مفاوضات سرية، فاتفاقية مثيرة للجدل، فغليان شعبي، فمظاهرات في الشوارع، فاعتقالات، فطعن فأحكام محاكم، كانت هذه مسيرة نحو عام من عمر الوطن، تخللتها لحظات يأس، وتصريحات رسمية تحاول جاهدة التأكيد على سعودية جزيرتي تيران وصنافير، في مقابل تمسك الكثيرين بما اعتبروه جزءًا لا يتجزأ من تراب الوطن.

ففي جلسة وصفت بـ «التاريخية» قضت «المحكمة الإدارية العليا» في مصر اليوم، الإثنين، برفض طعن الحكومة على حكم من القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة مع السعودية، وأكدت على استمرار السيادة المصرية على الجزيرتين عند مدخل البحر الأحمر الشمالي.

وقال القاضي في منطوق حكمه إن:

سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها.

وعقب النطق بالحكم هلل المحامون والحاضرون في الجلسة بهتافات من بينها «مصرية مصرية»، في إشارة إلى الجزيرتين الواقعتين بمدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر.

«إضاءات» من جانبها كانت حاضرة، وأجرت حوارات مع رجالات «فريق الدفاع» الذي تولى مهمة الدفاع عن مصرية الجزيرتين طوال شهور طويلة، وقد كانت لهم التصريحات التالية:


خالد علي: حُكم اليوم تاريخي، وسينعكس بالإيجاب على المعتقلين

«حكم النهاردة حكم تاريخي يؤكد مصرية تيران وصنافير، وأتمنى أن تلتزم السلطة التنفيذية بأحكام القضاء»، بهذه الكلمات استهل المحامي والناشط السياسي المصري «خالد علي» تصريحه لإضاءات، مؤكدًا أن هذا الحكم سينعكس بالتأكيد بالإيجاب على المعتقلين بتهمة نشر أخبار كاذبة على خلفية الجزيرتين، كما أكد أن هيئة الدفاع ستقوم بالطعن على أي قرار يصدر مخالفًا لهذا الحكم.

وردًا على سؤال «إضاءات» فيما إذا كانت السعودية بإمكانها اتخاذ إجراءات معينة للرد على الحكم، أكد «علي» أن هذا أمر محتمل، لكن في الوقت ذاته السلطة المصرية بإمكانها -إن أرادت- الحفاظ على هذه الأرض بتأكيد التزامها بالحكم القضائي، حتى لو أرادت السعودية اللجوء للتحكيم، فذلك يتطلب موافقة الجانب المصري عليه، ومن ثم بإمكاننا عدم القبول.


مالك عدلي: انتصرنا انتصارًا ساحقًا، والحبل الآن حول رقبة الحكومة

أما «مالك عدلي»، المحامي الشاب وعضو هيئة الدفاع عن مصرية الجزيرتين، فقد أوضح في تصريحات خاصة لـ«إضاءات»: «انتصرنا انتصارًا ساحقًا في معركتنا القضائية مع النظام، الحبل الآن يلتف حول رقبة الحكومة، وسنرى إن كانت بالفعل تحترم قرارات أعلى محكمة في البلاد أم لا. بالنسبة لنا، انتصرت قضيتنا، ونفترض أن هذا الملف قد أُغلق نهائيًا».

وعن إمكانية اتخاذ المملكة العربية السعودية خطوات قانونية ضد حكم المحكمة، أعلن مالك عدلي أنه، وطبقًا لاتفاقية فيينا، فإن كل اتفاقية يتم توقيعها بالمخالفة للقوانين أو الدساتير المحلية، أو يتم إجراؤها بناءً على غش أو تدليس أو إجراءات مزورة، فهي اتفاقية لاغية تمامًا، ومن ثم لا داعي للقلق من أي إجراءات قد تتخذها السعودية.

وفيما يتعلق بأولئك الذين تم اعتقالهم على ذمة القضايا المتعلقة بالجزيرتين، أعرب «عدلي» عن اعتقاده أن هؤلاء يستحقون التكريم لا المحاكمة، وأن الحكم سينعكس بالتأكيد بالإيجاب على موقفهم القانوني والسياسي.


ناصر أمين: أي قرارات أخرى بخصوص الاتفاقية «هي والعدم سواء»

كان المحامي الحقوقي والمدعي بالحق المدني «ناصر أمين» وعضو هيئة الدفاع عن مصرية الجزيرتين أحد من توجهنا إليهم بالسؤال، فأكد أن «الحكم اليوم هو حكم تاريخي، وأنه ليس جديدًا على المحكمة الإدارية العليا المصرية التي أعادت التأسيس اليوم لمعنى «السيادة الوطنية». ولأول مرة منذ 2014، قررت المحكمة إعمال نص الدستور الذي يلزم السلطات باحترام النص الدستوري المتعلق بضرورة احترام المعاهدات التي يترتب عليها التنازل عن جزء من أراضي الدولة، ووصلت إلى أن هذه الأعمال هي أعمال منعدمة، لا يجوز لا لرئيس الحكومة ولا لرئيس الجمهورية ولا حتى للشعب المصري أن يوافق على اتفاقية يكون أحد نتائجها هو التنازل عن جزء من أراضي الدولة المصرية».

هذا الحكم يؤكد أن استقلال القضاء هو الضمانة الأساسية للحقوق والحريات، وهو الضمانة الأساسية لحماية الدولة المصرية، وأن إعمال القواعد الديمقراطية هو الأساس الذي يمكن أن ترتكز عليه كل القوى السياسية في المرحلة القادمة، وأيضًا أن على الحكومة أن تحترم الدستور.

وبخصوص المعتقلين المحتجزين حاليًا على ذمة القضايا المتعلقة بتيران وصنافير، أكد «أمين» أن كل الأحكام التي صدرت ضد المعتقلين وأدت إلى حبسهم صارت أحكامًا باطلة بعد هذا الحكم، كما أوضح أن البرلمان وحده هو الذي يمتلك إمكانية مساءلة رئيس الجمهورية أو الحكومة بشأن الاتفاقية والاتهامات المتعلقة بالتفريط في التراب الوطني.

وفيما يتعلق بإمكانية اتخاذ السلطات السعودية إجراءات قانونية بعد هذا الحكم، أكد «أمين» أن السعودية من الممكن أن تقيم دعوى أمام «محكمة العدل الدولية»، وإن أكد أن الأمور ستصير أكثر صعوبة حينها لأننا سنكون أمام منازعة أحد أطرافها غائب وهو الحكومة المصرية، سيصير من المفترض حينها أن من يمثل الجانب المصري هم محاميو الحكومة، وإن أكد أن «لكل حادث حديث حينها؛ إذ ربما يتم التباحث مع محكمة العدل الدولية بالسماح للمحامين المفوضين من قبل الشعب المصري بالحديث باسمهم».

وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية التي يمكن للحكومة اتخاذها إزاء الحكم، أكد أمين أن الأمر قد قضي تمامًا، ولا يجوز منذ اللحظة تحريك أي إجراء من السلطة التنفيذية أو التشريعية بشأن اتفاقية ترسيم الحدود، وأن أي إجراء ىستتخذه الحكومة سيتم الطعن عليه فورًا بذات الطريقة التي طعن بها على الاتفاقية من قبل.

كما أكد «أمين» أن «أي مناقشات أو قرارات تصدر من مجلس الشعب بخصوص الاتفاقية ستصبح هي والعدم سواء وليس لها أي معنى أو قيمة بعد حكم المحكمة، بل يمكن أن ترفع دعوى حبس ضد رئيس مجلس الشعب».