الحد الأقصى لوقت المذاكرة المنزلية (لكل المواد مجتمعة) في الليلة لا ينبغي أن يزيد عن 10 دقائق لكل مستوى دراسي. أي أن الطفل في السنة الأولى الابتدائية (first grade) لا ينبغي أن يحل الواجبات لأكثر من 10 دقائق، والطفل في السنة السادسة لا ينبغي أن يحل الواجب لفترة أكثر من 60 دقيقة، والطفل في الشهادة الإعدادية لا ينبغي أن يحل الواجبات لأكثر من ساعتين
توصيات الرابطة القومية الأمريكية للتعليم

بينما ينادي الخبراء والمؤسسات التعليمية ويوصون دائما بتوصيات شبيهة لتلك التي حددتها الرابطة القومية الأمريكية للتعليم، إلا أن الواقع غالبا ما يكون مخالفا لذلك. فيقضي أبناؤنا ساعات طويلة في أسر كراسيهم للاستذكار وحل الواجبات، مما يؤدي إلى كثير من الضغوط والتوتر في جو الأسرة، بل يصل الأمر إلى زيادة احتمال إصابة الأطفال بالأمراض نتيجة كل هذا الجهد والتوتر كما تشير بعض الأبحاث. بل إن بعض الخبراء يشيرون إلى تعدي تلك الأضرار من الأطفال إلى أبويهم أيضا. والمفاجأة هي: أن نتائج الأبحاث قد دللت أن كل هذا الواجب لا يساوي بالضرورة ازديادا في التحصيل العلمي أو مستوى الفهم!


هل الحل إذًا ألا يذاكر الأطفال؟

إن الناظر في الانتقادات الموجهة إلى المذاكرة وحل الواجبات سيجد أنها تنصبّ غالبا على واحد أو أكثر من هذه العيوب: الطول المفرط للواجب، غياب المناقشة والتحليل، عدم الفاعلية في الاستذكار بحيث لا تؤدي المذاكرة لمزيد من الفهم، الضغط والتوتر العصبي. ويمكننا في الحالة المصرية أن نضيف أيضا عقم الدروس والأسئلة وفقدان الشعور بالهدف من وراء الاستذكار، مما يجعله عملًا أقرب إلى السخرة التي تتم بلا قناعة أو رغبة. والعمل الذي لا يتم بقناعة من الإنسان يؤثر دائما على تحفيزه و قدرته على حل المشكلات والوصول لأفكار إبداعية.

فإذا أردنا أن نتجنب تلك العيوب الفادحة وما تجره من مشاكل في محيط الأسرة من توتر وضغوط، وأردنا أن نصل إلى نظام تعليم يتسم بالفاعلية العالية، فربما يتوجب علينا أن نعيد النظر في الكيفية التي نذاكر بها لأطفالنا أو يذاكرون هم بها. يجب أن ننزع من تلك العملية ما فيها من رتابة وملل ونحولها إلى نشاط إبداعي يتسم بالإثارة والمرح والتعلم أيضا. وقد ثبت علميا أن الإبداع يمكن تعليمه وتنميته، فهو ليس موهبة خاصة ببعض الناس. فإن الجميع يمكنه أن يكون مبدعا في أي نشاط إذا توافرت لديه أدوات الإبداع واستطاع التدرب عليها.


كيف نحول المذاكرة إلى عملية إبداعية؟

هذه الطرق والنصائح المستقاة من أبحاث الإبداع تعينك على تصميم خبرة مختلفة لمذاكرة أبنائك وتحولها من معركة إلى رحلة ممتعة تضمكم جميعا. وهي نصائح عملية نسوقها لكم بأمثلة تطبيقية مأخوذة من المناهج الدراسية الفعلية.

