المعهد العالمي للفكر الإسلامي مؤسسة فكرية علمية خيرية مستقلة، تعمل في ميدان الإصلاح الفكري والمعرفي، بوصف ذلك واحدا من منطلقات المشروع الحضاري الإسلامي المعاصر، ويوجه خطابه إلى العلماء والمفكرين والباحثين وجمهور المثقفين للعمل على إصلاح الفكر والمنهجية الإسلامية على مستوى الأمة، متجاوزا حدود اللغة والإقليم.

ويمثل المعهد منبرا متميزا يعمل ضمن المنظور الإسلامي لتنفيذ مشروعات الأبحاث، وعقد المؤتمرات و الندوات، ونشر الكتب والدوريات العلمية المحكمة. ويتعامل المعهد مع مصادر التراث الإسلامي والمعرفة الإنسانية المعاصرة؛ لبلورة تيار فكري إسلامي متميز، يمهد لاستعادة قدرة الأمة على العطاء الفكري والنهوض الضاري.

وقد أنشئ المعهد عام ١٤٠١هـ (١٩٨١ م)، وسجل في الولايات المتحدة الأمريكية، ومقره العام في (هيرندن) من ضواحي العاصمة الأمريكية واشنطن، وله فروع ومكاتب في عدد من العواصم العربية والإسلامية والعالمية، ويشرف على أعماله مجلس أمناء ينتخب من بين أعضائه رئيسا له بصورة دورية.”

كان ذلك تعريف المعهد العالمي للفكر الإسلامي بنفسه على موقعه الرسمي. ويحكي الدكتور يوسف القرضاوي عن ظروف نشأة المعهد قائلا (بشيء من التصرف):

تنادت مجموعة من المثقفين الإسلاميين المعنيين بأمر الدعوة والفكر في صيف بضرورة التلاقي للحوار والمراجعة حول قضايا حية وجوهرية يدور حولها الجدل في كثير من الأقطار، تستحق من أهل العلم والفكر والدعوة البحث الدقيق، حتى تنضج حولها رؤية مستبصرة، يمكن أن تنبثق منها أحكام شرعية اجتهادية ، تتحدد على ضوئها مواقف عملية، وتنشأ على أساسها هياكل ومؤسسات فكرية ودعوية وتربوية. وكان من أهم هذه القضايا: أسلمة المعرفة أو (إسلامية المعرفة)، لاسيما العلوم الإنسانية والاجتماعية. وكذلك قضية الوجود الإسلامي في الغرب، وضرورة توطينه، وأهمية الربط بين المسلمين، وإزالة الخلافات والفجوات القائمة بينهم، ووجوب إدماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، وخروجهم إلى باحة التفاعل والتأثير والتأثر، مع الاحتفاظ بالعقيدة والهوية الإسلامية، وضرورة تبني رؤية وسطية مستنيرة للإسلام، تقوم على التسامح لا التعصب، والحوار لا الرفض، والاعتدال لا الغلو والتسيب.

فكان المعهد العالمي للفكر الإسلامي هو أبرز تلك المؤسسات الناشئة عن اجتماع لوجانو، سويسرا ١٩٧٧. وتكفي نبذة يسيرة عن أول رؤساء المعهد، للتأكيد على أثر القضايا التي ذكرها الدكتور يوسف القرضاوي، على توجهات تلك المؤسسة.


الفاروقي وأسلمة المعرفة

كان الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي هو أول من انتخب لرئاسة المعهد العالمي للفكر الإسلامي. وقد عمل هذا الدكتور والباحث الفلسطيني البارز أستاذا لفلسفة الأديان في عدد من جامعات أمريكا والعالم، وهو من أوائل المهتمين بأسلمة المعرفة. وتولى رئاسة المعهد في الخمس سنوات الأولى، إلى أن تم اغتياله وزوجته في هجوم على منزله ضمن هجمات أخرى شكلت إحدى صور معاداة العرب والمسلمين التي برزت بقوة -خاصة في المجتمع الأمريكي- في تلك الفترة، عقب تصاعد الأزمة الفلسطينية-الإسرائيلية، ومقالاته المعارضة للفكر الصهيوني .

وحدد إسماعيل الفاروقي في دراسة “إسلامية المعرفة: المبادئ وخطة العمل” أسلمة المعرفة بقوله: «أقصد بأسلمة المعرفة بالتحديد أسلمة العلوم، أو بمعنى أوضح، إنتاج كتب دراسية جامعية في نحو عشرين علما طبقا للتصور الإسلامي».

حيث يرى الدكتور إسماعيل الفاروقي لما تعانيه الأمة من تخلف حضاري، سببين:

١) الازدواجية التعليمية، المتمثلة في الانقسام بين اتجاهين؛ الإسلامي والعلماني من جهة.

٢) انعدام الرؤية الحكيمة اللازمة لتوجيه الفعل الإسلامي في الاتجاه الصحيح.

