد تفاجئت بعض الشيء بسبب حجمها الكبير”. بدت الأجهزة الإلكترونية بالنسبة لهم ثقيلة وبالية. اندهش بوتون، الذي ينشغل بالمروحيات الصغيرة (طائرات الدرون) في وقت فراغه، لرغبة كينيدي زرع مثل تلك الأداة العتيقة داخل دماغه. حيث قال لكينيدي: “ألم تسمع بشأن الإلكترونيات الدقيقة؟”

بدأ كينيدي مرحلة جمع بيانات تجربته الذاتية الضخمة بمجرد عودته من بليز للمرة الثانية. خلال الأسبوع السابق لعيد الشكر، دخل إلى مختبره ووضع ملفًا كهرومغناطيسيًا وجهاز استقبال على دماغه. ثم بدأ تسجيل نشاط مخه أثناء قوله لجمل مختلفة بصوت عالٍ ولنفسه –جمل مثل “أظن أنها تجد حديقة الحيوان ممتعة”، و”بهجة العمل تجعل الفتى منبهرًا”– مع ضغطه على زر للمساعدة في تحقيق التزامن بين كلماته وإشاراته العصبية، وهو ما يشبه إلى حد كبير كيفية تحقيق التزامن على لوح صناع الأفلام بين الصوت والصورة.

على مدار الأسابيع السبعة التالية، قضى معظم الأيام يتابع مرضاه من الساعة 8 صباحًا حتى 3:30 مساءً، ثم استغل أمسيات ما بعد العمل ليجري على نفسه التجارب. في ملاحظاته المعملية، يطلق على نفسه العنصر “بي كا”، كما لو كان مجهولًا. وتظهر ملاحظاته أنه دخل إلى المختبر في عيد الشكر، وفي ليلة عيد الميلاد.

ولكن التجربة لم تستمر للمدة التي كان ليتطلع إليها. فالجرح الذي أصاب رأسه لم يلتئم بشكل كامل أبدًا على ذلك الركام من الأجهزة الإلكترونية. وبعد أن أجرى كامل عمليات الزراعة داخل دماغه بمدة إجمالية بلغت 88 يومًا، عاد كينيدي ليجري عملية أخرى. ولكن هذه المرة لم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى بليز؛ والتي كانت عملية للحفاظ على وضعه الصحي، ولم تحتج إلى تصريح من إدارة الأغذية والعقاقير، بل وغطاها تأمينه الصحي العادي.

في يوم 13 يناير 2015، فتح جراح محلي فروة رأس كينيدي، وقطع الأسلاك الخارجة من رأسه، وأزال الملف وجهاز البث. لم يحاول أن يتعمق داخل قشرة مخ كينيدي بحثًا عن الأقطاب الزجاجية الثلاثة التي كانت مزروعة هناك. بل كان من الآمن بشكل أكبر تركها على حالها، منغمسة وسط النسيج الدماغي لكينيدي، لبقية عمره.


اللقاء مع عالم الأعصاب

يتواجد مختبر كينيدي داخل منزل خشبي أصفر بحديقة بها مجمع للمكاتب على مشارف ولاية أتلانتا. وتوضح لوحة خشبية معلقة أمام المنزل أن “الجناح ب” هو مقر معمل “نيورال سيجنالز”. عندما قابلت كينيدي هناك في أحد أيام شهر مايو 2015، كان مرتديًا لسترة تويدية وربطة عنق تحمل بقعًا زرقاء، شعره مفروق بدقة ومُسرح إلى الوراء بشكل يكشف عن منخفض صغير في صدغه الأيسر. فيوضح لي بلكنة أيرلندية: “نتج ذلك عن زرع الإلكترونيات”. “مست الكامشة فرعًا للعصب أصاب عضلة صدغي، فلا أستطيع رفع هذا الحاجب”. وبالفعل، ألاحظ أن العملية قد خلفت على وجهه الوسيم تدليًا غير متناظر بين الصدغين.

