وافق مجلس الشعب المصري على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، المعروفة إعلاميًا بـ«قضية تيران وصنافير»، وسط غضب شعبي من المصريين اعتراضًا على التنازل عن الجزيرتين، واتهامات للنظام المصري بالتفريط في الأرض مما اعتبره البعض خيانة لا تتناسب مع سلطة بخلفية عسكرية

من السهل عليك أن تفهم هذا الخبر. لكن إذا طرقَ هذا الكلام مسامع طفلك كيف ستفهمه؟ أو لنقل: بماذا ستجيب طفلك على سؤاله: «بابا يعني إيه الكلام ده؟».

سنقترح عليك إجابة للسؤال قد تساعدك؛ حتى لا تكن إجابتك: «ده كلام كبير عليك»، هدفنا من ذلك هو توفير دراية للأطفال عن هذه الأزمة المهمة في تاريخ بلدهم، بدلًا من أن يتبعوا رأيًا ما أو يؤيدوا فكرة ترى الأمور بعينها فقط، أو تتبنّى أيديولوجية خاصة؛ فطفلك ليس تابعًا لك أو مصغرًا منك بل هو شخصية مستقلة ستكوّن رأيًا مثلما كوّنت أنت رأيك.


«نبتدي منين الحكاية؟»

احك لطفلك عن بيت كبير على شاطئ البحر، يسكنه الكثير من الناس، وقد اتفقوا على أن يكون من بينهم شخص يدير هذا البيت؛ لأنهم لن يستطيعوا إدارته كلهم.

أحضر ورقة وقلمًا وارسم حدود هذا البيت، واطلب من طفلك أن يتخيل جزيرتين في وسط البحر الذي يطل عليه البيت ثم يقوم برسم الجزيرتين ويقترح لكل جزيرة اسمًا.

اسأل طفلك: ماذا يمكن أن يوجد على الجانب الآخر من الشاطئ؟ بيت كبير آخر مثلًا. ارسم حدود البيتين واجعل البحر فاصلًا بينهما ثم وجّه القلم نحو الحد النهائي للبيت واسأل طفلك: ماذا يحدث عندما يخرج الناس من باب البيت؟ بالطبع سيكونون خارج بيتهم، هل يمكن أن يدخلوا بيت جارهم دون أن يسمح لهم بالدخول؟ بالطبع لا، إذن هناك حدود بين البيتين.

ارسم خطًا فاصلًا بين البيتين واكتب عليه «حدود»، وقل له إن سكان البيتين يمكنهم الاستفادة من المساحة بين البيتين بالتساوي والعدل. واسأله: ماذا يحدث إذا حاول صاحب البيت الثاني أخذ المساحة الفاصلة بين البيتين، وطلب من أهل البيت الأول ذلك، وهذا يسمى تفاوضًا.. هل يقبلون التفاوض؟ بالطبع لا؛ لأنها مساحة مشتركة وإذا وافقوا فلن يستطيعوا المرور خارج المنزل، إذن لن يقبلوا التفاوض.


بداية الأزمة

ماذا لو عرض صاحب البيت الثاني مبلغًا كبيرًا من المال على أهل البيت الأول، حينها يمكن أن يفكروا في قبول التفاوض، وقد يفتحون بالمال بابًا جديدًا للبيت في الجهة الأخرى أو يغيّرون أثاث البيت.. أليس ذلك ممكنًا؟

وافق مدير البيت الأول على بيع المساحة الفاصلة لصاحب البيت الثاني مقابل مبلغ كبير جد من المال، وأخبر سكان البيت أن هذا المبلغ سيساعدهم على بناء الحديقة المجاورة للبيت، وفتح باب جديد للبيت من جهتها.

ولكن: «كيف سيفتحون بابًا جديدًا في جهة أخرى من المنزل؟ ألن يجعلهم هذا الأمر ينفقون جزءًا من المال على الباب الجديد؟ وكم سيتبقى لبناء الحديقة؟ وكيف سيتنازلون عن جزء من أرض يملكونها ويستفيدون منها؟».

سأل أحد سكان البيت هذا السؤال، وتفاجأ بموافقة ساكن آخر على بيع الجزيرتين، حينها اختلفا، وأصبح أحدهم مؤيدًا (أي يوافق على البيع)، والآخر أصبح معارضًا (أي يرفض البيع).


