نشأته وحياة أسرته المُضطربة

بحلول عام 1925 كانت مدينة أومها بولاية نبراسكا الأمريكية على موعِدٍ مع ميلاد الزعيم الأمريكي ذي الأصول الأفريقية «مالكوم إكس»، باسمٍ آخر غير الاسم المتداول، فكان اسمه الأصلي الحقيقي «مالكوم ليتل».

56c9f42655e9b1456075814
مالكوم إكس في عمر الطفولة

والده «إير ليتل» كان قسيسًا مسيحيًا من مذهب يُسمى «الباتيست»، فضًلا عن كونهِ ناشطًا سياسيًا في أكبر منظمة للسود آنذاك، وهي «الجمعية العالمية لتقدم الزنوج».

أما عائلته فكانت حياتُها سلسلةً من النكباتِ المتتالية، فقد شهِد والدهُ مقتل أربعة من إخوته الستة على يد البيض، فضًلا عن تعرضه لتهديداتٍ متكررة بسبب نشاطاته السياسية، ليُضطَر تحت هذا الضغط إلى الرحيل لولاية «ميشيغان» عام 1928 وبعد عدة أشهر أحرقت منظمة «KU Klux klan» منزل العائلة ليُضطروا على إثرها للرحيل مجددًا لضواحي مدينة «لانسنغ» في ولاية ميشيغان أيضًا.


مقتل والده وتقرير السلطات بانتحاره

«Ku Klux Klan» المنظمة التي كانت تُعرف في الولايات المتحدة آنذاك بأنها منظمة عنصرية بيضاء تقتل السود ممن لهم نشاط سياسي أو ممن يحاولون التحرر من سيطرتهم، ونظرًا لطبيعة نشاطها في القتل وخلافُه فقد كانت محظورة رسميًا بحسب القانون.

كان عُمر «مالكوم إكس» ست سنوات فقط حين تبنت المنظمة قتل والده بتهشيم رأسه، حيثُ وضعوه بطريق قطار ليدهسه ويُفارِق الحياة.

وتُصدِر السلطات في أعقاب الحادثة تقريرها بانتحاره.


الأم في مشفى للأمراض العقلية والأطفال بدور الرعاية

بمقتل زوجها أصبحت الأمُ أرملةً في سنٍ لا تتجاوز 34 عامًا لتعولَ سبعة أطفال، ما اضطرها للعمل خادمة في منازل الأكثرية البيضاء، ونظرًا لعلمهم بتاريخِ زوجها تلقت معاملةً سيئة على حد وصفهِ في مذكراته، فضلا عن منع السلطات في «ميشيغان» الإعانات المالية عنها.

جراء ذلك أُصيبت الأم بانهيار عصبي انتقلت على إثرهِ إلى مصحة للأمراض العقلية، وينتقل مالكوم وإخوته من رعاية الأم إلى رعاية الدولة التي وزعتهم على ملاجئ أطفال مختلفة.


التحاقه بالمدرسة وفصله منها

التحق مالكوم إكس بالمدرسة وهو في الخامسة من عمره، والتي كانت تبعد عن مدينته ثمانية أميال، ولكنه ونظرًا لافتقاده الرعاية والاهتمام عاش حياة تسكع وتطفل وسرقة، ليُطردَ بسببها من المدرسة وهو في السادسة عشرة من عمره.

استأنف بعدها السرقة والأعمال الإجرامية إلى أن قُبِضّ عليه في إحدى الجرائم وأُودِع سجن الأحداث واستكمل تعليمه الثانوي بالسجن.

تردد مالكوم على المدرسة الثانوية وهو في سجن الإصلاح، وشاركَ بالأنشطة الثقافية والرياضية بالمدرسة، كما أظهر تفوقًا في التاريخ واللغة الإنجليزية.


المحاماة وحلمه الذي تحطم على صخرة العنصرية

تخرج مالكوم إكس من المرحلة الثانوية بتفوق ملحوظ على أقرانه، وكان يطمح للعمل بالمحاماة لكنه لم يُكمل تعليمه وترك الدراسة بعد أن أخبره أحد مدرسيه ممن يربطه به ود، أن حلمه بالعمل محاميًا مُحال، كونه زنجيًا!

وملابسات هذا أنه في نهاية المرحلة الثانوية طلب مستر «ستراوسكي» من الطلاب التحدث عن أحلامهم وطموحاتهم، فتمنى مالكوم أن يُصبِح محاميًا، غير أن ستراوسكي نصحه ألا يفكر في المحاماة لأنه زنجي، وعليه أن يعمل نجارًا مثًلا لا مُحاميًا.

يذكُرُ مالكوم أن كلمات ستراوسكي كانت ذات وقعٍ أليم من نفسهِ، ذلك أنه شجّع بقية الطلاب على ما تمنوه واستثناه كونه زنجيا.

فترك الدراسة وتنقل بين الأعمال المهنية المختلفة التي تليق بالزنوج حينها.