فيقول عن الأخير في نفس الدراسة، والتي ترجمها “عبد الوارث سعيد” (بشيء من التصرف):

إن المحصلة النهائية لذلك ليست النموذج الغربي المنشود، وإنما صورة مهزوزة منه، مهما تكن الدعاوى الكثيرة التي تزعم غير ذلك إن النموذج الغربي في التربية شأنه شأن الإسلامييقوم أساسا على رؤية محددة وعلى عزيمة تنفث فيه الحياة ليحقق هذه الرؤية إن. المباني والمكاتب والمكتبات والمختبرات وفصول الدراسة التي تعج بالطلاب ليست سوى أدوات مادية لا قيمة لها بدون رؤية واضحة، ومن طبيعة الرؤية أنها لا تقلد أو تستنسخ، وإن كانت بالإمكان اقتباس مظاهرها الخارجية. لذا فإن المسلمين في خلال هذين القرنين من التربية العلمانية لم ينتجوا شيئا يوازى في الإبداع أو الامتياز ما في الغرب. والنتيجة الحتمية لغياب هذه الرؤية هي مشكلة انخفاض المستوى في مؤسسات العالم الإسلامي. إن البحث الأصيل عن المعرفة لا وجود له دون “روح” تبعث فيه الحياة، وهذه الروح هي بالذات ما لا يمكن اقتباسه، لأنها لا تتولد إلا من الرؤية الواضحة للنفس وللعالم وللحقيقة، أي من الدين وهذا هو ما يفتقده نظام التعليم في العالم الإسلامي اليوم فليس لقياداتنا التعليمية -بطبيعة الأمررؤية الرجل الغربي، كما أنها باختيارها أي بسبب الجهل والخمول والسلبية
لا تمتلك الرؤية الإسلامية.

وتهدف أسلمة المعرفة تلك، إلى إخضاع العلوم ومناهج البحث العلمي إلى مبادئ محددة، ترى فيها جوهر الإسلام. وتلك المبادئ هي: وحدانية الله، ووحدة الخلق، ووحدة الحقيقة والمعرفة، ووحدة الحياة، ووحدة الإنسانية.

ويرى الدكتور إسماعيل الفاروقي أن إنتاج تلك المعرفة الإسلامية يحتاج إلى أمرين:

أولا) إطلاعا واسعا على المنتج المعرفي الغربي، ومنهجيات البحث العلمي، وانتقادات المفكرين الغربيين لذلك المنتج.

ثانيا) تمكنا حقيقيا من التراث. وهو ما يستلزم تيسيره وتوفير شروح له تسهل فهمه على الباحثين، وتصنيفه تبعا لتقسيمات العلوم الاجتماعية.

وتكفينا نظرة على “رسالة المعهد”، للتأكيد على محورية ما سبق من أفكار:

يتولى المعهد العالمي للفكر الإسلامي مهمة إصلاح الفكر الإسلامي ومناهجه؛ لتمكين الأمة من استعادة هويتها الحضارية، وإبلاغ رسالتها الإنسانية، وتحقيق حضورها العالمي، وإعانتها على الاستفادة من الفرص، ومواجهة التحديات، والإسهام في مسيرة الحضارة الإنسانية، وتوجيهها بهداية الوحي الإلهي. ويعمل المعهد على تأصيل قضايا الإسلام الكلية، وربط الجزئيات بالمقاصد والغايات الإسلامية العليا، من خلال مشاريع “إسلامية المعرفة” في الحقول العلمية المختلفة، ولاسيما العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ لتحقيق الصلة الوثيقة بين الوحي والمعرفة والقيم.

المعهد العالمي والإخوان: تبعية أم صداقة؟

ولعل الوثيقة المنسوبة إلى الإخوان المسلمين، والمعنونة “وثيقة تفسيرية، للهدف الاستراتيجي العام للجماعة في أمريكا الشمالية” والتي تداولتها الصحف والمواقع العالمية عام ٢٠٠٣، هي ما سبب توتر بين المعهد ووسائل الإعلام الأمريكية.

حيث جاء في تلك الوثيقة ستة عناصر، تشكل الهدف الإستراتيجي للجماعة في أمريكا الشمالية، وهي:

١- إيجاد حركة إسلامية فعالة ومستقرة بقيادة الإخوان المسلمين.

٢- تبني قضايا المسلمين محليا وعالميا.

٣- توسيع القاعدة الإسلامية الملتزمة.

٤- توحيد وتوجيه جهود المسلمين.

٥- طرح الإسلام كبديل حضاري.

٦- دعم إقامة دولة الإسلام العالمية أينما كانت.

وكان المعهد ضمن ٢٩ كيانا جاء في الوثيقة تحت عنوان “قائمة بمؤسساتنا ومؤسسات أصدقائنا”.

