تعرض المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين «محمد مهدي عاكف» خلال الأيام الماضية لأزمة صحية حرجة، تم نقله على إثرها لمستشفى قصر العيني، بعد أن ظل محجوزا في مستشفى سجن ليمان طرة منذ أكثر من ستة أشهر، نظرا لتدهور حالته الصحية بوجه عام وحاجته للمتابعة المستمرة، وقد أصدرت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات بيانا، صباح الجمعة الماضي، أكدت فيه خبر نقل عاكف إلى المستشفى، ونوهت بأن الرجل يعاني من أمراض عديدة، وأنه أكبر المعتقلين السياسيين سناً في السجون المصرية.

وقد أدانت في وقت سابق منظمة هيومان رايتس مونيتور «الإهمال الطبي» الذي عانى منه عاكف منذ سجنه، وطالبت بإجراء الكشف الطبي اللازم له والإفراج الفوري عنه تقديرا لظروفه المرضية، وقد طالب الأسبوع الماضي كذلك العديد من الساسة والنشطاء السياسيون، بعد تفاقم حالة الأخير الصحية بالإفراج عنه، ومنهم المعارض المصري أيمن نور ود. ممدوح حمزة.

وفي السطور المقبلة سنستعرض جانبا من السيرة الذاتية لعاكف وأبرز المحطات في حياته:


المولد والنشأة

ولد محمد مهدي عاكف في يوم 12 يوليو/تموز لعام 1928م، وهو العام نفسه الذي تأسست خلاله «جماعة الإخوان المسلمين»، في قرية كفر عوض السنيطة بمركز أجا التابع لمحافظة الدقهلية، ودرس بمدرسة المنصورة الابتدائية، وحصل على شهادة التوجيهية من مدرسة فؤاد الأول الثانوية بالقاهرة، ثم التحق بكلية الهندسة، التي ما لبث أن حول أوراقه منها إلى المعهد العالي للتربية الرياضية، بعد توجيه غير مباشر من الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين للأخير، لالتحاق بتلك الكلية، لحرصه على حضور الإخوان في جميع المدارس والكليات والمعاهد في تلك المرحلة.

وتخرج عاكف في المعهد العالي للتربية الرياضية في مايو/أيار 1950م. ثم عمل بعد تخرجه مدرسا للرياضة البدنية بمدرسة فؤاد الأول الثانوية. والتحق بعد ذلك بكلية الحقوق عام 1951م.


الانضمام إلى الإخوان

تعرف عاكف على الإخوان في عام 1940م، وصعد نجمه سريعاً داخل صفوف الجماعة، حيث رأس معسكرات جامعة إبراهيم (عين شمس حاليا) أثناء تصاعد المقاومة المسلحة ضد الإنجليز في منطقة القناة بعد إلغاء معاهدة 1936 م خلال مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. وتواصل بعدها ارتقاؤه التنظيمي، ليصبح مسئولا لقسم الطلاب داخل جماعة الإخوان المسلمين، وهو القسم الذي طالما ظل أحد أهم الأقسام داخل الجماعة.


تجربة السجن الأولى

تعرض عاكف بعد حادث إغتيال رئيس الوزراء المصري الأسبق محمود فهمي النقراشي لفترة اعتقال قصيرة، حيث قضى فترة احتجاز في سجن بمنطقة الهايكستب لم يُحقق خلالها معه، لعدم وجود صلة حقيقية بينه و بين حادث الاغتيال.

إلا أن تجربة السجن الحقيقة الأولى لعاكف كانت في أغسطس/آب من عام 1954م، خلال الفترة التي بدأت فيها بوادر الخلاف تدب بين جماعة الأخوان و ضباط يوليو, حيث حُوكم عاكف في ذلك الوقت بتهمة تهريب عبد المنعم عبد الرؤوف- أحد الضباط الأحرار و أحد قيادات االنظام الخاص بجماعة الأخوان- وحُكم عليه بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.


