قدَّم هذان الاكتشافان للبشرية وسيلتين جديدتين ناجعتين لمكافحة تلك الأمراض المنهِكة التي تصيب مئات الملايين من البشر سنويًا. إن تبعات الاكتشافين من ناحية تحسين صحة البشر والحدِّ من معاناتهم لا يمكن قياسها
لجنة جائزة نوبل

هكذا فسَّرت اللجنة سبب منحها جائزة نوبل في الطب لعام 2015 لثلاثة من العلماء الذين اكتشفوا مركبات ذات أصول طبيعية تستخدم في علاج العدوى بالطفيليات التي تسبب كلا من العمى النهري والملاريا وهم ويليام كامبلWilliam_C._Campbell ، و ساتوشي أومورا Satoshi_Amura مناصفة مع تو يويوTu_Youyou.

يقوم ملايين البشر حاليا باستخدام تلك المركبات إيفرمكتين Ivermectin و الأرتيمسنين Artemisinin في العلاج، وقد ساهمت تلك المركبات في إنقاذ حياة ملايين البشر.


الأرتيمسنين: علاج الملاريا الأقوى

بدأت القصة خلال حرب فييتنام حيث لم يكن الفيتناميون يقاتلون القوات الأمريكية فقط، لكنهم كانوا يقاومون وباء الملاريا الذي كان يحصد عددا من الأرواح أكبر من ضحايا الحرب نفسها.

مع فشل المجهودات الفييتنامية في التصدي للمرض -حيث أن الطفيلي الذي يسبب المرض بدأ يظهر مناعة ضد الدواء المستعمل حينها الكلوروكوينChloroquin .

قامت الحكومة الفيتنامية بطلب المساعدة من الصين بقيادة ماو تسي تونجMao_Zedong الذي قام بدوره بجعل البحث عن علاج جديد للملاريا مشروعا عسكريا وسرعان ما أصبح هناك ما يزيد عن 500 عالم يعملون على ذلك البحث.

التحقت تو يويو بـ المشروع 523Project_523 عام 1967؛ حيث قامت هي والفريق البحثي بفحص ما يزيد عن 2000 وصفة من وصفات الأعشاب الصينية في محاولة للوصول لأي معلومات قد تفيدهم في البحث، وتم التوصل إلى حوالي 640 وصفة قد يكون لها أثر مضاد للملاريا.

لكنهم وجدوا ضالتهم في إحدى الوصفات القديمة التي يعود تاريخها إلى ما يزيد عن 1600 عام، والتي وضَّحت كيف يتم إعداد نبات الشيح الحولي لاستخدامه لعلاج الملاريا.

المحاولات الأولى لتحضير علاج كانت فعالة في بعض الأوقات وغير فعالة في البعض الآخر. قام فريق البحث بتتبع المشكلة حتى اكتشفوا أن السبب هو خطوة الغليان أثناء التحضير، ومن ثم بدأوا في استخراج المركبات التي ستستخدم للعلاج في درجات حرارة أقل مما جعل العلاجات الجديدة فعالة بنسبة 100% في الاختبارات على القرود والفئران.

1
(الصينية يويو تو)

تمت أولى التجارب على البشر عام 1972، حين تم إعطاء 21 مريضا بالملاريا (نصفهم تقريبا مصابون بأخطر أنواع الملاريا الذي يسبب الطفيل Plasmodium falciparum، العلاج الذي قام الفريق البحثي بتطويره، والذي قضى تماما على الطفيليات في جميع المرضى.

استغرق الأمر حوالي 30 عامًا حتى قامت منظمة الصحة العالمية بالموافقة على إقرار هذا العلاج. ليس من الواضح سبب التأخير لكن ربما يكون ذلك بسبب مزيج من عدم الاستقرار السياسي، وعدم وجود براءات اختراع تحفز شركات الأدوية على الاستثمار في تطوير الدواء، وكون الملاريا مرضا يصيب الفقراء بالأساس.

