تمّت دعوتنا عند حسان رمعون وزوجته نورية، زوج من الباحثين الجامعيين الجزائريين … الكحول هناك غير محرّم وهنالك الويسكي أيضا، الحوار كان حرّا وبنّاءا بالنسبة لنا.
جاك فورنييه: إعادة اكتشاف الجزائر L’Algérie retrouvé

في الخامس من ماي 2014، أقل من شهر من تمرير العهدة الرابعة للرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، تم تعيين السيدة نورية رمعون بن غبريط وزيرة للتربية الوطنية. إسم جديد مجهول يحظى بحقيبة ثقيلة كهذه، حقيبة عمّرت طويلا في يد أبي بكر بن بوزيد لمدة 14 سنة، ثم عبداللطيف بابا احمد الذي عمّر لسنة وحيدة تخللتها إضرابات واحتجاجات نقابية عجّلت في إنهاء مكوثه على رأس الوزارة. يهرع الجزائريون إلى الإنترنت لعلهم يضفرون بشيء من المعلومات حول هذا الاسم الجديد، هذه المرة لن يكون وزير التعليم وزيرا سابقا في قطاع آخر، ولا حتى رئيس جامعة ما، ستكون مديرة للمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، أوّل ملاحظة يسجّلها الجزائريون هو استمرار ميلان الكفّة ناحية الغرب الجزائري، المنطقة التي ينحدر منها الرئيس.بعد وصول بوتفليقة إلى السلطة سنة 1999 أمر بإنشاء لجنة علمية لتقييم المنظمة التربوية وإدخال إصلاحات عليها، ترأس اللجنة بن علي بن زاغو رئيس جامعة باب زوار، أكبر جامعة في البلاد. كانت نورية بن غبريط إحدى أعضاء هذه اللجنة التي خرجت بأن المدرسة الجزائرية «تخرّج إرهابيين» ساهموا في الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد عقب إلغاء المسار الإنتخابي. شاركت بن غبريط في هذه اللجنة بتقرير باسم «المدرسة والدين»، ترصد فيه أثر الدين على نفسية التلاميذ الجزائريين وتنتقد حضوره المكثف في المناهج الدراسية وتدعو إلى «تحديث» المدرسة.إنها أولى الخروجات الإعلامية للوزيرة التي أكملت دراساتها العليا في فرنسا، يتفاجأ الجزائريون، حد السخرية الشديدة، من ركاكة لغتها العربية إلى درجة العجز عن نطق أبسط الجمل. وتصبح بعض عباراتها الركيكة أقوالا خالدة للتنكيت في الشبكات الإجتماعية. تُظهِر فيما بعد صور تشير إلى أن النصوص التي تقرأها من الورقة يتم كتابتها بخطّ مكبّر مشكّل، تساعدها على تحسين أدائها نوعا ما. في إحدى المقابلات الصحفية يسألها الصحفي عن سبب عدم أخذها دروسا في العربية لتحسين مستواها، فتجيب المرأة المسؤولة عن تربية وتعليم أبناء الجزائريين: «ليس لدي الوقت لذلك».