العودة مجددا إلى ساحة العمل العام

خرج عاكف من السجن سنة 1974م خلال عهد أنور السادات الذي شهد انفراجة كبيرة في العلاقات بين جماعة الإخوان والنظام المصري. واشترك عاكف في تلك الفترة في تنظيم العديد من المخيمات للشباب الإسلامي في العالم العربي والإسلامي وأفريقيا وأوروبا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية. ثم عمل بعد ذلك كمدير للمركز الإسلامي بميونخ.

في عام 1987م أصبح عاكف عضوا بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، الهيئة التنظيمية الأعلى داخل الجماعة، و انتخب عاكف في العام نفسه عضوا بمجلس الشعب سنة 1987م، وذلك ضمن قائمة التحالف الإسلامي الذي ضم وقتها «الإخوان، حزب العمل المصري، حزب الأحرار».


تجربة السجن الثانية

شهدت تسعينيات القرن الماضي توترات عديدة بين جماعة الإخوان ونظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، ومن أبرز مظاهر ذلك التوتر والصدام بين الطرفين هو حملة الاعتقالات التي قامت بها أجهزة الأمن المصرية خلال عام 1995، حيث مثل عاكف خلال فترة التأزم تلك أمام المحكمة العسكرية خلال عام 1996 بتهمة مسئوليته عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ليخرج عام 1999.

وظل عاكف عضوا بمكتب الإرشاد منذ ذلك الوقت حتى تولى منصب المرشد العام للإخوان المسلمين، بعد وفاة المستشار محمد المأمون الهضيبي في يناير/كانون الثاني سنة 2004.


الإخوان المسلمون خلال فترة ولاية عاكف

شهدت جماعة الإخوان المسلمين فترة ولاية عاكف انفتاحاً غير مسبوق على التيارات والأحزاب السياسية الأخرى في مصر، وشهدت دخولا مكثفا لمجال العمل العام، تُُوّج بحصول الإخوان على 88 مقعدا في مجلس الشعب المصري في الانتخابات البرلمانية لعام 2005 م، وهو ما كان يشكل حوالي 20 بالمائة من مقاعد المجلس، لتصبح جماعة الإخوان في ذلك الوقت أكبر كتلة سياسية معارضة في البلاد.

وقد عرف عن عاكف في تلك الأثناء مواقفه المثيرة للجدل، الناجمة عن صراحته الشديدة، ومن أشهر تلك المواقف ما جرى في حوار جريدة روز اليوسف الذي رد فيه عاكف على أحد أسئلة الصحفي المحاور بـ «طز في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر..»، وكان الحوار قد أجري لصالح جريدة الكرامة المصرية التي رفضت نشر نصه، وقام الصحفي الذي أجرى الحوار وقتها بتقديمه مع تسجيل الحوار إلى جريدة روز اليوسف التي نشرته كاملا، ثم قام رئيس تحرير الجريدة عبدالله كمال ببث مقاطع من الحوار على التليفزيون المصري في برنامج البيت بيتك في 10 أبريل/ نيسان 2006.

حينما انتهت مدة ولايته الأولى كمرشد لجماعة الإخوان المسلمين، رفض عاكف إعادة انتخابه مرشدا للإخوان، وترك المنصب بعد انتخاب د.محمد بديع مرشدا خلفاً له في 16 يناير/كانون الثاني 2010.


تجربة السجن الأخيرة

بعد الـ 3 من يوليو/تموز 2013 تعرض عاكف للاعتقال ضمن اعتقالات شملت الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين. ووجهت له تهم عديدة من بينها تهمة إهانة القضاء على خلفية تصريحات – نسبتها له إحدى الصحف – قال فيها إن «القضاء فاسد»، وبرأته المحكمة من هذه التهمة في مايو 2014، لكنه ظل في السجن حتى اليوم لمتابعته بتهم أخرى تتعلق بقتل متظاهرين أمام مكتب الإرشاد، عشية الأحداث التي شهدتها مصر خلال 30 يونيو/حزيران 2013.