أقلقنا التدفق الأخير للأسلحة من إيران إلى اليمن، ونقلنا هذه المخاوف لمن يحتفظون بعلاقات مع الحوثيين، بمن فيهم الحكومة العُمانية. ما ينقلونه عن طريق عمان عبارة عن صواريخ مضادة للسفن ومتفجرات، وأموال وأفراد.

كانت هذه اتهامات مسؤولين أمريكيين لسلطنة عُمان، مع اشتداد الأزمة اليمنية منذ انقلاب سبتمبر/أيلول 2014، وبداية «عاصفة الحزم» في مارس/آذار 2015، وسط تخوف خليجي من دور السلطنة في اليمن وبعض القضايا الأخرى والتي تأخذ عُمان فيها موقفًا مغايرًا لدول مجلس التعاون، كان دور مسقط واضحًا في هذه الأزمة وغيرها منذ البداية وهو الحياد والنأي بالنفس عن أي تجاذبات أو استقطابات.


«الاستقلالية» أول مبادئ السلطنة

دائمًا ما تتبع السلطنة في سياستها الخارجية مبادئ الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول والوساطة بين الأطراف. هذه لم تكن فقط مجرد كلمات بل سياسة واضحة لدى السلطنة منذ تولي السلطان قابوس بن سعيد زمام الأمور في يوليو/تموز 1970، فعلى سبيل المثال، رفضت السلطنة قطع علاقتها مع مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد، رغم قرار دول عربية عدة بمقاطعة القاهرة.

تتبع السلطنة منذ تولي قابوس الحكم في 1970 سياسات مستقلة، بالرغم من كونها عضوًا في العديد من المنظمات الإقليمية والدولية.

وتتضح السياسة الخارجية للسلطنة في المبادئ التي أعلنها قابوس، فعلى الرغم مما قيل من أن مسقط تتبع سياسة العزلة إلا أن قابوسًا أكد فك هذه العزلة السياسية والانفتاح على الدول كافة، في خطاب له عام 1973 قال: «الكل يعلم أن العزلة التي فرضت على عمان حالت دون أي اعتبار لمعالم السياسة الخارجية، وقد بذلنا الجهد لفك أطواق العزلة».

وهذا يوضح أن السياسة الخارجية للسلطنة لم تتبع العزلة السياسية السلبية أو الحياد السلبي، تجاه بعض أزمات المنطقة والقضايا الدولية، ولكن كان لها رؤية واضحة ذات نهج أحادي مستقل، رغم ارتباطها بأكثر من كيان مثل الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، فتركيبة وموقع السلطنة فرض عليها التعامل ببراجماتية وهذا ما ساعدها على تجاوز أزمات عدة، بل والمشاركة في حل ملفات دولية مستعصية.

وتبين هذا الدور في الوساطة بين إيران والدول الكبرى في التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015، حيث قادت المفاوضات في البداية بشكل سري منذ عام 2009، حتى بدون إعلام شركائها في مجلس التعاون الخليجي وهذا ما أثار حفيظة بعض دول المجلس.


لسنا نشازًا ولا نمشي في ركاب أحد

الخلافات بين السلطنة وباقي دول الخليج يراها البعض اختلافًا في وجهات النظر، لا يرقى لدرجة الشقاق، فبعضهم يريد للسلطنة أن تتبنى ذات المواقف التي يتبناها، وهو ما رفضته «مسقط» بتفضيلها الحياد ولعب دور الوسيط، بدلًا من التورط أو دعم طرف على حساب آخر.

فمن أهم القضايا التي يوجد فيها تباين بين السلطنة وباقي دول المجلس هي الأزمة اليمنية والسورية والموقف من إيران، لكن بالنظر إلى موقف دول التعاون الخليجي ككتلة واحدة ستجد أنه غير متماسك، وليست عُمان نشازًا في هذا الأمر، فمثلًا هناك خلاف حول موقف قطر مما يجري في مصر، بل بين السعودية والإمارات الحليفتين في اليمن، فلكل منهما رؤية مغايرة لحل الأزمة!

ابن علوي: دول مجلس التعاون لا تتبنى وجهات نظر موحدة تجاه قضايا المنطقة، وليست السلطنة وحدها التي تتحرك وفق مصالحها الإقليمية والدولية.