والحقيقة أن تبعية المعهد للإخوان المسلمين أمرا غير خفي، لكن هدف الجماعة وعناصره المذكورة هم ما أثار مخاوف الإعلام. ناهيك عن استخدام بعض النصوص التفسيرية الواردة في الوثيقة كفزاعة من قبل بعض السياسيين الأمريكيين. إضافة إلى اتهامات وجهت للمعهد وبعض أعضائه بتقديم الدعم للجماعات الإرهابية والاتصال بها، كحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وحماس والقاعدة.

وما يزال المعهد متهما إلى اليوم بالسعي والتخطيط من أجل اختراق الحكومة الأمريكية والجامعات والمؤسسات العلمية.


المعهد.. الأهداف والوسائل

وللمعهد خمسة أهداف معلنة، يلتمس لتحقيقها تسع من الوسائل. وتلك الأهداف الخمسة هي:

١- بناء رؤية إسلامية شاملة، تستهدف بلورة نظام معرفي إسلامي ومنهجية إسلامية؛ لفهم الطبائع وإدراك الإمكانات، والتحديات ومواكبة السقف المعرفي المتنامي، ولتقويم المعرفة المعاصرة، وإنتاج المعارف الجديدة.

٢- تطوير منهجية للتعامل مع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ لتنزيل هداية الوحي على الواقع وترشيد الطبائع

٣- تطوير منهجية للتعامل مع التراث الإسلامي والإنساني.

٤- تطوير منهجية عملية لفهم واقع الأمة والعالم المعاصر؛ للتعامل معهما في ضوء مقاصد الإسلام، والمتاح من الوسائل والفرص والتعامل مع المستجدات.

٥- بلورة منهجية تربوية قادرة على صياغة الشخصية الإسلامية الفاعلة القادرة على الأداء الحضاري الإسلامي.

أما الوسائل فهي:

١- إعداد المشاريع البحثية وأوراق العمل العلمية وتكوين الفرق البحثية، واعتماد مفهوم البحث الجماعي ما أمكن.

٢- دعم جهود العلماء الباحثين في الجامعات ومراكز البحث المختلفة، واستكتابهم، ونشر أعمالهم، وترجمتها إلى لغات الشعوب الإسلامية واللغات العالمية الأخرى.

٣- عقد المؤتمرات والندوات والدورات العلمية المتخصصة.

٤- ترشيد مناهج وبرامج الدراسات الجامعية وتوجيهها في مجالات دراسة الثقافة الإسلامية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ومجالات فلسفة العلوم؛ تحقيقا لوحدة المعرفة، وتكامل مناهجها العلمية.

٥- العناية الخاصة بالعلوم السلوكية والتربوية، بهدف الإسهام في بناء العقلية والنفسية الإسلامية، وفقا لمقتضيات القوة والأمانة في بناء الشخصية الإسلامية.

٦- إصدار دوريات علمية متخصصة، والتعاون مع الدوريات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.

٧- التعاون مع المنظمات العلمية والجامعات ومراكز البحث، ذات الاهتمام المشترك، وعقد اتفاقيات مشتركة في مشروعات علمية.

٨- اختيار الممثلين والمستشارين الأقطار المختلفة، للوصول إلى فئات المثقفين والمفكرين في هذه الأقطار. للإسهام العلمي الفعال في جوانب مشروع إسلامية المعرفة.

٩- فتح الآفاق العلمية أمام الفكر الإسلامي وإنجازاته على شبكة الاتصالات العالمية (الإنترنت)، لتوفير منبر مفتوح للتفاعل والحوار.

قام المعهد بنشر مئات الكتب والدراسات العملية في موضوعات مختلفة، كان من بينها مخطوطات ورسائل الجامعية، تهدف أغلبها للمساهمة في “تطوير منهجية معاصرة فاعلة ومنضبطة للتعامل مع القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والتراث الإسلامي والإنساني، والواقع المعاصر”. كما يصدر المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في الولايات المتحدة دورية علمية فصلية باللغة الانجليزية باسم: المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية منذ عام ١٩٨٤. إضافة إلى مجلة دورية فصلية باللغة العربية تدعى (إسلامية المعرفة) تصدر منذ عام ١٩٩٥. إلى جانب الكتب التي تتولى مكاتب المعهد نشرها باللغات المحلية للشعوب الإسلاميه، كالأوردية والماليزية والإندونيسية والتركية والفارسية والألبانية والبنغالية والبوسنية والكردية وغيرها.

من إصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي:

– ابن تيمية وإسلامية المعرفة، طه جابر علواني (١٩٩٥).

– أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية، زغلول راغب النجار (١٩٩٦).

– الأسس الإسلامية للعلم، محمد معين صديقي (١٩٩٦).

– الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام، منى أبو الفضل ( ١٩٩٦).

– الطاعة السياسية في الفكر الإسلامي، هاني عبادي المغلس (٢٠١٤).