الكتاب: الإسلام الحنبلي المؤلف: جورج مقدسي ترجمة: سعود المولى الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر
2017

جورج مقدسي (1920 – 2002) مؤلّف الدراسة التي نحن بصدد تقديم عرض لها هو مستشرق أمريكي من أصل لبناني، وهو متخصص بالدراسات العربية والإسلامية، خصوصًا دراسات الحنبلية القديمة. وقد عرفه قرّاء العربية من قبل من خلال ترجمة أبرز أعماله: «نشأة الكليات: معاهد العلم عند المسلمين وفي الغرب»، وله أيضًا: «نشوء النزعة الإنسانية»، وعمله الضخم في تحقيق كتابي أبي الوفاء ابن عقيل، الفقيه الحنبلي الشهير: «الواضح في أصول الفقه»، و«كتاب الفنون».

والدراسة التي بين أيدينا صدرت في مقالتين بمجلة الدراسات الإسلامية Revue des etudes islamiqus، في المجلدين 42 و43 الصادرين عام 1974 و1975، ولكنها -أي الدراسة – في أصلها عبارة عن أربع محاضرات ألقاها المؤلف بدعوة من أستاذه «هنري لاووست» في الكوليج دو فرانس في ديسمبر/كانون الأول 1969.

عشية الحرب العالمية الثانية، كتب هنري لاووست -أبرز المستشرقين الغربيين المهتمين بالحنبلية وابن تيمية وأستاذ جورج مقدسي- واصفًا الحنبلية بأنها نسق منهجي عقدي وفقهي، نبع من أعمال أحمد بن حنبل. وقد كانت هذه الحركة، بفضل شخصية مؤسسها وشخصيات أجيالها الأولى، أحد العوامل الأكثر تأسيسًا في تكوين الثقافة الإسلامية.

لم يكن هذا القول متوافقًا مع أقوال قدامى المتخصصين الغربيين في الدراسات الإسلامية عن الحنبلية، ولهذا فقد جعل مقدسي هدف دراسته تلك التدليل على صحة موقف لاووست وموافقته للمعرفة التاريخية السليمة.

وخدمة لهذا الهدف قسَّم مقدسي دراسته إلى 4 فصول:

الأول: الاستشراق الغربي والتاريخ الديني الإسلامي.

الثاني: مؤسسات التعليم والحركات الدينية.

الثالث: الصوفية والحنبلية.

الرابع: الأورثوذكسية الإسلامية.

ويبدو جليًا في هذه الدراسة تأثّر مقدسي بطريقة الدرس الفقهي المعتادة في المدارس الإسلامية التقليدية التي شرحها مقدسي بعمق في عمله الكبير: «نشأة الكليات: معاهد العلم عند المسلمين وفي الغرب»؛ فهو يبدأ بعرض المسألة محل المدارسة متناولا جميع الآراء السابقة فيها متخيرًا منها ما يناسبه ومعلِّقًا على مثالب ما لا يناسبه لكي يخرج في النهاية برأي شامل في المسألة. كان هذا ديدن مقدسي في جميع فصول هذه الدراسة.


الاستشراق الغربي والتاريخ الديني الإسلامي

كان بديهيًا أن يبدأ مقدسي دراسته بتقديم عرض موجز لصورة الحنبلية في الدراسات الاستشراقية السابقة على دراسة أستاذه الشهيرة، لكنه كمقدمة لما يود قوله في هذا الشأن، أثار قضية ندرة النصوص العربية المحققة كعائق في سبيل تحقيق معرفة أفضل بالتاريخ الديني في الإسلام، وتاريخ الإسلام عمومًا.

مع قلة المتوفر من النصوص العربية الإسلامية الأصلية، إﻻ أن دراستها تتم بمعزل عن تصورات وأفكار مؤلفيها من العلماء المسلمين

وللتدليل على ضخامة هذا العائق، دعا مقدسي إلى العودة إلى أعمال «كارل بروكلمان»، و«فؤاد سزكين» البيبلوغرافية، وأشار إلى تجربته الشخصية في تحقيق كتاب الفنون لابن عقيل التي عانى فيها من عدم اكتمال مخطوطة الكتاب، بل إن ما وجده منها قد لا يتعدى 1% من حجم الكتاب الأصلي.

