حتى الآن أكثر من 3 شهداء و20 مصابا وكلهم من جنود الجيش، وبأيدي من ؟ ليس بأيدي الإسرائيليين ولكن بأيدي فئة من أبناء الوطن.
رشا مجدي، مذيعة بالتلفزيون المصري سابقًا

هكذا بدأت المذيعة «رشا مجدي» نشرة التاسعة مساءًا بالتلفزيون المصري يوم الأحد 11 أكتوبر/ تشرين الأول والمعروف إعلاميًا ب «الأحد الأسود»؛ يومًا راح ضحيته ما يقرب من 25 قتيلًا وأكثر من 300 مصابًا من المصريين المسيحيين أمام مبني اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو».

ما بين موت أثر دهس بالمدرعات أو بأعيرة نارية أو على أيدي المواطنون الشرفاء دفع ما لا يقل عن 25 مواطن مسيحي حياتهم، نتيجة رفضهم لهدم كنيسة الماريناب ومطالبتهم بمحاسبة المسئولين، لم تبدأ الأحداث يوم 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2011م وهناك الكثير من الروايات بشأن ذلك اليوم.

حاولنا أن نسعي وراء تلك الروايات والأحداث لمعرفتها بأعين من عاشوها، كيف بدأ الأمر بالنسبة لهم؛ فقابلنا عددا ممن شاركوا في أحداث ماسبيرو 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2011م ورأوا دهس المتظاهرين وإطلاق النيران عليهم ومشاركات المدنيين في الاعتداء عليهم، للتأكد من صحة الروايات المتداولة بخصوص تلك الأحداث.


كنيسة الماريناب واعتصام 4 أكتوبر/تشرين الأول.. من هنا بدأت الرواية

إن ما يبعث على الأسى ليس فقط الاعتداء على منازل وممتلكات الأقباط ومكان عبادتهم وفشل الدولة في حمايتهم، وإنما أيضا أننا شاهدنا هذه الأحداث تتكرر بنفس التسلسل بل وتقريبا بنفس التفاصيل من قبل. وستظل هذه الجرائم تتكرر طالما لم يحدث تغيير يذكر في طريقة تعامل السلطات مع هذا الملف.
إسحق إبراهيم، باحث حقوقي

كنيسة الماريناب وتحركات القاهرة

في 30 سبتمبر/ أيلول 2011م تم الاعتداء على كنيسة «الشهيد مارجرجس» وحرقها إلي جانب الاعتداء على عدد من منازل المسيحيين بقرية «الماريناب» بمدينة إدفو بأسوان، كانت تلك هي بداية مذبحة ماسبيرو وفقًا لتعبير الباحث «مينا ثابت» فيقول: «ماسبيرو بدأت يوم 30 سبتمبر/أيلول بهدم كنيسة الماريناب في إدفو والهجوم على منازل المواطنين المسيحيين وتهديدهم».

فعقب أحداث الماريناب دعي اتحاد شباب ماسبيرو إلى وقفة احتجاجية أمام دار القضاء العالي، مطالبين بتأمين القرية وخاصة بيوت المسيحيين الذين تعرضوا للاعتداء، والقبض على المجرمين، ومع نهاية اليوم تم التنسيق على الخروج بمسيرة من «دوران شبرا» الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2011م لتتجه إلي دار القضاء العالي رافعة المطالب ذاتها مع رفع مطلب عودة أهالي الأسر المهجرة وفقًا لأحكام الجلسات العرفية التي تم عقدها.

انتهت مسيرة الأول من أكتوبر/تشرين الأول وفقًا لشهادة الباحث الحقوقي «مينا ثابت» بالاتفاق على إمهال الحكومة 48 ساعة لحين تنفيذ المطالب، وبالفعل توقفت المسيرات 48 ساعة ثم عادت المسيرة يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2011م؛ وكان هناك اقتراحان إما إمهال الحكومة 48 ساعة أخري أو التوجه لمبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو» والاعتصام هناك.

4 أكتوبر/تشرين الأول بداية العنف

بالرجوع إلي يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2011م نجد أنه كان نقطة فاصلة في تداعي الأحداث عقب ذلك، كما يوضح «ثابت» حيث تم الاتفاق على التوجه إلى ماسبيرو والاعتصام أمامه من قبل مجموعة قليلة من المتظاهرين، إلا أنهم وعقب وصولهم فوجئوا بوجود قوات من الشرطة العسكرية قامت بفض الاعتصام بالقوة ومطاردة المتظاهرين إلى ميدان التحرير وتوجيه الأوامر لباقي من تواجدوا بمكان الاعتصام بتركه.

