ظاهرة عجيبة شغلت كثيرًا من الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، هي أن مدرسة أجنبية بالقاهرة أقامت حفل تخرج لطلاب المرحلة الثانوية وأحضروا في الحفل راقصات إثارة روسيات عاريات من اللواتي يمارسن نوعًا من الرقص المثير جنسيًا المعروفة فاعلاته عند الأجانب بـ «go go girls and pole dancers»، وهنا يجب التوقف وطرح عدد من الأسئلة المهمة في هذا السياق.

أولا: لماذا تقام حفلة تخرج بهذا الشكل المبتذل لطلاب في هذه الفئة العمرية؟

ثانيًا: ما هي هذه المدرسة وما سمات الطلاب الذين يدرسون فيها؟

ثالثًا: هل لهذه المدرسة مثيلات في مصر وغيرها من بلاد المسلمين؟

رابعًا: ما هي الجهة المنظمة لهذا الحفل؟، وما هي أنشطتها الأخرى؟

خامسًا: مستقبل التعليم في مصر!.

نبدأ بالأمر الأول والسؤال المفجع وهو:

لماذا تقام مثل هذه الحفلة لأولاد وبنات في سن المراهقة في بلد يقول إنه بلد مسلم؟

والجواب نجده في حديث شريف للمصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم «لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ «فَمَنْ؟» (رواه البخاري ومسلم).

إن كثيرًا من أبناء هذه الأمة مصابون بداء الانسحاق الحضاري فهم يتبعون الغرب (اليهود والنصارى) في كل ما يقول ويفعل، مهما كان غريبًا أو غير أخلاقي، لكن المفاجأة في الأمر الذي نحن بصدده أنه حتى الغرب لا يفعل مثل هذه الممارسات مع الطلاب القُصَّر (أقل من 18 سنة ذكرًا كان أو أنثى يعتبر قاصرًا وفق القانون)، ولكن هكذا هي ثقافة المتخلف الذي يعتقد في نفسه وقومه الدونية وانحطاط المنزلة والرتبة فتراه يبالغ في منافسة سادته وتتبع نمط عيشهم وثقافتهم وطريقتهم وزيهم وأسلوب حياتهم، مع إظهار شديد تنكره لقومه وشعبه «البلديين» كما يسميهم متعجرفًا متعاليًا، أو تراه يقول عنهم إنهم «بيئة»؛ ويا للعجب عندما تكون صفات الذم والقدح هي الانتساب إلى البلد وأهلها وبيئتها. فعندما تكون طريقتك «بلدي»، فأنت فلاح منحط المكانة في نظر هؤلاء العبيد الذين يظنون أنفسهم سادة حضاريين مدنيين وليس لهم من السيادة أو الحضارة أو المدنية شيء ألبتة!.

إن هذه الحفلة الأخيرة التي شغلت الناس في منصات التواصل الإلكترونية ليست هي الأولى من نوعها لمثل هؤلاء الأولاد، وهي تطور وامتداد طبيعي للحفلات الدورية التي تقيمها مثل هذه المدارس لطلابها في الأعياد الغربية، فتجد حفلات عيد الفزع (Halloween) أو عيد القديسين، بالإضافة إلى حفل الكريسماس (Christmas) وأعياد ميلاد الطلاب وربما المدرسين وحفلات نهاية الأسبوع (Week-end) وغير ذلك من الحفلات الغربية التي يتنافس فيها الأولاد والبنات بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ في إظهار عظيم التحضر بتمام الامتثال لتقاليد سادتهم الأمريكان والأوروبيين، وربما إن قرأ أحدهم كلامي هذا ضحك مستهزئًا من داعية أزهري متعصب جاهل بقيم وأسلوب المدنية الحديثة، غير أن الحقيقة التي لا مهرب منها هي أن هذه الحفلة –وإن استفزت البعض- أمر عادي ومتكرر عند فئة من الطلاب الذين يدرسون في مثل هذه المدارس التي تعرف بالمدارس الدولية في مصر، وهنا نحتاج إلى فهم طبيعة هؤلاء الأولاد والبنات بهذه المدرسة ومثيلاتها من المدارس الدولية المناظرة.

