يستخدم النوبيون الغناء للتعبير عن مشاعرهم والكثير من أحداثهم التاريخية الهامة؛ إذ أن اللغة النوبية بالأساس لم تستخدم فى التدوين كثيرًا بل تعتمد على المشافهة. لاحقًا وبسبب الهجرات القسرية التي تعرض لها النوبيون أصيبت اللغة النوبية بضعف شديد؛ بسبب تفرق النوبيين، وأصبح الغناء النوبى هو المسؤول، ليس فقط عن التعبير عن المشاعر وتسجيل الأحداث التاريخية، بل عن الحفاظ على اللغة والثقافة النوبيتين المهددتين بالنسيان.

الشعر والموسيقى هما ترجمة حقيقية لحياة ومشاعر المجتمع-النوبي- وممارساته اليومية، وتسجيل لأحداث هامة كالزواج والمولد والسبوع والنذور والموالد المرعية لبعض الأولياء.
«رحلة في زمان النوبة» – محمد رياض

من نغم الطبيعة إلى البلاستيك

يمتاز الغناء النوبي القديم كغيره من غناء الشعوب التقليدية باشتراك الجميع في أدائه، فليس هناك مؤدٍّ ومستمعون بل الجميع يشارك والكل في لحظة واحدة مؤدٍّ ومشارك. كان هذا قديمًا!، عندما كان النوبي يستخدم ما يجده مناسبًا في بيئته من أدوات تصلح للعزف عليها.

الدف أو «التار» النوبي هو الآلة الأساسية في الغناء النوبي حتى الآن، قديمًا كان الدف يُصنع من جلد الماعز ولكن الوضع تغير الآن فلا أحد يصنع دفه ولا الدف يصنع من جلد الماعز، فشراء الدف المصنوع من البلاستيك الرقيق أصبح هو الأساس.

لا يختلف الحال كثيرًا بالنسبة لآلة «الطنبور» وهي ثاني أهم آلة في الموسيقى النوبية، يستخدمها نوبيو السودان بشكل أساسي حتى الآن، وطوروا وأبدعوا فيها حتى أصبحت آلة السودان الأولى، وهناك أنواع كثيرة للطنبورة السودانية تختلف بحسب القبيلة التنى تنسب لها.

أما في النوبة المصرية فالوضع اختلف تمامًا، استبدلت الطنبورة التي تصنع أيضًا من جلد الماعز أو السمك الكبير بآلة «الأورج» الحديثة، والآن يقتصر استخدام الطنبورة في النوبة المصرية على الجلسات الخاصة في ساعة العصاري أو سهرات الليل.

يعتبر الطنبور هو الأب الروحي للسمسمية البورسعيدية كما يقول النوبيون، وفي مقابل إهمال النوبيين للطنبورة، اهتم أهل بورسعيد بالسمسمية وطوروا فيها. وتختلف صناعتها -السمسمية- من عازفٍ لآخر كما هو الحال في السودان بالنسبة للطنبورة.

آلة «العود» تعتبر البديل الثاني -غير الأورج – لآلة الطنبورة في النوبة المصرية، ويعد «أحمد منيب» و«حمزة علاء الدين» هما أول من أدخلا العود في الغناء النوبي، وهما أشهر وأمهر من استخدما العود من النوبيين، لكن يبقى أن استخدام العود لا يقارن بأي حال بالانتشار الواسع لآلة الأورج التي لا يخلو منها حفل زفاف نوبي.


«الخماسي»: إيقاع أفريقيا الراقص

يعزف النوبيون موسيقاهم على السلم الخماسي باستثناء بعض المغنيين من النوبة المصرية، يستخدم في السلم الخماسى خمسة أحرف فقط بدلاً من سبعة كما في السلم الموسيقي العادي/السباعي، يختلف الحرفان المحذوفان من السلم الخماسي بحسب اختلاف المناطق؛ لكن في الموسيقى النوبية وفي السودانية والمغربية تحذف من النوتة الدرجة الرابعة والسابعة، أما في الموسيقى الإثيوبية يكون الفراغ في الدرجتين الثانية والسادسة.

لكن هذا النقص في السلم الخماسي لا يؤثر على جودة موسيقاه، وبشكل عام السلم الخماسي هو الأشهر في العالم للموسيقى الشعبية؛ وذلك لسهولته ومناسبته للارتجال، أما السباعي فهو أقوى من جهة الصناعة الموسيقية ولذلك يطلق عليه البعض «سلم التطريب».


ما زال في النوبة مَغْنَى

يعتبر «حمزة علاء الدين» و«أحمد منيب» و«محمد وردى» هم الآباء الروحيين للغناء النوبي، ويعود الفضل لهم في تطور الأغنية النوبية وفي التأثير على الكثير من الفنانين النوبيين اليوم.

غربًا في أمريكا، وشرقًا في اليابان، تغني «حمزة» بالأغنية النوبية أما «منيب» فجهده الأكبر محليًا، وله الفضل الأكبر في التعريف بالأغنية النوبية داخل مصر. أما جنوبًا في أفريقيا السمراء كان «وردي» هو فنان أفريقيا الأول كما يقال عنه.

هؤلاء هم الثلاثة الكبار، والآن وبالرغم مما أصاب الفن النوبي من ضعف إلا أنه ما زال في النوبة مَغْنَى.

في أقرب نقطة من أراضي النوبيين القديمة الغارقة تحت مياه بحيرة ناصر -أو بحيرة النوبة كما يسميها النوبيون- وبجوار معبد «أبو سمبل»، بنى الفنان «فكري الكاشف» بيته على الطراز النوبي، وطلى جدرانه برمال الصحراء الحمراء كما كان يصنع النوبيون قديمًا. جمع في بيته العديد من التحف النوبية، يأتى إليه ليلاً أصدقاؤه ومحبو الفن النوبي ليسمعهم ما انتقاه من كلمات أفضل الشعراء النوبيين على ألحان عوده ليكون بذلك أحد أهم الفنانين النوبيين في الوقت الحالي.

وعلى خطى الكاشف سار الكروان-كما يقال عنه- «غازي سعيد» والفنان «هشام باطا» و«أحمد سيد جاير» وغيرهم.


«الأراجيد»: رقصة لمحاكاة الطبيعة

«الأراجيد» هي الرقصة الأشهر في أفراح النوبيين، تتعدد نماذجها/تشكيلاتها ولكل نموذج صورته التي يحاكيها من الطبيعة/البيئة النوبية. فهناك نموذج يقف فيه الراقصون صفًا وتتشابك فيه أيديهم مع خطوات منتظمة إلى الأمام ثم إلى الخلف مع حركة الأيدي المتشابكة عكس اتجاه الجسم في حركة تحاكي أمواج النيل.

وهناك النموذج الدائري الذي يحاكي حركة الساقية، بالإضافة لرفع الأيدي مع تشابك الكفوف في شكل مثلث يحاكي شكل الهرم -يشتهر النوبيون بتزيين جدران بيوتهم إلى الآن برسم المثلث الهرمي- وأيضًا هناك حركة التبشير وهي للتحية أثناء الرقص حيث يرفع الذراعين ملتصقتين إلى أعلى مع التلويح بالأصابع وكف اليد وهي الحركة التي تحاكي تمايل جريد النخيل.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.