تناولنا في الجزئين الأول و الثــاني الخط الزمني وكوليس تمدد الحوثيين من بقعة صغيرة في «صعدة» إلى العاصمة «صنعاء». في الجزء الثالث والأخير نتناول تمددهم في باقي محافظات الشمال اليمني وغزو الجنوب والوصول إلى عدن ومضيق «باب المندب» والتحولات الجيوسياسية التي أوصلت اليمن إلى «عاصفة الحزم». وننوه لأهمية الخرائط وقراءة الجزئين السابقين -لغير اليمنيين- لفهم هذا الجزء.


أولاً: استكمال السيطرة على محافظات الشمال اليمني

خريطة تمدد الحوثيين
مسار تمدد الحوثيين، بين مارس 2011 – ديسمبر 2014 (مصدر الصورة: محمد عثمان/إضاءات)

باتت «صعدة» و«عمران» و«صنعاء» تحت سيطرة الحوثيين، وبدأوا في ارتداء الزي الرسمي للجيش اليمني وعيّنوا العقيد «عبدالرازق المؤيد» مديراً لشرطة العاصمة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014.

في 27 سبتمبر/أيلول 2014 وقّع الحوثيون على الملحلق الأمني لاتفاق السلم والشراكة القاضي بانسحاب الميليشيات المسلحة من العاصمة، وعلى التوازي كثّفوا وجودهم في صنعاء وبدأوا بالانتشار تجاه باقي محافظات الشمال، وتحركوا تجاه «ميناء الحديدة» الاستراتيجي؛ ثاني أهم الموانئ اليمنية.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2014 كلف الرئيس هادي مدير مكتبه «أحمد عوض بن مبارك» بتشكيل حكومة جديدة، فرفضه الحوثيون وأجبروا بن مبارك على رفض المنصب. لاحقاً نشرت «قناة الجزيرة» مكالمة مسرّبة بين الرئيس المخلوع «صالح» وممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني «عبدالواحد أبوراس»، أقر بصحته الطرفان ويوضح أن صالح هو العقل المدبر لتكتيكات وترتيبات الانتشار والتمدد وأن رفض الحوثيين لـ«بن مبارك» أتى بتوجيه منه أيضاً.

في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014 فرضوا سيطرتهم على محافظة «الحديدة» بالكامل دون مقاومة، تحت ذريعة المطالبة بإقالة مدير أمن المحافظة وقائد قوات الأمن الخاصة، وتسلموا الميناء أيضاً بتواطؤ لواء الجيش المكلف بحراسته، ليصبح ميناء الحديدة ثاني الموانئ البحرية التي يستولي عليها الحوثيون بعد ميناء «ميدي» بمحافظة «حجة» غرب «عمران»؛ السيطرة التي ظلّت غير معلنة باتفاق مع مسؤولين موالين لصالح إلى أن خرج التحالف للنور بعد السيطرة على صنعاء.

بدأ الحوثيون بفتح جبهات في المحافظات المحيطة بصنعاء، وفي الفترة بين 14 إلى 21 تشرين الأول 2014 سيطروا على محافظات «ذمار» و«إب» و«المحويت» و«ريمة» دون مقاومة تٌذكر، وأكملوا سيطرتهم على «حجة».

أما محافظة «البيضاء» فشهدت مقاومة شرسة من القبائل المتحالفة مع «تنظيم القاعدة» وبالأخص في «رداع» معقل التنظيم؛ حيث تدخّلت الـ«درونز» الأميركية مع «راجمات صواريخ» قوات الحرس الجمهوري التابعة لصالح لتحسم المعركة في «جبل أسبيل» الاستراتيجي الواقع في منطقة «المناسح» التابعة لقبائل «قيقة» بين محافظتي البيضاء وذمار، حيث اتهم «صالح أبوصريمة» القائد الميداني لقبائل قيقة في رداع القوات الأمريكية بالتواطؤ مع الحوثيين. أما محافظة «مأرب» النفطية الاستراتيجية فحال استبسال القبائل دون تمدد الحوثيين فيها.