رفض من تبقى من المعتصمين ترك أماكنهم مما دفع قوات الشرطة العسكرية إلي إطلاق النيران على المتبقين والقيام بضربهم، وكان من بين هؤلاء المعتصمين الشاب «رائف أنور» والذي تم الاعتداء عليه من قبل 20 جندي من جنود الشرطة العسكرية وضربه بالهراوات وسحله مما نتج عنه إصابات وسحجات بجسمه وأكثر من 35 غرزة بالرأس، وسجلت تلك الإصابات وفق تقارير الطب الشرعي التي قدمها الدكتور «نجيب جبرائيل» في بلاغات أمام المدعي العام العسكري والنائب العام ضد مجموعة من أفراد الشرطة العسكرية.


9 أكتوبر/تشرين الأول الأحد الأسود..من المسئول؟

بيشوي تمري، عضو اتحاد شباب ماسبيرو

اشتباكات الجيش مع المتظاهرين

في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2011م بدأت تتحرك مسيرة للمسيحيين من دوران شبرا الساعة الرابعة عصرًا وكان أغلب المسيرة نساء وأطفال وعجائز وفقًَا لشهادة الناشط «مينا ثابت» والذي يضيف: «المسيرة كانت سلمية تمامًا وطوال السير بشارع شبرا لم تكن هناك أية مشاكل إطلاقًا».

وهو الأمر الذي يؤكده الناشط «بيشوي تمري» عضو اتحاد شباب ماسبيرو، فيوضح أن المسيرة تحركت من شارع شبرا إلا أنه لا يمكن لأحد أن يوضح بالكامل ما حدث يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول بسبب ضخامة حجم المسيرة وطولها؛ فكانت هناك أحداث اعتداءات حدثت للمتظاهرين فور وصولهم إلي نفق شبرا لايمكن لمن كان بآخر المسيرة أو وسطها أن يراها والعكس صحيح.

يستكمل تمري موضحًا أن المسيرة قد وصلت إلي محيط مبني الإذاعة والتلفزيون في تمام الساعة السادسة ونصف مساءًا، وأنه فوجئ بوجود عدد كبير من جنود الشرطة العسكرية وكانت تلك هي المرة الأولي التي يشاهد فيها ذلك العدد من الجنود على الرغم من مشاركته في العديد من التظاهرات والاعتصامات أمام ماسبيرو من قبل وزاد من مفاجأته أن الجنود هذه المرة كانوا من جنود الجيش وليس الأمن المركزي كعادة التظاهرات السابقة.

يتفق كلًا من ثابت وتمري في أن الأعداد كانت كبيرة للغاية من جانب المتظاهرين إلي جانب ضيق الشارع المحيط بمبني ماسبيرو وقيام جنود الشرطة العسكرية بغلق الطريق المؤدي للمبني على الجانبين؛ مما أدي لتدافع المتظاهرين وبدأ حدوث اشتباكات بالأيدي بين المتظاهرين وأفراد الشرطة العسكرية من أجل أن يفسحوا لهم الطريق.

وعن بدء اللحظة الدموية للمذبحة يقول ثابت أنه عند وصوله إلي مبنى التلفزيون شاهد وجود عدد من مدرعات الجيش ومن ثم بدأ سماع دوي أعيرة نارية، وعن أصل تلك الأعيرة النارية أضاف تمري أنها في البداية كان دوي صوتي، مما دفع بعض المتظاهرين الشباب إلي عدم التراجع من أجل حماية النساء والأطفال وكبار السن المتواجدين بالمسيرة.

بالطبع لم يكن اليوم مقتصرًا على الاعتداءات بالأيدي والعصيان من قبل جنود الشرطة العسكرية وإطلاق بعض الأعيرة النارية، فوفقا لتقارير «الطب الشرعي» و«ويكي ثورة» والعديد من المراكز الحقوقية والموثق أيضًا بالعديد من الفيديوهات المصورة؛ فكثير من الضحايا قد لاقوا حتفهم نتيجة الدهس بالمدرعات أو بأعيرة نارية، وهو الأمر الذي يؤكده كلًا من ثابت وتمري في حوارنا الذي أجريناه معهم.

يضيف تمري أنه عقب إطلاق الأعيرة الصوتية بدأ سماع دوي طلقات حية، ومع سماع ذلك الدوي بدأ الجنود في الانسحاب من على جانبي الطريق وبدأ ظهور المدرعات والتي أخذت في السير بشكل عشوائي وفقًا لإضافة ثابت.

ماذا عن المواطنين الشرفاء

إزاي مافيش مسئول تلفزيوني اتحاكم بسبب تحريض طائفي بالشكل اللي كان عليه يوم 9 أكتوبر؟
بيشوي تمري

لم تكن الاعتداءات من قبل جنود الشرطة العسكرية وحسب، بل كان هناك الكثير من الاعتداءات قام بها العديد من المواطنين الشرفاء القاطنين بالقرب من ماسبيرو إلى جانب بعض الاعتداءات من بعض السلفيين، فيوضح ثابت أنه وجد العديد من المدنيين حاملين الأسلحة البيضاء ويقوموا باستهداف أي قبطي متواجد بمحيط وسط البلد.

