نحن لا نخاف، نعم احترمنا برشلونة لكن الريمونتادا الأخيرة لم تجعلنا خائفين. يوفينتوس لا يخاف.
جورجي كيلليني

هكذا بدأ جورج كيلليني تصريحاته الصحفية بعدما تمكن يوفينتوس من إلحاق برشلونة المنكسر سلفًا، بهزيمة كبيرة بثلاثة أهداف مقابل لا شيء للبرسا في كل شيء. ليزيد البيانكونيري من جراح البلوجرانا ويضع قدمًا، وربما نقول ونصف القدم الNخر، في الدور المقبل من دوري أبطال أوروبا.

ماسيمليانو أليجري الذي تذوق طعم الخسارة في نهائي الأبطال لعام 2015 قد تعلم كثيرًا من دروسه في الماضي، ولقن نظيره، لويس إنريكي، درسًا تكتيكيًا في كيفية إدارة الأمور من خارج الخطوط، وحقق انتقامًا نصف كامل لكنه يروي ظمأ الثورة عند جماهير السيدة العجوز. في حين استمر الإسباني، إنريكي، في جذب السخط إليه من قبل جماهير فريقه ومن كل المتابعين حول العالم، بتعامله الساذج والسيئ في كل جوانب المباراة بما أدى إلى تلك الخسارة المذلة لبرشلونة لثاني مرة على التوالي خارج أرضه في دوري الأبطال هذا العام، وللمرة السادسة في آخر 12 لقاء خاضها برشلونة في كل البطولات.


الشوط الأول: ماذا بينك وبين ماثيو يا إنريكي؟

لأن الكارثة الأكبر كانت من الضيف؛ فالبداية ستكون من اختيارات إنريكي للتشكيل. حيث قرر المدير الفني الإسباني أن يضع ماسكيرانو بديلًا للغائب بداعي الإيقاف، بوسكيتس، وعلى جانبه كل من إنييستا وراكيتيتش في خط الوسط وبمعاونة شبه دائمة من الظهير سيرجيو روبيرتو، بينما كان الاعتماد على أومتيتي وبيكيه كقلبي دفاع وغير المفهوم سبب لتواجده داخل التشكيل، ماثيو ديبوشي، كظهير أيسر وفي بعض الأحيان قلب دفاع ثالث أمام الحارس الألماني تيرشتيجن. في حين سيرتمي كل الحمل على الثلاثي: ميسي، نيمار وسواريز في المقدمة، لإنقاذ ما سيفشل فيه البقية الباقية من العناصر. بشكل – داخل الميدان – يترواح بين 3-4-3 في حالات الهجوم، و4-3-3 في الوضع شبه الدفاعي.

تشكيل الفريقين في المباراة، اليوفي صاحب الأرض و الجمهور(يمين) و برشلونة(يسار)، المصدر: www.whoscored.com
تشكيل الفريقين في المباراة، اليوفي صاحب الأرض والجمهور (يمين) و برشلونة(يسار)، المصدر: www.whoscored.com

وعلى الصعيد المعاكس، أليجري من جهته كان أكثر واقعية ودراية بأمور المنافس، فقرر أن يكون الصراع في الطرف هو الحاسم والمفضل له خلال الـ90 دقيقة الأولى من قصته في دور ثمن النهائي. رأس الحربة هيجوايين ثم كوادرادو السريع يمينًا وماندزوكيتش الملتزم يسارًا، من بينهم باولو ديبالا ومن خلفه بتحرك دائم كُل من خضيرة وبيانيتش. مع ثبات في خط الدفاع الأقوى في البطولة: كيليني، بونوتشي، ألفيش والرائع أليكس ساندرو وأخيرًا العظيم بوفون. برسم أقرب لـ4-2-3-1 مع تحولاتٍ عدة.

الغريب أن إنريكي في لقاء مالجا المحلي الأخير للبرسا، والذي خسره بنتيجة هدفين نظيفين، كان قد اعتمد على ديبوشي في قلب الدفاع وقد أحدث كوارث لا تغتفر وعليه اضطر لإخراجه. فكان من غير الممكن أن يتم الاعتماد عليه مرة أخرى في مواجهة كبيرة كهذه وفي جبهة مفترض أنها من أخطر جبهات المستضيف بوجود لاعب سريع ككوادرادو ومن خلفه المخضرم ألفيش، لا سيما أن الأمر غير اضطراري بالمرة فالبدائل متاحة من جوردي ألبا ولوكاس دينيه، الأخير الذي قد اشتريته بنفسك في الميركاتو فما السبب في عدم الاعتماد عليه؟ كلها أسئلة دون إجابات فعلية تضع جماهير البرسا في لغط كبير جدًا.