بعد اغتيال الحوثيين لمساعد الأمين العام لحزب الإصلاح في تعز «صادق أمين» في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 أُعلن عن عدّة لقاءات بين «حزب الإصلاح» و «الحوثيين»، حيث ذهب رئيس الكتلة البرلمانية ورئيس الدائرة السياسية للحزب لـ«عبد الملك الحوثي» في معقله بصعدة، في محاولة للوصول لتسوية لوقف بطش الحوثيين بقيادات الحزب وأعضائه.

في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2014 شهدت مديرية «أرحب» شمالي العاصمة صنعاء مواجهات عنيفة بين القبائل وفي واجهتهم المؤيدين للإصلاح، فعقد الإصلاحيون والقبائل تسوية لوقف القتال بالمديرية وحقن الدماء، لكن الحوثيين – كما المعتاد – باغتوا القبائل واجتاحوا «أرحب» في منتصف الشهر نفسه وأحكموا سيطرتهم عليها، وفجّروا أكبر دار للقرآن فيها ولاحقوا قيادات الإصلاح وأستمروا في نمط انتهكاتهم المعتاد.

أصدر «زيد الشامي» المتحدث باسم الإصلاح وعضو لجنة الوساطة مع الحوثيين بياناً تحت عنوان «براءة واعتذار» جاء فيه:

في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 أُعلن عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة «خالد بحاح»، وعين اللواء «محمود الصبيحي» الجنوبي وزيراً للدفاع، وتعهّد ببسط نفوذ الدولة على الأرض اليمنية.

في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بدأ الحوثيون التوغل شرقي محافظة «تعز» وسط اليمن وبوابة المحافظات الجنوبية، حيث ستبدأ معركة الجنوب بترتيبات مختلفة كما سيأتي لاحقاً.

في 17 يناير/كانون الثاني 2015 أعلنوا مسؤوليتهم عن اختطاف مدير مكتب الرئيس «أحمد عوض بن مبارك» أثناء توجهه للقصر الرئاسي لتسليم مسوّدة الدستور الجديد.

في 20 يناير/كانون الثاني 2015 استولوا على القصر الرئاسي بعد اشتباكات في محيطه وأخضعوا الرئيس «هادي» ورئيس الحكومة والوزراء للإقامة الجبرية. وفي 22 كانون الثاني استقال بحاح وبعده بقليل نجح هادي بإيصال خطاب استقالته لوسائل الإعلام قبل أن ينجح الحوثيون في إجباره على التوقيع على عدد من القرارات المصيرية كما سيحدث مع وزير الدفاع «الصبيحي» فيما بعد، ولم يبت البرلمان في استقالة هادي. في ذات اليوم أُعلن عن وفاة الملك «عبدالله بن عبدالعزيز».


ثانيًا: مرحلة التحولات الاستراتيجية

حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2014 في أواخر أيام الملك «عبد الله بن عبد العزيز» كان آخر تصريح للإيرانيين على لسان المتحدثة باسم الخارجية «مرضية أفخم» أن العلاقات السعودية-الإيرانية تسير على ما يُرام.

بعد يوم واحد من استيلاء الحوثيين على القصر الرئاسي أتى الملك «سلمان بن عبد العزيز» بسياسة خارجية مختلفة جزئياً عن سلفه، لكن الاختلاف كان جذرياً في مسألة اليمن وبدا ذلك واضحاً في سلسلة قراراته التي غيّر فيها رموز الإدارة القديمة وأبقى على القليل منهم مثل وزير الخارجية المخضرم «سعود الفيصل» الذي يُغير خطابه بسهولة حسب مقتضيات كل مرحلة.