ويعرّج مقدسي من هذه المشكلة إلى مشكلة أخرى سيقدّم بها للمشكلات التالية التي وجدها في تصورات الاستشراق عن الحنبلية، وهي أنه مع قلة المتوفر من النصوص العربية الإسلامية الأصلية، فإن دراستها تتم غالبًا بمعزل عن تصورات وأفكار مؤلفيها من العلماء المسلمين. ويلقي مقدسي باللائمة في ذلك على مستشرقي القرن التاسع عشر، ويدلل على هذه القضية بعدة أدلة:

أولا: إن إسلام القرن التاسع عشر كان يتمثّل في أعين أوروبا بصورة تركيا العثمانية التي كانت في صراع مع الحركة الوهابية وكانت تصفها بالابتداع، وحصل الانتباه لاحقًا إلى أن الوهابيين مرتبطون بابن تيمية وأن ابن تيمية ينتمي إلى الحنبلية، وهكذا وُصف الحنابلة بالابتداع.

ثانيًا: هناك عامل آخر أسهم في جعل القرن التاسع عشر ألدّ أعداء الحنبلية، وهو حقيقة أن أتباع المذهب الحنبلي كانوا أقل عددًا من أتباع بقية المذاهب الفقهية السنية، واعتاد المستشرقون في هذا الصدد – تحت تأثير دراسات المستشرق المجري الكبير إجناس غولدتسيهر – أن يُعرّفوا الأشاعرة والماتُريدية باعتبارهم «أهل السنة» في مقابل المعتزلة، أما الحنابلة فقد ظلوا بالنسبة إليهم من المذاهب الموصوفة بأنها لا تستحق الذكر.

ثالثًا: رغم أن أهل السنة كانوا بالنسبة للمستشرقين هم الأشاعرة والماتُريدية، إلا أن دراسات غولدتسيهر وتلميذه ماكدونالد قد دلّلت على أن الحنابلة وابن تيمية لم يكونوا من المبتدعة، وإنما مثّلا نوعًا من «أورثوذكسية سنية قديمة متحجرة» في مقابل «الأورثوذكسية السنية الجديدة» المتمثلة في الأشاعرة بعد انتصارهم على المعتزلة.

قدَّم مقدسي بعد ذلك عرضًا لثلاث من أهم الدراسات الاستشراقية التي تناولت الإمام أحمد والحنبلية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي دراسة المستشرق الأمريكي وليم باتون المعنوَنة بـ «أحمد بن حنبل والمحنة»، ثم دراستان لغولدتسيهر أولاهما عرض لكتاب باتون المذكور، والثانية، دراسة مخصصة للحنبلية.

اهتمّت دراسة باتون بشخصية الإمام أحمد في سياق محنة خلق القرآن، ولم تعطِ اهتمامًا كافيًا لأتباعه الذين خلفوه في بغداد، وأكّد باتون على أن التعاليم الصارمة للإمام أحمد كانت سببًا في قلة أتباعه وأتباع المذهب عمومًا، رغم التأثير الكبير لسيرته الشخصية ودفاعه عن السنة أثناء المحنة في العالم الإسلامي.

ويرى مقدسي أن غولدتسيهر – مع تقديره له – قد غطّى تأثيره الضخم في عالم الاستشراق – دون قصد – على أهمية الحنابلة في التاريخ الديني للإسلام، وقادت دراساته إلى اتجاه في الدراسات الإسلامية في القرون الوسيطة يدور حول «ثالوث مقدس» مكوّن من الغزالي الإمام، المتكلّم والفقيه، وقدَّم له باعتباره تخلّص من الفقه والكلام لصالح التصوف، وأتباع المدرسة النظامية المعتبرة على أنها معهد أشعري رسمي، ونظام الملك الوزير السلجوقي الذي رسّخ – في تصور غولدتسيهر ومن تبعه – دعائم «سنية جديدة» هي الأشعرية.


