محتوى مترجم
المصدر
Begin-Sadat Center For Strategic Studies
التاريخ
2017/05/19
الكاتب
إفرايم كارش

نشر المركز الإسرائيلي «بيجين–السادات للدراسات الاستراتيجية» مقالًا مطولًا عن حرب عام 1967، أو ما تُعرف بحرب «الأيام الستة» بين مصر وإسرائيل.

ووفقًا للمقال، فلطالما كان يُنظر لتلك الحرب على أنها حرب عرضية، لم يكن يرغب فيها العرب أو الإسرائيليون، لكن أيًا منهما لم يكن قادرًا على تجنبها.

ويشير إلى أن السبب العام لتلك الحرب تمثل في الرفض العربي الكامل للدولة اليهودية، والذي جعل الحرب حتمية بين العرب وإسرائيل.

إن الرواية الأساسية الخاصة بالحرب تتلخص في أنه لو لم يلتزم الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بالتحذيرات السوفيتية حول وجود تعزيزات عسكرية إسرائيلية في مايو/آيار 1967، لأمكن تجنب تلك الحرب. أيضًا لو لم تكن إسرائيل قد أساءت فهم الموقف المصري، لتجنبت الضربة الاستباقية التي اندلعت في أعقابها الحرب، وباختصار فالحرب كانت عرضية وغير ضرورية خرجت من رحم سوء تقدير وسوء فهم متبادل.

ولا يمكن أن تكون وجهة النظر تلك بعيدة عن الحقيقة، فإذا كانت الحروب مثل الحوادث المرورية، كما قال المؤرخ البريطاني «آلان جون بيرسيفال تايلور» ساخرًا، لكن مع وجود سبب عام لها وأسباب أخرى، يمكن القول إن حرب 1967 لم تكن عرضية.


السياسات العنيفة للقومية العربية

يتطرق ذلك الجزء في المقال إلى مفهوم القومية العربية، والذي يصفه بالعنيف، مُستشهدًا بتصريحات أطلقها عبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة العربية لمسئولين صهاينة في سبتمبر/أيلول عام 1947. حيث أخبرهم بأنهم لا يمثلون حقيقة للعرب على الإطلاق، ووصفهم بأنهم «ظاهرة مؤقتة» شأنهم شأن الصليبيين الذين تخلص العرب منهم قبل قرون.

ويُعلق المقال قائلًا:

في مناسبات نادرة، تجسد ذلك الرفض الصريح في محاولات لإقناع القادة الصهاينة بالتخلي عن سعيهم لإنشاء دولة والرضوخ لفكرة إمبراطورية القومية العربية.

ويشير إلى أن ذلك الاقتراح جاء على لسان نوري سعيد، رئيس وزراء العراق الأسبق، خلال اجتماع مع حاييم وايزمان، أول رئيس إسرائيلي، عام 1963. أيضًا قدّم ملك الأردن الأسبق عبد الله الأول بن حسين عرضًا لجولدا مائير بشكل سري (في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 ومايو/آيار 1948) بدمج المجتمع اليهودي في فلسطين إلى إمبراطورية «سوريا الكبرى» التي كان يسعى لإنشائها.

على الرغم من ذلك، فقد كان العنف هو الأداة الأهم للعرب في رفضهم للتطلعات اليهودية. ففي أوائل أبريل/نيسان عام 1920 سعى القوميون العرب لحشد الدعم من أجل دمج فلسطين داخل المملكة السورية التي كان يرأسها الملك فيصل من خلال «مذبحة» (انتفاضة موسم النبي موسى) في القدس، قُتِل على إثرها 5 يهود وأصيب 112 آخرين.

وفي العام التالي أسفرت «أعمال الشعب» التي قام بها العرب عن مقتل 90 يهوديًا وإصابة المئات، وفي صيف عام 1929 أسفرت موجة من «أعمال العنف» (ثورة البراق) عن مقتل 113 يهوديًا وإصابة المئات.

وبدا لبعض الوقت أن العنف قد آتى ثماره، وكان له تأثير على البريطانيين، الذين عُينوا من قبل عصبة الأمم لسلطة الانتداب على فلسطين.

