محتوى مترجم
المصدر
ِAEON
التاريخ
2017/03/28
الكاتب
توني كريستي

تمتع أعضاء الجمعية الملكية البريطانية، في الحادي عشر من يناير عام 1672، بعرض خاص لتيلسكوب إسحاق نيوتن العاكس للأشعة، الذي اعتمد على المرايا لتشكيل الصور بدلًا عن العدسات التي تم استخدامها منذ عصر جاليليو. أشاد أعضاء الجمعية، بعدها، بنيوتن كمخترع تلك الأداة الجديدة المدهشة، وهو حدث يُعزا إليه إلى الآن. لكن، هذه الرواية التاريخية الخطية تخفي قصة أكثر إثارة وتعقيدًا. فقد تم تحدي حق نيوتن في المطالبة بهذا الشرف بالنيابة عن منافسين آخرين هما جايمس جريجوري ولوران كاسغرين.

الأكثر مدعاة للارتباك، أن أقدم مفهوم معروف لنا يستخدم مرآة منحنية لتركيز الضوء يسبق نيوتن بألف وخمسمائة عام بينما يأتي التحقيق النهائي لنسخة عملية لتيليسكوب عاكس للأشعة بعده بأكثر من نصف قرن.

يمكننا تقفي أثر عرض المبدأ البصري وراء التيليسكوب العاكس حتى أبحاث هيرو السكندري، مخترع ورياضياتي من القرن الأول، في علم المرايا catoptrics. حيث برهن قدرة مرآة منحنية مكافئة القطع parabolic أن تركز الأشعة المتوازية الواردة إليها لتخلق صورة. ليس هناك دليل على ما إذا قام هيرو ببناء بصريات عاكسة حقيقية. لكننا، اليوم، نرى مبدأ هيرو على أسطح المباني ممثلًا في أطباق الأقمار الصناعية، التي تركز موجات البث الإذاعي إلى إشارة ارتكاز ضيقة.

تظهر قصاصات عن الخصائص التركيزية للمرايا المنحنية في أعمال متخصصي علم البصريات المسلمين في العصور الوسطي، ربما أجدرهم بالذكر أطروحة الباحث الفارسي أبي سعد العلاء بن سهل. يبدو، لسوء الحظ، أن عمل ابن سهل لم يحظ بشهرة واسعة أو أحدث تأثيرًا ملموسًا ولم يعُد اكتشافه إلا في القرن العشرين. على العكس، كان هيرو السكندري من المخترعين المفضلين لفناني/مهندسي عصر النهضة الإيطاليين، لهذا لا تمثل لنا مفاجأة أن مبادئ التيليسكوب العاكس تظهر مرة أخرى في مخطوطة غير منشورة لليوناردو دافينشي. لكن ظل إهتمام ليوناردو إفتراضي، بدون أي محاولة فعلية لبناء تيليسكوب مشابه.

يذهب هذا الشرف إلى عالم الفلك اليسوعي الإيطالي نيكولا زوشي، الذي أخبرنا في كتابه فيلاسوفية البصر (1652) عن قيامه ببناء تيليسكوب باستخدام مرآة برونزية منحنية في 1616. احتاجت الصورة المتكونة عند نقطته المحورية أن تُضخم لتكون مرئية. حقق زوشي هذا بتمرير الضوء خلال عدسة مصنعة لأجل تيليسكوب تقليدي كاسر للأشعة conventional refractor telescope، لكنه وجد أن الصورة الناتجة مشوهة بما يتعدى القدرة على التعرف عليها.

اكتشف نيكولا مشكلة ضخمة في التيليسكوبات العاكسة للأشعة: صقل وجلي مرايا التيليسكوب المعدنية المنحنية أمر غاية في الصعوبة، حيث أي خطأ يشوب سطح المرآة ينتج عنه ستة أضعاف حجم التشويه في الأشعة المنعكسة عما ينتج من خطأ مماثل يشوب عدسة. حيث إنحناء الضوء في العدسة يقلل من تأثير العيوب، بينما المرآة تضخمه.