1. حول الدرس إلى لعبة

تعد الألعاب من أكثر الطرق فاعلية في التعلم، والأمثلة التاريخية على توظيف اللعب في تنمية المهارات والتعليم كثيرة جدًا. ويتميز اللعب بالعديد من الفوائد العلمية والمهارية والنفسية للطفل، مما يجعله الأداة الأكثر تأثيرًا في جعل المذاكرة والتحصيل العلمي عملًا ممتعًا، مما حدا الباحثين إلى إنشاء فرع مستقل من العلوم لتحويل المهام المعقدة كالمذاكرة والتدريب إلى ألعاب (الألعبة/gamification). ولقد تم توظيف الألعاب بنجاح كبير في مختلف المواد الدراسية ولمختلف الأعمار، وحظيت ألعاب الكومبيوتر بنصيب كبير من ذلك التطبيق.

كيف يمكن أن تحول درسًا إلى لعبة؟ يحتاج الأمر منك إلى بعض التفكر وتقليد الألعاب الشهيرة، يمكنك مثلا أن تقوم بتحويل درس الجغرافيا الممل إلى رحلة مثيرة عبر الصحاري والجبال، حيث تضيف العقبات أو تنظم سباقًا بين أطفالك من أجل الوصل من العاصمة إلى أطراف البلد الذي تدرسه! يمكنك اختيار الأحداث والمخاطر في اللعبة بناءً على خصائص البلد الجغرافية كذلك. فطفلك الذي تأخرت عربته في السباق بسبب العواصف الرملية في الصحراء غالبًا لن يجد نسيان تلك العواصف وأسبابها سهلًا، كما أن ابنتك التي فازت بسبب مساعدة أهل واحة سيوة لها في اللعبة لن تنسى خصائص تلك الواحة المضيافة.

هل تجد الأمر صعبًا؟ نعم ككل شيء سيكون الأمر صعبًا في بدايته ويحتاج إلى بعض الجهد ولكن تذكر، لست فقط توفر جهدك في الصراخ من أجل أن يذاكر أطفالك، بل أنت أيضا تضيف لهم خبرة تعليمية مميزة ومشاركة أسرية تزيد من علاقتك بهم. وقد ييسر عليك أن تقرأ في بعض الأفكار التي تستخدم لتوظيف اللعب في الدراسة مثل تلك المصادر (خرائط جوجل واللعب، لعبة ماين كرافت وتوظيفها في التعلم، ألعاب منزلية للتعلم)

2- استخدم القصة والدراما

لعل القصة من أقدم صور التعليم والإرشاد. فمنذ عهد الفيلسوف أرسطو والقصة أو الموعظة القصصية يتم توظيفها لإيصال المعاني والحكمة ونقل التجارب. وقد تابع العلم الحديث هذه المسيرة، فأكدت الأبحاث الفوائد الجمة لتوظيف القصة والدراما في تعلم اللغة ومهارات المحادثة الشفهية والقدرة على القراءة في مختلف اللغات. وبالطبع فإن لتعليم التاريخ نصيبًا وافرًا من التطبيق لاستخدام القصة والدراما من أجل خبرة تعليمية أكثر إمتاعًا. وكذلك علم الجغرافيا الذي يمكن تحويله لقصة ممتعة أو مغامرة بدلًا من تدريسه بطريقة جامدة. وقد تخطى الأمر المواد الأدبية إلى غيرها من المواد العلمية المحضة. فقد بينت الأبحاث فوائد استخدام القصة والحكي في تعليم الرياضيات، وكذلك في تعليم مواد العلوم الطبيعية، وغيرها من المواد العلمية بطبيعتها. وتفيد القصة كثيرًا في كسر حواجز الملل وتيسير الاحتفاظ بالمعلومات لما توظفه من انفعال شعوري وتسلسل منطقي للأحداث في وجدان الطالب.