وعلى الرغم من أن هدف الانتداب البريطاني تمثل في تسهيل إقامة وطن لليهود بفلسطين، فقد أقرت السلطات البريطانية مرارًا عنف العرب بهدف تفادي ذلك الغرض والطلبات التي تلت ذلك.

وما يعزز ذلك هو إضرار بريطانيا بمسألة الوطن القومي لليهود عن طريق فرض قيود قاسية على هجرة اليهود وبيع الأراضي لهم. ففي عام 1939، فرضت بريطانيا المزيد من القيود على هجرة اليهود وشراء الأراضي، ليغلقوا أبواب فلسطين أمام اليهود ليفروا إلى أوروبا النازية ويتهدد بقاء المشروع القومي اليهودي.

رفض العرب قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر/تشرين الثاني 1947، وأصروا على وأد «دولة إسرائيل» في مهدها. وعلى الرغم من ذلك، جاء العنف العربي بنتائج عكسية، فلم تشهد حرب 1948 تأكيد سيادة واستقلال نطاق أوسع من الأراضي الإسرائيلية فحسب، بل شهد المجتمع العربي بفلسطين تشرذمًا انتقل على إثره نصف السكان إلى مناطق أخرى في فلسطين والدول العربية المجاورة.


الاستعداد للجولة الثانية

على مدى العقدين التاليين كانت السياسات العربية الداخلية مدفوعة بإصرار على إبطال نتائج هزيمة حرب 1948 لتحقيق الهدف، وهو زوال إسرائيل، وتزعمت مصر بقيادة عبد الناصر بعد وصوله لسدة السلطة عام 1954 جهود قيادة الأمة العربية وتعزيز مفهوم «القومية العربية».

ومن الغريب أن عبد الناصر كان يُبدي «ازدراء» لغالبية أعضاء الأمة العربية التي كان يسعى لتوحيدها، فمضى يصف العراقيين بالهمج واللبنانيين بالفاسدين أخلاقيًا، كما وصف السعوديين بالأقذار، واليمنيين بالأغبياء، والسوريين بالخونة عديمي المسئولية، بحسب أحد المقربين منه.

مضى عبد الناصر يصف العراقيين بالهمج واللبنانيين بالفاسدين أخلاقيًا، والسعوديين بالأقذار، واليمنيين بالأغبياء، والسوريين بالخونة عديمي المسئولية.

أيضًا استغل عبد الناصر القضية الفلسطينية فقط لتحقيق طموحاته الكبرى، لاسيما في أوائل ستينيات القرن الماضي، عندما انهارت أحلامه في القومية العربية بعد إعلان سوريا انفصالها عن مصر وتعثر الجيش المصري في الحرب الأهلية اليمنية.

كما زعم عبد الناصر أن وحدة الهدف العربي هي السبيل لاستعادة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، وأن الطريق إلى فلسطين لن يكون ممهدًا، بل سيكون مغطى بالدماء.

وفي العام 1964 دعا عبد الناصر لعقد القمة العربية الأولى بالقاهرة لبحث سبل مواجهة التهديد الإسرائيلي، وكان أحد أهم النقاط المطروحة على أجندة القمة تبني استراتيجية مشتركة لمنع إسرائيل من استخدام مياه نهر الأردن لري صحراء النقب جنوبًا.

وكان هناك قرار آخر لم يكن أقل أهمية، وهو وضع أسس سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من أداء دوره في تحرير أرضه وتقرير مصيره، وبعد 4 أشهر، اجتمع 422 ناشطًا فلسطينيًّا في القدس الشرقية، وأسسوا منظمة التحرير الفلسطينية.

وقد أسهمت تلك الأحداث في جعل عبد الناصر الزعيم المطلق للعالم العربي، والشخص الوحيد القادر على تحقيق التفوق للعرب، ليدنو من هدفه في تعزيز الوحدة للعالم العربي تحت قيادته.

