لنعُد مرة أخرى للاهتمام بالحرب البرية، وبقدرات المقاتل، لم يعد مُجديًا التعويل على التكنولوجيا في حسم المعارك!

هكذا تقول الحروب الدائرة في عالمنا المعاصر، أمامنا «تنظيم الدولة» الذي كسر شوكة القوات النظامية وأجهدها لسنوات في العراق، وعندنا الحرب في اليمن، التي أثبتت فشل الحصار البحري والقصف الجوي في حسم الأمور حتى الآن!.

كنتيجة للتخوف من حسم الأمور على الأرض، تراجع اهتمام بعض الجيوش بالقدرات البرية في مقابل تطوير الأسلحة، وعليه ستعيد هذه الحروب الكاشفة النظر في الكثير من المفاهيم العسكرية، وهو ما سنسلط عليه الضوء في سياق التقرير.


مستقبل الحرب البرية

http://gty.im/3286928

تعتبر القوات البرية فرعًا من أهم أفرع الجيوش في الوقت الحالي، رغم التطور الكبير الذي لحق بها. وقد كشفت عن ذلك العديد من الحروب القديمة والمعاصرة، وهذا ما أدى إلى إعادة التفكير في مستقبل هذه القوات وعدم التعويل على التكنولوجيا كأداة انتصار. فمثلاً؛ استطاع «داعش» البقاء كل هذه الفترة رغم قلة تسليحه كمًا وكيفًا، لكنه امتلك عناصر مدربة لخوض قتال صعب على الأرض.

وفي المقابل ترددت العديد من القوى كثيرًا في خوض مواجهة برية مع التنظيم لصعوبة ذلك، كذلك التردد الأميركي في التدخل البري في سوريا لتكلفته المرتفعة سياسيًا وبشريًا، فهي فشلت من قبل في ضبط الأوضاع في أفغانستان والعراق؛ بسبب ضعف السيطرة على الأرض وعدم قدرتها على تحمل الاستنزاف البشري.

ويؤكد ذلك ما أوضحه رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة «راي أوديرنو» في أكتوبر/تشرين الأول 2013، أنه حتى مع استخدام الطائرات بلا طيار والقنابل الذكية، تتطلب الحروب حتمية استخدام القوات البرية، معتبرًا أن التكنولوجيا لن تحل المشكلة وحدها، ويعزز ذلك ما بيّنه مساعد قائد قوات مشاة البحرية الأميركية «جون باكستون» عن ضرورة وجود قوات على الأرض لأن الوجود الملموس هو الوجود الحقيقي.

وأوضح مايكل أوهانلون في كتابه «مستقبل الحرب البرية»، مستقبل القوات البرية، وأهم مناطق التوتر التي تتطلب تدخل قوات برية أميركية في تنبيه مهم لدور هذه القوات المستقبلي، وطالب بعدم خفض القوات البرية الأميركية لأنه سيكون لها دور مهم، فإن لم تُهاجم القوات الأميركية أحدًا فإن الآخرين سيستهدفونها، ليس بالضرورة في عقر دارها وإنما حلفائها.

وتبين هذا في ترددها في التدخل في سوريا، ليس دفاعًا عن الأبرياء ولكن حماية لمصالحها. وفي المقابل استطاعت روسيا الانخراط جويًا وبريًا من خلال قوات خاصة حسمت عدة معارك، كان آخرها معركة حلب، وهذا يؤكد أن نمط القيادة من الخلف ودعم جماعات محلية، أثبت فشل الرؤية الأميركية التي أصبحت الآن شبه مهمشة في سوريا، وكان غياب الحسم على الأرض أحد أهم هذه الأسباب.


قدرات الجيش السعودي

تمتلك السعودية جيشًا ذا قدرات تسليحية عالية، كمًا ونوعًا، يحتل المرتبة الثالثة عربيًا من حيث القوة والـ28 ضمن قائمة تضم 126 دولة، وذلك حسب تقرير «جلوبال فاير باور» لعام 2015. ويقدّر عدد من يبلغون سن الخدمة العسكرية سنويًا 505 آلاف، أما عدد الأفراد العاملين على الجبهات الأمامية حوالي 233 ألف، إضافة إلى 25 ألف آخرين من قوات الاحتياط العاملة.

وبالنسبة إلى الأسلحة، تملك الرياض 1210 دبابة، و5472 عربة مدرعة مقاتلة، و524 مدفعًا ذاتي الحركة، و432 مدفعًا محمولاً، و322 راجمة صواريخ متعددة القذائف، بينما تضم القوات الجوية 155 مقاتلة اعتراضية، و236 طائرة هجومية، وأنواعًا أخرى.

وأشار معهد «ستوكهولم» العالمي للسلام، في تقرير له في أبريل/نيسان 2016، إلى ارتفاع واردات الأسلحة من قبل دول الشرق الأوسط بنسبة 61% بين الفترتين من 2006 إلى 2010 و2011 إلى 2015، واحتلت السعودية المرتبة الثانية، أكبر مستورد للأسلحة في العالم، بزيادة 275% مقارنة بالفترة السابقة، وبلغ إجمالي ما أنفقته خلال 2015 حوالي 87 مليار دولار.


ضعف القدرات البرية يؤجل حسم حرب اليمن

http://gty.im/469585538

على الرغم من هذه القدرات التقنية إلا أن خبرات الجيش السعودي في خوض حروب مباشرة ضعيفة، وهو ما يظهر في تجربته الآن في اليمن، فقد اقترب من عامين منذ إطلاق عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015 وبمساعدة عربية، لم يحسم خلالها المعركة، التي استنزفته بشكل كبير، وكشفت مدى الضعف الذي يعانيه.