اربط طفلك بالقضية

قل له: ماذا لو مثّلت شخصية الرافض للبيع، وكان أخوك هو الذي يوافق، وكنت أنا مدير البيت ثم بدأت التنفيذ بالاتفاق مع صاحب البيت الثاني على ترك الجزيرتين له، بالطبع سيفرح أخوك ويؤيدني وأنت ستحاول أن تشرح لي العواقب، وإذا لم أستمع إليك سترفض هذا الاتفاق وتقول إنني غير مهتم بمصلحة البيت بل أهتم بتنفيذ رأيي دون الاستماع لغيري. حينها سنجمع الآراء حول هذا الأمر، فتجد أخاك يؤيدني، ونحن عصبة وعددنا أكبر، حينها قد تقول إنني أفرّط في جزء من البيت لأجل جزء آخر غير مفيد، ويحتاج لجهد وعمل شاق، وقد لا يؤتي النتيجة المرجوة.

استكمل حديثك: قد أحاول إقناعك بأن هذا الأمر ليس تنازلًا عن أراضٍ من أراضينا بل إعادة «لرسم الحدود الفاصلة» بيننا وبين البيت الثاني، ونتجادل حول التسمية، ستحاول إقناع بقية أفراد المنزل برأيك وكذلك سيفعل أخوك، حينها سينقسم المنزل إلى فريقين.


ما قبل النهاية

ولأن من آداب التحاور والإنصات ألا يتحدث اثنان في وقت واحد؛ حتى يستطيع أن يسمع كل منهما الآخر بوضوح، فقد اقترح مدير البيت أن يقوم عدد من الأفراد بالحديث نيابة عن بقية سكان البيت من الفريقين المختلفين ثم دعاهم للجلوس على مائدة الطعام وسُميت هذه الجِلسة «مجلس النواب»، وقام هذا المجلس بمناقشة الأمر، ماذا تعتقد أن تكون نتيجة المناقشة؟ قد يقرر (مجلس النواب) الموافقة على قرار التنازل، حينها سيفرح المؤيدون وستغضب أنت ومن معك، وأقول أنا: إن أكثر الناس وافقوا وهذا (رأي أغلبية الناس). حينها ماذا ستفعل؟ وماذا سيحدث بعد ذلك.

واترك له التخيّل ووضع النهاية وفق ما يراه من وجهة نظره ثم انتقل للحديث عن بعض المفاهيم المتعلقة بالأمر.


ما هي الوطنية؟

هي فكرة معقدة، ولكن يمكن تفسيرها بكلمة واحدة: الفخر، وهي أن بلدًا أو أمة من الناس لديها فخر كبير بنفسها، وتريد حماية هوياتها من تدخلات خارجية. وهناك قائمة من الأشياء التي يمكن للآباء القيام بها لتعليم أطفالهم الوطنية، ومنها:

التصويت

لا تغفل التصويت في الانتخابات الوطنية أو المحلية، وخُذ الأمر على محمل الجد؛ حتى تعلّم طفلك ألا يتنازل عن حقه. وهو عمل بسيط تقوم به مرة كل عدة سنوات لكنه قد يترك انطباعًا لدى الأطفال.

المشاركة المجتمعية

اصطحب أطفالك إلى اجتماعات مجالس المدن أو التكتلات السياسية، وغيرها من المواقف التي يستمع فيها لأصوات تتحدث عن المصلحة العامة وليس الخاصة.

يمكن أن تساعد أطفالك على كتابة رسائل إلى مجلس مدينتهم أو عضو مجلس الشعب، وقم بإرسالها. اجعلهم يشاهدون مقتطفات من جلسات المجالس الوطنية، وكيف تتم مناقشة أمور الدولة في الجلسات.

الاحتفال بالأحداث الوطنية

مثل حرب 6 أكتوبر أو ثورة 25 يناير؛ ففي هذه الاحتفالات يكون الشعور بالفخر الوطني طبيعيًا عند الأفراد.

شراء علم البلاد

قم بشراء علم وثبّته في مكان جيد بالمنزل، وعلّم أطفالك تحية العلم والنشيد الوطني، واسند لهم مهام الحفاظ عليه ونظافته، وحاول أن تجعله يرفرف؛ فهذا الأمر البسيط يُشعر الأطفال بأن أمامهم كائنًا حيًا لا مجرد قطعة قماش جامدة ثم تحدث عن مشاعرك حول العلم، وكن قدوة لهم في احترامه.

مشاركة المحتويات الوطنية

كالأغاني الوطنية والأفلام والوثائقيات التي تتحدث عن تاريخ الوطن أو العظماء والأحداث التاريخية؛ فعلى مر السنين هذه الأمور تساعد على بناء الشعور الوطني، وجرعة صغيرة من الوطنية من الكتب والأفلام والموسيقى يمكن أن تساعد في بناء روح الوطنية في أطفالك.

