«إذا هبّت رياحك فاغتنمها»، طبق تشيلسي بيت الإمام الشافعي بشكل حرفي، وحقق ما يريد بعد معاناة لفترة طويلة في المباراة. أمّا السيتي فحاول كثيرا وهدد مرمى البلوز في عديد من المناسبات لكنه لم يدرك ما تمنى وما سعى إليه وجرت الرياح بعكس مسار سفنه. هكذا يمكننا تلخيص مجريات ما حصل في قمة الدوري الإنجليزي بين مانشستر سيتي وتشيلسي.


ما قبل المباراة

تحدث المدربان عن صعوبة المباراة واتفقا على أنها اختبار قوي لكليهما، جوارديولا تغزل كثيرًا بكونتي وفريقه وأيضًا قام الإيطالي برد الجميل بعد مدحه لما يقدمه السيتي من كرة هجومية ممتعة. وكانت التوقعات تشير إلى احتمالية دخول السيتي المباراة بخطة مشابهة لخطة منافسه كما فعل يواكيم لوف أمام كونتي في بطولة أمم أوروبا الأخيرة، والهدف من ذلك هو الحد من تفوق تشيلسي بسبب أفضلية الانتشار والتوزع الذي تمنحه هذه الخطة، أما تشيلسي بالطبع سيستمر بالخطة ذاتها التي جعلته يتفوق على الجميع مؤخرًا.


الشوط الأول

صافرة البداية

كما كان متوقعًا دخل تشيلسي بالخطة ذاتها رغم غياب نيمانيا ماتيتش للإصابة، فاعتمد كونتي على فابريجاس بدلا منه ليكون شريكًا لكانتي في خط الوسط، والأمر نفسه بالنسبة للسيتي فأصابت التوقعات بتغييره للخطة من خلال اعتماد جوارديولا على ثلاثي دفاعي في الخط الخلفي، الفارق الوحيد أن تشكيلة كونتي كانت متوازنة أما جوارديولا دخل بتشكيلة هجومية جدًا وربما تعد الأكثر هجومية في تاريخه.

خُلِقَ ليَفترس

بعد مرور الدقائق اتضح أن كونتي دخل المباراة معتمدًا على نفس المقاربة لكل المباريات الماضية، لم يرسم أي شيء جديد للمباراة ولم يضع تصورات مسبقة لما سيحصل من تغيرات خلال فترات الشوط الأول، على عكس جورديولا الذي يبدو أنه تخيل في ذهنه سيناريوهين مختلفين للمباراة أحدهما نعرفه جيدًا بسيطرته على المباراة بالطول والعرض والحل الآخر هو حل جديد تعلمه في ألمانيا وهو الدفاع بخط دفاعي متأخر والضرب بالمرتدات إن سارت الأمور بعكس ما خطط له.

السيتي سيطر بشكل مطلق على مجريات الشوط الأول بسبب تراجع عناصر كونتي للدفاع بعد ظهور العديد من الهفوات في خط دفاعه على عكس ما هو متوقع. القاعدة تقول أن فرق جوارديولا تهاجم بشراسة وتدافع بصورة خجولة وهذا ظهر بشكل جلي في بعض دقائق الشوط الأول، أما تشلسي شَذّ عن ما هو مكتوب في السيرة الذاتية لكونتي، فظهر دفاعه مخلخلًا سواء على الصعيد الفردي والجماعي وشبيها بدفاع جوارديولا، أما هجوميا فحاول تشيلسي أن يكون أكثر جرأة لكن التفوق الهجومي للسيتي جعل من الدفاع أمرًا إجباريًا وليس اختياريًا وسنح للبلوز بعض المحاولات لخطف التقدم لكن لم ينجح هازارد في استغلال كرة فابريجاس الطويلة وفشل في التسجيل بشكل غريب.

الرمز المفقود

ما عاب السيتي في الشوط الأول أنه لم يكن فعالًا في إنهاء هجماته فلم ينجح في التسجيل وخاصة أجويرو الذي أضاع فرصتين كان التسجيل في إحداهما يبدو سهلًا، ويتبادر إلى ذهنك وتتخيل أن جوارديولا استطاع قرصنة خطة تشلسي ونجح في الحصول على كلمة السر وقام بكتابتها ولم يقم بالنقر على زر الموافقة، لكن جاءت البشائر من جاري كاهيل الذي حول عرضية نافاس بطريقة رائعة داخل مرماه قبل نهاية الشوط الأول بثوانٍ قليلة.


الشوط الثاني

غياب ماتيتش أضر بكونتي وأفاده كثيرًا

بدأ جوارديولا الشوط الثاني بنفس الطريقة لخطف الهدف الثاني والبدء بتطبيق السيناريو الثاني الذي حضر له، لكن رعونة مهاجميه فشلت في التغلب على رعونة دفاع تشلسي الذي أخفق مرارًا وتكرارًا في إيقاف خطة السيتي، لكن مهاجميه نجحوا في ذلك بكل تأكيد.

