يعتبر الملف المالي واحدا من أكثر ملفات جماعة الإخوان المسلمين غموضا، ولعل المثال الأخير بما أثاره من نقاشات وسجالات متبادلة يوضح ذلك.

بدأ الأمر في ديسمبر الماضي عندما تسربت أنباء مصدرها هو هياكل إدارية من داخل الجماعة نفسها، تقول إن مبلغا ماليا ضخما وقع في أيدي أجهزة الأمن الإماراتية، وجاءت تلك التسريبات في إطار تبرير تأخير بعض الدعم الذي يحصل عليه المضارون من نظام ما بعد 3 يوليو 2013 داخل وخارج مصر، وكذلك لتمويل أنشطة الجماعة الدعوية والسياسية المختلفة، لكنه منذ أيام قليلة صدر نفي رسمي من الجماعة عبر متحدثها الإعلامي طلعت فهمي للأمر برمته.

حتي يمكن أن نفهم ما حدث بين الأمرين علينا أن نعرف أكثر عن الملف المالي بالجماعة وكيفية إدارته، ومن يتحكم فيه، وما هي مصادره من خلال 5 أسئلة محورية.


1. كيف تمول الجماعة أنشطتها؟

هذا ما تجده على المواقع الرسمية للجماعة وفي لوائحها في باب شروط العضوية، حيث تنقسم الموارد المالية للجماعة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الأول هو اشتراكات الأعضاء وتمثل اشتراكات أعضاء الإخوان العاملين بالخارج تحديدا رقما كبيرا من إجمالي التمويل، والثاني هو تبرعات من أعضاء الجماعة وبشكل أساسي رجال الأعمال المنتمين لها، والثالث هو استثمارات وأصول تشارك بها الجماعة.

ولأن الجماعة محظورة سياسيا وتعمل في بيئة سلطوية أغلب فترات تاريخها فضلا على تعرضها لمحاولات حكومية لمصادرة أموالها، فمن البديهي ألا يتم الإعلان عن تلك الاستثمارات أو عن ذمتها المالية وميزانيتها وبالتالي فلا توجد أجهزة رقابية من خارج الجماعة تراجع هذا الملف.

كما يدعوها ذلك إلى الاحتفاظ بتلك الأموال ونقلها بين الدول في حسابات شخصية، سواء عبر قيادات بالجماعة أو رجال أعمال منتمين لها، ولديهم حسابات غير مهددة ويكون ذلك في مقابل ما يعرف بورقة الضد، وهي شيكات بتلك المبالغ على الأشخاص الذين يتم الاحتفاظ بأموال الجماعة أو استثمارها باسمهم لأشخاص آخرين في الجماعة، ولم يمنع هذا التكتيك من حدوث بعض المشاكل.

ولهذا السبب فإن لجنة حصر أموال الإخوان التي شكلتها الحكومة المصرية بعد يوليو 2013، تعمل على مصادرة أموال الشخصيات الإخوانية ولا سيما القيادات وكذلك الجمعيات الخيرية والدعوية والمجتمعية التي يعتقد تبعيتها للجماعة.


2. هل تعرضت الجماعة مؤخرًا لعملية نصب؟

أرسل مكتب وزير الخارجية اليمني رسالة إلى سفير بلاده بأبوظبي يطلب منه التواصل مع أجهزة الدولة الإماراتية للتعرف على مصير رجل الأعمال عبدالعليم الشلفي الذي اختفى بعدما طلبته جوازات مطار دبي عند قدومه من الرياض يوم الجمعة 2 ديسمبر الماضي.

ورجل الأعمال المذكور هو واحد ممن يعتمد عليهم مسئولو الملف المالي بالجماعة فضلا على أعضاء آخرين في نقل الأموال بين عدة دول وكذلك في استثمارها، ولا يعرف حتي اللحظة حقيقة ما حدث معه، هل هرب بتلك الأموال لسبب أو لآخر ومن ثم فعملية اختفائه وسيناريو الاستيقاف غير حقيقي فتكون الجماعة تعرضت لعملية نصب كبيرة من قبله أم أنه بالفعل تم إيقافه والتحفظ على أمواله من السلطات الإماراتية؟

وتشير بعض المصادر إلي مسئولية رجل الأعمال المصري «ع.ك» وهو واحد من أبرز رجال الأعمال المرتبط اسمهم بالملف المالي للجماعة، ويعيش خارج مصر منذ سنوات طويلة عن تعامل الإخوان مع رجل الأعمال اليمني عبدالعليم الشلفي.