استغلال العطلات الوطنية

كالذهاب إلى بانوراما حرب أكتوبر يوم الاحتفال أو إلى ميدان التحرير في ذكرى الثورة؛ فرؤية المواقع التاريخية هي وسيلة جيدة لبناء مشاعر الوطنية.

فيديو أمريكي عن معنى الوطنية:


س: كيف أنمي لدى طفلي الشعور بالوطنية والانتماء؟

ج: إليك بعض الأمور التي تساعدك:

1- تعلم التعهد بالولاء: في كثير من الأحيان قد تقول إنهم ليس لديهم فكرة عما يعنيه التعهد بالولاء، ولكن بترديد مصطلحات حب الوطن والتضحية والوطنية يتكوّن لديهم شعور بالحب للبلاد التي يعيشون بها.

2- النشيد الوطني: ھل یعرف طفلك ما یجب فعله عند عزف النشيد الوطني؟ إنها واحدة من الطرق لإظهار الوطنية لبلدنا. علّم طفلك أن يترك ما بيده ويقف معتدلًا متوجهًا للعلم مرددًا النشيد الوطني.

3- جنود الشرف: هناك العديد من الأبطال الشجعان الذين يخدمون في الجيش، أو خدموا في الماضي، عرّف أولادك كيفية تكريم الجنود الذين خدموا أو ماتوا تضحية لوطنهم، «لا يهم إذا كنت توافق أو لا توافق على ما كانوا يفعلون، ولكن الحقيقة أنهم على استعداد للموت من أجل حقوقنا».

يمكنك أن تستوقف جنديًا أو ضابطًا بالجيش لتسأله عن دوره في الوطن، واجعل طفلك يستمع لكلامه ويراك وأنت تُظهر له الاحترام.

4- مسؤولياتنا كمواطنين: علّم طفلك أن يكون مواطنًا صالحًا في بلده. تقول مونيكا ماكولي، معلمة بالصف الخامس في هامبتون الابتدائية في روتشستر هيلز: «كونك مواطنًا نشطًا ومشاركًا هو أفضل وسيلة لدعم بلدنا والحفاظ عليه قويًا، ونحن بحاجة إلى أن نفهم أن مشاركتنا أمر حاسم لنجاحنا كأمة».

5- الشخصيات والأماكن المهمة: هناك أشخاص ساهموا في تاريخ بلادنا بطرق مختلفة، وبعض الأماكن لها أهمية كبيرة للأطفال للتعرف على سيرة هؤلاء الأشخاص. اصطحب أطفالك إلى متحف واغتنم الفرصة لشرح أهمية المتحف أو أهمية شخصية تاريخية معينة، وحاول أن تربط الأمر بحياتك اليومية.


ما الفائدة من ذلك؟

كونك مواطنًا نشطًا ومشاركًا هو أفضل وسيلة لدعم بلدنا والحفاظ عليه قويًا، ونحن بحاجة إلى أن نفهم أن مشاركتنا أمر حاسم لنجاحنا كأمة. «مونيكا ماكولي
معلمة أمريكية بالصف الخامس»

في هذا العصر من الصعب إخفاء الأخبار عن الأطفال، سواء كانت جيدة أو مؤلمة. وفي يوم من الأيام عندما يهاجم أحد أرض بلدنا، ونفقد بعض القلوب الشجاعة، ستسمع طفلًا يقول إنهم كانوا وطنيين لأنهم أعطوا أرواحهم للبلاد، ولا شك أنه كلام صحيح ولكن الوطنية تعني أكثر من ذلك، ومن الضروري أن يعرف أطفالنا المعنى الحقيقي؛ لأن كل ما يتعلمونه الآن سيكون له تأثير عميق على عقولهم؛ فإنها لا تزال تشكّل تصورهم للأشياء من حولهم.

وفي حين أن البعض قد يرى الوطنية أمرًا عفى عليه الزمن، أو لا يعرف كيف يعلّم أطفاله الانتماء، إلا أنه لابد أن نتأكد من أننا بحاجة إلى تمرير مشاعر الوطنية لأطفالنا، ونتأكد من أن الجيل القادم سيكون له تجارب مماثلة كما كان لنا تجارب. واعلم أن الوطنية تساعد الأطفال على أن يشعروا بأنهم على اتصال بشيء أكبر من أنفسهم وأن هذا الاتصال يستحق الجهد.