وفي حوار لوزير الشؤون الخارجية في عُمان، يوسف بن علوي بن عبد الله، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، أكد على الكثير من هذه المعطيات، وكشف عن رؤية بلاده لحل هذه الأزمات؛ فبالنسبة لليمن أكد أن مسقط رفضت المشاركة في عاصفة الحزم لأنها لا تريد الدخول في حرب مع أحد، فهي تريد التوفيق بين الأطراف كافة ولا تميل لصالح أحد، نافيًا الاتهام الأمريكي بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وقبله حديث بعض الصحف السعودية عن هذا الأمر.

واعتبر ابن علوي أن الحل في اليمن الآن بيد الممثل الأممي، بناء على مبادرة وزير الخارجية الأمريكي، والتي يوجد خلاف عليها بالفعل. فقد رفضتها الحكومة الشرعية بتوجيه من السعودية، لكن في المقابل أيدتها الإمارات، أما قطر فرفضتها ضمنيًا وأكدت دعمها للشرعية وذلك خلال لقاء وزير الخارجية القطري برئيس الوزراء اليمني يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهذا يوضح أن السلطنة لا تغرد خارج السرب الخليجي وإنما كغيرها لها مصالح ورؤية مختلفة.

ابن علوي: الأطراف العربية جميعها أخطأت في الأزمة السورية، والحل اليوم بات في التوافق الدولي ما بين واشنطن وموسكو.

ومما يعضد من موقف المملكة، غير المنحاز للانقلابيين، أن السلطنة ساعدت في إخراج الرئيس هادي من اليمن، بعدما اجتاح الحوثيون عدن، ثم بعد ذلك نقلته إلى الرياض، ليزيد من تعقيد الموقف على الحوثيين، وليفرض واقعًا مغايرًا بخلاف ما كان مخططًا له أن يحدث.

وحتى أنه وفق مصادر شبابية عُمانية – أبلغت الكاتب -، فعبد ربه هرب في سيارة مدنية بالزي العُماني ليوفر له الحماية من نقاط التفتيش التي نصبها الحوثيون قبالة الحدود اليمنينة العمانية.

وفيما يخص الأزمة السورية فإنها أصبحت الآن خارج دائرة القرار العربي، وأضحت مرتبطةً بالتوافق الدولي وخاصة بين واشنطن وموسكو، وهذا ما أكد عليه ابن علوي، والذي اعتبر أن العرب أخطأوا جميعًا في هذه الأزمة، وبالتالي لم يعد يهم كثيرًا الخلاف حول موقف السلطنة أو غيرها تجاه ما يجري في سوريا.

لم تتورط السلطنة منذ البداية في دعم أطراف معينة داخل سوريا، رغم أنها لا تزال تحتفظ بعلاقتها مع نظام الأسد، فبخلاف قطر والسعودية اللذان يدعمان جماعات مسلحة داخل سوريا، نأت عمان عن هذا التوجه ولحقت بها الإمارات مؤخرًا من رفضها للحل العسكري للأزمة، وهذا يوضح أن موقف السلطنة ليس غريبًا ولن يكون سببًا في توتر علاقاتها بباقي دول المجلس التي تتعاون بشكل كبير مع دول تخالفها ليس في سوريا فقط وإنما في قضايا أخرى مثل تركيا.


إيران؛ الجار والصديق

حتى وقت قريب، قبل اقتحام السفارة السعودية في يناير/كانون الثاني 2016، كان لدول التعاون تمثيل دبلوماسي كامل مع إيران وعلاقات اقتصادية، وليست السلطنة فقط، لكنها لم تقطع علاقتها بطهران بعد الحادث وهذا ما أثار الموقف الخليجي، لكن ليس بالشكل الذي يطيح بتماسك دول المجلس في حده الأدنى.

فمن المعروف أن السلطنة علاقتها قديمة بإيران، ولم تشهد انقطاعًا منذ تولي قابوس الحكم، حيث دعمته ضد ثوار «ظفار» الشيوعيين عام 1970، وهو ما يُعد بداية قوية لعلاقات البلدين. ولم تنقطع العلاقات حتى بعد الثورة الإيرانية في 1979، ويؤكد قوة هذه العلاقات تبادل الزيارات باستمرار، فالسلطان قابوس كان أول حاكم عربي يزور طهران بعد تولي حسن روحاني الرئاسة في 2013.

وفيما يخص العلاقات الاقتصادية، المرتكزة بشكل أساسي على قطاع الطاقة، فقد وقَّع الجانبان اتفاقًا لمد خط أنابيب لتصدير الغاز الإيراني إلى السلطنة، حيث سيصل حجم الصادرات منه إلى قرابة 10 مليارات متر مكعب سنويًا، كما بلغ حجم التبادل التجاري حوالي مليار دولار تقريبًا سنويًا.