مؤسسات التعليم والحركات الدينية

بناءً على ما سبق، عرض مقدسي في الفصل الثاني من الدراسة مشكلة أخرى في الدراسات السابقة عن التاريخ الديني في الإسلام متعلقة بغياب النزعة النقدية عن المستشرقين الذين درسوا هذه المسائل، ولخّص أثر هذه المشكلة في أمرين:

أولهما: التسليم بما ورد في المصادر التاريخية عن فقهاء المذاهب تجاه بعضهم البعض دون أي قدرة على استيعاب خلفيات كل كاتب وصراعات عصره.

ثانيهما: عدم القدرة على فهم المصطلحات الفنية التي وردت في المصادر العربية وسياقاتها التاريخية، وضرب مثالاً لذلك بمصطلح «المدرّس» و«المدرسة» اللذيْن يعنيان في حالة عدم إضافة أي مفعول به إليهم «تدريس الفقه» حصرًا.

إن أوّل مدرسي الفقه الشافعي في المدرسة كان الإمام «أبي اسحاق الشيرازي»، وهو إمام شافعي سني مخالف بشدة للأشعرية

وإذا كان غولدتسيهر قد فسَّر انتصار الأشعرية تفسيرًا سياسيًا من خلال التركيز على دور المدارس النظامية التي أسسها الوزير السلجوقي نظام الملك في بغداد، وغيرها من حواضر الإمبراطورية العباسية ودور الإمام الغزالي تحديدًا في ذلك، فإن مقدسي يخالف هذا التفسير مخالفة تامة استنادًا إلى الأدلة التالية:

أولا: عثر مقدسي على حجة تأسيس وقف المدرسة النظامية، ودلّل من خلالها على غياب أي كرسي أو منصب لتدريس علم الكلام سواء كان أشعريًا أو غيره. بل تركز التدريس فيها على العلوم الشرعية التقليدية على المذهب الشافعي وعلى علوم الآلة المساعدة لها، وبالتالي فقد انضم الغزالي للمدرسة كمدرس للفقه الشافعي فقط، لا كمتكلّم أشعري.

ثانيًا: أن أوّل مدرسي الفقه الشافعي في المدرسة كان الإمام أبي اسحاق الشيرازي، وهو إمام شافعي سني مخالف بشدة للأشعرية، واحتلّ صدارة التدريس في المدرسة النظامية طوال 17 عامًا الأولى في تاريخها.

ويخلُص مقدسي إلى أن قلة عدد أتباع الحنبلية كمذهب فقهي لا يعني ضعف تأثيرها ضمن المذاهب الأخرى، ذلك أن الحنبلية كانت المذهب الوحيد الذي يندمج فيه العقدي بالفقهي نتيجة لبطولة الإمام أحمد في محنة خلق القرآن. وينبني على ذلك أن عقيدة أحمد الأثرية كُتِب لها الانتشار بين أتباع جميع المذاهب السنية الأخرى أكثر من فقهه. وكان الحنابلة هم الفصيل الإسلامي الأوحد الذي يستطيع الكتابة بحرية والتأثير في الخلافات الشرعية والدينية لأنهم ليسوا مدينين لأي تقليد توفيقي بين السنة وما هو خارجها من علوم اليونان.


الصوفية والحنبلية

ثمة مشكلة أخرى واجهت التصورات الاستشراقية عن التاريخ الديني للإسلام ودور الحنابلة فيه، تتعلّق بالرغبة الشديدة في التعميم نتيجة لضعف المصادر المتاحة وغياب النزعة النقدية لدى الدارسين. ويرى مقدسي أن تصوّر الاتجاهات الفكرية الإسلامية ككتل مصمتة لا يراعي الاختلافات الداخلية، ولا يراعي أيضًا تطوّر مسار العالِم الواحد وأفكاره المتغيرة على مدى مسيرته.

