بعد تحذيرات معلنة خلال الفترة الماضية من أن تنظيم الدولة الإسلامية يسعى لمد وجوده ونشاطه إلى جنوب الفلبين، أعلنت السلطات الفلبينية منذ عدة أيام أن ماليزيين وإندونيسيين بين مقاتلين أجانب يقاتلون مع جماعة «ماوتي» المرتبطة بتنظيم الدولة، في مدينة ماراوي بجزيرة «مينداناو» جنوب البلاد.

وكانت الأحداث قد تطورت هناك منذ نهاية الشهر الماضي، بعد أن قام بعض المقاتلين المتمردين بتوقيف قائد شرطة مدينة مالابانغ خلال نقطة تفتيش تابعة لهم، وقطع رأسه في المكان مباشرة.

وهو ما أعقبه تهديد الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي بأنه قد يجعل قراره بفرض الأحكام العرفية يسري في كل أنحاء البلاد بعدما فرضها، يوم الثلاثاء، في جنوب الفلبين لمحاربة التمرد القائم هناك.


هل جاء تمرد مينداناو الراهن بتدبير من تنظيم الدولة؟

دعاية لتنظيم الدولة الإسلامية العام الماضي عن مد نشاطه للفلبين

في مارس/ آذار من العام الماضي حذرت جبهة «مورو الإسلامية للتحرير» من سعي تنظيم داعش لترسيخ وجوده في جنوب الفلبين، الذي بدأ يشهد اضطرابات في ذلك الوقت، حيث قال رئيس الجبهة، مراد إبراهيم، إن التنظيم «يسعى لاستغلال مشاعر الإحباط في المنطقة إزاء تعثر عملية السلام مع حركة التمرد الانفصالية الإسلامية في منطقة مينداناو، جنوب البلاد.»

بعد حوالي العام من تحذيرات جبهة مورو، أعلن الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي، يوم الخميس الماضي، من أن التمرد في جزيرة مينداناو في جنوب البلاد إنما هو «داعشي صرف»، على حد تعبيره، لافتاً إلى أنه حذر منذ وقت طويل من قرب وصول تنظيم الدولة الإسلامية إلى بلاده.

بحسب ما يقول دوتيرتي، فإن عناصر التنظيم يبحثون بعد دحرهم من العراق وسوريا عن قاعدة جديدة، معتبراً أن حصار مدينة ماراوي كان مدبراً منذ فترة طويلة. وأضاف أن المتمردين في جنوب الفلبين يحصلون على التمويل من تجارة المخدرات، مشيراً إلى أن الأخوين ماوتي، اللذين تحمل جماعة ماوتي التي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية اسمهما، متورطان في هذه التجارة.

في سياق غير بعيد عن الأحداث الأخيرة التي شهدتها ماراوي أعلن تنظيم الدولة الخميس الماضي، مسئوليته عن الهجوم على منتجع سياحي في العاصمة الفلبينية مانيلا، وهو الهجوم الذي أسفر عن مصرع 35 شخصاً على الأقل، عُثِر على جثامينهم في مجمع ترفيهي بالعاصمة الفلبينية مانيلا.

وتعتقد الشرطة أن جميع القتلى ماتوا اختناقا بعد إضرام النيران في أجزاء من المبنى، نتيجة ربما لاستنشاقهم الدخان الذي نجم عن النيران.


من هي جماعة ماوتي التي بايعت داعش؟

تعد مجموعة ماوتي مجموعة منشقة من جبهة «مورو الإسلامية للتحرير»، حيث عارض عناصر مجموعة ماوتي مفاوضات السلام التي بدأت بين جبهة «مورو الإسلامية للتحرير» والحكومة، ويشكل قوام الحركة -بحسب الحكومة الفلبينية- بضع مئات من المسلحين.

وقد بايعت مجموعتا مواتي وأبوسياف تنظيم الدولة الإسلامية، وبحسب بعض المحللين فإن تنظيم الدولة قد وضع أينيلون هابيلون «51 عاماً» قائد مجموعة أبو سياف الإسلامية على رأس فرعه في الفلبين.

بعد توافر معلومات أمنية أشارت الى وجود هابيلون في ماراوي، شنت قوات الأمن الثلاثاء 23 مايو/أيار عملية في محاولة للقبض على الأخير، لكن العملية أخفقت بسبب المقاومة العنيفة جداً من مقاتلي هابيلون.

بعد تراجع قوات الجيش في مواجهة كتيبة من الحرس المسلح انتشر حوالي أربعمائة من المقاتلين بسرعة في مختلف أنحاء المدينة بشاحنات مركب عليها مدافع رشاشة ثقيلة مع مسلحين بقذائف صاروخية وبنادق هجومية.

في غضون ساعات هاجموا السجن ومركز الشرطة القريب منه، واستولوا على أسلحة وذخائر، وذلك حسب ما رواه السكان. وسويت دانسالان كوليدج، وهي مؤسسة بروتستناتية، وكاتدرائية ماريا أوكزيليادورا الكاثوليكية بالأرض، وتم احتجاز كاهن وأكثر من عشرة آخرين من رعايا كنيسته ومازالوا رهائن، كما دمر المهاجمون مسجداً شيعياً.