يوافق كينيدي على أن يريني فيديو لعمليته الجراحية الأولى في بليز، والتي سُجلت على قرص مضغوط قديم الطراز. وبينما أعددت نفسي ذهنيًا لمشاهدة المخ المفتوح للرجل الواقف بجانبي، يضع كينيدي القرص داخل المشغل بكمبيوتر يعمل بنظام “ويندوز 95”. فيستجيب الجهاز بإحداث صوت مزعج إلى درجة مريعة، وكأن أحدهم يسنُّ سكينًا ببطء.

يستغرق القرص وقتًا طويلًا ليظهر محتواه – وقتًا كافيًا لنخوض محادثة بشأن خطته البحثية غير التقليدية. حيث قال: “يتعين على العلماء أن يكونوا منفردين”، وتابع، “لا يمكن ممارسة العلوم من خلال لجنة”. وبينما يتابع ليتحدث بشأن كيف أن الولايات المتحدة أيضًا قد بُنيت بواسطة أفراد وليس لجان، يصبح صوت محرك الأقراص أشبه بجرس معلق بعربة تهبط منحنًى صخريًا؛ جا-شوجا-شوج، جا-شوجا-شوج. فيقول: “هيا أيتها الآلة!”، مقاطعًا حبل أفكاره مع ضغطه، وقد بدا عليه نفاذ صبره، على بعض الرموز على الشاشة. “أوه بحق السماء! لقد أدخلت القرص بالفعل!”

ويتابع: “أظن أن الناس يبالغون بوصف جراحة المخ بأنها خطيرة إلى حد رهيب”، “جراحة المخ ليست صعبة إلى هذا الحد”. جا-شوجا-شوج، جا-شوجا-شوج، جا-شوجا-شوج، جا-شوجا-شوج، جا-شوجا-شوج، جا-شوجا-شوج. “إن أردت تنفيذ شيء علمي فعليك أن تفعل اللازم مباشرة لتحقيقه، لا أن تستمتع للرافضين”.

وأخيرًا، يبدأ مشغل الفيديو على الكمبيوتر عمله، عارضًا صورة لجمجمة كينيدي، وقد أُبعدت فروته عنها باستخدام مشابك. ثم حل محل صوت محرك القرص المزعج صوتٌ غريبٌ وحادٌ، وهو الخاص بقطع المعدن للعظام. فعلق: “مثلما ترى، إنهم يثقبون رأسي المسكين”، بينما نشاهد تكشف الفتحة اللازمة برأسه للعملية على الشاشة.

“تعد مساعدة مرضى التصلب العضلي الجانبي ومرضى الانحباس أمرًا هامًا، ولكننا لا نتوقف عند ذلك”، وقف كينيدي، منتقلًا إلى الصورة الأكبر. “يتمثل الهدف الأول في استعادة القدرة على الكلام، والهدف الثاني في استعادة القدرة على الحركة، ويعمل الكثيرون على تحقيق ذلك، وسيتحقق بالفعل، ولكنهم بحاجة إلى أقطابٍ أفضل. وسيكون الهدف الثالث عند ذلك بدء تحسين الأشخاص الطبيعيين”.

ثم ينقر على الفيديو التالي، الذي نرى فيه كشف دماغه – حيث تزحف بقعة لامعة من النسيج مع الأوعية الدموية لتغطي قمة رأسه. يزرع سرفانتس أحد الأقطاب داخل الهلام العصبي ويبدأ سحب السلك. وبين الحين والآخر، تتوقف يد مكسوة بقفاز أزرق لتضرب القشرة الدماغية برفق بمادة “جلفوم” لتضع حدًا لنزيف الدماء.

“سيكون عقلك أكثر قوة من عقولنا الآن، الأمر لا حدود له”، حسبما يتابع كينيدي حديثه، بينما يحدث عقله حركة نابضة على الشاشة. “سوف نستخرج أدمغتنا ونوصلها بأجهزة كومبيوتر صغيرة، والتي ستقوم بكل شيء عنّا، وستستمر تلك الأدمغة بالحياة”.

