النهائيات لا تُلعب، النهائيات تُربح فقط

جوزيه مورينيو بعد فوز تشيلسي بكأس الرابطة على حساب توتنهام في 2015.

انتهت مُباراة نهائي اليوروباليج بفوز مانشستر يونايتد علي أياكس 2-0 وتأهله مُباشرة لدوري أبطال أوروبا الموسم القادم، التأهل الذي شابه الكثير من الاتهام بالملل أو عدم الاستحقاق ولكنه في النهاية تأهل أعاد الحياة لمدينة مانشستر بأكملها وعلى رأسها جوزيه مورينيو.

المُباراة لم تكُن بتلك الحماسة التي لابد وأن تطغى على مُباراة نهائية ذلك لأنها كانت محسومة قبل أن تُلعب، فريق يُدربه بيتر بوس الذي لم يُدرب فريق بطل طوال حياته وفريق يُدربه جوزيه مورينيو ملك النهائيات الذي فاز في 11 من أصل 13 نهائيا لعبها، رقم خرافي.


المُباراة: لا شيء سوى الواقع

بدأ مورينيو بالتشكيل والطريقة المُعتادة كذلك لم يُحاول بوش مُفاجأة اليونايتد وبدأ بالـ4-3-3 المُتوقعة، ولكن كانت لكُل منها غاية مُختلفة. أياكس تلك المدرسة الكروية العريقة التي خرجت منها الكُرة الشاملة لم يُحاول بوس مقاومة تلك الفطرة الهولندية بل وعن اقتناع كان يُريد تطوير تلك الأفكار التي تتعلق بالهجوم المُكثف والانتشار الصحيح والضغط علي الخصم والبناء من الخلف، مورينيو كان يعرف تمامًا أن أياكس سيُحاول تطبيق ذلك من الدقيقة الأولى هُنا قرر جوزيه أن يعفي خط دفاعه من الحرج الذي قد ينتج من ضغط هجوم أياكس الشاب عليهم خصوصًا سمالينج الذي لا يُجيد الخروج بالكرة، قرر جوزيه لعب الكُرات الطولية من الخلف للأمام.

التشكيل وطريقة لعب الفريقين وإحصائيات اللقاء
التشكيل وطريقة لعب الفريقين وإحصائيات اللقاء

أياكس الذي بدأ اللقاء لم يكُن سوى فريق مُعدل أعماره 22 عامًا و282 يومًا ليُسجل رقمًا قياسيًا كأصغر فريق يلعب نهائيا أوروبيا في التاريخ، كان قليل الحيلة بمقدار قلة الخبرة الناتجة عن صِغر العُمر، لم يستطع لاعبو أياكس مُجاراة لاعبي مانشستر بدنيًا أو خططيًا.

مورينيو قرر تحييد وسط الملعب وجعل المعركة في الهواء بدلًا من الاحتكام للمهارات الفردية الذي قد يتفوق فيها مانشستر أيضًا، ولكنه حينها بالتأكيد قد يُعطي لأياكس أملًا في المُباراة، مورينيو اختار الطريق السهل وهو منع لاعبي أياكس من لعب الكُرة من الأساس فالمُباراة كانت أشبه بمُبارة فريق مُحترفين مع فريق هواة أو فريق أول مع فريق شباب أو صورها لنا مورينيو هكذا، فعندما ترى مروان فيلايني يستطيع الفوز بـ15 صراعا هوائيا مُقابل 12 لفريق أياكس بالكامل تُدرك أن المُباراة لم تكن سوى حصة تدريبية شديدة لأبناء جوزيه.

أماكن تفوق فيلايني بالصراعات الهوائية

رغم أن الإحصائيات تُشير لتسديد أياكس 17 مرة على مرمي روميرو مُقابل 7 فقط من الشياطين الحُمر على مرمى أونانا فإن مصير 14 من الـ17 كان إما في أقدام المُدافعين أو خارج الإطار في حين أن الـ7 تسديدات المانشستراوية كان منها 4 على المرمى وسُجل منها هدفان.