وعبّر عن هذا الضعف مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى «سايمون هندرسون»،موضحًا أن الجيش السعودي من أفضل الجيوش تجهيزًا لكنه ليس احترافيًا، ووصفه بأنه «نمر من ورق»، فأداء سلاح الجو السعودي ضعيف، وكذلك القوات البرية، والتي تبين ضعفها في حماية المنطقة الحدودية في ظل تمركز الحوثيين في صنعاء.

ولم تستطع القوات السعودية التوغل بريًا في اليمن رغم امتلاكها حدودًا مباشرة مع الحوثيين، حيث تمركزهم في صعدة، فإذا دخلت صعدة فسيكون من السهل سقوط صنعاء، وعوّلت في هذا الأمر على حلفائها لكن لم يقبل أحد في التورط بحرب برية مكلفة سياسيًا وبشريًا، واكتفى المشاركون بطلعات جوية أو المشاركة في الحصار البحري مثل مصر.

وفي المقابل استطاعت الإمارات بمساعدة من بعض الدول ومنها السعودية تحرير عدن، وجعلها العاصمة المؤقتة لحكومة هادي، لكن الدور الأبرز كان لأبو ظبي في هذه المعركة، رغم الضعف بعد ذلك في جعلها مكانًا آمنًا لإدارة المناطق المحررة، وهو ما تجلى في التفجيرات والعمليات الإرهابية بكثرة فيها، وأهمها استهداف القوات الإماراتية، لتفقد عشرات الجنود في استهداف لأحد مناطق تواجدها وهو ما دفعها لتقليص وجودها بعد ذلك بريًا.

وبسبب ضعف القدرات البرية لم تغامر السعودية بالتوغل في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين مكتفية بالقصف المدفعي والطلعات الجوية، والتي لم تجبر الحوثيين حتى الآن على الاستسلام والتراجع والقبول بمشاورات السلام، بل ما زالوا يناورون ويرفضون؛ ما وضع الرياض في حرج بالغ خاصة أنها في الواجهة.

واعتمدت الرياض على القدرات الجوية بكثافة ما تسبب في انتهاكات كثيرة،أوقفت على إثرها واشنطن مؤخرًا بعض صفقات الذخائر للمملكة، كما ضغطت لندن من أجل إنهاء استخدامها للذخائر العنقودية، حيث تعرضتا إلى انتقادات شديدة، إلى جانب ممارستهما لنوع من الضغوط على المملكة للحصول على مكاسب معينة في بعض الملفات.


مستقبل الجيش السعودي

كشفت الحرب اليمنية عن ضعف قدرات المملكة العسكرية، وخاصة البرية، على الرغم من عدم وجود دعم قوي للحوثيين، فهم لا يحظون إلا بدعم إيراني ضعيف لا يقارن بما تملكه السعودية أو حلفاؤها، فهم محرومون من القدرات الجوية ومن دفاع جوي مناسب لحمايتهم من طائرات التحالف، إضافةً للحصار البحري الخانق، ولا يتمتعون إلا بقدرات برية محدودة ولكن هذه كانت فاصلة، وكلفت السعودية الكثير وأجبرتها على الرغبة في إنهاء الأزمة سياسيًا.

وحتى إن استطاعت المملكة، بالتعاون مع حلفائها، إضعاف الحوثيين وشريكهم الرئيس السابق عبد الله صالح مستقبلاً، فإنها ستواجه معضلة إعادة ترتيب الدولة في اليمن وبناء قدرات عسكرية قوية قادرة على منع مثل هذه التحركات، وتحجيم أي تحركات مستقبلية، حيث يتطلب إعادة ضبط الأوضاع وجود قوات برية قوية قادرة على جمع السلاح من يد المتمردين وفرض الأمن، وهو ما لم تستطع فعله حتى الآن. فحتى المناطق المحررة لا زالت تشهد عمليات إرهابية ضخمة.

وقد يُعقّد المسألة على السعودية، انفصال الشمال عن الجنوب برغبة مشتركة، وهو ما سيمثل ضربة قاصمة لها وإهدارًا لجهودها العسكرية غير الحاسمة، فلن يكون هناك مبرر لاستمرار الضربات بشكل أكبر، حيث سيقيم الحوثيون بالتعاون لصالح دولتهم في الشمال، وبهذا تكون جهود المملكة ذهبت سدى وما تحركت لأجله فشل، وهو منع الحوثيين من السيطرة على اليمن أو جزء منه، وبهذا سيكون الحوثيون جيرانها الجدد.

ولهذا كثفت الرياض بالتعاون مع الإمارات تدريب قوات برية من الموالين لهادي وإرسالهم إلى مناطق القتال لمواجهة الحوثيين، فهي فشلت في هذه المهمة وتعول على نجاح هذه الإستراتيجية.


وبهذا أثبتت الحرب اليمنية أحد الصراعات الدائرة حاليًا إلى جانب ظهور داعش، أن القوات البرية هي من ستحسم هذه الحروب؛ بسبب تغلغل مثل هذه الجماعات في الدولة، فالحرب التكنولوجية ستبيد الصديق والعدو وستحول الأرض بمن عليها إلى مجرد حطام لن يفيد في شيء، ولهذا وجب ضرورة إعادة النظر في تدريب وتسليح القوات البرية لأنه لن يحسم مثل هذه الحروب إلا هذه القوات.

ويؤكد ذلك في المقابل الدور الذي لعبته الميلشيات الإيرانية في سوريا من دعم للنظام السوري والذي حال دون سقوطه منذ فترة طويلة واستعادته لبعض المناطق، وهددت السعودية ودعت مرارًا إلى التدخل البري في سوريا لكنها لم ولن تستطيع فعل ذلك، فهي فشلت في جوارها فما بالك بمن يبعد عنها.