من مضايا إلى ما بعد حلب والموصل، تخطو إيران على جثث الأطفال الأبرياء، نحو تحقيق حلم التمدد، فتقيم على ركام الحرب دويلات الفتنة والطائفية، فمع اقتراب نهاية 2016 يوضح مؤشر التمدد الإيراني إلى أن إيران تمددت على المستوى الأفقي والرأسي في بلدان العرب المنكوبة.

فالبرغم من أن عام 2016 شهد صراعا حادا بين المملكة السنية والجمهورية الإسلامية على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، وحادثة الحج الأليمة، إلا أن التمدد الإيراني فاق ما تخيلته المملكة، فما الذي تسعى خلفه إيران؟ وكيف أمدت أذرعها بين العرب في 2016؟


ما الذي تسعى خلفه طهران؟

لا يمكن فهم الدور الإيراني التدخلي في بلاد العرب، دون التطرق إلى الإستراتيجية الإيرانية العشرينية والتي تبنتها الجمهورية الملالية في 2005، والتي تحمل رؤية للدور المستقبلي لإيران في منطقة الشرق الأوسط وجنوب وغربي آسيا في الفترة الممتدة من 2005 إلى 2025. وتستهدف هذه الإستراتيجية إلى جعل إيران بمكانة القائد الأعلى للمنطقة الشرق أوسطية، وأن تصبح مصدرا لإلهام العالم الإسلامي اقتصاديا وتقنيا.

سعت إيران إلى توظيف قوتها الناعمة والصلبة لتحقيق هدفها الأسمى، ففي مرحلة ما قبل ثورات الربيع العربي، عملت إيران إلى توظيف خطابها السياسي وسياستها الدبلوماسية لدعم عدد من القضايا التي أكسبها العديد من المؤيدين لها. فقد حمل خطابها لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية، ودعم فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية على المستوى السياسي والعسكري، فيما تبنت خطابا معاديا لأمريكا وإسرائيل، كما عملت أيضا على اتخاذ موقفا مناصرا للأنظمة الممانعة للتطبيع مع إسرائيل مثل النظام السوري.

لكن مع انطلاق موجات الربيع العربي سعت طهران إلى إحداث تغيير استراتيجي لمواقفها تجاه القضايا الإقليمية، خشية من تصدير ثورات الربيع العربي إلى الداخل الإيراني،كما أنها رأت أن التخلص من الأنظمة السياسية الممانعة لتصدير الثورة الإيرانية إلى بلدانها فرصة لتمديد نفوذها إلى الداخل العربي ومواجهة الصعود السني.

غذت إيران الطائفية والفوضى الخلاقة في عدد من الدول العربية، مستفيدة من المظلومية التي تعاني منها بعض القوى الشيعية في تلك البلدان ،فضلا عن الصعود الجهادي السني

و مع تزايد موجات الربيع العربي حدة في2011، سرعان ما باركت طهران بعضها على اعتبارها امتدادا للثورة الإيرانية، خاصة مع صعود بعض القوى الإسلامية في عدد من الأقطار العربية.


كيف تسعى طهران تحقيق ما تنشده؟

ولكن مع انطلاق الثورة السورية في 2011، اتخذت إيران موقفا حذرا من تلك الموجات في السنوات الأولى للربيع العربي، ولكن سرعان ما تحول هذا الموقف الحذر إلى تدخل بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال وكلائها في البحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن من أبناء الطائفة الشيعية.

فقد عملت طهران على تغذية الطائفية والفوضى الخلاقة في عدد من الدول العربية، مستفيدة من المظلومية التي تعاني منها بعض القوى الشيعية في تلك البلدان نتيجة التهمييش السياسي والاقتصادي لها، كما كان للصعود الجهادي السني مبررا للتدخل الإيراني في الشئون العربية بشكل لافت خاصة بعد إعلان البغدادي خلافته في العراق وسوريا، وهو ما يمثل تهديدا للكيانات الشيعية في تلك البلدان. وقد تعددت الأذرع التي استخدمتها إيران لتنفيذ أهدافها الحيوية في المنطقة ومنها:


الحشد الشعبي: حصان إيران الرابح

الحشد الشعبي ثروة ورأس مال كبيران لحاضر العراق ومستقبله
علي خامنئي: المرشد الأعلى للثورة الإيرانية

لاقى الحشد منذ الوهلة الأولى له في العراق _في أعقاب دعوة السستاني للجهاد الكفائي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في 13 يونيو/حزيران 2014_ تأييدًا رسميا من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي والذي اعتبر الحشد جيشا موازيا للقوات العراقية، فحظي التنظيم الوليد بامتيازات مماثلة للمقاتلين في صفوف الجيش والشرطة العراقية، فخصصت لهم رواتب ومخصصات مالية ضخمة بلغت 6 تريليون عراقي في 2015.

لعب الحشد دورا بازا في تحرير العديد من المناطق العراقية من قبضة دولة البغدادي منذ تأسيه، فبات من أقوى الميليشات العسكرية في العسكرية لا يمكن الاستغناء عنه في تحرير العديد من المناطق العراقية، ولكنه مع ذلك ألقي باللوم على الحشد سياسته الطائفية الدموية ضد سنة العراق في عدد من المحافظات التي تم تحرريها مثل ديالي.

http://gty.im/466707674

وبالرغم من أن عام 2016 شهد صراعا هادئا بين الحشد ورئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي الذي خشي من تزايد قوة الحشد العسكرية، فكان أميل من البداية إلى تقنيين قوة التنظيم المادية والعسكرية، فعكف إلى خفض مخصصات التنظيم المالية إلى تريليون عراقي بدلا من 6 تريليون في بداية العام.

وسعى جاهدا إلى عدم إشراك الحشد في تحرير مدينة الموصل والرمادي وإقالة أبو مهدي المهندس من رئاسة الحشد الشعبي، إلا أنه تراجع عن ذلك في المنتصف الثاني لعام 2016، ليشارك الحشد بقوة في القتال ضد داعش بالموصل على عكس التوقعات، فيما تزامن مع ذلك إصدار مجلس النواب العراقي قانون «هيئة الحشد الشعبي» في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، والذي أفضى بدمج قوات الحشد الشعبي ضمن القوات العراقية تحت لواء القائد العام للقوات المسلحة.

بإندماج الحشد ضمن القوات العراقية تكن إيران قد مدت من نفوذها داخل السلطة العراقية، فلم يعد نفوذها يقتصر فقط في دعم الحكومة العراقية سياسيا وتقنيا، ولكن سيكن للحشد تأثيرا في صنع القرار العسكري داخل العراق الذي لطالما مثل تحديا أكبر لإيران وتوسعاتها أبان حكم صدام.


الحوثيون الذين لم ينحنوا في وجه «عاصفة الحزم»

تشهد اليمن سنوات عجاف، يتسابق فيها الجوع والسلام، تروى أرضها بالدماء لا الماء، قتل فيها الأطفال الأبرياء. فقد أزهقت الحرب الدائرةزهاء 6900 شخص وإصابة 35 ألفا، و أدت إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين منذ مارس/آذار 2015 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2016، فيما يهدد الجوع أكثر من 14 مليون يمنى _نصفهم من الأطفال، وأكثر من 19 مليونا لا يحصلون على مياه صالحة للاستخدام الآدمى.

بالرغم من القوة الغير نظامية للحوثيين وضألة التسليح مقارنة بتسلح التحالف العربي الداعم للجيش اليمني، إلا أن الحوثيون مازالوا صامدون في الحرب، فلماذا؟

يرجع الكثير من المحللين إلى أن صمود الحوثيين لأكثر من عامين في وجه القوات العربية، إنما يعزو إلى حصول الحوثيين على الأسلحة التي كان يمتلكها الجيش اليمني في مرحلة ما قبل ضربات التحالف العربي، بالإضافة إلى الأسلحة الواردة إليه ليس فقط من الدعم الإيراني ولكن من السوق السوداء للأسلحة. بالإضافة إلى الطبيعة الجغرافية والتضاريسية لليمين والتي تطيل زمن الحرب.