كُل شيء كان يُشير إلي أن المُباراة مُنتهية من البداية الشيء الذي جعل مورينيو يُصرح بعد المُباراة بأنه شعر بأن المُباراة في جيبه من الدقيقة الأولى، ولكن الرائع أن لاعبي أياكس حاولوا أن يُثبتوا أحقيتهم بلعب النهائي حتى آخر ثانية.


واعدون

يجب على كُل مُهتم بالكُرة من الآن أن يستعد لاستقبال مواهب جديدة دخلت بالفعل عالم الكُرة لتُكمل مسيرة عُظماء أنجبهم نفس النادي، فرغم خسارة أياكس النهائي فإنه قد أهدى العالم شبابا يافعا قد يتذكر البعض بعد عشرة أعوام أو أكثر أن بدايتهم كانت تلك المُباراة وكيف كانت مسيرتهم عظيمة بعد ذلك؟

فبالإضافة إلي ماتيس دي ليجت اللاعب الأصغر سنًا ليس في الملعب فقط بل وفي تاريخ النهائيات الأوروبية بمُختلف أشكالها والبالغ من العُمر 17 عامًا و285 يومًا، فهُناك الكثير من المواهب التي قد تُبهر عالم الكُرة مُستقبلًا بداية من سانشيز المُدافع الصلب مرورًا بحكيم زياش المغربي، حكيم زياش صاحب الـ24 عاما هو أكثر من صنع فُرصًا في الدوري الأوروبي هذا الموسم برصيد 37 فرصة وانتهاء بالمُهاجم الدنماركي كاسبير دولبيرج صاحب الـ19 عامًا الذي يعتبره الكثيرون هو ومبابي أفضل مُهاجمي القارة العجوز في السنوات المقبلة.

كاسبير دولبيرج الذي شارك في 22 هدفا في الدوري الهولندي هذا الموسم حيث سجل 16 وصنع 6 يمتلك مقومات فنية كبيرة كذلك قدرته على الإنهاء الرائع أمام المرمى ولا يجتاج سوى زيادة القدرات البدنية ليُصبح لائقًا للعب على أعلى مستوى.


الرومانسية المفقودة في مانشستر

أماكن تفوق فيلايني بالصراعات الهوائية
أماكن تفوق فيلايني بالصراعات الهوائية

ما إن انتهت المُباراة وفاز مانشستر بالبطولة حتي بدأ الجمهور بالاحتفال بالكأس والتأهل الأوروبي، ولكن تشعر أن هُنالك شيئا ما ينقص ذلك الاحتفال، شيء لا علاقة له بالكُرة أو صور اللاعبين وهم يرفعون الكأس، أمر بعيد عن كل تلك الماديات. ذلك الشيء على الأغلب لم يشعروا به لأنهم كانوا يُريدون الفوز لاسترداد كرامة مفقودة مُنذ أيام السير أليكس فيرجسون ولكن مورينيو كان له رأي آخر.

الشيء الذي لم يظهر في فرح جماهير مانشستر كان جليًا في عيون البُرتغالي المجروح الذي كان لا يبجث عن مُجرد الفوز بلقب بل كان يبحث عن نفسه، كان يبحث عن مورينيو. مورينيو لم يرَ أياما قاسية كتلك فطوال مسيرته صُوِر وكأنه المغرور الذي يسخر من ضحيته بعد الانتصار عليها أو كان بالفعل كذلك، ولكن حدث له ما جعله يفقد هيبته وسحره الخاص الذي جعل الكثيرين من مُشجعي الكُرة يُصبحون مُشجعين لمورينيو وليس لناد مُعين، كان ذلك تحديدًا في 17 من ديسمبر/ كانون الأول حينما قرر نادي تشيلسي إقالته بعد خسارة 9 مُباريات من أصل 16 والوصول للمركز الـ16 في جدول الترتيب وكان ذلك خلال أشهر قليلة بعد قيادة البلوز لتحقيق ثُنائية الدوري والكأس.