السجن ونقطة التحول المفصلية في حياته

السجن الذي قضى فيه مالكوم إكس عقوبته، التقطت الصورة عام 1983

في عام 1946 قُبِضّ عليه في إحدى الجرائم وحُكِمّ عليه بالسجن عشر سنوات، انتقل على إثرها إلى سجن «آشارلزتاون»، فكانت حياته بالسجن امتدادًا لأفعاله خارجه إذ واصل الشغب والعنف والمشاجرات بالداخل كما كان حاله ذي قبل.

السجن الذي قضى فيه مالكوم إكس عقوبته، اُلتُقطت الصورة عام 1983

وبعد عامه الأول في السجن استجد أمران في حياته.. الأول هو المناقشات الفكرية التي كانت تدور بين السجناء، والآخر هو مقابلته «بيمبي» الشاب الأمريكي المثقف المحب للقراءة، والذي نصحه بأن حله ليكونَ إنسانًا نافعًا أن يمتلك معلومة وعلما وثقافة، فدلّهُ على مكتبة السجن.

استجاب مالكوم لنصيحة رفيقه وحلّ ضيفًا دائمًا على مكتبة السجن، يقرأ خمس عشرة ساعة يوميًا ويستكمل في المساء على ضوء المصباح في الممر حتى الصباح.

قرأ في الأديان ولمعظم فلاسفة الشرق والغرب، ودخل على إثرها نقاشات ومناظرات، أكسبته قدرة على مخاطبة الجماهير.


من التسكع والأعمال الإجرامية إلى الالتزام بدين.. رسائل إخوته

في عام 1948 وبعد انتقاله إلى سجن «كونكورد» راسله إخوته خارج السجن بمجموعة رسائل تُفيدُ باعتناقهم دين جديد للسود قادر على تخليصهم من سيطرة الشيطان الأبيض كما أسموه.

وكان عبارة عن أجزاء مُبعثرة من الإسلام كما روى مالكوم إكس لاحقًا، فقد قام رجل ادعى النبوة اسمه محمد فاراد ودعا له رجل اسمه إليجا محمد –وهو المؤسس الحقيقي لجماعة أمة الإسلام- في أمريكا.. Nation of Islam in America وكانت تؤمن بإلهين، إله للخير أسود اللون، وآخر للشر أبيض اللون.

وكانت الصلاة لديهم على «الكراسي» ومرتين فقط في اليوم، مرة بالنهار وأخرى بالليل، ويدفعونَ الزكاة لـ «إليجا محمد»، وبالنسبة لفريضة الحج فمن لم يستطع السفر لمكة يذهب لقصر إليجا محمد بشيكاغو، والصوم لا يكون برمضان، وإنما في عيد «الكريسماس» إضافةً لإيمانهم بالتوراة والإنجيل إضافةً للقرآن.

قبِل مالكوم إكس فكرة إخوته وباشر بالدعوة لأمة الإسلام داخل السجن، فكان يدعو أقرانهُ للانضباط، ذم الغش، وحث على تجنب السرقة، وغيرها من القيم التي دفعت إدارة السجن للإفراج عنه بعد سبعة سنوات من القبض عليه، ولم يُكمل العقوبة لاعتداله وحُسن سلوكه.


مُتحدثًا باسم جماعة «أمة الإسلام»

نظرًا لامتلاكه قدرات تنظيمية وخطابية خاصة تدرج مالكوم إكس في المسئوليات والدرجات التنظيمية لأمة الإسلام إلى أن أصبحَ الداعية الأول خلف مؤسس الجماعة، ليتلقد بعدها منصب المتحدث الرسمي للحركة، لما له من فضل في زيادة أتباع المنظمة من 500 شخص في عام 1952 إلى 30000 شخص في 1963.


رحلة الحج والتغيير الجديد في حياته

في عام 1964 قرر مالكوم إكس السفر إلى مكة، ليس لأداء فريضة الحج وإنما لجمع التبرعات لجماعة أمة الإسلام، قضى حينها بمكة اثني عشر يومًا فقط ليكتشف هناك أن الجميع يعبد إلهًا واحدًا، ويلمس الفارق بين الإسلام بمكة وبين ما هو عليه من أفكار أمة الإسلام، ليُعلق لاحقًا على ذلك بقوله: «لم أشهد في حياتي أصدق من هذا الإخاء، بين أُناس من جميع الألوان والأجناس، أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام، لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية».

وعقب انتهائه من أداء فريضة الحج اتجه إلى مصر ليلتقي بشيخ الأزهر «حسانين مخلوف»، وقرر تعلم المزيد عن الإسلام الحقيقي من

علماء الأزهر، وهناك أعلن إسلامه من جديد، وغيّر اسمه إلى «الحاج مالك الشباز».

وفور عودته إلى أمريكا أعلن براءته من مبادئ أمة الإسلام، مؤسسًا لجماعة جديدة أسماها جماعة أهل السنة، وحدد مبادئ الحركة في نقاط أهمها:

– المشاركة السياسية في الانتخابات الأمريكية، إذ كانت أمة الإسلام أمرت بمقاطعتها.