اسأله: “هل أنت متحمس لحدوث ذلك؟”

فيرد: “يا إلهي! بالتأكيد”. ويتابع: “هكذا يحدث تطورنا”.

أثناء جلوسي هناك بمكتب كينيدي، محدقًا بشاشة حاسوبه القديم، لم أكن متأكدًا حيال موافقتي لرأيه. يبدو أن التكنولوجيا دائمًا ما تجد طرقًا أحدث وأفضل لتخييب آمالنا، حتى مع تطورها عامًا بعد عام. يستطيع هاتفي الذكي أن يبني كلمات وجملا من ضربات أصابعي الزلقة. ولكنني لا أزال أعاني بسبب أخطائه. أدرك أنه على المدى القريب، ستوجد تكنولوجيا أفضل كثيرًا من حاسوب كينيدي المهتز، إلكترونياته العتيقة، وهاتفي من نوع “جوجل نيكسس 5”. ولكن هل سيود البشر فعلًا أن يفوضوا تلك التكنولوجيا للتصرف بعقولهم؟

على الشاشة، يحقن سرفانتس سلكًا آخر عبر القشرة الدماغية لكينيدي. قال كينيدي في بداية مشاهدتنا للفيديو: “الجراح ماهر جدًا، في الواقع، يمتلك يدين جيدتين للغاية”. ثم ينحرف عن محادثتنا بشأن التطور ليصدر أوامر إلى الشاشة، كمشجع رياضي يشاهد مباراة فريقه. حيث صاح، “لا، لا تفعل ذلك، لا ترفعها!”، موجهًا حديثه لليدين الماهرتين المشتغلتين بدماغه. ثم أوضح لي: “لا يجب أن تدخل من تلك الزاوية”، قبل أن يعيد نظره إلى الحاسوب. “أدخلها أكثر من ذلك”، وتابع. “حسنًا لقد أدخلتها كثيرًا، لا تدفعها إلى الداخل أكثر من ذلك!”


مستقبل عمليات اختراق المخ

حاليًا، تخرج عمليات الزرع داخل الدماغ عن نمطها. فالممولون الكبار لأبحاث الأطراف الصناعية العصبية يفضلون نهجًا يشتمل على وضع شبكة مسطحة من الأقطاب، بنسبة 8 إلى 8 أو 16 إلى 16، لتغطي السطح العاري للمخ. ذلك النهج، الذي يطلق عليه “التخطيط الكهربي لقشرة المخ”، يقدم مقياسًا أكثر غموضًا وانطباعية للنشاط الدماغي من نهج كينيدي: فبدلًا من تسجيل أصوات الخلايا العصبية المنفردة، يستمع إلى جوقة أكبر –أو، حسبما أفترض، ما يشبه المجموعة– من تلك الخلايا، والتي يصل تعدادها إلى مئات آلاف الخلايا في المرة الواحدة.

يجادل مناصرو ذلك النهج بأن تلك الإشارات الجماعية يمكنها نقل معلومات كافية للحاسوب حتى يفك تشفير نية المخ – ما قد يصل إلى تفسير حتى الكلمات أو المقاطع التي يعني الشخص قولها. بل إن بعض التلطيخ لتلك البيانات قد يكون مفيدًا؛ حيث لن تود أن تركز على عازف كمان واحد متذبذب بينما يتطلب الأمر سيمفونية عصبية لتحريك أحبالك الصوتية وشفتيك ولسانك. يمكن لشبكات “التخطيط الكهربي لقشرة المخ” أيضًا أن تبقى على حالها تحت الجمجمة لفترة طويلة، ربما فترة أطول من الأقطاب المخروطية لكينيدي. “لا نعلم على وجه اليقين مدى حدود ذلك، ولكنه يستمر بالتأكيد لسنوات أو عقود”، وفق إدوارد شانج، جراح ومتخصص بعلم وظائف الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والذي أصبح أحد الشخصيات الرائدة في المجال، ويعمل على مشروع خاص به للأطراف البديلة للكلام.