الانتقام

أسبوعين فقط منذ تعيينها، تأمر بن غبريط بإلغاء محاضرة للأكاديمي والوزير السابق للتربية الدكتور علي بن محمد بعنوان «أساليب فرنسا في تعليم العربية إبان الإستعمار» بمناسبة عيد الطالب.يقول بن محمد: «هنالك تيار مربوط سياسيا بفرنسا» في إشارة إلى الوزيرة الجديدة. «كيف يمنع أستاذ جامعي من إلقاء محاضرة أكاديمية ولا تتحدث عنه الصحف؟». ثم يضيف: «لقد تلقيت تأكيدات أن الوزيرة بن غبريط هي صاحبة قرار المنع».بن محمد كان وزيرا للتربية والتعليم في سنة 1992 حيث ألقى في مجلس الوزراء آنذاك مقترحات من شأنها استبدال اللغة الإنجليزية تدريجيا محل اللغة الفرنسية، وجعل التلاميذ يدرسون اللغة الأجنبية التي يختارونها بإرادتهم. تمت فيما بعد الإطاحة به من خلال فبركة عملية تسريب لأوراق البكالوريا في تلك الصائفة وتم تحميله المسؤولية وقدّم استقالته، لتلاحقه بن غبريط بعدها بأكثر من 20 سنة، وتمنعه من إلقاء محاضرة أكاديمية. يؤكّد مدير ديوان د. بن محمد في حصة تلفزيونية أن عملية التسريب كانت بتخطيط من الجنرال التواتي والسفير الفرنسي في الجزائر، قصد التمكين للفرنسية التي خطّط بن محمد لاستبدال الإنجليزية محلّها.في صائفة 2015، وخلال إحدى ندوات تقييم إصلاحات المنظومة التربوية، تبدأ النوايا الخفية في الظهور، وتتحول ما كانت مجرد إشاعات وكلام مقاهي إلى مشاريع وخطط عمل، ويصرّح مستشارها الأول فريد بن رمضان في إحدى الندوات بأنهم سيتجهون إلى استبدال العامية محل اللغة العربية الفصحى، وذلك، حسب زعمه، أن الأطفال في بدايات تعليمهم -كرئيسته في الشغل- يجدون صعوبة في فهم الفصحى. مشيرا إلى أن دول العالم أجمع تدرّس في السنوات الأولى بـ «اللغة الأمّ»، أي العامية الدارجة حسبه.تثور ثائرة الرأي العام، وتُتهم الوزيرة بمحاربة ثوابت الأمة ومحاولة تغريب المدرسة الجزائرية، فتتراجع، وترد على الجميع بأن هذه مجرد إشاعات، رغم أن ما قاله رئيس ديوانها مسجّل صوتا وصورة، وتكتفي بالقول بأنها مجرد مقترحات لم يفصل فيها. بعدها بأشهر قليلة تفجّر النقابات قضية أخرى أكبر وأخطر، وهي المفتشون التربويون الأجانب الذين استقدمتهم بن غبريط لمساعدتها في التمكين لـ «إصلاحاتها التربوية» كونهم جميعا من فرنسا، وبالضبط من مقاطعة مرسيليا، رغم أن فرنسا ليست من البلدان الأوائل في مختلف التصنيفات التي تعنى بمؤشرات التعليم. تخرج بن غبريط لتردّ: مجرّد إشاعات. تقول النقابات بأن هذه «الإصلاحات» تجري في غرف مظلمة ولم تُستشر فيها لا من ناحية الشكل ولا المضمون، وتأكد بأنه يتم الإعتماد على الكفاءات الأجنبية، الفرنسية بالخصوص في هذا الصدد.تُجرى مسابقات التوظيف في قطاع التربية في ربيع 2016 فيفاجأ المترشحون لمنصب الأساتذة، في سابقة من نوعها، بأن اللغة الفرنسية صارت حصرا اللغة الإجنبية التي يمتحنون فيها، حيث ألغت بن غبريط ما كان ساريا فيما سبق الإختيار بين الفرنسية والإنجليزية، أي أن جميع الأساتذة في جميع المواد، بما فيها أساتذة اللغة العربية والتربية الإسلامية وحتى الرياضة، عليهم أن يكونوا متقنين للفرنسية، فلا يهم إتقانك للمواد التي ستدرّسها بالإضافة لـ 5 لغات أخرى إذا كنت لا تتقن الفرنسية، فآينشتاين مثلا لا يستطيع أن يكون أستاذا للفيزياء في مدارس بن غبريط، كونه لا يتقن الفرنسية. تبرّر بن غبريط هذا القرار وتقول أن 90% من المترشحين يختارون الفرنسية عندما يكون اختبار اللغة اختياريا، متناسية، عن قصد أو دونه، أن الـ 10% الباقية يمثلون 100.000 مترشح مستبعد ببساطة، وأن نسبة ما تحتاجه الوزارة بالفعل هي 2.6% من المترشحين البالغ عددهم مليون طامح لوظيفة الأستاذ. فتفضّل بهذا الإجراء الأستاذة المتقنين للفرنسية دون غيرهم، وتعطيهم الأولوية في مشروعها الجديد لـ «إصلاح المدرسة».تلقي بن غبريط خطابا في مؤتمر اليونيسكو تظهر فيه بلغة عربية متوتّرة بعد أن تخلصت من ركاكتها المضحكة إلى ركاكة مقلقة للأذن، فتتحدث عن حق الأطفال في التعليم وكيف أن الجزائر تقطع أشواطا كبيرة في توفيره للجميع، ثم تتحدث عن المآسي التي يعيشها «أطفال العالم مثل أطفال سوريا والصحراويين»، في إشارة إلى الصحراء الغربية، متناسية أو متجاهلة عن عمد أطفال فلسطين، القضية التي كانت دائما في صلب انشغالات الجزائر الخارجية، والتي تقترن دائما بالقضية الصحراوية في كل الخطابات الرسمية للمسؤولين الجزائرين وفي نشرات الأخبار حد الضجر. لقد كانت هذه من المرّات القليلة التي يتناسى أو يتجاهل فيها مسؤول جزائري بهذا الحجم التنويه بالقضية الفلسطينية. ثم تتحدث عن وجوب تعليم أطفال المدارس «روح التسامح والحس المدني» حتى لا «تتشكل تربة خصبة تزرع فيها بذور الكراهية والتشدد».


