العنوان: الدولة الإسلامية: جذورها ومستقبلها الكاتبة: عايدة العلي سري الدين الناشر: دار الفارابي، بيروت، لبنان الطبعة الأولى: شباط/فبراير 2016م

في مقدمة و24 فصلًا، اجتهدت الكاتبة اللبنانية «عايدة العلي سري الدين» في طرح رؤيتها حول «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في كتابها: «الدولة الإسلامية: جذورها ومستقبلها». والكاتبة تقرر –ابتداءً– أن ظاهرة داعش تم تفسيرها بتفسيرات متضاربة بدءًا من اعتباره التنظيم «نبت فجأة دون جذور راسخة»، مروراً بـ «الركون إلى رأيين على نحو خاص فالأول يرى إلى اعتبار ثمة داعشي داخل كل منا، وبالتالي فكان ظهور التنظيم نتيجة طبيعية بسبب التطرف الديني الكامن داخل كل منا. أما الرأي الآخر، فهو الذي كان أقل انتشارًا وأكثر دقة، داعش هو تجلٍ آخر من تجليات «القاعدة» وإبن شرعي لها في نهاية المطاف.

وداعش تنظيم إرهابي مسلح يتبع الأفكار السلفية الجهادية والوهابية بالإضافة إلى أفكار ورؤى الخوارج، ويهدف أعضاؤه –حسب اعتقادهم– إلى إعادة الخلافة الإسلامية. والتنظيم أعلن قيام الخلافة ونصبت أبا بكر البغدادي خليفة. (يونيو/حزيران 2014م).


خلافة إسلامية أم بعثية!

الأهم في الكتاب تأكيدها أن البذرة الأولى للتنظيم وضعها صدام حسين، فهو من «بدأ بالتمهيد العملي والعقائدي واللوجيستي سواء عن قصد أو بمحض الصدفة». فعندما أدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت الإطاحة به وبنظامه قرر «اللجوء إلى الله» حسب تعبير الكاتبة، وعمل على تبني الهوية الإسلامية والجهاد الإسلامي خصوصًا كعقيدة لمواجهة الاحتلال المرتقب، والدليل الأهم على ذلك أن «أبرز المساعدين للخليفة أبي بكر البغدادي هم ألوية الجيش العراقي الذي حله الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر»، فالجهاديون الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم وانضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية لا يملكون الخبرة الكافية في قيادة الطائرات والدبابات أو تصويب الصواريخ وغيرها من الأمور العسكرية، فهذا في معظمه من فعل الضباط العراقيين السابقين. ويشكل العقيد حجي بكر (قتل في 2014م) أحد أبرز نماذج هذا المكون البعثي.

و«يمكن الحديث عن جيل قيادي جديد نال فيه العديد من ضباط الجيش العراقي السابقين والعديد ممن همشتهم سياسة ترتيب أوضاع البيت الشيعي في الدولة مكاناً هاماً ليس فقط في التنظيم العسكري وإنما في مجلس الشورى». وتطرح الكاتبة فكرة مهمة جداً في قولها: «إن وجود عدد من الضباط السابقين في الهيئات الشرعية والإرشاد قد عزز فكرة بناء الدولة على أساس الهوية القائمة على العقيدة، دولة ترفض الحدود وتعتبر «المسلم السلفي الحق» عراقياً كان أوغير عراقي، الوسيلة الوحيدة لمواجهة التكوين المجتمعي الطبيعي الهجين للعراق. ولا شك بأن فكرة جمع العراق وبلاد الشام مرتبطة بالسيطرة على أراضٍ ذات أغلبية سنية باعتبارها السبيل الوحيد لتسلم السلطة والاحتفاظ بها بالقوة. ويبدو أن الحرب على الديموقراطية ليس لأسباب فقهية وعقائدية فحسب وإنما بوصف هذه الحرب تعبيراً عن رفض «حكم الأغلبية غير السنية» الضامن لأغلبية معادية لإمكانية وصول التيار الجهادي إلى الحكم. رفض المواطنة المشتركة والمتساوية وتأصيل فكرة الصفوة التي زرعها النظام السابق في صفوف أنصاره والتي أصلتها الحركات التكفيرية مجتمعة هي الوسيلة الوحيدة لحكم أقلية لكامل سكان «الدولة» التي لم تتطرق إلى ضم سوريا قبل 2012م». وتلك أكثر أطروحات الكاتبة أهمية.