وليست فقط المصالح السياسية أو الاقتصادية التي جمعت عمان بإيران وإنما هناك بُعد آخر؛ وهو المذهبية. رغم عدم التطابق بينهما فالسلطنة تتبع المذهب الإباضي أما إيران فتتبع الاثنا عشرية، ورغم ما بهما من اختلاف إلا أن هذا يُسهل بقدر ما علاقات الجانبين ويضع في المقابل تخوفًا مشتركًا، وإن كان غير معلن أحيانًا من قبل السلطنة تجاه السعودية السنية السلفية، والتي ينتقد علماؤها كلا المذهبين، لانحرافهما عن السلفية.

إلا أن السلطنة في إطار حيادها تلتزم عدم الخوض في المهاترات المذهبية، ويخرج المفتي العماني في حديثه المتلفز الأسبوعي، ولا يتطرق من بعيد أو قريب لمثل هذا، مكتفيًا بالوعظ والإرشاد.

ورغم هذه العلاقة أكد وزير الخارجية العماني في حواره – المشار إليه عاليه – أن السلطنة مصالحها مع طهران أقل بكثير من مصالح بعض دول الخليج، وشدد على أن السلطنة ليس لديها علاقات متميزة مع طهران، فقط مجرد علاقات طيبة، كما كانت دول الخليج قبل أزمة اقتحام السفارة السعودية.

وتخوض الآن دول التعاون بقيادة السعودية مواجهة ضد إيران يغلب عليها الطابع الطائفي، وتحاول جر السلطنة وغيرها إلى هذا الصراع، وهو ما ترفضه مسقط بشكل كبير بل تسعى إلى إصلاح العلاقات، فقد اعتبر يوسف بن علوي أن العلاقة العُمانية مع إيران لمصلحة دول الخليج، وليست ضدها، ولهذا تدخلت في الملف النووي لأنها رأت أن البديل كان سيكون كارثة على الجميع، وستحدث محارق على حد وصفه.


شعرة معاوية

صحيح أن السلطنة ليست هي الدولة الخليجية الوحيدة المرتبطة بإيران، لكنها الوحيدة التي أبقت على علاقتها بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران، مطلع العام.

يُعد مجلس التعاون الخليجي واحدًا من أفضل الكيانات المتماسكة في المنطقة حتى الآن، ونجح في حل العديد من أزمات أعضائه، ومنهم سلطنة عمان، التي دعمها المجلس بمبالغ مالية كبيرة في 2011 لإجراء بعض الإصلاحات خوفًا من انتقال ثورات الربيع العربي إليها.

وعلى الرغم من استفادة السلطنة من وجودها في المجلس إلا أنها رفضت الانتقال إلى مرحلة الاتحاد، والتي دعا لها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في 2011، بل هددت بالانسحاب من المجلس حال تنفيذ هذه الخطوة. ما زالت ترفض هذه الخطوة، ومثلها العملة الخليجية الموحدة، فهي تعتبر أن حالة المجلس كافية لتحقيق التعاون بين دول الخليج.

ومهما بلغ اختلاف وجهات النظر بين السلطنة ودول الخليج حول بعض القضايا إلا أنه لن يكون هناك تأثير كبير على العلاقات بينهما، فأزمات المنطقة مؤخرًا أوجدت خلاف بين أغلب دول الخليج حول إدارتها، فحتى إيران كانوا يقيمون علاقات كاملة معها، والآن لا توجد رؤية خليجية واحدة تجاه الكثير من الأزمات ومنها سوريا واليمن وليبيا، ولكن الموقف من إيران قد يكون أشد الأزمات تأثيرًا في المستقبل على هذه العلاقة، في ظل تنامي الحرب الباردة بين المملكة والجمهورية الإسلامية في أكثر من دولة في المنطقة العربية.


ويمكن القول أن سياسة عمان الخارجية تحاول التوازن وعدم التورط في أي صراع، وتقديم نفسها كطرف محايد، وهو ما جعلها تنجح في حل بعض القضايا، التي عجز عن حلها نظرائها العرب.

لذا ستكون قادرة على التوسط في حل الكثير من أزمات المنطقة وليس الخليج فقط، وعلى دول المجلس وخاصة السعودية مراعاة ذلك والتخلي عن سياسة «إما أن تكون معنا أو ضدنا» فهذه رؤية حادة أفقدتها وستفقدها مستقبلًا الكثير من الحلفاء!