بكالوريا 2016: الفضحية والتهديد

تمت عملية تسريب هائلة لمواضيع شهادة الثانوية العامة -وتسمى شهادة البكالوريا في الجزائر- على نطاق واسع، اليوم تلو الآخر، في الامتحان الذي يدوم خمسة أيام دون أن يوقف أحدهم هذا النزيف الحاد للأسئلة، أو على الأقل أن تستبدل الأسئلة بأخرى احتياطية، وتهدد سير الإمتحانات بالإلغاء. أجمع الناس على أن أيام الوزيرة المثيرة للجدل صارت معدودة بسبب فضيحة بهذا الحجم، وأن كرسيها على المحكّ كما حدث مع الدكتور بن محمد في صائفة 92. فتخرج الوزيرة على الرأي العام في احتفال تخريج دفعة من أكاديمية شرشال العسكرية، جالسة جنبا إلى جنب أمام مدير المخابرات الجنرال طرطاق، متبسمة ومغتبطة كالوزيرة المدنية الوحيدة الموجودة في هذا الحدث العسكري، ومتابعة لاستعراض قدرات الجيش الشعبي الوطني القتالية، في منظر يبعث العديد من الرسائل.يرى الكثيرون أن نورية بن غبريط، إلى جانب وزراء آخرين، تمثل الوجود السياسي والفكري لفرنسا في الجزائر، هذا الوجود صار ظاهرة استفحلت في الجزائر بعد التراجع الرهيب في أداء السلطة تنفيذية بعد مرض الرئيس بوتفليقة وبالخصوص بعد العهدة الرابعة. وأنها جاءت لتؤدي مهمة مرسومة سلفا تدخل في إطار التمكين للقوى التغريبية الموالية للمشروع الفكري الفرنسي في مقابل تراجع الثوابت الوطنية كاللغة العربية والدين الإسلامي. كما يُعتبر حصولها على وزارة بحجم التربية والتعليم انتصارا كبيرا وميلانا ثقيلا للكفة لصالح أنصار الفكر المفرنس الذي يدعو إلى تعميم الفرنسية بشكل أكبر كونها لغة «التنوير» ومحاربة التعريب والعربية وتقليص وجود الدين الإسلامي في المدرسة. وفي ظل هذه الصراعات الأيديولوجية على من يختطف المدرسة ويتحكّم بالتالي في عقول أبناء الجزائر، تبقى المدرسة تتراوح في مستواها الضحل، تعاني من نفس الأمراض التي طالما عانت منها حتى قبل مجيء بن غبريط، فلا بن غبريط بسياستها «التنويرية» طوّرت المناهج وأساليب التدريس بالطرق الحديثة، ولا قضت على سوء التسيير الضارب بعمقه في هذا القطاع، ولا أنهت الرداءة المسيطرة منذ عقود فيه متمثلة في اكتظاظ الأقسام وعدم توفر النقل والإطعام في مدارس المناطق النائية وفي عدم توفّر المرافق المخصصة لذوي الإحتياجات الخاصة من مراحيض وطرق خاصة وغيرها، بل اتبعت نفس الأساليب التقليدية البالية الديناصورية في التعامل مع المشاكل: اتهام الغير بمحاولة إفشالها والهروب إلى الإمام بالإنتقال إلى المشكل التالي بدل حلّ السابق، والتحصّن بأصحاب السلاح في مواجهة الرأي العام.