أما عن تنظيم داعش في سوريا فترى الكاتبة أن تنظيم داعش قد استفاد من الفوضى السياسية والعنف الطائفي من أجل غرس نفسه في سوريا تماما كما فعل في العراق. لكن هناك عوامل إضافية في سوريا تجعل الوضع أكثر قابلية للاشتعال، بينها بلا شك الحرب الأهلية الشاملة فيه. وترى الكاتبة «أن داعش هو أول تنظيم إرهابي قد يبني دولة الخلافة»، فالبغدادي هو الرجل الذي نجح في تحويل بعض الخلايا الإرهابية المختصرة والمتناثرة إلى أخطر مجموعة مقاتلة في العالم، فالبغدادي ركز على السرِّية عبر خلايا صغيرة غير مترابطة بما يصعب اكتشافه، وكذلك على التمويل، كان أسلوبه يتمثل في فرض الخراج على سائقي الشاحنات وتهديد أصحاب الأعمال بالتفجير في حالة لم يستجيبوا وكذلك بسرقة المصارف ومحال المجوهرات.

وحالة التوحش هذه –بلا شك– لم تأتِ من فراغ. وأيديولوجية الدولة الإسلامية في العراق والشام تشير إلى الموقف اللاهوتي والإسلامي فقد فكرت الدولة الإسلامية في إقامة مركز الخلافة في المقام الأول في العراق وسوريا وتستند أيديولوجيتها على الإسلاموية والوهابية. وسياستها تتمثل في «القتل الجماعي» مؤمنين بوجوب القضاء على أي ديانة أخرى غير الديانات السماوية حتى لو أدى ذلك إلى قتل الملايين، كما أنهم يرون ضرورة قتل كل مسلم يؤمن بالديمقراطية، وهذا يعنى قتل عشرات الملايين من المسلمين، فالديمقراطية وضعها البشر وتطبيقها يؤدى إلى عدم تطبيق شرع الله حسب اعتقادهم.


قواعد استثمار الخطر

الجهاديون الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية لا يملكون الخبرة الكافية في الأمور العسكرية، فهذا في معظمه من فعل الضباط العراقيين السابقين
ترى الكاتبة أن داعش يمثل كنزًا استراتيجيًا للولايات المتحدة الأمريكية لتبرير إعادة تدخلها العسكري في العراق وسوريا عسكريًا بحجة محاربة الإرهاب

وترى المؤلفة أن داعش اكتسب أهمية لدى أطراف عديدة، والنسبة للعراقيين السنة مثلًا، كان داعش من يخلصهم من الظلم الطائفي. وينظر النظام السوري إلى داعش على أنه الورقة الأقوى بيده في وجه المعارضة، وتكمن أهميته في محاربة التنظيمات العسكرية المعارضة الأخرى. وأشار عدد من المحللين إلى استخدام رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي» ورقة داعش للضغط على معارضيه عندما شارفوا على الإطاحة به، وظهر للشعب العراقى على أنه الشخص الوحيد القادر على محاربة هذا التنظيم الإرهابي الذي يهدد العراق برمته. ولتركيا مصالح كثيرة في بقاء سيطرة داعش على أجزاء واسعة من سوريا والعراق من أهمها: محاربة داعش للأكراد، العدو التاريخي لتركيا في شمال العراق وسوريا، كما أن داعش تحارب النظام للنظام السوري الذي طالما دعت تركيا لتشكيل تحالف دولي للإطاحة به. وترى الكاتبة أن داعش يمثل كنزًا استراتيجيًا للولايات المتحدة الأمريكية لتبرير إعادة تدخلها العسكري في العراق وسوريا عسكريًا بحجة محاربة الإرهاب وضرب المصالح الروسية في المنطقة.

وعندما تعرض الكاتبة لمستقبل داعش ترى أن من الصعب تدميرها بالوسائل العسكرية. ومن نقاط ضعفها افتقارها لسلاح جوى أو دفاعات جوية فاعلة أو صواريخ بعيدة المدى، لكن ما يعوض هذا النقص هو قدرات المقاتلين العالية واستعدادهم للإقدام على عمليات انتحارية. لكن موت الخليفة البغدادي قد يكون أحد الأخطار الكبرى التي تواجه التنظيم. وفي عودة إلى خطاب «استدراج الولايات المتحدة الأمريكية» بهدف هزيمتها (طرحه للمرة الأولى أسامة بن لادن في 1996م)، تتوقع الكاتبة استمرار سياسة القتل الوحشي للرهائن الأجانب. وتتوقع أيضاً استمرارها في تعميق الشرخ الطائفي.

وسيناريو الرعب الحقيقي يمكن أن يتجسد في امتلاك التنظيم أسلحة كيماوية، فهو لن يتردد مطلقًا في استخدامها. و«في النهاية، إن منطقة الشرق الأوسط برمتها تتعرض لعملية تغيير جذرية، وهناك قوى ستختفي وأخرى ستصعد… وحدود سيعاد رسمها من جديد، وحروب أهلية جديدة ستنفجر… وكل المؤشرات تؤكد أن الدولة الإسلامية ستظل معنا لفترة طويلة ما دام هناك من يتوقع أن تستمر الحرب ضدها أقله ثلاثين عاماً».