من هنا كانت بداية موجة جديدة من المقاومة، أشدُ وطيسًا على الاحتلال الإسرائيلي، وأرغمته على الانصياع لرغبات الفلسطينيين في إبرام عمليات تبادل مُشرفة، سُطرت في كتب التاريخ النضالي للشعب والمقاومة الفلسطينية التي بدأت بالحجر والمقلاع واستمرت في التطور وصولًا إلى الكوماندوز البحري وأشباح الأنفاق.

«إضاءات» ترصد – في الحلقة الثانية – أبرز عمليات المقاومة الفلسطينية في خطف وأسر الجنود الإسرائيليين وتبحث في نتائجها وما أحدثه من رعب زلزل الترسانة العسكرية الإسرائيلية:


6. إيلان سعدون على نفس خُطى سبورتس

ظل أمر الوحدة «101» طي السرية والكتمان وهو ما ساعد أفرادها بعد عام تقريبًا في الثالث من مايو/أيار 1989 على تنفيذ عملية أسر وقتل الجندي الإسرائيلي «إيلان سعدون» بذات الخطة والمنهجية، حيث تم خطفه في نقطة أبعد من العملية الأولى التي كانت بالقرب من الخليل بحوالي 5 كيلو مترات باتجاه القدس عند مفرق «المسمية».

يقول «الشراتحة» في مذكراته أنه اُعتقل بعد أسر وقتل الجندي «سعدون» والاستيلاء على سلاحه، والسبب كما يُورده في سطور الكتاب ملاحقة الاحتلال للمنفذين، غير أنه لم يستطع اعتقال أي منهم سواه بعد أن تعذر عليه الخروج من حدود قطاع غزة كما رفيقه نصّار.

يؤكد أن الإمساك به لم يكن سهلًا واستطاع على مدار خمسة أيام أن يراوغ سلطات الاحتلال إلى أن قررت الأخيرة فرض حظر التجول على المنطقة التي يسكنها، وبدأت بجمع واعتقال كل من يستخدم فتحة السلك الحدودي أو يعمل في مجال سرقة السيارات.

يقول: «كان من بينهم شقيقه وأبناء زوج شقيقته، حققوا معهم ولم يظفروا بمعلومة عني، لولا كشف البصمات عن السيارة التابعة لنا»، لافتًا أن قوات الاحتلال لم تنتظر طويلًا حتى داهمت المنزل واعتقلته دون أن يظفر بسبيل للهرب نتيجة مرضه وإعيائه الشديد بعد رحلة العودة من عملية الأسر، لكنها لم تظفر بأي معلومة عن مكان دفن الجندي «إيلان سعدون» إلا بعد سبع سنوات.


7. الرقيب أول نسيم طوليدانو في قبضة القسّام

رغم اعتقال مهندس عمليات الأسر «محمد الشراتحة» إلا أن حماس لم تحد عن هدفها، وتم البناء على الأسلوب الذي انتهجه حتى صار استراتيجية لا فكاك منها، حيث تمكنت كتائب عز الدين القسّام في 13 ديسمبر/كانون الأول 1992 من الإجهاز على الرقيب أول «نسيم طوليدانو» من مدينة اللد بالأراضي المحتلة عام 1948 وأسره وتجريده من سلاحه، لكنها في هذه المرة أعلنت عن مسئوليتها عن عملية الأسر ومنحت الاحتلال فرصة للتفاوض بإطلاق سراح الجندي مُقابل الإفراج عن زعيم الحركة الشيخ أحمد ياسين وبعضًا من رفاقه الذين اعتقلوا إبان عمليتي أسر وقتل الجنديين آفي سبورتس وإيلان سعدون.

غير أن الاحتلال لم يرضخ هذه المرة ورفض تهديد المقاومة بقتل الجندي، الأمر الذي قضى بمنفذي عملية الأسر إلى قتل الجندي ودفنه في طريق القدس–أريحا، وما إن وجده الاحتلال حتى صدر قرار حكومي في 16 ديسمبر/كانون الأول 1992 بإبعاد قرابة (415) فلسطينيًا من كوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إلا أنهم رفضوا وبقوا في منطقة مرج الزهور في الجنوب اللبناني وأنشأوا فيها مُخيم العودة.


8. محاولات انتهت بقتل الجنود الإسرائيليين الأسرى

استمرت كتائب عز الدين القسام في محاولاتها لإيقاع الجنود الإسرائيليين أسرى في قبضتها، ونجحت في ذلك لكنها لم تتمكن من الاحتفاظ بهم ومُقايضة إسرائيل عليهم، ومن تلك المحاولات أسر الجندي «يوهوشع فريدبرغ» يوم 7 من مارس/آذار 1993، والجندي «شاهار سيماني» الضابط في وحدة دفدفان في 20 إبريل/نيسان 1993، والعقيد «جوالمة» أحد قادة الحرس المدني في 5 مايو/أيار 1993، والجندي «أرييه فرنكتال» في 6 يوليو/تموز 1993، والجندي «بيجال فاكنين» في 22 سبتمبر/أيلول 1993، بالإضافة إلى الرقيب «يهود روك» والعريف «إيلان ليفي» خلال 24 أكتوبر/تشرين أول 1993، وجميعهم تم قتلهم والاستلاء على عتادهم العسكري وأوراقهم الثبوتية وكافة الأجهزة اللاسلكية بحوزتهم.