لم يكن الغزالي أوّل متصوف سني، بل سبقه أعلام كبار من المتصوفين السنة مثل الجنيد البغدادي، وأبو طالب المكي، وأبو عبد الرحمن السلمي

ومن الأفكار الجاهزة التي انتقدها مقدسي في الدرس الاستشراقي بهذا الصدد: المصالحة التي قام بها الغزالي بين الفقه والتصوف، والعداء المستحكم بين الفقه والتصوف، وأخيرًا العداء المستحكم بين الحنبلية والتصوف؛ وهي الفكرة التي سيخصص مقدسي هذا الفصل لنقدها وبيان تهافتها.

أولا: لم يكن الغزالي أوّل متصوف سني، بل سبقه إلى هذا الاتجاه أعلام كبار من المتصوفين السنة منهم الجنيد البغدادي وأبو طالب المكي وأبو عبد الرحمن السلمي، وكان ثلاثتهم فقهاء سنيين ومن كبار أعلام التصوف في نفس الوقت.

ثانيًا: لا يمكن إنكار أن اثنين من كبار الحنابلة كانا من المتصوفة أيضًا، وهما الأنصاري الهروي وعبد القادر الجيلاني.

وينقضّ مقدسي في هذا السياق على التفسير الاستشراقي لحنبلية هؤلاء المتصوفة القاضي بأنهم هربوا إلى التصوف من سفسطات الكلام بالأدلة التالية:

أولا: كيف أمكن لهؤلاء المتصوفة أن يجدوا مهربًا من الكلام في الحنبلية إذا كانت الحنبلية فعلا تعادي التصوف بشكل مطلق.

ثانيًا: ادّعى بعض المستشرقين أن تصوّف الإمام الحنبلي الكبير ابن القيم الجوزية نابع من تأثّره بالغزالي وتناسوا أن ابن القيم هو شارح كتاب منازل السائرين للصوفي الحنبلي الأنصاري الهروي.

ثالثًا: أن كتاب «تلبيس إبليس» للإمام الحنبلي ابن الجوزي الذي يدلّل به المستشرقون على العداء المستحكم بين الحنبلية والتصوف لم يكن مُخصّصًا فقط للرد على المتصوفة، بل خصّصه الإمام للرد على شطحات مذاهب عدة من متصوفة ومتكلمين وبعض أهل السنة في زمانه كذلك. وأخيرًا فإن ابن الجوزي هو شارح كتابيْن من أعمدة التصوف، هما: «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصبهاني و«إحياء علوم الدين» للغزالي.

ويعرِّج مقدسي من ذلك على علاقة كبير أئمة الحنابلة في العصور الوسطى، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية، بالتصوّف، ليدرج نصوصًا تدل على تقدير ابن تيمية للتصوف السني، بل وانضمامه في فترة من حياته للطريقة القادرية التي أسّسها عبد القادر الجيلاني، وأنه – على خلاف السائد – كان متّفقًا مع الغزالي في نقد شطحات المتصوفة وأفكار الحلول والاتحاد وما إلى ذلك من أفكار مناقضة للشريعة.


الأرثوذكسية الإسلامية (أهل السنة والجماعة)

لا يعرف الإسلام السني شكل السلطة الكنسية التي عرفتها المسيحية طوال تاريخها الطويل، وقد استبدل الإسلام السني بتلك المرجعية مرجعيةَ الإجماع. كان غولدتسيهر عارفًا بهذه الحقيقة، لكنّ تركيزه على العوامل السياسية في تفسير نشأة وتطور الإتجاهات الدينية في الإسلام -تأثرًا بأحوال الكنيسة الكاثوليكية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما يقول مقدسي- أجبراه على البحث عما يشبه تلك السلطة الكنسية.