وبعد المعركة رفرفت الأعلام السوداء للتنظيم في مختلف أنحاء المدينة، وجاب مقاتلون ملثمون الشوارع، معلنين أن ماراوي أصبحت تحت سيطرتهم، واستخدموا مكبرات صوت لحث السكان على الانضمام إليهم، كما سلموا أسلحة لمن انضم إليهم، على حد قول السكان أيضًا.

بحسب السلطات الفلبينية، كان مع هابيلون في ماراوي مائة من عناصر جماعة أبو سياف. إلا أنه حينما اندلعت المواجهات الأخيرة تبين أن هناك 500 مقاتل أيضًا من مجموعات محلية، وأيضًا من الأجانب الذين ينتمون على التنظيم قادمين من إندونيسيا وماليزيا والسعودية واليمن والشيشان.

ورغم استخدام الجيش الفلبيني للمرة الأولى طائرات (إس.إف-260) لدعم طائرات الهليكوبتر المقاتلة والقوات البرية التي تسعى لحصار المقاتلين في منطقة بوسط المدينة. فإن مقاتلي جماعة ماوتي على خلاف التوقعات ظلوا صامدين ومسيطرين على حوالي 10% من مساحة ماراوي.


تاريخ التمرد الجهادي المسلح في الفلبين

دعاية لتنظيم الدولة الإسلامية عن مد نشاطه للفلبين
دعاية لتنظيم الدولة الإسلامية عن مد نشاطه للفلبين

يعود تاريخ أعمال التمرد المسلحة في جنوب الفلبين إلى الأزمة التاريخية بين شعب المورو، وهم المجموعة العرقية المسلمة في الفلبين، وبين الحكومة المركزية الفلبينية التي تسيطر عليها الغالبية الكاثوليكية في البلاد.

وهذه الأزمة تعود إلى سنوات الاحتلال الإسباني والأمريكي، الذي أنهي حكم السلطنة الإسلامية هناك، وأجبر شعب المورو على الاندماج في الجمهورية الفلبينية الحديثة.

وقد قادت حركةَ التمرد في الجنوب الفلبيني جبهة تحرير مورو الإسلامية بزعامة الحاج مراد إبراهيم الذي اختير لرئاسة الجبهة عقب وفاة زعيمها السابق سلامات هاشم عام 2003.

وتعود الجذور الفكرية لقادة هذه الجبهة إلى ستينيات القرن الماضي، حيث تأثروا بأدبيات الإخوان المسلمين في مصر وكتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، خاصة إبان دراسة بعض قادتهم في الأزهر الشريف.

وقد أثرت في الحركة أيضًا روافد أخرى غير روافد الفكر الإخواني، خاصة الفكر السلفي الوهابي الذي اعتنقه من درس منهم في المملكة العربية السعودية.

كما تأثر البعض الآخر بالفكر السلفي الجهادي إبان اختلاطهم بقادة حركة الجهاد في أفغانستان. وقد عاد هؤلاء جميعًا إلى الفلبين وشكلوا فيما بعد مزيجًا إسلاميًّا من كل هذه التيارات الفكرية، الأمر الذي كان سببًا فيما بعد في انشقاقات كثيرة طالت هذا التيار.

انشقت جماعة أبو سياف ذات التوجه السلفي الجهادي عن جبهة التحرير الوطنية (مورو) عام 1991. ومؤسس تلك الحركة هو عبد الرزاق جان جيلاني المتخرج من جامعة أم القرى بمكة المكرمة والمشهور بكنيته أبو سياف.

وقد قُتل أبو سياف عام 1998، فتولى القيادة بعده أخوه الأصغر قذافي الزنكلاني، وفي عهده انقسمت الجماعة عدة مرات.

ويقدر عدد المسلحين في جماعة أبو سياف بعدة مئات، ويتمركزون في جزر باسيلان، وسولو، وتاوي تاوي في أقصى الجزء الجنوبي للفلبين، ويمتد نشاطهم أحيانًا إلى مانيلا. ومن المعتقد أن عدد أنصار الجماعة يبلغ الألف، ينتشرون في الجزر الجنوبية. وقد شاركت الجماعة في عملية السلام بين الحكومة وجبهة مورو مطالبة بدولة إسلامية مستقلة.

ويعتمد نشاط الجماعة على الاغتيال والخطف وابتزاز الشركات ورجال الأعمال الأثرياء. وكان أول هجوم كبير للجماعة عام 1995، عندما أغارت على بلدة إيبيل في جزيرة مندناو. وغالبًا ما تستهدف الجماعة الأجانب، وخاصة الأوروبيين والأمريكيين للضغط على الحكومة لتلبية مطالبهم. وينسب للجماعة عدد من حالات الخطف وهجمات بالقنابل تمت في عام 1998.