مُنذ تلك اللحظة وظن الجميع أن مورينيو انتهى، حتى أن مورينيو نفسه لابد وأنه شكَّ في ذلك الأمر، ولكنه وبشتى الطُرق حاول أن يعود جوزيه الذي يعرفه الجميع. وجد في مانشستر يونايتد الكيان المُلائم له وهو الملك الجريح الذي يوجد أمامه فُرصة أخيرة لاسترداد كبريائه.

كُل من يعرف مورينيو جيدًا سيؤكد أن تلك الأيام هي الأصعب على الإطلاق في حياته، فملامح وجهه المُتوترة في المُباريات، وبُكاؤه الشديد غير المُعتاد بعد الصعود بشق الأنفس على حساب سيلتا فيجو، وتكرار الأمر ذاته بعد تحقيق الكأس، مشاعر تؤكد أن مورينيو بالفعل كان يحتاج إلى هذا الدواء، ويُريد أن يُثبت للعالم أنه لم يمت بعد. شخصية جوزيه أحببتها أم كرهتها لا تقبل الفشل، ولكن ماحدث مؤخرًا جعله يعيش في فشل لم يعرفه قط، وبالتالي قرر التحدي للمرة الأخيرة، لأنه يعلم كالجميع أن فشله مع مانشستر يونايتد قد يُرسل كليهما إلى القبر، وبالتالي تحول مورينيو من شخص آخر نتيجة شدة الضغط، فلا هو مورينيو صاحب الاستعراض على خط التماس، ولا صاحب الهيبة والردود المُثيرة للجدل في المؤتمرات الصحفية، وبالتأكيد لم يكن مورينيو عبقري التكتيك، رغم احتفاظه ببعض آلاعيب الحاوي حتى الآن.

مورينيو لم يتغير طواعية بل نتيجة الزمن الذي جعله في موقف المُتهم، هو كان يشعر بالتيه داخل نفسه وكان يبحث كالمجنون عن الطريق الذي يؤدي به لطريق الدواء، يزداد الأمر كُل جولة سوءًا بابتعاد مانشستر عن تحقيق أحد المراكز الأولى في ترتيب الجدول، وبالتالي عدم مُشاركته في دوري الأبطال مرة أُخرى، كابوس كان يُطارد جوزيه كل يوم، ولكن اليوروبا ليج كانت كالهدية التي قدمها له أحد الأطباء.

سانت اتيان ورستوف وأندرلخت وأخيرًا سيلتا فيجو، تلك ليست مُباريات تحضيرية للموسم الجديد، ولكنها كانت طريق مانشستر يونايتد إلى نهائي اليوروبا ليج أمام أصغر فريق في تاريخ أوروبا،جويديتي يُضيع هدفا والمرمى خال في الدقيقة الأخيرة ليصعد مانشستر يونايتد النهائي، ثم هدفا فيه كثير من الحظ في دقائقه الأولى، كُل تلك العلامات تُشعرك، وكأن القدر منح العالم فُرصة أُخرى للاستمتاع بجوزيه مورينيو ومنحه نفسه التي قد ضاعت منه مُنذ عامين.

اليوروباليج التي سخر منها مورينيو سابقًا عندما فاز بها بينيتيز مع تشيلسي، وقال إنه لا يُريد لعب تلك البطولة، ولا يُريد أن يشعر لاعبوه بأنها التحدي الأكبر لهم، والتي كرر من تقليل الاحترام لها في بداية الموسم، عندما قال إنها ليست البطولة التي يجب أن يُشارك فيها مانشستر يونايتد، يجب أن يشكر من أسسها الآن ومن جعل بطلها يتأهل لأوروبا أو بمعنى آخر يجب أن يشكر من أعطاه الأدرينالين اللازم لإنعاش قلبه حتى يعود حيًا مرة أُخرى.

المراجع
  1. تشكيل وطريقة لعب الفريقين وإحصائيات المُباراة
  2. إحصائية التفوق بالكرات الهوائية