ظهرت هذه الواقعة للعلن عندما أثارها عدد من شباب الجماعة خلال الأيام الماضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ودارت سجالات متبادلة بين من يصدق رواية رجل الأعمال اليمني وبين من يتهم قيادات الجماعة بالفشل وتعرضها للنصب، لكن الجماعة أعلنت بعد ذلك عبر متحدثها الرسمي نفيها للقصة من الأساس، وأنها تأتي في إطار حملات تشويه صورة الجماعة ورموزها.


3. كيف تأثر الملف المالي بأزمة الجماعة الداخلية؟

شهد الملف المالي للجماعة أضرارا بالغة جراء تصاعد الصراع الإخواني الداخلي، حيث توزعت بعض مصادر التمويل وبشكل خاص تبرعات رجال الأعمال على الطرفين بينما أحجم الكثير منها لنفس السبب.

لم تكن التبرعات وحدها هي التي شهدت تناقصا بل امتد الأثر لاشتراكات الأعضاء خاصة أولئك الذين هم خارج مصر، الذين تشكل اشتراكاتهم نسبة كبيرة من التمويل. فمثلا في أحد الشهور بلغت اشتراكات أعضاء الإخوان بالسعودية ربع ما هو معتاد نظرا لانقسام الأفراد أنفسهم بين الطرفين أو الابتعاد تماما عن المسار التنظيمي لضعف الثقة به ومحاولة البعض إيصال الدعم بنفسه لمن يرى أنه يستحقه ويحتاجه من المضارين ما تسبب في فتح خطوط وشبكات موازية في هذا الملف.

التأثير الثاني تمثل في الاتهام الموجه للطرف المسيطر باستغلاله لهذا الملف في الصراع الداخلي واللعب بورقة التمويل، بهدف إخضاع وكسب ولاء بعض المحافظات والمكاتب الإدارية لهذا الطرف، وهو الأمر الذي اضطر بعض المكاتب لتغيير ولائها فعلا.

هذه التهمة تجددت مؤخرا ليس تجاه مكاتب إدارية، وإنما تجاه أفراد من المبعدين في السودان تحديدا بعد دعوة المكتب العام التابع للطرف الآخر لأنصاره المبعدين للسودان إجراء انتخابات وتشكيل هيكل جديد يتبع المكتب العام ما اعتبرته القيادة التاريخية انشقاقا عن الجماعة، حيث ذكر عدد من الشباب المؤيدين للمكتب العام أنه طُلب منهم مغادرة السكن الذي توفره لهم الجماعة.

كما كان لهذا الأمر ظواهر أخرى تمثلت في غلق عدد من المراكز البحثية والجمعيات التابعة للجماعة بالخارج وتأخر رواتب العاملين بالقنوات، فيما يبدو ملف المعتقلين هو أقل الملفات تأثرا وإن شهد بطبيعة الحال عجزا وتناقصا في المساعدات المقدمة نتيجة نقص التمويل نفسه، الذي حدث خلال الأشهر الماضية كما ذكرنا، لكن الجماعة بشقيها ما زالت قادرة علي التعاون بشكل كبير في هذا الأمر؛ حيث تصل أموال من رابطة الإخوان بالخارج لكل المحافظات فيما يخص المعتقلين.


4. ما هي أبرز نقاط الضعف بالملف المالي؟

تبدو التكاليف المادية التي تحتاجها الجماعة لدعم المضارين من النظام الحالي داخل مصر وخارجها، وكذلك لتوفير ما يحتاجه نضالها ضد نظام السيسي باهظة، خاصة في ظل نجاح أجهزة الأمن المصرية في القبض على أشخاص مسئولين عن إيصال هذه الأموال للوحدات الأصغر والاستيلاء على الأموال التي بحوذتهم، ما بدا أن إحدى أهم أولويات الأمن هي تجفيف منابع الدعم المالي للتنظيم.

إضاءات وجهت السؤال للعضو السابق بمجلس شورى الجماعة د. إبراهيم الزعفراني؛ الذي يرى أن أبرز نقاط الضعف بهذا الملف هي غياب الرقابة الجدية على القائمين بإدارته بالإضافة إلى غياب التخطيط العلمي الصحيح لموارد الجماعة جلبا وصرفا والاكتفاء بالاعتماد على العلاقات الشخصية في اختيار المسئولين عن الملف.

تمثل غياب الرقابة النقطة الأخطر هنا حيث كما أسلفنا الجماعة تعمل بصورة غير قانونية، وبالتالي لا تخضع لرقابة الأجهزة الرقابية مثل باقي الأحزاب والجمعيات، وهو الأمر الذي لم تبدُ الجماعة مقبلة عليه حتي بعد ثورة يناير رغم دعوات قيادات سابقين مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح لتقنين وضع الجماعة وإخضاعها للأجهزة الرقابية في الدولة، كدليل على جديتها في أن يكون عملها بصورة علنية في ذلك الوقت.