صحيح أن غياب ماتيتش كان له تأثير بالغ في العمق الدفاعي لفريقه، لكن غيابه منح كونتي سلاحًا لم يكن ينوي استخدامه في حال كانت عناصره الأساسية في أتم جاهزيتها، فابريجاس أنقذ مدربه ومنحه التعادل بعد تمريرة طولية إلى كوستا أعادتنا بالزمن إلى موسم 2014 عندما شكلا مع بعضهما ثنائية جميلة جدا، هدف أعاد الثقة إلى تشلسي المهزوز وجعل المهمة أصعب على السيتي بعد فقدان الثقة بسبب كثرة الإخفاقات وبكل تأكيد نسف هذا الهدف كل مخططات جوارديولا وتخيلاته عن السيناريو الثاني.

خيار ويليان كان فعالًا بعد إصابة بيدرو، فقد منح تشيلسي فرصة للتنفس في خط الوسط بسبب إجادته الجري بالكرة والاختراق في العمق الدفاعي للسيتي، وهذا لم يكن متاحًا مع بيدرو وبكل تأكيد مع كل من كانتي وفابريجاس أو حتى ماتيتش.

كوستا السوبر مان

مذهلة تلك الثقة وقوة الشخصية التي يمتلكها دييجو كوستا وخاصة في الموسم الحالي، فهو قادر على التفوق على أي مدافع مهما كبر اسمه، فكيف سيكون حال المهرجين في الخط الخلفي لدفاع السيتي أمامه! في الهدف الأول والثاني لتشيلسي أظهر دييجو قيمته داخل وخارج المنطقة، فلديه الفاعلية داخل منطقة الجزاء وخارجها بخلقه للمساحات له ولزملاءه، تفويته للكرة وتركها لتمر في الهدف الثاني هي بمثابة نصف الهدف الذي سجله ويليان.

السيتي يدافع في منطقة الخصم كفريق محترف وفي منطقته كأفراد مبتدئين، وهذا النقد ليس جديدًا عندما يكون الحديث متعلقًا بجوارديولا فهو روتين أسبوعي، وهنا تفوق كونتي بالطبع لأنه كان يبحث عن هذه المرتدات فهي الطريق الوحيد لهزم بيب، والطبع لم نكن نتوقع أن يستحوذ على المباراة في نصف ملعب السيتي، لكن ظروف المباراة برأيي خدمت كونتي كثيرًا، الفاعلية أمام المرمى أصابت جوارديولا في مقتل وأعادت النبض إلى قلب كونتي بعد توقف دام 60 دقيقة.


عاقبوا الحكام وليس المدربين واللاعبين فقط

https://www.youtube.com/watch?v=nMuvZv8V-Gw

سوء القرارات التحكيمية وتواضع أداء الحكام أصبح أمرًا شائعًا ومزعجًا في الملاعب الكروية وخاصة في القمم الكروية، الأخطاء ليست جزءًا من اللعبة كما يعتقد ويبرر البعض فقانون اللعبة لا ينص على ذلك ويقول أن الاحتكاك داخل منطقة الجزاء يعاقب عليه القانون بركلة جزاء وبطاقة صفراء وليس بتجاهل الحكم لهذا النوع من الحالات واعتبار الأمر خطأ قابل للتقدير والتأويل، فالقرارات الخاطئة والمتكررة توتر اللاعبين والمدرب والجمهور وتولد العنف داخل أرض الملعب وبناء على هذا يستحق أنتوني تايلور العقوبة والغرامة تمامًا مثل المدربين واللاعبين.


الخلاصة

السيتي استمر بنفس النهج الهجومي وكونتي أيضا كان وفيًا لمبادئه وحافظ على مقاربته الدفاعية للمباراة وحصد الانتصار بطريقة إيطالية بحتة، انتصار البلوز كان بسبب فاعلية عناصره الهجومية الذين استغلوا ما اُتِيح لهم واستمروا في تحقيق النتائج الجيدة وحافظوا على الصدارة، لكن النتيجة خادعة وليست عادلة وفقا لمجرى المباراة وأحداثها.

أخطاء متكررة في دفاع السيتي ويجب على جوارديولا حلها إن أراد الاستمرار بالمنافسة، أما تشلسي فدخل مؤخرًا في النمطية والروتين وعلى كونتي أن يستمر في مواصلة العمل للتطور وعدم الاعتماد على ابتكاره السابق في الخطة التي يطبقها حاليًا بل يجب عليه التجديد ووضع خطة بديلة لتجنب الوقوع في المحظور كما حصل اليوم رغم الفوز، فجميع من في الملعب وقع في المحظور سواء بيب وكونتي واللاعبين وبكل تأكيد أنتوني تايلور له نصيب كبير في هذه المحاظير.