أربكت التغييرات الإقليمية واستقالة هادي حسابات الحوثيين، لكن الجنوبيين بإعلانهم الانفصال عن شمال اليمن كانوا أكثر ارتباكاً وعشوائية في ظل غياب قيادة شرعية توحدهم بعد غياب هادي والصبيحي، فأمّل الحوثيون على ملء هذا الفراغ، وفي 6 فبراير/شباط 2015 تخلوا عما بقي من قوتهم الناعمة وانتقلوا من استراتيجية «التحكم» في الظل إلى «الحكم» المباشر، وحلّوا البرلمان، وأصدروا ما أسموه «إعلاناً دستورياً» وشكلوا «مجلساً رئاسياً انتقالياً» برئاسة «محمد علي الحوثي»، وأجبروا وزير الدفاع «الصبيحي» على الظهور وسط حشد من المؤيدين أمام الكاميرات وأصدروا العديد من القرارات باسمه.

تغيّرت قواعد اللعبة في 21 فبراير/شباط 2015 عندما نجح «هادي» بالفرار من حصار الحوثيين إلى عدن، وتراجع عن استقالته التي لم يُبت فيها، وأعلن أن كافة القرارات التي اتخدها الحوثيون منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014 في حكم الملغاة، وأن صنعاء عاصمة محتلة، وعدن عاصمة مؤقتة لليمن، وأن صنعاء لم تعد مقراً محايداً لاستضافة الحوار الوطني. التف الجنوبيون خلفه وازداد موقفهم قوّة بنجاح اللواء «الصبيحي» بالفرار هو الآخر لعدن في 8 مارس/آذار 2015.

في 25 فبراير/شباط 2015 عطّلت روسيا قراراً أممياً بشأن اليمن قدّمته بريطانيا، طالب الحوثيين برفع الإقامة الجبرية عن الحكومة، والتزام الحوثيين بالحوار السياسي والانخراط في المفاوضات، وانسحبت الأحزاب السياسية ومن بينها الإصلاح من الحوار السياسي بصنعاء.


ثالثاً: معركة الجنوب

أعتذر لكل من أحسن الظن وأيد خطوات التقارب التي شاركت فيها، لأن ما يتم على أرض الواقع خيب آمالنا وآمالهم؛ كما أعتذر لكل الذين هاجموني واستنكروا مشاركتي في تلك اللقاءات، واعترف أنهم كانوا على صواب في عدم ثقتهم بحسن النوايا، ولكن يكفينا أننا ارتفعنا فوق الجراح واستجبنا لدعوات التعايش وتعاملنا بمصداقية، وحسبنا الله ونعم الوكيل

فجأة أصبحت «عدن» مركز اليمن، ووفق التكتيك الحالي يبتعد «باب المندب» كل يوم عن نظر الحوثي ويزداد الجنوب قوّة، فكيف غيّر الحوثيون وصالح تكتيكاتهم للوصول لباب المندب ؟ — ببساطة، دبّروا انقلاباً، ولما لم ينجحوا استدعوا خطاب «الإرهاب».

الجنوب خصم سياسي لصالح ومذهبي للحوثيين، وفي أول تعليق لصالح على نجاح هادي والصبيحي بالوصول لعدن، شبههم بالانفصاليين الذين فروا إلى عدن عام 1994 —عندما أعاد فرض الوحدة على اليمن بالقوة. أما الحوثيون فقالوا إن هادي أصبح قائداً لفصيل في القاعدة.

آثرنا تأجيل الحديث عن مواقف القاعدة من التمدد الحوثي لوضعه في سياقه الصحيح لتكتمل الصورة.

صالح هو أكثر السياسيين دهاءاً في تاريخ اليمن، وإن كان الضابط السابق في مخابرات صدّام حسين «سمير محمد الخلفاوي» صاحب العلاقات المشبوهة مع مخابرات البعث السوري هو العقل المدبّر لتمدد «داعش» في سوريا والعراق وفق الوثائق التي نشرتها «ديرشبيجل» الألمانية مؤخّراً ووفق عديد المؤشرات، فإن علاقة صالح بالقاعدة من المسلمات بالنسبة لقطاع كبير من اليمنيين وحلفاء صالح الغربيين؛ علاقة مُثبتة بعشرات التقارير والوثائق الاستخبارية والوقائع على الأرض، وإن كنا لسنا بصدد التفصيل في موضوع القاعدة فسينصب تركيزنا على ما يتعلق بالتمدد الحوثي.