حتى ما إذا نجح، احتوى تيليسكوب زوشي على مرآة واحدة فقط، مما لا يجعله تيليسكوبًا عاكسًا كاملًا. حيث لابد أن تحتوى كل التيلسكوبات العاكسة الحقيقة على مرآتين على الأقل: مرآة رئيسية تقوم بتكوين الصورة، ومرآة ثانوية تقوم بإصدار الصورة خارج جسم التيلسكوب.

تظهر أول المخططات لبناء تيليسكوبات عاكسة ذات مرآتين في كتاب تناغم العالم (1636) لمؤلفه الرياضياتي والفيزيائي الفرنسي مارين ميرسينيه. إلا إنه لم يحاول أبدًا أن يحقق تصاميمه على أرض الواقع، غالبًا لعلمه بصعوبات تشييد مرايا مكافئة القطع.

اقرأ أيضا/ طريقك إلى العالم السحري: كيف تشتري تيليسكوبك الأول؟

عند هذه النقطة فقط يظهر إسحاق نيوتن في خط الأحداث. تمكن نيوتن، قرابة عام 1668، من إنتاج تيليسكوب عاكس للأشعة عامل باستخدام مرآة مصنعة من خليط معدني،من تصميمه، مكون من النحاس، القصدير والزرنيخ. تحايل نيوتن إلى حد ما، حيث قام ببناء مرآة دائرية لا يمكنها إنتاج صورة دقيقة تمامًا لكنها أسهل كثيرًا في صقلها وجليها من مثيلتها مكافئة القطع . على الرغم من ذلك، لا يصح أبدًا أن ننتقص من قدرات نيوتن الحرفية. فقد تمتع تيليسكوبه بقوة كافية لرؤية أقمار المشترى الأربعة الكبرى. فقد كان بنفس قوة العديد من التيليسكوبات الكاسرة للأشعة في ذلك الوقت وأصغر منها حجمًا بكثير.

قبل سنوات من عرض نيوتن لآلته علنًا، نشر الرياضياتي والفيزيائي الأستكلندي جايمس جريجوري، في كتابه تقدم علم البصريات optica promota عام 1663 تصميمًا مختلفًا قليلًا لتيليسكوب عاكس للأشعة يستخدم مرآة رئيسية مكافئة القطع وأخرى ثانوية بيضاوية. وقد حاول بالفعل بناء جهازه، على العكس من ميرسينيه، الذي كان بالفعل تيليسكوبا عاكسا حقيقيا ذا مرآتين على العكس من تصميم زوشي. لم يستطع جريجوري تحقيق الجودة اللازمة لإنتاج صورة يمكن استخدامها، على الرغم من توظيفه لريتشارد رييف، أفضل صانعي العدسات بلندن، لصنع مراياته.

يُزعَم أن منافس نيوتن، روبرت هووك، نجح في إنتاج تيليسكوب عاكس للأشعة عامل مرتكزًا على تصميم جريجوري عام 1674، لكنه لم ينتج إلا قطعة واحدة ولم تنج حتى زمن لاحق. كان هووك، قبل هذا بسنتين، هو من قدم حق جريجوري بالأسبقية على نيوتن.

نشر الفيزيائي الفرنسي جان باتيست دينيس، عام 1672، خطابًا في دورية فرنسية يطالب فيه بحق الأسبقية لمواطن بلده لوران كاسغرين الذي قام، هو أيضًا، بوضع تصميم لتيليسكوب عاكس للأشعة. لا نعرف إلا القليل عن كاسغرين، فنحن لا نعرف إذا ما حاول هو أو أي شخص آخر بناء تيليسكوبه في القرن السابع عشر. فتصميمه، يستخد مرآة رئيسية مكافئة القطع وأخرى ثانوية زائدة القطع hyperbolic يتسم بصعوبة خاصة في الصنع.