كيف يمكن أن تحول درسًا إلى قصة ممتعة؟ من أسهل الطرق لذلك أن تحول المفهوم أو المفاهيم التي تريد تعليمها لطفلك إلى شخصيات تتكلم عن ذواتها وصفاتها. فيمكنك مثلًا أن تعلمه عن أنواع المواد المختلفة وكيف تتفاعل مع غيرها كما لو كانت شخصيات تتجاذب وتتنافر أو لا تتوافق. أيضا يمكنك مثلا أن تقدم حالات المادة الأساسية (سائل، صلب، غازي) كما لو كانت بيوتًا تسكنها المواد، وكل مادة تقدمها تتكلم عن نفسها ولماذا هي تحيا في بيت الحالة الصلبة أو السائلة أو الغازية وكيف تتشاجر مع أصدقائها فتنتقل من بيت إلى آخر أو حالة إلى أخرى. كذلك يمكنك أن تقوم بتحويل المفهوم الذي تريد تطبيقه إلى أمر مشابه له. فمثلا تقوم بتمثيل الذرات بحبات الأرز المتلاصقة والتي يقوم طفل ببعثرتها في وسط سلسلة من الأحداث المسلية والتحاور بين شخصيات القصة عن علاقة الذرات ببعضها.

3. استخدم «لعب الأدوار»

هذا مزيج من توظيف اللعب والدراما في التعليم، وهو من الطرق الإبداعية الشديدة الفاعلية في التعلم. هل تعاني من مشكلة مع ولدك في تعلم الرياضيات؟ لم لا تفتتح متجرًا في البيت يديره هو وتساعده أنت في تحديد الأسعار وحساب المكسب والخسارة؟ يمكنك من وقت لآخر أن تطلب منه كميات من أي سلعة لديه لتدربه على الضرب (10 بالونات الواحدة بـ 40 قرشا، فيكون الحساب كم؟) كما يمكنك أن تطلب جزءًا من سلعة معينة لتدربه على الكسور والقسمة (أريد نصف هذه الكعكة اللذيذة من فضلك! بكم يكون؟).

كذلك يمكنك أن تلبسه معطفًا أبيض وتجري معه التجارب العملية في المنزل بعد أن تلقبه بـ (الدكتور مخترع). قم بتصويره وهو يشرح تجربته وربما تلبسه نظارة مستعارة لحَبْكِ الشخصية. أو يمكنك أن تجعله يذهب إلى أحد المصانع ويمثل أنه يشارك في عملية التصنيع أو الإنتاج أو التعبئة. لا تستهن بهذه الطرق فهي من أكثر الطرق فاعلية في التعلم.

4. استخدم الأناشيد والأهازيج

من المجمع عليه بين الخبراء التعليميين أن توظيف الأنشودة في تعلم اللغة يمثل وسيلة ناجحة للغاية. ولكن الأناشيد كذلك تفيد كثيرًا في تعليم العلوم، والجغرافيا (مثل أغنية الولايات الشهيرة التي تيسر على الأطفال الأمريكيين حفظ أسماء الـ 50 ولاية وكذلك هذه الأغنية التي تشرح معنى القارات وأسمائها). إن توظيف الأنشودة ييسر كثيرا على الطفل حفظ الكثير من المعلومات وكذلك تسهل عليه أن يحفظ في رأسه ترتيب تلك المعلومات بالنسبة لبعضها، وما ألفية ابن مالك و تحفة الأطفال منا ببعيد. هل يجد طفلك صعوبة في حفظ عناصر الجدول الدوري؟ لم لا تنظمها في قصيدة؟

وفي الختام ينبغي التنويه على أن هذه الطرق في المذاكرة الإبداعية ليست الوحيدة بالتأكيد. فالمجال واسع ولكن يحتاج منكم إلى الاستزادة من تعلم علم الإبداع وطرقه وتدريباته. وتوظيف نتائج الأبحاث العلمية في التعلم وكيفية عمل الذاكرة والمخ وعلاقة الحواس بالاحتفاظ بالمعلومات، وغيرها من المعارف التي تؤهلكم لتصميم خبرة تعليمية متميزة لأطفالكم.