تعود علاقة صالح بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب «أنصار الشريعة» إلى تأسيس الحركة عندما وافق على خطة توطين «المجاهدين» العائدين من أفغانستان في جنوب اليمن، تعامل معهم بمنطق العصا والجزرة؛ السجن والتعذيب لمن يخرج عن النص، وهم الغالبية العظمى، والأموال والمناصب لمن يطيع.

استخدمهم صالح لضمان استمرار الدعم الدولي السياسي والمادي الذي بنى منه جزءاً لا بأس به من ثروته. كانت جُلّ العمليات المربكة للساحة اليمنية من سُجناء خرجوا بعفو حكومي أو هاربين بتدبير حكومي أيضاً، مثل عملية هروب معتقلي القاعدة من مقر الأمن السياسي بعدن عام 2003، والأهم عملية الهروب من مقر الأمن السياسي بصنعاء في 2006 -السجن الأكثر تحصيناً في البلاد- ولم يقدم صالح للولايات المتحدة رواية واحدة مقنعة في جميع الحالات، وسيظل يستخدم نفس السلاح حتى بعد عاصفة الحزم، عندما سيسهل للجهاديين لاحقاً بعد عاصفة الحزم الهروب من سجن «المكلا» بحضرموت.

بعد اندلاع ثورة فبراير 2011 استجدى صالح الدعم الغربي باستدعاء فزّاعة القاعدة في خطابه الإعلامي، وفي مايو/أيار 2011 سحب قوّات الجيش من محافظة «أبين» وسهّل سيطرة القاعدة عليها قبل أن يستعيدها الجيش مرة أخرى في عهد الرئيس «هادي» في يونيو/حزيران 2012، وفي حزيران 2011 نقل «ريتشارد سبنسر» محرر شؤون الشرق الأوسط في «التليجراف» البريطانية عن اللواء المنشق «علي محسن الأحمر» اتهامه لصالح بافتعال أزمة الإرهاب في أبين لنيل الدعم الغربي للبقاء في الحكم.

ريتشارد سبنسون التليجراف صالح الأحمر القاعدة
ريتشارد سبنسون التليجراف صالح الأحمر القاعدة

أكّد الاتهام تقرير «فريق الخبراء» المعني باليمن المنشأ بقرار مجلس الأمن 2140 بتاريخ 20 فبراير/شباط 2015 الذي ترتب عليه حزمة عقوبات على «صالح»، حيث أكّد أن صالح وأسرته على علاقة وطيدة بالقاعدة، وأنه التقى في مكتبه القيادي الشاب بالقاعدة «سامي ديان» بحضور وزير الدفاع «محمد ناصر أحمد» إبان الثورة، وأنه حلّ وحدة مكافحة الإرهاب بمحافظة «أبين» التي كانت تحت قيادة ابن شقيه «يحيى صالح»، ونقل الجنود إلى صنعاء ليفسح المجال للقاعدة لتسيطر على المحافظة.

تقرير خبراء مجلس الأمن في اليمن 2015
من تقرير خبراء مجلس الأمن في اليمن لعام 2015

وفي رسالة الولايات المتحدة للجنة العقوبات بالأمم المتحدة بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2014 استندت على تقرير فريق الخبراء بتاريخ سبتمبر/أيلول 2014 لاتهام صالح باستخدام القاعدة في اغتيال أفراد ومهاجمة وحدات عسكرية بهدف إضعاف «هادي» وإثارة سخط الشعب والجيش ضدّه.