متى وأين يكون الضغط؟

اليوفي سيّر الشوط الأول بنمط هو الأفضل مع فريق كبرشلونة، دائمًا ما نتيقن أنك لا يمكن أن تترك مساحة للبلوجرانا للعب الكرة وللإستحواذ السلس؛ بالتالي تتعاظم قيمة الضغط الذي يجب أن يقع على الكتلان من قبلك إذا كنت ترغب في الفوز بنتيجة اللقاء. لكن سيبقى السؤال يواجهك، متى وأين يكون الضغط الذي ستفرضه بلاعبيك؟

منذ الدقائق الأولى، تجد أن يوفينتوس «aggressive» -عنيف- ينفذ الضغط بكل عنف على لاعبي البرسا حتى حارس مرماهم، الضغط سيولد الارتباك بكل تأكيد، وبالتالي محاولة عاجلة لقنص هدف مباغت يحكم سيطرة السيدة العجوز على المباراة ويزيد من حالة التوتر عند الضيوف، وقد كان.

بالطبع لا يمكن أن نغفل دور التوفيق، ربما كان يقدم اليوفي كل شيء في شكلٍ منضبط لكن لا يوفق في إحراز ذلك الهدف المبكر المفيد للغاية، لكن كذلك لا يمكن إغفال العمل تكتيكي كبير من قبل البيانكونيري وضعف ونقاط الخلل الواضحة عند البرسا، ولا داعي للتأكيد أنها من جهة ماثيو وخط الوسط الدفاعي. الهجمة تتحرك من أقصى الجانب الأيمن ويتم تدوير الكرة بين عناصر خط الوسط والجناح اليمين ثم نقل الملعب إلى الجانب المعاكس لصالح كوادرادو المتمركز في منطق أبعد ما يكون من تواجد لاعبي البرسا. تحول البرسا بطيء جدًا وتحول اليوفي أسرع ما يمكن؛ النتيجة بالتأكيد تمركز أفضل لصالح المستحوذ، ثم.. الهدف الأول.

http://gty.im/667363568

وللتأكيد أن الإيطالي، ألجيري، قد تعلم من أخطاء الماضي، ستجد تراجع عناصر اليوفي إلى مناطقهم بعد الحصول على المراد بالهدف المبكر، فبات هناك حرية وهمية لعناصر البلوجرانا في تناقل الكرة في مناطقهم، خاصة في خط الدفاع الذي لن يقدم جديدًا على مستوى بناء الهجمة في غياب المحرك الأساسي سيرجيو بوسكيتس. البعض سيظن ذلك التراجع غير منطقي وأنه كان لابد من الاستمرار في الضغط على برشلونة، لكن الأكثر تأكيدًا أنك – ومهما كان منافسك – لن يمكنك تنفيذ ضغط متقدم لمدة 90 دقيقة، ذلك سيكون مرهقًا جدًا على عناصر الفريق وهو ما قد تسبب في خروج اليوفي أمام بايرن – جوارديولا – من قبل في ذات البطولة. وبالتالي كان التراجع إلى مناطق ليست متأخرة جدًا في وسط الملعب، مطلوبًا، مع محاولة خطف هدف ثان يزيد من قتل الأمور لصالح اليوفي عن طريق المرتدات من الطرف أيضًا. وللمرة الثانية يحدث ما جال في خاطر ماسيمليانو؛ فيعود مرة أخرى لمناطقه لزيادة التأمين.

الخريطة الحرارية لليوفي خلال الشوط الأول توضح تراجع الضغط العالي بعد الهدف الأول و الاعتماد على كوادرادو و مانزوكيتش في الأطراف، المصدر: www.whoscored.com
الخريطة الحرارية لليوفي خلال الشوط الأول توضح تراجع الضغط العالي بعد الهدف الأول و الاعتماد على كوادرادو و مانزوكيتش في الأطراف، المصدر: www.whoscored.com

الشوط الثاني: الفارق بين برشلونة – باريس وبين برشلونة -يوفي

برشلونة بنسخته التي واجهت اليوفي الليلة ليست بالسوء الذي ظهرت عليه في ملعب الأمراء أمام باريس سان جيرمان. وأعتقد أن الأرقام توافقني الرأي فالفريق الكتالوني قد نفذ 16 محاولة هجومية في مقابل 14 للمنتصر يوفينتوس، في حين نفذ أمام باريس 7 فقط في مقابل 16 للمستضيف. وهذا يعني أن برسا اليوم لم يكن بالسوء ذاته لكن كلتا النسختين لا تستحق الفوز، بل بالأحرى تستحق تلك الهزائم الكبيرة.

