محتوى مترجم
المصدر
The Guardian
التاريخ
2017/02/26
الكاتب
فريق عمل الأوبزرفر البريطانية

تعيش مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في حالة من الخوف والعزلة، حيث لا يُسمح لأي شخص بالتحدث إلى الصحفيين الغربيين أو مغادرة المدينة دون إذن من التنظيم.

ويستعرض ذلك المقال المنشور بصحيفة (الأوبزرفر) البريطانية يوميات قام بكتابتها أحد من عاشوا تحت حكم التنظيم وهو شخص يُدعى سامر (وهذا ليس اسمه الحقيقي)، ويكشف خلال يومياته عن حجم المعاناة التي تعرضت لها المدينة التي سقطت بين مطرقة النظام وسندان التنظيم المتشدد.


مارس/آذار 2013

يقول سامر، وهو أحد أفراد مجموعة (الشرقية 24) الإعلامية المناهضة لداعش،إنه «لن ينسى المرة الأولى التي ظهر فيها مسلحو التنظيم بشوارع المدينة وكان ذلك في مارس/آذار عام 2013».

ويوضح أنه بعد معارك ضارية بالمدينة كان أطرافها الجيش السوري الحر وقوات النظام وداعش، استولى الأخير على المدينة واستطاع استغلال ارتباك وجهل سكانها ليبدأ في إقناعهم بالانضمام لصفوفه، لكنه لم يقتنع شخصيًا بتبريراتهم.

ولفت إلى ما كان يمارسه رجال الحسبة بالتنظيم في شوارع المدينة من إهانات بحق سكان المدينة، وهو ما ينافي التدين الذي يدعونه. واستشهد سامر بواقعة تعدي أفراد الحسبة بالقول على إحدى السيدات، وهو ما أثار دهشة من كانوا يشاهدون الواقعة في الشارع.

ويضيف أن أحدًا لم يجرؤ على التدخل، إلا أن شخصًا يُدعى «أبو سعيد» قرر أن يتدخل، وكان ذلك الرجل هو المؤذن الخاص بأحد المساجد، وكان محبوبًا التف الناس حوله بينما بدأ في الرد على أفراد الحسبة وقال لهم «إنه لا علاقة لهم بالإسلام».

ويؤكد سامر أن جميع سكان المدينة لم يرغبوا في وجود داعش وسطهم، وأنهم ينشرون جواسيسهم للاستماع إلى أحاديث السكان، ومن يذْكرهم بالسيئ يقومون بقطع رأسه؛ ما جعل سامر يقول في قرارة نفسه: «إن هؤلاء الأشخاص سيعيدوننا إلى العصور المظلمة».

ويشير سامر أيضًا إلى عمليات الإعدام التي ينفذها التنظيم بحق بعض السكان والتي تبدأ بتلاوة الأحكام، مستشهدًا بحادثتين في ذلك الصدد؛ أولهما لشخص تم قطع رأسه لقتاله إلى جانب قوات النظام، وآخر (كان ناشطًا) تم قطع رأسه بسبب التحدث إلى وسائل الإعلام الأجنبية.

يقول سامر:

ويلمح سامر إلى أن ثمة صورة لا تزال بمخيلته، ألا وهي مشهد رأس مقطوعة لأحد جيرانه على الأرض؛ ما أثار الغضب داخله ودفعه ليلعن التنظيم بصوت عالٍ، لتسمعه مجموعة من الحسبة وتمسك به وتعاقبه بـ 40 جلدة.

ويروي سامر قصص معاناة أخرى لسكان المدينة من إقدام مقاتلي التنظيم على قتل الأطباء واعتقالهم وإغلاق عياداتهم بحجة أن الأطباء الذكور محظور عليهم علاج النساء.

لا تقتصر معاناة سكان الرقة على ما يفعله به مسلحو التنظيم، لكنهم يعانون أيضًا من القصف الجوي الذي يمارسه النظام السوري والذي يقول سامر: «إنه أودى بحياة والده، وهي اللحظة التي يصفها بأنها أحلك لحظات حياته، فيما استطاع أحد الأطباء إنقاذ حياة والدته بمعجزة، وتعرض منزلهم للدمار الكلي».


مايو/أيار 2016

لسنا قادرين على فعل أي شيء تجاه ما يحدث أمامنا. من الخطورة أن تظهِر مشاعرك الحقيقية لأن داعش يراقب الحشود. نحن في قبضتهم تمامًا.

يقول سامر إنه بقي قدر ما استطاع داخل الرقة التي منحته ذكريات جميلة، وكان يريد البقاء داخلها والمساعدة وقت الحاجة، لكنه انتقل للعيش مع والدته في مخيم للنازحين بريف حلب وبدأت حياته الجديدة في المنفى.

ولم تخلُ الحياة داخل مخيم النازحين من المعاناة على حد قول سامر، فالطعام والعلاج غير كافيين، وكانت طائرات النظام تحلق فوق رؤوس قاطني المخيم، وكان يأمل الكثيرون هنا في العبور إلى تركيا لكن الحدود كانت مغلقة تمامًا.

يوضح سامر أيضًا أن الكثيرين ممن كانوا داخل مخيم النازحين قد شوهتهم آلة الحرب الأسدية، فمنهم من فقد أطرافه ومنهم من يعاني من صدمات نفسية.

ويقول سامر:

أحمل الكثير من ذكرياتي داخل حقيبة صغيرة صور لأشخاص وأماكن، أجزاء شاردة عشوائية من الماضي، الذي لم يعد موجودًا بعد الآن. من بين تلك الأجزاء صورة لصديق دراسة قديم، كل ما أعلمه أنه ربما يكون قد قُتِل، وهناك أيضًا صور لجارنا الذي قُتِل مع طفله في غارة جوية.
ويتابع سامر:
وهذه صورة لصديق قديم قام داعش بصلبه، وهنا صورة لمنزلنا المدمّر، وصور أخرى للشارع الذي كنا نعيش به، والذي أصبح الآن خاويًا وركامًا.

ويؤكد سامر أنه لا يزال يحتفظ بالكثير من الصور العزيزة إلى قلبه لكن في مخيلته، والتي من بينها فتاة جميلة قضى أسعد لحظات حياته إلى جوارها حتى فرق بينهما القدر بعد أن (أجبِرت على الزواج من أحد مقاتلي التنظيم).

يقول أيضًا «هناك صور أصدقاء الدراسة. لم يعد لدي أمل في رؤية هؤلاء الأشخاص مجددًا».