ونتساءل هنا عن طبيعة هذه المدرسة وسمات الطلاب الذين يدرسون فيها؟

إنها مدرسة AIS الأمريكية الدولية بالتجمع الخامس، بدأت العمل في مصر عام 2009م وهي امتداد لظاهرة المدارس الدولية في مصر وهي المدارس التي تقوم بتدريس أحد المناهج الأجنبية على الأراضي المصرية مثل منهج دبلومة المدارس الأمريكية العليا (High school American Diploma) ومنهج الثانوية الإنجليزية (IGCSE) ومنهج الثانوية الألمانية (Abitur) ومنهج الثانوية الفرنسية (Bac) ومنهج الثانوية أو البكالوريا الدولية (IB)، وهو المنهج الذي تقدمه المدرسة المذكورة آنفًا وهذه الشهادات الثانوية المختلفة يتم تقديمها في عدد من المدارس المعروفة باسم المدارس الدولية (International Schools) التي تمارس التعليم على الأراضي المصرية بموجب تصريح مع وزارة التربية والتعليم في مصر يقضي بالتالي:

  • أن تلتزم هذه المدارس بتدريس اللغة العربية والتربية الدينية وتاريخ وجغرافيا مصر ومواد الهوية القومية وفقًا لمناهج الوزارة.

  • تلتزم المدرسة التي صدر لها قرار وزاري بتدريس المناهج ذات الطبيعة الخاصة «الدولية» بإعداد لائحة داخلية خلال شهر من صدور هذا القرار على أن تتم مراجعتها بالإدارة العامة للتعليم الخاص بالوزارة واعتمادها من السلطة المختصة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تعديل البيانات التي صدر على أساسها الترخيص إلا بعد موافقة الجهة التي أصدرت الترخيص، وعدم تدريس أى كتاب إلا بعد معادلته من قبل المراحل التعليمية بالوزارة وسداد قيمة الفحص.

  • تلتزم المدرسة بأن يقوم الطلاب بأداء تحية العلم وترديد النشيد الوطني المصري أثناء طابور الصباح بالنسبة للطلاب المصريين.

  • تلتزم المدرسة بإعلان المصروفات الدراسية في مكان ظاهر بالمدرسة وتحصيلها بالعملة المصرية من الطلاب المصريين، عدم زيادة المصروفات الدراسية بالنسبة للطلاب المستجدين بما لا يجاوز 7% سنويًا.

وقد وصلت مصروفات الطالب في بعض المدارس إلى نحو 24 ألف دولار سنويًا، بما يتراوح بين 420 إلى 480 جنيه مصري تقريبًا تبعًا لاختلاف سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وبعض المدارس الأخرى نجد أن متوسط المصروفات فيها نحو عشرة آلاف دولار سنويًا أي 180 إلى 200 ألف جنيه مصري تقريبًا.

وقد وصل عدد هذه المدارس في مصر وحدها إلى نحو 191 مدرسة متحدثة بالإنجليزية فقط، فضلاً عن غيرها من المدارس المتحدثة باللغات الأخرى، وذلك وفق الإحصائية الصادرة عن شركة البحوث التسويقية واستشارات المدارس الدولية ISC في مارس/آذار من عام 2016م

ونظرًا لارتفاع المصروفات بهذه المدارس فإن الطلاب الذين يلتحقون بها تكون لهم سمات وخصائص معينة، وتقوم المدرسة بإجراء مقابلات شخصية (Interview) لكل من الطالب المتقدم ووالديه أيضًا وذلك للتأكد من صلاحيته الاجتماعية والثقافية للالتحاق بمجتمع طلاب المدرسة؛ إذ تتكون هذه المدارس من مجتمعات شبه مغلقه نظرًا لحساسية وظائف ومراكز أولياء أمور هؤلاء الطلاب في مجتمع المال والسياسة، ويتم تقييم الطالب ووالديه في هذه المقابلة وفق إتقان اللغات الأجنبية بالإضافة إلى حشو الكلام العربي بالكثير من المصطلحات الأجنبية ولو كانت مقحمة في السياق، كما يتم تقييم المظهر الخارجي لكل من الوالد والوالدة وما إذا كانوا يرتدون الأزياء العالمية ذات العلامات التجارية المميزة (Global brands)، كما يتم تقييم التلميذ المتقدم للمدرسة من ناحية إتقانه للغة الإنجليزية وربما غيرها من اللغات الأجنبية وعمره 5 سنوات فقط، كل هذا من أجل ضمان نسيج اجتماعي متجانس داخل المدرسة، وهذا النسيج الاجتماعي المتجانس يتسم بعدد من الأمور نجملها في ما يلي:

  • الثراء المبالغ فيه لأولياء أمور الطلاب في هذه المدارس بالنسبة لجماهير الشعب المصري الذين يتراوح مستوى دخل الفرد فيهم نحو الانبهار بنمط وطريقة الحياة الغربية (أمريكية وأوروبية) ومحاولة محاكاتها بأشكال مختلفة.

  • العزوف عن التعليم الديني واعتبار المتدين شخصًا متشددًا أو رجعيًا أو على أحسن تقدير لا يصلح لأن يكون صديقًا لنا وجزءًا من مجتمعنا.

  • تكوين مجتمعات شبه مغلقة يسكنون معًا في مجمعات سكانية جديدة (compounds) ويشتركون في نواد رياضية واجتماعية خاصة ويذهبون للترفيه والاستجمام في منتجعات سياحية خاصة داخل البلاد وخارجها، ولا يكادون يختلطون بجماهير الشعب وطبقاته المختلفة ولا يعرفون معنى المعاناة اليومية للمصريين.
  • لا يعرفون عن ثقافة البلاد وتاريخها وهويتها إلا النذر اليسير جدًا؛ وذلك لأن كتب التاريخ والتربية الوطنية والقومية ومنهج التربية الدينية وغير ذلك تعتبر كتبًا لا تحظى –عمليًا- باحترام الطلاب ولا إدارات المدارس المختلفة على عكس ما يوجب قانون تنظيم هذه المدارس الدولية في مصر.

  • طموح وأمل هؤلاء الطلاب هو التخرج من المدرسة الدولية ثم السفر لإكمال الدراسة في أوروبا أو أمريكا، أو الرضا بالقليل وإكمال الدراسة في إحدى الجامعات الأجنبية في مصر، ثم التخرج والسفر أو الهجرة إلى الوطن الحقيقي لهم والذي ينتمون إليه بشكل فعلي –أمريكا أو أوروبا- حيث الحرية والتقدم والمدنية والتطبيق العملي للقيم التي تربوا عليها خلال دراستهم وفي بيوتهم ونواديهم ومجتمعاتهم الطفيلية على المجتمع والمغلقة على أصحابها.

تخيل معي طفلاً وُلد في «كومباوند» بالتجمع الخامس، والتحق بــ KG) Kindergarten) ثم مدرسة دولية بنفس الحي، ثم التحق بالجامعة الأمريكية بالتجمع الخامس أيضًا، ثم تخرج وبدأ العمل في إحدى الشركات العابرة للقارات (Multinational) ومقرها بالتجمع الخامس كذلك أو ربما بالسادس من أكتوبر هذه المرة، ويسافر لقضاء الأجازة السنوية في إحدى الدول السياحية أو غيرها فهذا شاب علاقته بمصر لا تتجاوز الطريق الدائري إلا قليلاً، ولا يكاد يعرف شيئًا عن السيدة زينب والظاهر والمغربلين والخيامية والحلمية والدرب الأحمر والسكاكيني والموسكي والخليفة وباب الشعرية والجمالية والعباسية ومنشأة ناصر والساحل والزاوية الحمراء وروض الفرج والتبين والكيت كات والوراق وبولاق الدكرور وغيرها، فضلاً عن أحياء محافظات الأقاليم في الدلتا والصعيد وغيرهما. هذا الشاب الذي نتحدث عنه، ما الذي يعرفه عن مصر وأهلها؟ وما الذي يربطه بهم؟

إنه أقرب إلى مستوطن يعيش في مستوطنات احتلال طفيلية غير منتمية للسكان الأصليين وتنظر إليهم شذرًا ولا تكاد تعرف عنهم شيئًا، هل هذا الشاب مصري حقًا؟ وهل هو عربي اللسان والهوية والثقافة؟ وهل هو مسلم بالفعل؟

هذا ما نحاول التوقف معه في قابل الكلام بإذن الملك العلام.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.