وبعد مرور عام تقريبًا نفذت كتائب القسام بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين أول 1994 عملية أسر الجندي «نخشون فاكسمان» وراحت تُطالب الاحتلال بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين زعيم الحركة، لكن قوات الاحتلال تمكنت عبر قوة خاصة من اكتشاف مكان أسر الجندي في قرية «بير نبالا» قرب رام الله واشتبكت مع منفذي العملية، مما اضطرهم إلى قتل الجندي والرد بالنار والرصاص على قوات الاحتلال، وتمكنوا من قتل جنديين آخرين منهم قائد الوحدة المختارة في الجيش بالإضافة إلى إصابتهم قرابة عشرين جنديًا آخرين، قبل استشهاد ثلاثة منهم وأسر اثنين، كما تمكنت خلية «صوريف» التابعة لكتائب عز الدين القسام في العام 1996 وقبل انتفاضة النفق بأيام قليلة، من أسر الجندي «شارون أدري» من مدينة القدس وقتله بعد محاولته الهرب لكنها احتفظت بجثمانه سبعة أشهر.


9. الأسر خلال الحر

كانت أبرز العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام خلال الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، ولعل البداية كانت بالجندي الإسرائيلي «جلعاد شاليط» في 25 يونيو/حزيران 2006، حيث أقدمت ثلاث فصائل فلسطينية هي (حركة حماس وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام ) على تنفيذ عملية أطلقوا عليها «الوهم المتبدد»، رداً على التمادي الإسرائيلي في قتل المدنيين واستمرار الاغتيالات، خاصًة بعد المجزرة التي ذهبت ضحيتها عائلة الطفلة الفلسطينية «هدى غالية».

كان صيد المقاومين ثمينًا إذ تمكنوا من قتل ثلاثة جنود إسرائيليين في هجومهم على معبر كرم أبو سالم وأسر الجندي شاليط من داخل إحدى المدرعات العسكرية التابعة للاحتلال المتمركزة عند المعبر.

نجحت فصائل المُقاومة في الاحتفاظ بشاليط قرابة 5 سنوات داخل بقعة لا تتجاوز 365 كيلو مترا مربعا هي مساحة القطاع الذي حاصرته برًا وبحرًا وجوًا، فيما حاولت إسرائيل خلالها الضغط على المقاومة بتضييق سبل الحياة على السكان بإطباق الحصار وعدم السماح بإدخال المساعدات الإغاثية والدوائية، بل وزادت عليه بتنفيذ أول عملية عسكرية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 عُرفت إسرائيليًا بـ«الرصاص المصبوب» وفلسطينيًا بحرب «الفرقان»، واستغرقت 23 يومًا، استُشهد فيها قرابة 1500 فلسطيني نتيجة استخدام الاحتلال للأسلحة المحرمة دوليًا.

ولكن على الرغم من حجم الدمار الهائل، إلا أن المُقاومة لم تخضع، وسجّل العدوان فشلًا ذريعًا للمخابرات الإسرائيلية في الكشف عن مكان الجندي الأسير شاليط، وبعد عامين وتحديدًا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2011 أعلنت المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس التوصل لاتفاق مع الاحتلال بوساطة مصرية على صفقة تبادل تتم على مرحلتين؛ الأولى، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011 وبموجبها يُفرج عن 477 أسيرًا من ذوي الأحكام العالية ومن كافة الفصائل الفلسطينية، والثانية، في 18 ديسمبر/ كانون الأول، حيث تم الإفراج خلالها عن 550 أسيرًا فلسطينيًا، وكان مجموع الأسرى المُفرج عنهم 1027، يُضاف إليهم 19 أسيرة تم الإفراج عنهن في صفقة «الشريط المصور» التي سبقت صفقة «وفاء الأحرار».


10. شاؤول آرون ليس الأخير

فتحت صفقة التبادل النوعية «وفاء الأحرار» شهية المقاومة لتبييض السجون من الأسرى وكانت الفرصة سانحة في الحرب الأخيرة «العصف المأكول» 2014 حيث أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام عن أسرها الجندي «شاؤول آرون» في 20 يوليو/تموز 2014 في حي التفاح شرق غزة، إثر عملية مُحكمة قُتل فيها 14 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا ناهيك عن أسر آرون.

بعد عملية الأسر طالبت الكتائب سلطات الاحتلال الإسرائيلي باحترام الصفقة السابقة، واشترطت لبدء الحديث عن صفقة جديدة الإفراج عن كافة من اعتقلتهم من أسرى حُرروا في الصفقة الأولى، بالإضافة إلى شروط أُخرى، لكن إسرائيل لم تبدأ بالتنفيذ الفعلي، مما دفع المُقاومة للتمسك أكثر بمبدئها القاضي بـعدم تقديم «معلومات مجانية» رافضة الانجرار للأكاذيب التي يُروجها الاحتلال.

المراجع
  1. رائد العامودي، "القادم إلى خطفك: مذكرات الأسير محمد الشراتحة المخطط لأكثر عمليات الخطف إثارة"، صفحة 57 – 67، الطبعة الأولى، 2011.
  2. عبد الله كرسوع، "15 محاولة أسر للمقاومة منذ بداية صراعها مع المحتل"، موقع وكالة الرأي الحكومية، 15 مارس 2014.
  3. عدنان أبو عامر، "صفقات التبادل قراءة في السياقات والنتائج"، المدونة الشخصية للكاتب والباحث في الشئون الإسرائيلية، 13 أبريل 2014.