تنصبّ استراتيجية القاعدة في اليمن بشكل رئيسي على مهاجمة المصالح الأمريكية في الخليج والأهداف السعودية والجيش اليمني، وتستهدف في خطابها الإعلامي الدول الغربية وتعتبر ما سوى ذلك معارك جانبية. في المقابل تشن الولايات المتحدة حرباً شرسة ضدهم من خلال دعم الجيش اليمني والقوات الخاصة والطائرات بدون طيار «درونز» التي لا تتوقف عن اغتيال قيادات التنظيم، وتعتبر ماعدا ذلك معارك جانبية أيضاً. هذا الوضع قائم منذ 2001 وإلى يومنا هذا.

يتكثّف انتشار القاعدة (ليس سيطرة) فيما يُعرف بــ«قوس القاعدة» الذي يشمل: (شرقي الجوف، مأرب، البيضاء، أبين، شبوة، حضرموت)، وهو النطاق الدائم للعمليات العسكرية الأمريكية والجيش اليمني.

قوس القاعدة في اليمن
المربعات الحمراء تمثل نطاق العمليات العسكرية الأمريكية في «قوس القاعدة» – (مصدر الصورة: نيويورك تايمز)

في المرحلة الأولى لتمدد الحوثيين من صعدة إلى صنعاء وصولاً لاجتياح العاصمة في 21 سبتمبر/أيلول 2014 وعندما كانت الفرصة مهيأة لتحقيق إنجازات على الأرض، لم تتدخل القاعدة على خط المواجهات في الشمال، وكانت على التوزاي تخوض معارك شرسة مع الجيش اليمني والأميركيين في «القوس» وبالأخص في «حضرموت». فيما بعد اقتصر ظهور القاعدة -في معظمه- على عمليات تفسد إنجازات المقاومة الشعبية ضد الحوثيين على الأرض.

في اليوم التالي لسيطرة الحوثيين على العاصمة بدأت القاعدة بسلسة عمليات انتحارية معظمها ضد أهداف مدنية، وكانت العملية الأكثر دموية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2014 ضد تجمع للحوثيين في ميدان التحرير بصنعاء أودى بحياة 47 شخصاً، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه رغم تبني التنظيم للعملية إلا أن «صالح» في مكالمته المسربة مع القيادي الحوثي المرفقة سابقاً يسأله عن مدبّر العملية ويتهم ابن الرئيس «هادي»، وكأن تبني التنظيم للعملية لا يعني أكثر من كونه «يد» منفذة ولا يشير بالضرورة «للرأس» المدبّرة — ربما لخبرته الطويلة في اختراق التنظيم والاستعانة ببعض عناصره في توجيه مسار بعض عملياته.

في سياق استمرار معركته الأساسية مع القوى الغربية، تبنى التنظيم في 27 سبتمبر/أيلول 2014 استهداف السفارة الأمريكية في صنعاء بصاروخ «LAW»، وفي 14 يناير/كانون الثاني 2015 تبنى الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية في 7 يناير/كانون الثاني.

في 20 مارس/آذار 2015 فجّر انتحاريان نفسيهما بمسجدين للحوثيين بصنعاء وأسفرت العمليتان عن سقوط 145 قتيلاً وعشرات الجرحى، وتبنى تنظيم «داعش» على تويتر مسؤوليته عن العملية، وفي اليوم التالي أعلن الحوثيون التعبئة لبدء معركة الجنوب بذريعة تطهير اليمن من “الإرهاب”. حشدوا قوّاتهم في «تعز» وأحكموا سيطرتهم عليها وتوّجهوا صوب «عدن» على أكثر من محور، وبوضع المعطيات السابقة في الاعتبار والعودة بالخط الزمني للأحداث للوراء قليلاً يتضح الموقف كثيراً:

أولاً: قبل التفجيرات بيوم واحد أنهى الجيش اليمني بقيادة «الصبيحي» تمرّداً قاده قائد القوات الخاصة بعدن العميد «عبدالحافظ السقاق» الذي لم يمتثل لقرار إقالته، بعد اكتشاف «هادي» مخططه لتدبير انقلاب في عدن وسيطرة قوات موالية له على مطار صنعاء، وانتهى أمره بتسليم نفسه لقوات الجيش الموالية لهادي في لحج، وفي نفس اليوم انطلقت طائرات حربية من «قاعدة الديلمي» الواقعة تحت سيطرة الحوثيين بصنعاء لقصف القصر الرئاسي بعدن، قبل أن تجبرها المضادات الأرضية على التراجع.