على الرغم من الوقت الطويل الذي احتاجه العالم للإقرار بفعالية الدواء، فإن أسلوب عمل تو يويو وفريق عملها يعتبر مثالا للكثير من العلماء الصينيين في كيفية الاستفادة من التراث العلمي الطويل المحفوظ في الكثير من المخطوطات والوصفات الشعبية، وكيف يمكن الاستفادة من العلم الحديث في تطوير تلك الوصفات وتحويلها لعلاجات قابلة للاختبار تبعا للتقاليد العلمية المتبعة وكيف يمكن تعظيم الفائدة المرجوة من تلك الوصفات باستخراج المواد المؤثرة فعليا وتحويلها لدواء يمكن اختباره وتقييمه.


الإيفرمكتين كعلاج للعمى النهري وداء الفيل

حصل كل من كامبل وأومورا على نوبل بسبب اكتشافهم لـ الأفرمكتينAvermectin الذي تسببت مشتقاته في تقليل معدلات الإصابة بالعمى النهري وداء الفيل (الذي يصيب أكثر من 100 مليون مريض) بمعدلات كبيرة جدا، كما أنها تبدو فعالة كعلاج لبعض الأمراض الأخرى التي تسببها الديدان الطفيلية.

وكما حدث مع الفائزة الأخرى بالجائزة، فقد توصل عالم الميكروبيولوجي الياباني أومورا لاكتشافه من خلال دراسة بعض المكونات الطبيعية. كان يجمع عينات من التربة ويقوم بإنماء الباكتيريا التي تقوم بإنتاج المركبات المضادة للميكروبات الخاصة بها.

ومن بين السلالات البكتيرية التي قام بعزلها كانت سلالة Streptomyces avermitilis هي السلالة المنشودة. قام وليام كامبل بمتابعة عمله، حيث لاحظ أن تلك السلالة كانت فعالة جدا في القضاء على الطفيليات في الحيوانات المستأنسة وحيوانات المزارع.

3 (Medium)
(الأيرلندي ويليام كامبل والياباني ساتوشي أومورا)

تم استخلاص المادة الفعالة التي تمنح تلك السلالة تلك الخاصية وهي الـAvermectin، وتم تطويرها لتكوين مركبٍ علاجيٍّ جديد أكثر قوة هو الـ Ivermectin، والذي أثبت فاعليته في الاختبارات على البشر؛ مما أدى إلى ظهور فئة جديدة من الأدوية المضادة للديدان الطفيلية.

في عام 1987 أعلنت شركة ميرك المطورة لدواءIvermectin أنها سوف تقوم بتوزيع الدواء مجانا طالما كانت هناك حاجة لذلك. وشجع ويليام كامبل للعودة إلى الطبيعة خلال بحثهم عن الأدوية قائلا: «أن واحدا من أكبر الأخطاء التي نقوم بها على الدوام، هو ذلك القدر من الغرور الذي يجعلنا نظن أننا قادرون على خلق الجزيئات الكيميائية بنفس الكفاءة التي تقوم بها الطبيعة».


آراء بعض العلماء

William C. Campbell
William C. Campbell

أشاد ستيف واردSteve Ward، نائب مدير مدرسة ليفربول لطب المناطق الحارة بالفائزين لاكتشافاتهم الاستثنائية، وأضاف أن كلا المركبين يمثلان ركنا أساسيا في برامج القضاء على الأمراض على الكوكب حاليا كما أوضح قائلا:

«داء الفيل والعمى النهري يلحقان الأذى بحياة الملايين من أفقر الناس على هذا الكوكب، ولعقار الإيفرمكتين دور حقيقي وواضح في الحد من عبء المرض حتى أصبحنا نفكر في إمكانية القضاء على المرض نهائيا. كذلك فقد تم اكتشاف الأرتميسنين حين كانت الوفيات الناتجة عن الملاريا في تزايد مضطرد، كان الرعب يملأ العالم من أننا نبدأ حقبة ما بعد الكلوروكوين، لقد كان له تأثير كبير في تغيير قواعد اللعبة»