وقد وجدها في المدرسة النظامية التي أسّسها الوزير السلجوقي نظام الملك في بغداد في القرن الخامس الهجري، ووصف وجودها بأنه انتصار لعقيدة رسمية هي الأشعرية اعتمادًا على تدريس الإمام الغزالي، وهذه هي مجموعة الأفكار الخاطئة التي نقدها مقدسي في الفصل الثاني من هذه الدراسة. لكن كيف وُجدت سلطة الإجماع المرجعية في الإسلام السني؟

للإجابة على هذا السؤال عاد مقدسي مرة أخرى إلى تصنيف «ابن تيمية» لأهل القبلة في مجموعة من الدوائر الكبيرة مركزها الكتاب والسنة؛ أقربها نجد السلف يليهم أهل السنة والحديث ثم يأتي المتصوفة وأهل الكلام، ويأتي بعد ذلك الفلاسفة والخوارج وأخيرًا الرافضة. وحدهم الجهمية خارج الجماعة.

ولكي نفهم فكرة الإجماع عند ابن تيمية، لابدّ وأن نتذكر مبدءا إسلاميًا آخر، هو الاختلاف الذي هو عكس الإجماع. فقد كان ابن تيمية واعيًا أنه لم يحدث اتفاق علني على أن أهل الحديث هم أهل العقيدة السنية الصحيحة، لكنّه يحاول أن يثبت وجود إجماع مضمر في هذا الشأن من خلال مبدأ الاختلاف نفسه كالتالي:

أولا: الخلافات داخل الجماعة أمر محتوم، والمرجعية للكتاب والسنة فقط، لذا نجد أن الاختلافات لدى المبتدعة أكبر منها لدى أهل الحديث لأن أهل الحديث أقرب للمركز.

ثانيًا: إذا اتّجهنا من المركز صوب الحلقات الأبعد، نجد أنّ كل حلقة تتهم التي تليها بمخالفة عقيدة السلف، وبالتالي فإن قيمة كل حلقة في دورها الدفاعي ونقدها للحلقة التي تليها بناء على قناعتها في صحة اتباعها لعقيدة السلف.

ثالثًا: من هذا يظهر لنا أن ابن تيمية قاس مدى سنّية كل فرد أو مجموعة بمدى اقترابه أو ابتعاده عن المركز، ثم بمدى نقده لما يليه من حركات اتباعًا للمركز، وضرب أمثلة لذلك بنقد المعتزلة للرافضة ونقد الأشاعرة للمعتزلة، وهكذا.

أخيرًا: كل المذاهب متّفقة على تعظيم الكتاب والسنة، والاعتراف بأن الحقيقة موجودة فيهما، وبالتالي يتبين لنا أن علماء الإسلام موقّرون بمقدار اتفاقهم مع الكتاب والسنة. وهذه هي سلطة الإجماع.


خاتمة

الخلافات داخل الجماعة أمر محتوم، لذا نجد أن الاختلافات لدى المبتدعة أكبر منها لدى أهل الحديث لأن أهل الحديث أقرب للكتاب والسنة.

كانت الحركة الحنبلية في قلب الجماعة المسلمة حاملة لواء حماية سنة الرسول وآثاره، ووقفت الحنبلية على رأس حركة أهل الحديث التي ضمَّت علماءً من جميع المذاهب، ويُعرَفون باسم أهل السنة والجماعة.

وتكمن مأساة الدراسات الاستشراقية السابقة في القرن التاسع عشر في تأثّرها بالعداء التركي للحركة الوهابية، وضعف اطّلاعها على المصادر الإسلامية، وغياب النزعة النقدية عنها، بالإضافة إلى بحثها عمّا يشابه المكوّنات الدينية للغرب من سلطة مرجعية ولاهوت فلسفي في الإسلام، وهو ما حاول غولدتسيهر ومن تابعه إلباسه للأشعرية والمدارس النظامية والإمام الغزالي، وهو دور لا يتفق – بحسب مقدسي – مع الحقيقة التاريخية المحضة.