ثانياً: معركة الجنوب لم تكن وليدة اللحظة أو كردّة فعل للتفجيرات، وقد أعدّ الحوثيون لها على مدار أشهر، فالقوات كانت محتشدة بالفعل في «تعز» وفتحت خطوط إمداد من «صنعاء» وأعدّت الخطط العسكرية التي مكنتها للوصول لعدن بوقت قياسي، وفي الشهر الأخير ازداد عدد سفن السلاح الإيرانية بشكل لافت، وفي 12 فبراير/شباط 2015 رست سفينة “شارمن” الروسية في ميناء الحديدة وأفرغت حمولة ضخمة من المساعدات العسكرية.

ثالثاً: إذا أراد صالح والحوثيون القضاء على القاعدة فكانت الخطة العسكرية ستتغير؛ فبدلاً من الحشد لعدن على النحو المبين بالخريطة أدناه، كان مسار العمليات ليصبح في حدود «قوس القاعدة» المشار إليه سابقاً، لكن الهدف واضح منذ البداية وهو الوصول لباب المندب، لذلك لم يبدأوا بقصف معاقل القاعدة في «شبوة»، وإنما أغاروا على القصر الرئاسي بعدن بعد التفجير مباشرة. تختلفت المزاعم عند اجتياح كل محافظة عن الأخرى والهدف واحد.

الحوثيون والقاعدة
الحوثيون والقاعدة

رابعاً: المثير للدهشة أنه ليس لداعش أي وجود على الأرض اليمنية قبل وبعد العملية (حتى كتابة هذه الأسطر) ، أما القاعدة فمنذ صدور كلمة القيادي الأبرز في التنظيم وعضو اللجنة الشرعية «حارث النظاري» تحت عنوان «حرمة الدماء المعصومة» بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2015، توقفت العمليات الانتحارية التقليدية للقاعدة، والصورة التالية تعرض لمقتطفات من الكلمة كما نشرها التنظيم، وتشمل طرحًا جديدًا تمامًا في تاريخ الحركات الجهادية. اغتيل «النظاري» بطائرة مسيّرة «درون» بعد أقل من أسبوع على نشر كلمته.

حارث النظاري, حرمة الدماء المعصومة
حارث النظاري, حرمة الدماء المعصومة

إلى هنا، توغل الحوثيون في قلب الجنوب، ومع اقتراب شهر مارس/آذار عام 2015 من نهايته أحكموا قبضهتم على عدن، لتصبح الخريطة الأخيرة في مرحلة التمدد على هذا النحو، لكنها لم تتمدد شبرًا واحدًا بإي اتجاه بعد هذا التاريخ.

مراحل تمدد الحوثيين
مراحل تمدد الحوثيين من صعدة إلى عدن. غطينا الصورتين الأوليين في الجزء الاول، والثالثة في الجزء الثاني، والرابعة في الجزء الأخير من السلسلة.

في 23 يناير/كانون الثاني 2015 لوح وزير الخارجية السعودي «سعود الفيصل» بالخيار العسكري بقوله: «سنتخد الإجراءات الضرورية إذا لم تُحل الأمور سلمياً»، وفي 25 مارس/آذار نُقل «هادي» إلى عُمان ومنها إلى السعودية بعد دخول العمليات العسكرية لقلب عدن، وفي 26 مارس/آذار انطلقت «عاصفة الحزم» ضمن تحالف عشري بقيادة المملكة العربية السعودية.