وخلال اجتماع قمة ثانٍ في الإسكندرية عام 1964، قبل رؤساء الدول العربية باستراتيجية ناصر المناهضة لإسرائيل. وبموجب ذلك، مُنحِت منظمة التحرير الفلسطينية الإذن بإقامة جيش تعهدت الحكومات العربية بتقديم الدعم له، كما تم تأسيس صندوق خاص لإعادة تنظيم الجيوش اللبنانية والسورية والأردنية تحت قيادة عربية موحدة.


الانزلاق إلى الحرب

جاء فشل المخططات العربية لتدمير إسرائيل بسبب سلسلة غير متوقعة من الأحداث التي أدت إلى اندلاع حرب 1967، بسبب تحذير السوفييت في مايو/آيار من العام نفسه بوجود تعزيزات عسكرية إسرائيلية على الحدود السورية بغرض شن هجوم مفاجئ.

ولم يكن أمام عبد الناصر خيار سوى أن ينقذ حليفته (سوريا)، وفي 14 مايو/آيار عام 1967 وُضعت القوات المسلحة المصرية في حالة التأهب القصوى، وبدأت فرقتا مدرعات بالتحرك إلى شبه جزيرة سيناء.

وفي ذات اليوم، وصل أحد قادة الجيش المصري، الفريق محمد فوزي، إلى دمشق لمتابعة الموقف العسكري والتنسيق من أجل رد مشترك إذا شنت إسرائيل هجومًا. لكن فوزي لم يجد أثرًا لوجود حشود إسرائيل على الحدود السورية أو تحركات لقوات شمال إسرائيل، وأطلع رؤساءه على تلك النتائج، لكن ذلك لم يُوقف التحرك المصري المستمر في سيناء.

على إثر ذلك تحول هدف عبد الناصر من ردع هجوم إسرائيلي ضد سوريا إلى تحدٍ صريح للوضع القائم منذ حرب 1956. ومع تأكيدات فوزي وقادة في الاستخبارات العسكرية المصرية والأمم المتحدة، كان ينبغي أن يدرك عبد الناصر أنه لا يوجد تهديد وشيك ضد سوريا، وكان يمكنه أن يوقف قواته عند هذ الحد، ويُعلن تحقيقه انتصارًا سياسيًا بردعه هجومًا إسرائيليًا ضد سوريا.

ومع وجود القوات المصرية المحتشدة في سيناء، فقد قرر عبد الناصر التخلص من إحدى بقايا حرب 1956، وهو وجود قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة على الأراضي المصرية كمنطقة عازلة بين الدولتين. ومع سحب مراقبي الأمم المتحدة واستبدال قوات مصرية بهم، صعّد عبد الناصر من أنشطته، حيث أعلن في 22 مايو/آيار إغلاق مضيق تيران أمام سفن الشحن المتجهة لإسرائيل. وقد أوضح السادات أن ذلك القرار جاء بموافقة الجميع عدا رئيس الوزراء آنذاك، صدقي سليمان، الذي طالب عبد الناصر بالمزيد من الصبر، لكن الأخير لم يعره اهتمامًا.

وعلى طريق الاستعداد للحرب، كانت تُعقد محادثات يومية بين القيادتين العسكرية والسياسية في مصر، وكُلِّفت القوات المصرية في سيناء بمهام عملياتية، كما بدأ رئيس تحرير جريدة الأهرام ولسان عبد الناصر، محمد حسنين هيكل، تبرير حتمية قيام الحرب بين إسرائيل ومصر.

بعد أسبوع، وخلال اجتماع بالقيادة العليا للقوات المسلحة، تنبأ عبد الناصر بضربة إسرائيلية ضد مصر في غضون 48 إلى 72 ساعة على أقصى تقدير. لذا، فقد كانت الاستعدادات المصرية للحرب تتم بثقة وإفراط أمام أعين وسائل الإعلام العالمية، وكلما اقتربت الحرب زاد عبد الناصر عدوانية ضد إسرائيل ليخرج في خطاب في 22 مايو/آيار 1967 ويؤكد استعداد مصر للحرب. ثم في 26 من الشهر نفسه خرج عبد الناصر ليعلن أن الهدف الرئيسي له سيكون تدمير إسرائيل في حال اندلاع أعمال عدائية، وتحدث لاحقًا لبعض المتشككين في القيادة المصرية ليتيقنوا من انتصار مصر على إسرائيل في الحرب.