يعتمد أيضا الحوثيون على حاضنة شعبية من القبائلية والطائفية في محافظات الشمال تمثل تغذية عكسية لقواته، خاصة في الوقت الذي يعتبر البعض فيه التدخل السعودي ما هو إلا شكلا من أشكال الاحتلال العربي لليمن.

في الوقت نفسه يسعى الحوثيون ورفاقهم إلى تعظيم مكاسبهم السياسية في مفاوضات ومبادرات السلام والتي انطلق منذ بدايات عام 2015، والتي أبرزت قدرة المتمردين على التفاوض وفرض شروط على أرض الواقع، ومنها تشكيل حكومة إنقاذ وطني عن طريق المجلس السياسي الأعلى في خطوة لتعزيز قدرات الحوثيين التفاوضية.


كيف انتصر حزب الله لإيران في لبنان؟

انتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية في لبنان، هو «انتصار لنصر الله والمقاومة وأصدقاء إيران»
http://gty.im/79584439

على غرار الحشد الشعبي تسعى إيران إلى مد نفوذها داخل لبنان عبر فارس المقاومة «حزب الله اللبناني» الذي لم يقتصر دوره في تأمين مصالح إيران في سوريا فقط ولكنه يعمل على تدعيم المد الشيعي في لبنان مهد تنظيمه.

لم تكن بداية العام مبشرة بالنسبة للبنان بشكل عام وحزب الله بشكل خاص، وبدأ أن الدائرة بدأت تلتف حول التنظيم الذي بدأ يخسر كثيرا من أخلاقيات المقاومة التي أكسبته جمهورا لا بأس في أعقاب حرب تموز 2006.

ففي البدء ورط حزب الله لبنان في أزمة اقتصادية داخلية على خلفية الأزمة الدبلوماسية التي نشأت بين المملكة العربية السعودية ولبنان في فبراير 2016، عندما قامت الأخيرة بتعليق المساعدات المالية للجيش اللبناني والمقدرة بثلاث مليارات دولار، ويعزو هذا القرار إلى الدور العسكري لقوات حزب الله المساندة لنظام الأسد في سوريا.

فيما سعى مجلس التعاون الخليجي في مارس 2016 إلى إدراج حزب الله على قائمة «المنظمات الإرهابية»، ومن ثم فرض عقوبات على مؤسسات ورجال أعمال لهم علاقة بالحزب.

أما الأزمة الأخرى التي أظهرت الدور الإيراني وذراعها حزب الله هي أزمة الفراغ السياسي والتي استمرت لأكثر من عامين ونصف، كان حزب الله وفقا لكثير من المحليين والسياسيين اللبنانيون هو المسئول الأول عن هذا الفراغ.

ولكن مع نهايات العام الحالي استطاعت إيران انتخاب الجنرال ميشيل عون وهو حليفا لحزب الله كرئيسا للبلاد، وهو ما يشير إلى قوة التأثير والنفوذ الذي يتمتع به حزب الله في لبنان وصناعة القرار السياسي، وهو ما يختصره مستشار خامنئي للشئون الدولية علي أكبر ولايتي حينما أكد على أن انتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية في لبنان، هو «انتصار لنصر الله والمقاومة وأصدقاء إيران».

يحاول أيضا حزب الله الحفاظ على مكتسباته من انتخاب ميشيل عون وحكومة سعد الحريري، إلى تأكيده على ضرورة الشراكة لا السيطرة والحفاظ على الاستقرار السياسي في لبنان، متبنيا موقفا إيجابيا من قانون الانتخابات القائم على النسبة لا الأكثرية، وهو ا يبرر أن الحزب يسعى لزيادة دوره السياسي في المرحلة المقبلة.

أقر أيضا:الحشد الشعبي هل يدخل الخليج بأمر المرجعية


سوريا : ميليشيات إيران تحرز النصر باسم الأسد

مثل النموذج السوري أحد أبرز أشكال تدخلات إيران المباشرة في الشأن العربي الداخلي ومنبعه حماية الأمن القومي لإيران، وتأمين حدود إيران من المد الثوري والديمقراطي العربي.