لم تقد تصميمات جريجوري وكاسغرين، مباشرة، إلى آلات مفيدة. لكن نيوتن كذلك أيضًا، فلم يتمكن من توسيع نطاق مرآته الدائرية بشكل فعال، مما قصر تصميمه على كونه مثارًا للفضول العلمي، على الرغم من تمتع التيليسكوب العاكس للأشعة بالعديد من المزايا على نظيره الكاسر للأشعة.

بُليت التيليسكوبات العاكسة للأشعة المبكرة بمشكلتين بصريتين رئيستين عُرفتا بالزيغ الكروي والزيغ اللوني spherical and chromatic aberration. فبداية، العدسة البسيطة النوع الوحيدة التي تتيحها تقنيات القرن السابع عشر، يأتي سطحها المنحني كمقطع من جسم كروي، مما لا يمكنها من تركيز الضوء في نقطة واحدة، فينتج عنها صورة مشوهة. يمكن التقليل من تأثير هذا الزيغ الكروي باستخدام عدسات ذات أبعاد بؤرية بالغة الطول، لكن هذا الحل أدى إلى تيليسكوبات أطول وأقل عملية. ثانية، كانت مشكلة الزيغ اللوني هي ما حثت نيوتن على تطوير تيليسكوبات عاكسة للأشعة في المقام الأول. فكل لون من ألوان الضوء ينحني، عند مروره خلال العدسة، بزاوية مختلفة بعض الشيء. يبدو تأثير هذا مبهرًا في قوس قزح. لكن عندما يحدث هذا في تيليسكوب عاكس للأشعة، الصور ذات الضوء الأحمر تتكون على بعد ضئيل من الصور ذات الضوء الأزرق وهكذا، مما يؤدي إلى عدم وضوح الصورة مع تكون هدب لونية coloured fringes.

من المفترض أن ينتج تيليسكوب عاكس للأشعة، دون عدسات، صورة أوضح وأكثر حدة من نظيره التيليسكوب الكاسر للأشعة. غير أن ذلك لم يتحقق حتى عام 1721 عندما تمكن المخترع الإنجليزي جون هادلي من تنفيذ تيليسكوب نيوتن العاكس للأشعة على نطاق واسع (دون عدسات نيوتن كروية التصميم). اختبره أعضاء الجمعية الملكية أمام تيليسكوب كريستيان هيجنز الكاسر للأشعة البالغ طوله 120 قدمًا، ثم أعلنوه أفضل وأكثر تفوقًا. تمكن هادلي، لاحقًا، من إنتاج نسخة عاملة من تيليسكوب جريجوري أيضًا. والأهم من ذلك، أنه استطاع أن يطور طريقة قابلة للتكرار لصقل وجلي المرايا المعدنية، كما قام بتدريب رواد الحرفيين في ذلك الوقت بحيث يمكن إنتاج تيليسكوبات عالية الجودة بشكل تسلسلي.

اقرأ أيضا/ تيليسكوب الصين العملاق يبدأ البحث عن كائنات فضائية

تستخدم كافة المراصد الفلكية الرائدة، اليوم، بالإضافة إلى تيليسكوب هابل الفضائي، بصريات عاكسة للأشعة. من يمكننا أن نعزو إليه فضل هذا التقدم؟ هيرو، لخاطر تصوره؟ زوشي، لخاطر محاولته بناءه؟ نيوتن، لخاطر نموذجه الأولي الناجح؟ أم هادلي، الذي جعل التيليسكوب العاكس للأشعة قابل للتطبيق؟ كلهم كانوا ضروريين، لكن لم يكن عمل أحدهم بمفرده كافيًا.

العبرة هنا تنطبق أبعد بكثير من سيناريو الاختبار هذا. لأن اعتبار شخص واحد، فيما يخص تقريبًا أي جهاز، هو المخترع، مثير للمشاكل على أقل تقدير. فالتصور، البيان العملي والتطبيق يمكنهم أن يكونوا مراحل مختلفة تمامًا، والمسار الذي يصل بعضهم بعضًا عادة ما لا يكون خطًا بل دربًا طويلًا، ملتفًا ومليئًا بالتحديات.

Aeon counter – do not remove
Aeon counter – do not remove