تلك التصريحات انعكست على بعض الأدباء مثل نجيب محفوظ الذي قال إن لهجة الثقة التي تحدث بها عبد الناصر خلال مؤتمره الصحفي الشهير قبل الحرب، جعلته يعتبر أن الانتصار على إسرائيل بات أمرًا مفروغًا منه، لاسيما وأنه بات مقتنعًا بأن مصر هي القوة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط.

كما احتشد خصوم عبد الناصر العرب السابقين خلف رايته، وكان أبرزهم ملك الأردن حسين، والذي وقع اتفاقية دفاعية مع مصر في 30 مايو/آيار، وانضمت العراق للركب بتوقيع اتفاقية دفاعية مع مصر.


الحرب الحتمية

كان يمكن تطبيق الخطط العسكرية المصرية بالكاد إذا أخذت مصر المبادرة العسكرية، لكن تنفيذها كعمل دفاعي ردًا على هجوم إسرائيل كان أمرًا معقدًا للغاية.

على الرغم من حماسه الشديد، فقد كان هناك الكثير من الأسباب لعبد الناصر ليتخلى عن الضربة الأولى في ذلك الوقت تحديدًا، ومنها عدم اكتمال الاستعدادات للحرب في سيناء والأردن، والحاجة لمزيد من الوقت لوضع خطط عسكرية.

كما كان يخشى عبد الناصر أن الهجوم المصري قد يستتبع ردًا عسكريًا أمريكيًا، يجعل التفوق العسكري والسياسي لصالح إسرائيل. وتزايدت مخاوف عبد الناصر من التدخل الأمريكي، نظرًا لطبيعة الخطة العملياتية المصرية، والتي قد تضرب عمق الأراضي الإسرائيلية مع اللجوء لخطط أخرى في قطاع غزة وعزل جنوب النقب عن بقية إسرائيل وإنشاء جسر بري مع الأردن.

كانت حرب 1967 نتيجة طبيعية ومباشرة لـ «أوهام القومية العربية»، التي أججها بطل هذه الأيديولوجية (عبد الناصر)، ووجهها ضد عدوها الأول إسرائيل.

ويمكن تطبيق تلك الخطط بالكاد إذا أخذت مصر المبادرة العسكرية، لكن تنفيذها كعمل للدفاع عن النفس ردًا على هجوم إسرائيل كان أمرًا مختلفًا للغاية.

ولم تكن لدى عبد الناصر أي نية للتراجع، وتحدث بثقة عن نتائج الصراع مع إسرائيل، وكان يؤمن بقدرة مصر على استيعاب أي ضربة إسرائيلية والفوز بالحرب، وهو الانطباع الذي وصل لقوات التحالف العسكري العربي.

ومن بين التصريحات التي تؤكد ثقة القادة المصريين في إمكاناتهم وكسب الحرب ضد إسرائيل، تلك التي خرجت من المشير عبد الحكيم عامر النائب الأول لعبد الناصر، حيث أكد أنه في حال تنفيذ إسرائيل أي إجراء عسكري فإنه يستطيع الوصول إلى بئر سبع بثلث عدد القوات فقط.

واندلعت الحرب في 5 يونيو/حزيران، ولم تكن الضربة القاضية لإسرائيل كما كان بمخيلة حسنين هيكل، ليشهد المصريون سلاحهم الجوي مُدمرًا على الأرض في غضون 3 ساعات من اندلاع المعارك. ومع انتهاء الحرب بعد 6 أيام، بسطت إسرائيل سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي العربية؛ بدءًا من قناة السويس ومرورًا بنهر الأردن ووصولًا إلى مرتفعات الجولان.

وختامًا، يرى الكاتب أن حرب 1967 كانت نتيجة طبيعية ومباشرة لـ «أوهام القومية العربية»، التي أججها بطل هذه الأيديولوجية (عبد الناصر)، ووجهها ضد عدوها الأول إسرائيل.