كان الاستهداف قائم على الهوية الدينية فكان يتم اختطاف بعض العربيات التي تحمل رموزًا دينية مسيحية بداخلها، ويؤكد تمري تلك النقطة بأن: «الاتحاد كان له مقرًا بمنطقة وسط البلد تم الاعتداء عليه من قبل مجموعة من السلفيين»، مما دفعهم إلى ترك ذلك المقر لاحقًا.

لم تتوقف اعتداءات المدنيين عند محيط ماسبيرو ومنطقة وسط البلد وفقط، بل امتد الأمر وصولًا إلى المستشفى القبطي حيث كان هناك العديد من جثامين الشهداء والمصابيين وفقًا لتمري فكان هناك مجموعة من السلفيين تعتدي على المستشفى وتحاول اقتحامه، وقد مثل ذلك الأمر ضغطًا على أهالي الشهداء فيما يخص رغبتهم في تشريح جثامين ذويهم.

كانت أغلب تقارير الوفاة الصادرة من المستشفي تفيد بأن أحداث الوفاة ناجمة عن اشتباكات ولم يكن هناك أي ذكر لأسباب الوفاة الواضحة، مما دفع الأهالي إلي الرغبة في إعادة تشريح جثامين ذويهم، إلا أن تواجد السلفيين مثل ضغطًا عليهم إلى جانب الضغط من جانب الأنبا يؤانس بدفع الأهالي إلى عدم تشريح الجثامين مستخدمًا التهديد أحيانًا بأن البابا شنودة لن يقوم بالصلاة على جثامين هؤلاء الشهداء مثل باقي الشهداء.


سير القضية وموقف الكنيسة

أنا نزلت يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول لأن ده كان رابع اعتداء كبير على الكنائس؛ كان أولهم في أطفيح يوم 6 مارس/ آذار 2011م، واعتداءات إمبابة يوم 9 مايو/ آيار 2011م، واعتداء يوم 19 فبراير/شباط 2011م على دير الأنبا بيشوي واللي تم من قبل قوات الجيش. وكان غرضنا من الاحتجاج دفع الدولة للوفاء بعهودها بتأمين الكنائس
كان هناك رفض من الكنيسة من دخول أي محامي القضية خارج عن سيطرتها
المحامي محمد محمود

هناك الكثير من علامات الاستفهام تجاه سير قضية أحداث ماسبيرو، ففي بيان عقب الأحداث لها قالت منظمة «هيومان رايتس واتش» أن هناك تخوف بأن تقوم المؤسسة العسكرية المصرية بإخفاء حقيقة الأحداث بسبب عزم المؤسسة العسكرية إلى إحالة القضية إلى القضاء العسكري.

ويذكر ثابت أنه: «تم قلب القضية رأسًا على عقب فبعدما كان المتظاهرون المسيحيون هم المجني عليهم أصبحوا متهمين بالشغب والتجمهر، كما أن من تمت محاكمتهم هم 3 جنود فقط تراوحت الأحكام عليهم من عامان إلي ثلاثة أعوام بتهمة القتل الخطأ بسبب حالة الذعر التي أصابتهم نتيجة مسيرة المسيحيين».

بينما يضيف تمري: «هذه القضية لها ثلاث سنوات لم نرى فيها أية إدانة للمجرمين الحقيقيين أو لم يتوجه إلى أي منهم اتهام فقط بالاعتداء على المتظاهرين أو قتل أي منهم»، ويرى تمري أن كلًا من اللواء حمدي بدين واللواء إبراهيم الدماطي هما المسئولان الأساسيان عن تلك المذبحة نظرًا لقيادتهم لقوات الشرطة العسكرية حينها؛ فالأول كان رئيس القوات والثاني نائبه.

وبسؤال تمري عن موقف الكنيسة يقول: «الموقف قد تغير عقب وفاة البابا شنودة فعلى الرغم من قلة حديثه إلا أنه رأى أن ماحدث للمتظاهرين ما هو إلا مذبحة قام بها الجيش المصري ضد المتظاهرين المسيحيين؛ بينما البابا تواضرس فيرى أن أحداث ماسبيرو ما هي إلا مؤامرة دبرها الإخوان المسلمون والطرف الثالث».

تأتي تلك الشهادات بعد خمس سنوات مضت على أحداث ماسبيرو ممن عاشوا الحدث ورأوا بأم أعينهم ما حدث ليؤكدوا على ما قاله الجيش المصري في بيانه عقب الأحداث بأن المتظاهرين كانوا سلميين، ولينفوا التهمة عن أن المتظاهرين قد بدأوا بالاعتداء على قوات الجيش متسائلين إذا كنا غير سلميين فلماذا لم نتصدى لمن اعتدوا علينا عند نفق شبرا وشارع 26 يوليو؛ لماذا لم يظهر أي فيديو يوضح حملنا للسلاح!

خمسة أعوام ويظل التحقيق مجمد ولم تتم إحالة القضية بعد إلي المحكمة لتأخذ رقمًا وجلسة بمتهمين واضحين وحقيقيين، لكنها مازالت قابعة في أدراج قاضي التحقيقات.