محتوى مترجم
المصدر
TPM
التاريخ
2015/10/15
الكاتب
Jeremy Stangroom

للمثقفين اليسارين تاريخ طويل وغير مشرف من الفشل في رؤية الخبث الذي يصيب الأنظمة والحركات السياسية التي تتحول لكيانات استبدادية بعنف. فقد ذهبت الحماسة بآل ويب (يقصد البارون الاشتراكي سيدني ويب وزوجته باتريس ويب عالمة الاجتماع الاشتراكية – المترجم) لدعم ستالين والاتحاد السوفيتي، حتى أن باتريس ويب ذهبت حدًّا مِن الحماسة فدعمت المحاكمات الصورية التي حدثت عام 1930، (فقد كانت الحكومة السوفيتية على حق، حتى من وجهة نظر إنسانية لم يتبنَّها غيرهما). وقد دعم برتولت بريشت حكومة ألمانيا الشرقية حتى بعد أن دعت الدبابات السوفيتية للتدخل لقمع الثورة العمالية. كذلك تعامى نعوم تشومسكي عن الفظائع التي ارتكبها الخمير الحمر في كمبوديا. ينضم لهذا الفهرس من «التضامن الأبله» ميشيل فوكو وحماسته الشديدة للثورة الإيرانيّة، والذي بدا واضحًا من سلسلة المقالات التي كتبها في الصحف الفرنسية والإيطالية عام 1978 وأوائل عام 1979.

لا يوجد أدنى شك أن العنف، الوحشية والظلم، الذين سادوا فترة حكم محمد رضا بهلوي، شاه إيران، هم ما أشعل الانتفاضة الشعبية التي أدت للإطاحة به في فبراير 1979. ومع ذلك، فقد بدا جليًا للكثيرين، غير اليساريين طبعا، أنّ الحركات الثورية ذات الطابع الإسلامي لها جوانب مقلقة للغاية. مثلا، فقد لاحظت الكاتبة الإيرانية أتوسا إتش، وهي نسوية تكتب في مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور Le Nouvel Observateur»، في نوفمبر 1978، أن العديد من اليساريين الغربين يعتقدون أن الإسلام مرغوب فيه هنا –وإن كان معظم اليساريين أنفسهم لا يريدون العيش في ظل الإسلام– فيما يشعر العديد من اليساريين مثلي بالأسى واليأس من فكرة «حكومة إسلامية»، فنحن نعرف ما يعنيه هذا. ففي كل مكان خارج إيران، يخدم الإسلام كغطاء لظلم إقطاعيين يدَّعون الثورية… فلا يجب أن يسمح اليسار لنفسه بالتعلق بعلاج قد يكون هو ذاته أسوأ من المرض.

بالنسبة لفوكو، فقد غوته الثورة الإيرانية تماما، حتى أنه رأى فيها دلالة على «روحانيّة سياسيّة»، مع إمكانية تغيير المشهد السياسي في أوروبا فضلًا عن الشرق الأوسط. وهكذا، فعلى سبيل المثيل، في مقالته التي نشرت في أكتوبر 1978، «ما الذي يحلم به الإيرانيون؟»، تبنى فوكو خطابًا أسطوريًا تقريبا في وصف النضال الثوري الإيراني:

يمكن فهم الوضع في إيران على أنه منافسة تحت شعارات تقليدية، بين الملك والقديس الورع، بين الحاكم المسلح والمنفِيّ المسكين، بين الطاغية ورجل فارغ اليدين إلا من دعم الشعب له.

ويضيف مُطمئنا، أن لا أحد في إيران كان يتخيل نظاما سياسيا يكون لرجال الدين فيه دور رقابي أو تشريعي، فما بالنا بانتفاضة شعبية تسعى لتأسيس «المدينة الفاضلة» أو «المثالية»، والتي تنطوي على مفهوم «التقدم صوب مرحلة مضيئة يمكن فيها تجديد الإخلاص بدلا من الحفاظ على الطاعة». وأضاف أنه خلال السعي لتحقيق هذا المفهوم، «كان عدم الثقة في القانون أمر ضروري، يصاحب ذلك ثقة مطلقة في إبداع الإسلام».

لقد كان فوكو مفرط العاطفة في بعض التفاصيل، فمثلا:

الإسلام يُقدِّر العمل، فلا يمكن أن يحرم شخصا من ثمار عمله. فما يعتبر ملكية عامة (مثل الماء والأرض) لا يجوز تخصيصه لأي شخص. ومع احترامي للحريات، فسيتم تقديرها طالما من يمارسها لن يضر بالآخرين؛ سيتم احترام الأقليات وحرياتهم طالما أنهم لا يضرون بالأغلبية. بين الرجال والنساء لن يكون هناك عدم مساواة، مع احترامي للحقوق، بل مراعاة للإختلاف، بما أن هناك اختلافات طبيعية بينهم. فيما يتعلق بالسياسية، سيتم اتخاذ القرارات برأي الأغلبية، سيكون القادة مسئولين عن الشعب، وكل شخص، كما يقول القرآن، لديه الحق في الوقوف في وجه المسئول ومحاسبته.

في 1 فبراير 1979، جاب خمسة مليون فرد شوارع طهران مُرحبين بآيه الله الخميني الذي كان منفيًا لمدة 14 عام. وبحلول نهاية فبراير، كانت السلطة فعليًا في يديه وأيدي المجلس الثوري. أُلقي القبض على الكثير من مسئولي نظام الشاه السابق، حتى أن الكثير منهم أعدموا دون محاكمة. سُنَّ الجلد العلني كعقوبة على تعاطي الكحول. تُهاجم المكتبات لو أنها تحتوي على كتب «معادية للإسلام». خضع بث وسائل الإعلام للرقابة. وبالنسبة لحقوق المرأة، والتي رأى فوكو أنه لن يكون هناك عدم مساواة، فقط اختلافات بين الجانبين احتراما للاختلافات الطبيعية، في الثالث من مارس، أصدر الخميني مرسوما يحرم المرأة من العمل كقاضي. في الرابع من مارس، الرجل فقط هو من له حق طلب الطلاق. في التاسع من مارس، مُنعت المرأة من المشاركة في الرياضة، بعد أن أمر في الثامن من مارس، وكما تنبأت الأصوات الأكثر تشاؤمًا، أن ترتدي النساء الجادور (هو لباس النساء الشيعيات المتدينات والذي يُغطي كامل جسد المرأة من رأسها وحتى أخمص قدمها – المترجم).