خلال الصيف الماضي، بينما كان كينيدي يجمع بياناته ليقدمها في مؤتمر عام 2015 لجمعية العلوم العصبية، نشر مختبر آخر عملية جديدة لاستخدام الحاسبات وعمليات الزراعة الدماغية لفك تشفير الكلام البشري. تم تطوير تلك العملية، ويطلق عليها “المخ إلى نص”، بمركز “وادز ورث” بنيويورك بالتعاون مع باحثين في ألمانيا والمركز الطبي الألباني، وقد جرى اختبارها على سبعة مرضى بالصرع مع زراعة شبكات لـ”التخطيط الكهربي لقشرة المخ”. طُلب من كل عنصر أن يقرأ بصوت مرتفع – أجزاء من خطاب “جيتيسبورج”، قصة “هامبتي دمبتي”، افتتاحية جون إف كينيدي، ونص خيالي مجهول المصدر مستوحى من المسلسل التلفزيوني “تشارمد” – بينما تم تسجيل بياناتهم العصبية. ثم استخدم الباحثون إشارات التخطيط الكهربي في تدريب برمجيات على تحويل البيانات العصبية إلى خطابات صوتية ثم نقل نتائجها إلى نموذج لغوي تنبؤي –وهو برنامج يعمل إلى حد ما بشكل مشابه لمحرك تحويل الكلام إلى نص على هاتفك المحمول– والذي أمكنه تخمين الكلمات وفق صورتها المسبقة.

ومما لا يصدق، أن ذلك النظام قد نجح بالفعل بشكل ما. حيث أخرج الحاسوب قصاصات نصية حملت أكثر من وجه للشبه بقصة “هامبتي دمبتي”، ونص “تشارمد” الخيالي، والبقية. “لقد اكتشفنا العلاقة”، حسبما قال جروين شالك، الخبير بالتخطيط الكهربي لقشرة المخ والمشارك في وضع الدراسة. “لقد أظهرنا أنها أعادت بناء النص المنطوق بشكل أفضل كثيرًا من المتوقع”. أظهر عمل الأطراف الصناعية الخاصة بالخطاب سابقًا أن أصوات العلة المنفردة والحروف الساكنة يمكن فك تشفيرها من المخ؛ والآن أظهرت مجموعة شالك أنه من الممكن –رغم صعوبة الأمر والاحتمالية الكبيرة للخطأ– أن تتحول من أنشطة دماغية إلى جمل منطوقة بالكامل.

ولكن حتى شالك يقر بأنه، وفق أفضل التقديرات، يعد ذلك مجرد إثبات للفكرة. وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يبدأ أحدهم في إرسال أفكار كاملة التكوين إلى الحاسوب، حسبما أوضح، ووقت أطول قبل أن يتوصل أحدهم إلى نتائج مفيدة بحق. ويضيف أنه علينا وضع برامج تمييز الكلام في الحسبان، التي توافرت منذ عقود. “ربما كانت دقة تلك البرمجيات 80 بالمئة في حوالي عام 1980، وتلك النسبة تعد إنجازًا مميزًا في مجال الهندسة. ولكنها عديمة الفائدة في العالم الحقيقي”، ويتابع، “لازلت لا أستخدم “سيري”، لأنه ليس بالتطبيق الجيد كفاية”.

في ذات الأثناء، هناك طرق أكثر بساطة وعملية لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون مشكلات في الكلام. فإن استطاع المريض تحريك إصبع، يمكنه كتابة رسائل بشفرة موريس. وإن استطاعت المريضة أن تحرك عينيها، يمكنها استخدام تطبيق تتبع العين المتوافر على الهواتف الذكية. ويضيف شالك: “تلك الأجهزة رخيصة للغاية”، “والآن يريد البعض استبدالها بعمليات الزراعة بالمخ التي تتكلف آلاف الدولارات، فقط للحصول على نتائج أفضل قليلًا من المتوقع”.