لكن الأهم أن فوز اليوم يعود لقوة اليوفي وليس ضعف برشلونة. فالفريق الإيطالي قد واجه كل تفاصيل البرسا بكل دقة: زيادة الكثافة في أطراف الملعب الملعب وخاصة جهة نيمار بكوادرادو وألفيش بما لا يضعه في مواجهة واحد ضد واحد أبدًا. وكذلك مواجهة رجل لرجل مع ميسي من قبل أليكس ساندرو الذي زامله في كل بقاع الجهة اليسرى تقريبًا إلا عند دخول لعمق الملعب وهو المطلوب.

يوفينتوس قضى تمامًا على أي فرصة لنهوض البرسا من خلال الأطراف، وساعده في ذلك استغناء الإسباني، إنريكي، عن ظهراء الطرف لصالح ماثيو ومن بعده أومتيتي جهة اليسار وسوء وضعية سيرجيو روبيرتو جهة اليمين. بالتالي كنا نرى توجه أغلب لاعبي البرسا لعمق الملعب لأنه الملاذ الوحيد، لكنه الفخ الذي أراد إنريكي إيقاع البرسا فيه. حيث كانت الكثافة فيه معظمة للغاية وفي ظل تضييق المساحات من قبل لاعبي اليوفي ستكون فرصة برشلونة في تمرير الكرة بين هذه الأقدام، شبه مستحيلة.

الفارق بين إحصائيات برشلونة (يمين) ويوفينتوس (يسار) في بناء الهجمات، المصدر: www.whoscored.com

لكن كان هناك توفيق كبير أيضًا لصالح يوفينتوس في توقيت الهدف الثالث والذي قتل أي محاولة تالية للعودة من قبل الضيف.


إنريكي يكتب حروف النهاية بالأسود القاتم

الفارق بين إحصائيات برشلونة(يمين) و يوفينتوس(يسار) في بناء الهجمات، المصدر: www.whoscored.com
الفارق بين إحصائيات برشلونة(يمين) و يوفينتوس(يسار) في بناء الهجمات، المصدر: www.whoscored.com

تغييرات أليجري كانت تحاول المحافظة على نسق الفريق بإراحة العناصر الأكثر ركضًا خلال أحداث اللقاء، وكذلك الدفع ببارزالي من أجل زيادة إحكام السيطرة على العمق الذي رغب إنريكي بشكل غير مبرر الاعتماد عليه.

إنريكي لم يكتفِ بالسوء الذي قد قرر وضعه في تشكيلة الفريق منذ بداية المباراة، لكنه استمر في إدارة سيئة بتغيير وحيد فقط خلال شوطي المباراة على الرغم من حالة الفريق المزرية، وكذلك التعليمات الدائمة بالتواجد في العمق غير المجدي على الإطلاق. جوارديولا حين وجد معاناة في تكتل اليوفي الدفاعي قرر الاتجاه أكثر لأطراف الملعب وزيادة رقعة اللعب بأكبر شكل ممكن على الرواقين وهو شيء منطقي جدًا. لكن نجد أن العكس قد تم من قبل إنريكي وأن كل تعليماته كانت بالتوجه لقلب الملعب بعدما قرر الدفع بجوميز فقط كارتكاز وحيد مع عودة ماسكيرانو لقلب الدفاع. وهي محاولة بائسة لبناء اللعب من العمق أيضًا.

http://gty.im/667449620

وإن كنا لا نجد على دكة البدلاء من يمكنه إحداث نقلة نوعية في أداء البرسا، فهذا أيضًا يعود لسوء إدارة لويس إنريكي لأسواق الانتقالات بعدما قرر انتداب عناصر لن تفيد الفريق في أي شيء. وأظن أن كل عاشقي الفريق الكتالوني لم يشاهدوا نسخة أسوأ من هذه لفريقهم في السنين القليلة الخوالي. والذي يزيد الأمور قسوة أن أسماء بحجم نيمار وميسي وسواريز وإنييستا وبيكيه في هذه النسخة السيئة للغاية. وفي الواقع، حتى لو تمكن برشلونة من العودة في النتيجة في لقاء العودة، كما فعل ضد بي إس جي من قبل، فهذا لن يغيير مما سبق أي شيء. لأن البرسا كان وما زال سيئًا جدًا، حتى في أقوى لقاءاته هذا الموسم والتي فاز فيها بـستة أهداف إعجازية أوصلته لهذه المرحلة من البطولة.

ختامًا، لا يوجد مجال للشك في أن إنريكي لن يجد الترحاب ولا حسن المعاملة في يومه الأخير داخل معقل الكامب نو بنهاية هذا الموسم، لأن كافة الجماهير قد فاض كيلها مما فعله بالفريق.