كذلك يشوب هذا الملف قدر هائل من الغموض ولا يسمح لأعضاء التنظيم أنفسهم، حتي ممن وصلوا لمراكز قيادية، بالتعرف على أسراره ومتابعة خططه فضلا على المحاسبة في حالات الفساد.

يوضح ذلك ما جاء على لسان الشيخ عصام تليمة في حوار مع قناة العربي من أن المهندس أشرف بدرالدين (نائب برلماني سابق) اضطر مؤخرا لتجميد عضويته بالجماعة لأنه طالب بالتحقيق في بعض الأمور المالية فتعرض لتضييق من القيادات العليا، ما يؤكد أن مجموعة صغيرة تقوم باحتكار هذا الملف الحيوي وتديره دون رقابة معتبرة.

أمر آخر هو ما يمكن تسميته عدم تحقيق عدالة في توزيع الدعم، وهو يقع تحت بند غياب التخطيط لهذا الملف، فلا توجد قواعد محددة تتم على أساسها عملية التوزيع تلك، كما تلعب العلاقات الشخصية دورا كبيرا فيها رغم معاناة هذا الملف من بيروقراطية معطلة، وهو ما يؤثر ويتأثر بعنصر آخر هو غياب الثقة المتبادل بين أفراد الجماعة والقيادات.


5. هل تتلقى الجماعة أموالا غير مصرية؟

تمويل الإخوان ذاتي بمعنى أن الإخوان يعتمدون على تمويل الجماعة من أعضائها للقيام بالأنشطة المختلفة التي يمارسها الإخوان ويلتزم العضو بدفع اشتراك شهري يقتطع من دخله الشهري بحد أدني 3% وحد أقصى 7% ويستثنى من ذلك الإخوان المصنفون مؤيدين (يتم تصنيف أعضاء الإخوان وفقا لآليات داخلية إلى مؤيد ومنتسب ومنتظم وعامل) والطلاب وأصحاب الرواتب الضعيفة.

تقبل الجماعة التبرعات من الأفراد غير المصريين والمقصود هنا بطبيعة الحال رجال الأعمال المنتمين للجماعة في أقطار أخرى، بينما على مستوى الحكومات لا يوجد ما يشير لتلقي أموالا بصورة مباشرة لكن تتلقى جمعيات تابعة للجماعة أموالا من جمعيات موجودة في دول عربية وإسلامية بشكل أساسي، وفي كلتا الحالتين، أي تلقي الأموال من رجال الأعمال أو الجمعيات، لا يبدو ذلك بعيدا عن أعين حكومات بلادهم.

يرى الدكتور إبراهيم الزعفراني أن رجال الأعمال المنتمين للإخوان كانوا يكتسبون من جراء تبرعاتهم للجماعة نفوذا وحضورا لدى القيادات، لكن رغم ذلك لا يرى أنه كان يصل للتأثير على القرار الإخواني.

بينما يدور السؤال عن تلك الأموال غير المصرية التي حتي ولو افترضنا أنها غير مشروطة على اعتبار أنها ربما تتفق مع القيادة الإخوانية في مسارها الحالي (هذا الأمر ينطبق على كلا طرفي الإخوان) فإنها ولا بد ستكون مستفيدة من ذلك في المستقبل، كما أن تلقي أموال من فرد أو جهة ما يفرض تحديا صعبا للغاية أن يصبح هذا الدعم مشروطا في لحظة ما.

لا تبدو الأزمات في ملف الدعم المالي للإخوان منفصلة عن التحديات الصعبة التي تواجه الجماعة بشكل عام، وتختلط غياب الثقة بين القيادات والأفراد من كلا الناحيتين وغياب التخطيط العلمي وآليات الرقابة الجدية بأزمة الانتماء التي تواجه أفراد الصف الإخواني، حيث الشعور أنهم ليسوا أصحاب قرار ولا شركاء فيه ولا يملكون حق رقابة الأداء أو حتى التعبير عن بعض الملاحظات.

بل تمارس القيادة رغم فشلها وفقرها سلطوية تعبر عن تناقض فج بين الشعارات المرفوعة في القضية الوطنية من المطالبة بالديموقراطية والحرية والعدل وبين الممارسة المضادة لتلك الشعارات بامتياز، لتبدو المعارضة المصرية في عنوانها العريض فاقدة لما ترفعه من شعارات وقيم.