فقد سعت إيران منذ بدء الثورة السورية في 2011 إلى محاولة دعم ومساندة الشريك الاستراتيجي لها بشار الأسد، ولكن منذ البداية عملت على المساندة الهادئة المتدرجة،فكان لحزب الله دورا محدودا سريا، ولم يعلن عن هذا الدور إلا في معركة القصير 2013 أي بعد الثورة بعامين. وقد تعددت مبررات حزب الله في تورطه في الصراع السوري كونه مدافعا عن القرى اللبنانية الملاصقة لسوريا، وحماية المواقد الشيعية، وقتال التكفيريين.

ولم تقتصر المشاركة الشيعية في سوريا على حزب الله فقط، ولكن تشكلت ميلشيات فاطميون الأفغانية وزينبون الباكستانية وغيرها من الميلشيات المن شيعة العراق. ويقدر عدد المقاتلين الشيعة في سوريا ما بين 15 ألف إلى 25 ألف.

نجحت الميلشيات الشيعية بجانب القوات السورية والروسية في تحقيق العديد من الانتصارات الميدانية في سوريا كان أخرها مدينة حلب، وهو ما يطرح عددا من الأسئلة أهمها ما هو حدود دور تلك الميلشيات في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع؟.


أمراء الجاسوسية الإيرانية

فلا ينبغي أن ننتظر حتى يأتي العدو إلى داخل بيتنا لنفكر بالدفاع عن حياضنا.

لم تقتصر الأدوات التي وظفتها إيران لتحقيق استراتيجيتها التمددية في المنطقة على المنظور العسكري التدخلي المباشر أو غير المباشر، ولكن أيضا سعت أيضا توظيف الجاسوسية في عدد من دول الخليج العربي من الكويت إلى المملكة العربية السعودية، مرورا بالإمارات وبقطر.

ويمكن إجمالا تقييم الدور التدخلي الإيراني فيما قاله المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بأن الخصوصية للمدافعين عن مراقد أهل البيت تكمن في امتلاكهم البصيرة، والتي يقصد بها الدفاع عن أمن إيران بقمع العدو في حدوده، فلا ينبغي أن ننتظر حتى يأتي العدو إلى داخل بيتنا لنفكر بالدفاع عن حياضنا.


ما لا يدركه نظام الملالي

إن كان أمراء الحرب قد نجحوا في ترسيخ الوجود الإيراني في المنطقة العربية، وعملوا على حماية بعض مصالحها، فإن إيران تتناسى الخطر الأكبر الذي يمكن أن يعصف بها، وهو تدهور الوضع الداخلي من تزايد القبضة الاستبدادية وكبت الحقوق وسجن الحريات، واحتقان الطائفية، وهو ما قد يعيد الثورة الخضراء إلى ميدان طهران مرة أخرى.

إن صناعة الدول القائمة على الطائفية والعنف لا يمكن أن تكون ظهيرا سياسيا أو عسكريا على المدى البعيد، لغياب القدرات البشرية والمادية التي التي تآكلها نيران الحروب وبالتالي تقبع في دور الباحث عن مساند، ومن ثم فالعول على دور الميلشيات مستقبلا ربما سيكلف إيران الكثير ماديا وبشريا.

المراجع
  1. يوسف فخر الدين، وآخرون، سوريا عصر أمراء الحرب وعودة الحمايات والوصايات، مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية
  2. علي آلفونه و مايكل آيزنشتات، الضحايا الإيرانيين في سوريا ومنطق التدخل الاستراتيجي، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني
  3. يوسف فخر الدين: وآخرون، إيران وأتباعها (1): الميليشيا الشيعيّة في سورية، مركز حرمون للدراسات المعاصرة
  4. ما سر صمود الحوثيين أمام ضربات التحالف الموجعة، الجزيرة نت
  5. سباق الجوع والسلام في اليمن، RT
  6. مهند الحاج، في لبنان نفوذ إيراني لا سيطرة كاملة، المدن
  7. إسلام المراغي، هل يدخل الحشد الشعبي الخليج بأمر المرجعية، إضاءات
  8. محمد عمر، الحشد الشعبي من الميليشيوية إلى التقنين، إضاءات