أحاول أن أدفع تلك الفكرة وسط جميع الاكتشافات السيبورجية المذهلة التي وصلت إلى الإعلام على مر السنوات – كشرب البشر للقهوة بأذرع روبوتية، والأشخاص الذين يجرون عمليات الزرع بالدماغ في بليز. يبدو المستقبل دائمًا قريبًا جدًا، تمامًا مثلما بدا منذ نصف عقد عندما دخل خوسيه ديلجادو إلى تلك الحلبة. وخلال يوم قريب، سنكون جميعًا عقولًا داخل حواسيب؛ سيمكن تحميل أفكارنا وأحاسيسنا إلى الإنترنت؛ وسيمكن مشاركة حالاتنا العقلية وملئها بالبيانات. يمكننا بالفعل أن نرى الخطوط العريضة لتلك الحقبة المخيفة والرائعة ملوحة في الأفق – ولكن كلما اقتربنا منها، كلما بدت مبتعدة أكثر.

أصبح كينيدي، من جانبه، متعبًا بسبب تلك المفارقات الزينونية للتقدم الإنساني؛ حيث لم يعد يتحمل الوصول دائمًا إلى منتصف الطريق إلى المستقبل. وهو ما يدفعه بشدة إلى الأمام؛ ليجهزنا للعالم الذي كتب عنه في روايته “2051”، الذي ظن ديلجادو أنه قاب قوسين أو أدنى.

عندما قدم كينيدي أخيرًا البيانات التي جمعها من تجاربه الذاتية – أولًا بندوة جامعة إيموري في مايو الماضي، ثم في مؤتمر جمعية العلوم العصبية في أكتوبر – كان بعض زملائه داعمين له بشكل مؤقت. فعبر مواجهته للمخاطرة بنفسه، والعمل بمفرده وبتمويل ذاتي، نجح كينيدي في إنشاء سجل فريد للغة داخل العقل، حيث يقول شانج: “إنها مجموعة ثمينة من البيانات، سواء أكانت ستؤدي في النهاية إلى اختراع طرف صناعي لمحاكاة الكلام أم لا. إنه بالفعل حدثٌ استثنائيٌ”. بينما وجد زملاء آخرون الأمر مثيرًا، حتى وإن كانوا بشكل ما مرتبكين حياله؛ ففي مجال يضرب باستمرار الحواجز الأخلاقية، أجرى ذلك الرجل الذي عرفوه لسنوات، وأعجبوا به دائمًا، محاولة جريئة وغير متوقعة لدفع أبحاث الدماغ قدمًا. ومع ذلك، أصاب ذلك بعض العلماء الآخرين بالذعر. “ظن البعض أنني شجاع، وظن آخرون أنني مجنون”، حسبما أوضح كينيدي.

في جورجيا، سألت كينيدي إن كان سيكرر التجربة مجددًا. فرد مستنكرًا: “على نفسي؟ لا، لا يجب أن أفعل ذلك مجددًا. بالتأكيد ليس في ذات الجانب من دماغي”، ثم ضغط على صدغه، حيث لا تزال أطراف الأقطاب المخروطية مثبتة. ثم، وكأن نشاطه قد أثير بفعل فكرة زراعة المزيد من الإلكترونيات في الجانب الآخر من دماغه، ينطلق في طريق وضع خططٍ لصنع أقطاب جديدة وإجراء عمليات زراعة أكثر تقدمًا؛ للحصول مجددًا على تصريح إدارة الأغذية والعقاقير لأعماله؛ ولإيجاد منح تمكنه من دفع تكاليف كل شيء.

ولكنه يقول أخيرًا: “لا، لا يجب أن أكررها بالجانب الآخر”. “وعلى أي حال، لا أمتلك الإلكترونيات اللازمة لفعلها. ربما عليك أن تسألني مجددًا عندما نجمع تلك الإلكترونيات”.

لقد توصلتُ إلى بعض الاستنتاجات من الوقت الذي قضيته مع كينيدي، ومن إجابته الغامضة؛ وهي، أنه لا يمكنك دائمًا أن ترسم طريقك إلى المستقبل. بل أحيانًا عليك أن تبنيه أولًا.