– العمل على تشكيل الكتلة الانتخابية السوداء لإنجاح مرشح أو إفشاله.

– من حق السود الحصول على حقوقهم بالضغوط السياسية أو العنف.

وأعلن هذا المبدأ في خطاب شهير له بمدينة ديترويت عام 1964 وفيه إنذار شديد للسياسين البيض الذين سيصوت لهم هو وكتلته.. إما أن يلتزموا بوعودهم أو يواجهوا العنف، وإذا لم يُعدّل النظام السياسي بحيث يكون بصدق عادلا مع قضايا السود واحتياجاتهم، فإنه لم يعد أمام السود إلا التوقف على استعمال الأصوات واللجوء إلى البنادق.. وكان شعاره «الاقتراع أو الرصاصة».


من مناصرة أمة الإسلام، إلى الدعوة للإسلام السني.. رسالة مالكوم إكس إلى زوجته ورفاقه في الحج

في أثناء وجوده بمكة وبعد مراجعته لأفكار أمة الإسلام، واعتناقهِ الإسلام الصحيح كما يروي مالكوم في مذكراتهِ التي كتبها «ألكس هالي» عام 1964، أرسل مالكوم إكس رسالة لزوجته ورفاقهِ نصّت على الآتي:

«في جدة في المملكة العربية السعودية في طريقي لمكة، تذكرت كلمات الله: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ».

من مكة مدينة الإسلام المقدسة كتبت لأصدقائي بأمريكا، لم أشهد مثل هذا الترحاب وهذه الأخوة الصادقة، التي أراها تمارس على هذه الأرض العتيقة المقدسة، أرض سيدنا إبراهيم، وسيدنا محمد، وأرض كل رسل الله العظيم، ربما تُصدمون لأن هذه الكلمات تصدر مني، ولكن ما رأيته يدفعني لأعيد ترتيب معظم أنماط تفكيري التي عشتُ بها، وأن أُلقي بمعظم استنتاجاتي السابقة.

خلال الأحد عشر يومًا الماضية أكلت من نفس الطبق وشربت من نفس الكوب ونمت على نفس الأرض وصليت لنفس الإله مع إخوتي المسلمين الذين تنوعوا ما بين الأعين الزرقاء والبشرة الفاتحة وذوي الشعر الأصفر وأصحاب البشرة البيضاء تمامًا.. كنا جميعا متساوين.. لا فرق بيننا لأنهم يؤمنون بصدق بإله واحد أزال رعونة تصرف البيض من عقولهم، ومن سلوكياتهم ومن تصرفاتهم، مرتديًا زي الحج أديتُ السبعة أشواط طائفا بالكعبة وشربت من بئر زمزم وسعيت بين الصفا والمروة ووقفت على جبل عرفات مع أخي خاضعين ملبين «لقد جئت يا إلهي.. لبيك اللهم لبيك.. الله أكبر.. اهدنا يا رب بسلام».

ولأول مرة بعد تسعة وعشرين عامًا قضيتها على هذه الأرض وقفت أمام خالق كل شيء وشعرت أني إنسان كامل».

أخوكم المخلص.. الحاج مالك الشباز (مالكوم إكس).


مقتله وتبعاته

440px-Wisconsin_State_Prison_Cell_BlockWisconsin_State_Prison_Cell_Blocks
440px-Wisconsin_State_Prison_Cell_BlockWisconsin_State_Prison_Cell_Blocks

في الحادي عشر من فبراير العام 1965 وفي أثناء إلقائه خطابًا وسط أتباعه قام ثلاثة مُسلحين بإطلاق ست عشرة رصاصة استقرت في جسده ليسقط مالكوم إكس على إثرها قتيلا عن عمر 40 عاما.

ترتب على مقتله عدة أمور، أهمها؛

– تكوين جماعة من السود باسم «الفهود السود» تبنت الدفاع عن حقوقهم بالعنف.

– تغيير قانون الانتخابات الأمريكية الذي كان يشترط النجاح في اختبار قراءة للمشاركة في التصويت، ولأن السود لم يكونوا قارئين فيتم استثناؤهم، فصدر القانون الجديد عام 1965 باسم قانون «حق التصويت» ليُعطي الجميع حق التصويت بالتساوي.

– وقف إطلاق كلمة negro أو زنجي على الأمريكيين السود.

– نتيجة لحركته وفي عام 1975 وبعد وفاة «إليجا محمد» خلفه ابنه «وارث الدين محمد» الذي حل وألغى «أمة الإسلام» عام 1976 ليُعيد أعضائها البالغ عددهم 200000 أو يزيد إلى الإسلام السني، وغيّر اسمها إلى «الجمعية الأمريكية للمسلمين».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. The Autobiography of Malcolm x – was written by Alex Haley between 1964 and 1965